الأنثى كاملة في موائد حنين فواغى القاسمى هشام الصباحي مشاعر الأنثى الصافية والمشتعلة والتي من فرط صدقها يشاركها الكون كله ويتفاعل معها للتوحد في الحالات المختلفة من حزن وفرح وعشق وكره ..انه الكون بكل تفاصيله التي تتفق وتصنع مع الشاعرة فريق إنساني واحد يشاركها في كل شئ حيث النهر يتوجع ,وقلب الطفل مخترق بالعشق,والنوافذ تحترق, حتى تكون الشاعرة والألم توأمان,يعتبر هذا هو الفهم الأولى الذي يمثل بدرجة ما وليست نهائية مفتاح التعرف على عالم الشاعرة فواغى القاسمى في ديوانها موائد الحنين الصادر عن دار شمس للنشر والتوزيع عام 2008 بالقاهرة في طبعته الأولى,حيث تسعى الشاعرة بكل السبل الممكنة وكل الطرق السهلة والصعبة مستخدمه كل قدراتها الإنسانية كأنثى في البحث عن المشاعر الإنسانية الحقيقية بكل أشكالها ومظاهرها من حب واحتواء ودفء وطمأنينة وأمان ,والتأكد من صدق هذه المشاعر وإخضاعها لإختبارات عدة تنتهي في آخر الأمر بقصائد هذا الديوان الذي يعبر عن تجربة الشاعرة التي تتجلى فيها الرومانسية. ولابد من التأكيد على أن غلاف الفنان أمين الصيرفي كان جميلا ورائعا حتى كان يمثل واحدا من المداخل والبوابات التي هيئت التلقي بشكل خاص وجميل لهذا الديوان الذي له طبيعة خاصة حيث ألوان الغلاف التي تشعل الرغبة وتدل على الرومانسية المكتملة بالداخل. وقد اهتمت الشاعرة باللغة حتى أنها تستخدم مفردات لُغوية مُنتقاه حيث تحاول أن تقدم حديثها وشعرها في رصانة وجمال لغوى واضح وصريح في كل قصائدها حيث أن جمال اللغة هو واحدا من معايير الجودة داخل هذا الديوان الشعري وإحدى الإتكاءات الشعرية الجمالية للتواصل مع المتلقي والاشتباك مع عوالم الشاعرة التي يسيطر عليها رومانسية الأنثى الموجوعة والتي تحاول أن تتمرد على وجعها,وتصنع حياة موازية كما تراها هي وتحلم بها في هذا الواقع الذي لا يعطى فرصة لأحد بالتنفس الصحى على سبيل المثال. أما عن الصور الشعرية فقد كان لها حرفية عالية وتظهر هذه الصور في العناوين ومنها"كيف لي أن أجفّف الزَّوابع..؟","املأني دفئاً في صقيع عدمك","دموع السماء","ضفائر الوقت الحزون","على قارعة الذّكرى","موائد النار الحرون","شهوة الجنائز". يقدم ديوان موائد الحنين أحوال الأنثى المتعددة بشكل رصين حيث أن هذا التنوع والتعدد شديد الثراء النوعي والكمي ..الحسي والمعنوي, وقد نجحت هذه الأحوال التي" تجتذبُ نزلاءَ القلب" وتصنع منازل جديدة للروح أن تكون لها مواصفات متفردة خاصة بها حيث هي أكثر بهجة وإنسانية, وشديدة الصفاء والنقاء من كل شوائب الكراهية والألم, والخيانات العظيمة والبسيطة على حد سواء. هذه الأحوال التي تعرف جيدا ولا تحتاج إلى أي مرشد سوى روحها الصافية عناوين الطير والعشق وتعرف تفاصيل السماء الدقيقة حيث العشق يمنحها رؤية مختلفة ثاقبة وبصيرة الأنثى العاشقة التي تكشف عن حقيقة الأشياء ومعرفة مكنوناتها ,وتقدم هذه التجربة شعرا إلينا في شكل وإخراج جيد ومحترف ورائع من دار شمس للنشر والتوزيع. هشام الصباحي المنصورة في 21-10-2008 http://www.baladnews.com/bn/images/pdf/12.pdf http://www.gsmegypt.mobi/support/fonec/grad/sotalbald/13-11-2008.pdf قراءة في قصيدة "سأحزم كل قافلتي" للشاعرة الاماراتية فواغي القاسمي كتبهاحمد الحجايا ، في 2 أيار 2007 الساعة: 22:23 م الشاعرة فواغي القاسمي تمزج أنين الوجد بأنغام الموسيقى الشعرية بقصيدة "سأحزم كل قافلتي " عمان -( بترا نت )- حمد الحجايا ..اطلت علينا الشاعرة الاماراتية" فواغي القاسمي " بقصيدة جميلة عبر موقع همسات الادبي بعنوان"سأحزم كل قافلتي" امتزج فيها انين الوجد بنغم الموسيقي الشعرية التي حافظت عليه في تقاسيم لم يبارحها الالم المصاحب لبوح الصبابة والهوى في تقاطيع القصيدة. ففي قصيدتها تحشد كل الافعال المصاحبة لموسوعة الفقد والحزن … فتعانق ضياء وهم الحبيب الغائب … وتتماهى لتصبح وسط هذا التيه والضياع سديما مرا …. أعانق فيك يا قمرا , ضياء الوهم , معتمراً , صباباتي ….. ليصبحني أنيناً , في السديم , المر . مختصراً, مسافاتي … فأرشف , من شفاهِ الوجدِ , ألوانَ , الحكاياتِ ….. وكم هو التفاني للحب الذي تجسده الشاعرة في قصيدتها عندما تقبض على جرح الالم ومع ذلك تزرع شموع الامل في الهوى ..في دلالة رمزية تحمل معنيين مترادفين في رمز لهوى الحبيب وفي دلالته للريح الذي لا تقبض في اشارة الى استحالة تحقيق الامل برجوع الحبيب … وأزرعُ في الهوى أملي وآلامي وآهاتي …. فدمعي نازف أبدا وتعصرني جراحاتي ….. ولكنها ترسم شكلا اخرا لوجد الحب الذي يستعذب اوجاعها واناتها .. وهنا توظف فعل " الزرع" في صورة شعرية رائعة مرة اخرى ولكن هذه المرة بزرعها كشجرة تعصف بها الرياح التي تهب في داخلها في صراع تدوخ فيها ذاتها كلما هزها الشوق الى ذلك الحبيب … أيا حباً تؤرقني بما استعذبت من وجعي وأناتي….. وتزرعني على الطرقاتِ تعبث بي صراعاتي …. وريح الوجد ترجفني إذا ما اهتزت الأستار في ذاتي ….. وفي استعارة ضمنية لوصف حالة الحزن والضياع من المجهول وسط هذا التية السرمدي تتوجد الليل الذي تتمنى حلوله سترا لاحزانها التي تخشى منها وتخاف فضحها .. فلا ليل يخبئني من التيارِ إذ يجتر مأساتي …. ولا نجم يكفكف دمع أحزاني ويسهم في مواساتي …… وتصور الشاعرة كل احزانها والامها ومرارة الفقد الذي لم يبارح دنياها "بقافلة " تحمل كل هذه الاثقال ولكنها تجهل مسيرتها عندما تكون وجهتها الى التيه والضياع …وهي الحالة التي تنهي فيها قصيدتها في صورة مشهدية لاستمرار ذلك الوجع الذي يلازم كل حبيب ولن ينتهي الا بامل الرجوع والتلاقي من جديد … سأحزم كل قافلتي وأرحل في متاهاتي …. فما عادت لي الدنيا كشيءٍ من ملذاتي! ….. http://hamd-hjaya.maktoobblog.com/308101/%D9%82%D8%B1%D8%A7%D8%A1%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D9%82%D8%B5%D9%8A%D8%AF%D8%A9-%D9%84%D9%84%D8%B4%D8%A7%D8%B9%D8%B1%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%85%D8%A7%D8%B1%D8%A7%D8%AA%D9%8A%D8%A9-%D9%81%D9%88%D8%A7/ استعارة البيان وبيان الاستعارة .. قصيدة ( رحلة صيد بائسة) للشاعرة المبدعة فواغي القاسمي فائز الحداد تشنغل منظومة الشعر في قصيدة(رحلة صيد بائسة ) للشاعرة فواغي القاسمي من خلال وخلل بنياتها التشاكلية على ترسيخ مفضيات البنى الجمالية وتناسقها البيني بانتماء الجزء للكل والكل للجزء ، تعاكسا وترادفا ، وهذه سمة القصيدة الحديثة المكتنزة للبعد المرئي وغير المرئي ببوحها ، بعيدا عن هيئة شكلها ومايتصل بذلك من شروط وتبعات أخرى .. فمقدار شعريتها هو رصيدها المعنوي الذي بظله يمكن الحكم عليها بانها بلغت ذروة الجمال من عدمه ، وهذا هو سر خلود القصائد الجميلة عن غيرها ، وبخلافه سقطت العديد من مطولات السجع المنظوم وماتت في ذروة ( مائها المهين )لاسباب كثيرة ، وعدم توفر شروط الشعرية من اهم اسبابها المؤشرة بيانيا في المضمون والبناء . وعلى اساس هذا الفهم لابد من القول أولا : ان الحداثة في ( رحلة صيد بائسة ) متوفرة بامتياز انتمائها لقصيدة النثر ، وثانيا انها كغيرها من النصوص الأثيرة ، لها مايستدعي القرأة المنتجة ، فالقصيدة جميلة تمسك القاريء من عنوانها الى آخر حرف فيا .. فالنص الجميل لابد وأن يكون حداثويا معبرا عن موقف انساني كوني ، بدلالة شعريته لغة ومعنى .. بناء وجمالا ، دالته بأنه خارق لمقننات الزمن ورافض للمقيدات الآسرة ، فسره في سحره وسحره في سره المتخارج على نمطية وأشكالية المعلن ، لأنه يبطن المعنى أكثر مما يظهر . يستأنف النص انطلاقته الشعرية في مضمار مفتوح ،وباستهلال وصفي يضع الوحدة والعزلة كدلالة سيميائية تفصح عن ديمومة المعاناة التي تحكم انفاس مخاطبها المعرف ( بالوحدة ) وما يتصل بها من عتمة الانعزال ، وما لها من وقع ثقيل على نفسه المحبطة : وحيدا .. في ليل حيرته الذي لاينتهي وكي تتوضح مقاصد الوصف التعبيري لمعرفها ، تتقصد البوح بأطراق السرد المشعرن بشخصنة الذات ، وما تفضي الى أنواتها الاخرى وما يلفها من انكسارات حادة تعبر عنها مفردات صيغت بانتقائية ذكية بايقادها شرارة ( التسهيد ) تفصلها مفردة قاتلة ( لايجيء ) . ولو جمعنا تلك المفردات لانتهت الى معنى دلالي تبادلي ، يشحن المقطع الأول باضافات جمالية جديدة ، ولو أجتزأناه لأعطى معنى يتفرد به من دون حاجة الى بنياتها في التكوين الأول .. ولاختيار المعنى المولد الجديد من رحم المعنى الآول تمثيلا لا اجمالا ، يكون النسق المفرداتي على غير ماجاء به ( يسهدها .. المتوثب ، المتثائب ، المثقل ) .. لهذا جاء السرد الشعري كضرورة وبخلافه لاعتاص المعنى بضبابية غير زاكنة تفقد الشعر قيمته التي يستهدفا .. حين العين ، يسهدها الانتظار والقلب المتوثب للقاء لايجيء .. حتى المقهى المتثائب على زاوية الشارع المثقل باقدام الخليقة .. ولأن البوح قائم بتواتر متصاعد وأريد له ان يكون مفصحا بأشاريات تعود بالمعنى الى حاضنته الأولى يكون ( المقهى ) الوعاء الذي تجتمع به كل متناقضات العرض بدلائل الوحدة في ( ليل وسادة الليل ) ، فالمقهى ( وحده ) من : يتلمس وسادة الليل ، ليثوي تاركا اياه .. ( و ... ماذا بعد ايتها الشاعرة ) . وماهذا الجمال في هذا القطع المتعمد بقصدية مبطنه لمعنى تأويلي قائم ، بدلالات تتشظى باتجاهات محسوبة بدقة الامساك بعنان القصيدة وكي تكون .. ( تاركا اياه ) قناة توصيل شعرية لاستمرار البوح الجديد وسبقى ( وحيدا ، لايجيء ، تاركا اياه ) ... لنقرأ : يرسم حلم التفاصيل التي لاتكتمل ونبيذ الرغبة المشتعل في غيوم رأسه يتطاير في سماوات العروج ولنتأمل هنا عند منعطف ( حلم التفاصيل ) المتعلق ( بالوحدة والليل ) فلقد منحته فواغي أجنحة من نيران الشك صوب ( طيف) مبهم لتؤكد فصيلة دم الشعر القائم على الشك ، صوب يقين يتقصاه كحقيقة .. الحقيقة التي لايبلغها الا بشك مضارع اخر . فاجنحة الموصوف ( وحيدا ) ستسقطه الشاعرة من على فرسه الغائرة برحلة صيده البائسة بانكسارات حادة على حافة الحلم وتسوسه الى خيبة اثغاثة الى ( مقام طيف لايتحقق ) ، فنبيذ الرغبة لم يبلغ رشده الا في هذا التطاير في ( سماء العروج ) ، فلماذا مفردة العروج الحقتها في السماوات .. هذا مايلخص سر ( النبؤة ) وتفردها عند الشاعر في التعرفة والتعريف فهو من النوادر ، والنادر دائما من تجده نادرا معبرا عن سحره في قوة الجمال الذي يبثه شعرا في الحضور والاستحاله ، فالشعر يدخل القلوب دون ترخيص أو مكس ودون آسافين مانعة .. وحتى الكارثي فيه يعبر عن جمال غير مرئي وأن كان يشي الى الذوات المقموعة والمهددة بعوامل خارجية مفروضة ومفترضة تهدد المرء في ادق تفاصيل حياته ولاشأن له أو قوة كأضحية . أن الانطباع كرأي ومن خلال تشاكل مفاصل ( رحلة صيد بائسة ) المقطعية والمفرداتية ، يجد المرء .. أن الانفعال المتصاعد بوتائر مضطردة يتوافر بشكل ضمني ومعلن احيانا ، حيث تتوزع تمظهراته باتجاهات لايمكن اقصاء الترادف فيه لصالح التخالف ، والعكس ما يؤكد جدلية البوح ويجسد مدارك الوعي الملم بطباعة الشعر ، وبادوات جميلة تتبنى الاداة ( اللغة ) وتغادرها صوب سماوات المعنى باقصى درجات الاتساع .. فحين تضع فواغي ( الفتوحات ) مهمازا لغزل مخاطبها فهناك ( السنابل ) كغنائم ... يغزل جدائلا ، من سنابل فتوحاته يلبسها كعقود من زبرجد الحكايا لجيد القصيدة .. ان التضارع في اصرار تأكيد صيغة الفعل المضارع ، ويتواقت محسوب لزمنية الفعل الشعري يدفعنا لاستخراج افعالها كأركان أساسية لأقامة هرمية النص ، انما يقوم على مايقوم عليه ب ( يتلمس ، يرسم ، يتطاير ، يغزل ) ل ( يلبسها كعقود .. لجيد القصيدة ) . وعليه اقول : ان النص الجميل لابد ان يكون حداثيا ، ويستدعي الماما كبيرا بصياغة افعاله وبناه ، وقصيدة النثر خصوصا تؤكد حقيقة مفادها : انها حتى في مباشرتها غيرالمحببة هي غيرها عن الاجناس الادبية الاخرى ، والاشارة هنا لا اعني بها الى ضرورة تكريس التكثيف التصويري ، انما الى المعنى المجتشد الزاخر بالدلالات التي تستهدفها وتهدف اليها ، فحين تضع الشاعرة مفردة ( الفتوحات ) المتصلة بحالة النزاعات والحروب كاشارة كريهة تفصح عن الا حياة ، تدرك تماما ان ( الشك الشعري ) يتقصاه بولوج نقيضه تبنيا له في التعبير عن الخصب والحياة . ومخاطب فواغي الذي ارادته (, وحيدا ) ارجعته الى حيز ( التأمل ) وبافعال مضارعة مستمرة في القصد الشعري، فهي تواصل بوحها على شفرة الانكسار ذاتها وباستدراك استذكاري يضع الزمن المقصي كمرآة متصدعة لأن ( وحيدها ) المفترض .. يتأمل تعاريج ولهه وأخاديد شروده يستنهض زخات عشق في جوانب القلب المتعب بحثا عن صيد .. فارغ فالتداعيات هنا تنحى منحا تشخيصيا سلبياسنجد اصداءها في منحنيات الرفض باكثر حدة في ( تعاريج الوله .. او الشرود ) فبعد ماكان ( يتأمل ويستنهض ) لايتحقق له ( صيده ) كالذي يرمي الشباك ويعود ( بخفي حنين ) وبتلمس جمرة الفشل لذا يستأثر بالتأر كسبيل أوحد وكرجع تعويضي لما فاته من ( نبيذ الرغبة ) الخائبة ، وما ظل له سوى الكوابيس المستفزة بمردودات الافعال الانعكاسية للذات المحاصرة والمحكومة بالاحباط والخطيئة لذلك هو .. يستل رماحه خطيئته من جعبة اهتراء راحلت ال .. انهكها تبعثر الطريق وخطاه لايستقر بها وقع وبتعميد استرسال الوصف يتماها المخاطب في رحلة الغيب ، وبمآخذة الغائر بوحل الهزيمة ، فالحقيقة انكى من حالة القائد الذي يرى حقيقة جيشه ممزقا ورحلة فتوحاته أ, ( صيده ) بأكف السراب .. لتراه مفعما ب .. شرود العينين القاحلتين من ندى الحقيقة .. ولكن متى .. في محض سؤال عارض ..؟! حين .. يجدهن .. كما هن لتتشابه قصائده فلا يميزهن .. من هن وعودة على بدء .. ما كان عليه مخاطبة الشاعرة ، الذى أرادته ان يكون شاعرا فاشلا ، وربما هكذا الحال حين يصاب بعمى الالوان ، وليس بمقدوره الافصاح لا في الرؤيا ولا في الرؤية ( فلا يميزهن ، من هن ) وبتأكيد حالة الخواء تلك .. يعاود رحلة صيده عله تجاوزهن .. اليهن حيث ليس الا هن وهنا تكون القصائد استعارة لترميز واضح وبتورية أريد لها ، ان تكون كذلك ( لكنهن ) قوارير موزعات كعذراوات العوانس .. لكنه يعود فارغا سوى من ذكريات سقوطه ..! وبهذا تلامس ( فواغي القاسمي ) أسباب البوح بكفاءة الشاعرة العارفة تماما بأسرار القصيدة وتداعياتها كعالم شاسع التي لايبلغها الا الشاعر المطبوع في الاسم وفصيلة الدم . فائز الحداد قصيدة الشاعرة فواغي القاسمي ترتّب فضاءها بعناية نزار حاتم 06/11/2010 أبتلي مشهد الشعر العربي مؤخراً بقوافل ممن يسبغون على أنفسهم صفة الشاعر ، فيما هم لم يتوفروا بعد على أبسط المقومات المتصلة بهذه الصفة . بيد أنهم - وللأسف - قد وجدوا في كثير من المواقع الألكترونية والصحافة الرثة مساحة كبيرة لممارسة الأدعاء والتطفل مادامت هذه المساحة لا تفتر عن نشر كلماتهم المبعثرة والمشحونة بأخطاء نحوية مفزعة دونما معيار فني وبنائي يميز الشاعر الحقيقي عن غيره من هذه القوافل المتعبة بامتياز . من هنا أصبح العثور على شاعر ذي تجربة شعرية متماسكة يمثل فتحاً مبينا ، وأملاَ في الخروج من العتمة وحالات الهوس المراهقة ،الى وجهة الشعر المضيئة بالتجربة الثرية والمعافاة . اطلعت مؤخراً على عدد من قصائد الشاعرة فواغي القاسمي فآثرت المثول أمام مرآتها الشعرية التي صقلتها بعناية تستحق التأمل فيها طويلا طالما وضعتنا أمام قصيدة من الواضح أنها ترتّب فضاءها بعناية كبيرة لتمثل في بنائها المتوزع بين العمود والتفعيلة ، دالّة على تجربة وهبتها عذوبة المفردة وألفتها مع الأخرى باتقان يضع المتلقي أمام الحالة الشعورية المختزلة باللفظة الموحية التي هي الشعر بأجلى معاني العملية الشعرية . في قصيدتها ( زائري في ليلة صيف ) تأخذك الشاعرة فواغي عبر الأيقاع المتواثب في تفعيلات الفراهيدي الى بهاء مفتوح لم تقف القافية حائلاً دون احداث الصدمة المشعة التي تحرص على ديمومتها من خلال تكثيف الصورة وتوزيع الوانها وفق معايير فنية متقنة نحسها بوضوح عبر استدعائنا السريع لشواهد سريعة. " وفجّرت َ كل َّ حنين السنين وشوقا ً تحجّرَ في مقلتيّــــــــــا " هذا التفجّر المشبوب بالعاطفة والحنين المتراكم لم يعد كافيا لدى الشاعرة فواغي لاستيعاب تدفق الأحساس العميق لذا فتحت أمامه صورة أكثر دهشة بتحجر الشوق في مقلتيها . ولكي تعبر عن حالة التماهي الذي تبتغيه مع لواعج مستعرة عمدت الشاعرة الى استدعاء الممكن - المستحيل كما نلحظ في البيت التالي : " مددتُ يديَّ لأنظرَ ماذا ؟ فأبصرتُ روحك في ناظريـــــــــــّا " لقد مزجت الشاعرة الحواس ببعضها ، فلم تعد الحواس السابقة صالحة لما هي فيه ، تعطلت ، فقدت قدرتها المألوفة واندفعت لحظة جديدة ارتبك فيها الوجود فتغيرت مهام الحواس بحيث استدعت اليد لتعين العين في رؤية الخيال. وفي قصيدتها التفعيلة ( مساء شفيف ) تتمدد الشاعرة فواغي على نصها الشعري كما لو أنه يكتبها ،ويستفز ّ أعماقها ليحرك فيها غيمة شاردة ، أو وجعاً غافياً على طقس يبدو عاديا - أول وهلة - لكنه سرعان ما يتخذ ايحاءات مبهجة حينا ،وحزينة حينا آخر ليبلغ ذروة الحضور والممانعة في لوحة مائية تبعث على الظمأ " وأن الليالي تقيم احتفالاتها المزمنه على وقع موت النهار " صورة نابضة تحملك الى تخيّل موت النهارات ذات الايقاع الذي تقيم عليه الليالي احتفالاتها المزمنة ، انها لقطات في الكاميرا الشعرية ذات الحساسية الشديدة في استدعاء صورة الطبيعة وتوظيفها في بث مباشر للكامن في نفس الشاعرة ولحظة انفعالها في داخل النص ليحتضن بالكامل مساءها الشفيف الذي ترغب في الاستحواذ على مقترباته بلغة هادئة وعميقة هي طقسها المسائي الخاص . كما أنها لا تلبث في هذه القصيدة حتى تجعل من هذا المساء كائناً يتحرك في الوجدان حيث أَضفت عليه صفة الدفيء - على وزن فعيل للمبالغة - في الحميمية والمُتوّجة بالأقامة في الذات المشتعلة بنيران اللحظة الشعرية . " مسائي وديع ٌ دفيْ ٌ حميـم مقيم ٌ بذاتي كأسطورة من خيال " وفي الوجع المتفجر حزنا على الشاعر الدمشقي الكبير نزار قباني في ذكرى رحيله استحضرت الشاعرة فواغي فضاء القباني الشعري كما لو أنها تتحدث اليه عن قرب . كما أنها في قصيدتها ( رثاء الشاعر الدمشقي ) قد أبدت حذرا شديدا من الأستغراق في صورة الحزن والسوداوية لتبقي نزار قباني في عرائشه العاشقة دوما ً، وفي مفرداته النابضة بالبهجة والحب الكبير . لا شك أنها في هذه القصيدة سجلت نجاحا ً بارزا ً في الموائمة بين النواح والغنائية التي تمليها لحظة الرثاء لشاعر مثل نزار قباني طالما غنى كثيرا حتى للجروح التي أصابت الأمة ، لأن عواطفه غير مجتزأة في الحب وفي الثورة وفي الوجع. بتساؤل محموم ولغة شفيفة هي الأقرب الى اللغة النزارية اندفعت قصيدة فواغي : " نزار رحل ، وأغلق باب القصيدة فماذا تُرانا سنكتب يوما ً اذا ما أُبتلينا بوحي الكلام ثم تنتقل من هذا المقطع كما لو أنها تصب الزيت على النار الى مقطع آخر مشدود للتساؤل أيضا " أنحرثُ بين حنايا الحروف وتحت ظلال السطور وبين سنابل قمح الشفاه وحيث الينابيع والياسمين لعل نزار يكون هناك " وكم هي كبيرة هذه الشحنة الشعرية المكثفة حين تتجلى بالنداء المتكرر غير الممل " نزار .. نزار .. نزار لمن يا تُرانا سنكتب يوما ً وكيف نروّض فوضى الكلام وكيف نغازل صوت المطر فمنذ رحيلك عنا ، نزار تركتَ القلوب تجر خطاها كما الأرمله " صورة كرستالية لكنها حزينة ونائحة ترسمها الشاعرة ، فالشاعر الذي تعوّدنا قراءته وسماعه ، اكتشفنا فجأة ً أننا نكتب له ، أو نكتب لأنه موجود بيننا ، ليضيع بعد رحيله مبرر الكتابة . ومن هنا يحسن القول : ان هذه الشاعرة التي تربّي هواء قصائدها بهذا النحو لجديرة بالأحتفاء مادامت قادرة على ايقاظ شجرة الشعر الوارفة بوجه الرمال الزاحفة نحو جسد القصيدة العربية المجلل بفساتين الأبداع . نزار حاتم نعيم عبد مهلهل- إشارات عن تصوف الروح و عولمتها نشرت هذه الدراسة في كل من : الزمان / الحقائق / ألف ياء / الركن الأخضر / أبولوو صوت العروبة و غيرها الشاعرة الإماراتية فواغي بنت صقر القاسمي (( إشارات عن تصوف الروح وعولمتها ))* نعيم عبد مهلهل شاعر و ناقد عراقي ((ومن يؤمن بالله حقا يرى هذا النور المتدفق عبر الغيوم فيتلمس طريق الوصول إليه..... هذه الحالة الإيمانية الصادقة , تجعله متمسكا دائما بصدق الحقيقة و عين الحق ..... وتجعل الأمل منبثقا بتدفق الإيمان في شرايين اليقين الروحي .... ليدرك أن رسالة الوجود والبعث أمانة بكل معاني مفرداتها ... و أن الحفاظ عليها هو في حقيقته حفاظ على عهود الإله .... هكذا تتواصل دروب السماء بطرقات الأرض و تعاريجها الوعرة, فتشرق أنوار القدرة الإلهية في صميم النفس البشرية و تكون رادعا عن الخطيئة و ملهمة للإيمان و الفضيلة..... ويصبح الحب معنى شاملا , تتآلف جوانبه في وحدة كلية متكاملة من المقام الأعلى إلى المقام الأسفل.... تواصلٌ متكاملٌ ينطلق من بوابة السماء مرورا بمقام الروح و القلب و النفس ليتصل بالأرض التي منها خلقنا و إليها نعود )) الشاعرة فواغي القاسمي في مقدمة نص ( حجر الحقيقة ومحجر اليقين ) موقع أدبيات / 4 يناير 2006 ليس هناك تعريفا واضحا لمعنى هاجس، بقدر ما يعرف عنه إنه إحساس بتنويعاتٍ عدة، والشعر كخلق هو من بعض صناعة الهاجس ، أي انه يأتي من لحظة حسية ويتكون بشكل ما ، مرتبط بحجم وتأثير وتجربة وموهبة صاحب هذا الحس ، وهي موهبة تخضع لمقاييس وتدرجات تبعا لقوة النص وتأثيره والمشع من روحه على السامع والقارئ . تولد القصيدة بقدر الهاجس ، ويلد الهاجس من قدر مجهول وفي النهاية نحصل على شكل من مشاعر مدونة هي نتاج ما تشعر به ذواتنا ونحن نسعى لاكتشاف ما نعتقده شيئا من غيب مسكون فينا ، لهذا كان أول الشعر هو بدء لولادة المخيلة العظيمة ولحظة اختراع الحرف ولوح الطين سعى الإنسان الأول ليعبر عن غبطة مشاعره بشيء من هلوسة الكتابة التي لم يعرف سرها ،سوى دافعها المجهول فكانت القصيدة الأولى ، ويقال إن لحظة ولادة تلك الهلوسة كانت ثمة امرأة تبتسم بدلال أمام هذا الشاعر الذي هو الآن في حكم تقديرنا ابدي وأزلي وربما هو واحد من الرسل الذين تلقفوا دمعة ادم ع لينشروها كما أجنحة الحمائم على الحواضر كلها . هذا البدء مشى بإقدام الضوء مع مشي الأمم والحضارات منذ بيت الكهوف الحجرية وحتى ناطحات منهاتن وكان للشعر أن يكون ذاكرة كل هذا المشي وسيبقى لأنه في التعبير الجمعي للوجود الكوني يعتبر الهاجس الحقيقي الذي يعبر عن أمل وطموح الإنسان في وحدة الأكف والدمعة مع الأبدي الذي فوقنا وذلك يرتبط ذهنا وهاجسا مع كل المشفرات النبوية التي قادها آدم ونوح وإبراهيم ويسوع ومحمد وكل رسل وقديسي الكلمة وكان بين هذه الرؤى الشجاعة تكمن روح الشعر وهيبته لتصير قاموسا يفسر عبارة الحب والحلم بين ألسنة الأنبياء وكتبهم حتى أريد لهذا الهاجس أن يدخل في تشكيك مصدر وقدسية هذه الكتب لكنه كان ينائ عن تلك المشاحنات ليجئ إلى أبده الحقيقي روح الشاعر البسيط وخيمته وكأسه وفتوته وطموحه ليبقى مصدر بهجته لحبيبته أو لقبيلته أو لامته . كتب الشعر الرجال . وكتبته النساء . وفي الحالتين كان الشعر هو تعبير عن ذلك الأزل البعيد بكل هواجسه أو مشاعره سواء كان عند الذكر أو الأنثى. وأنثى الشعر لهذه القراءة شاعرة تستحق بفتنة الكلام التي لديها إن يضع احدنا أصابع ريشتها ليرسم مدارات هذا الهاجس ويفسر للأخر مشاعر بشتى اشتغالاتها وهي حتما تلتقي في النهاية مع قدرية ذلك البدء الحروفي وتنتهي بعولمة من التصوف والحب والأمومة الغارقة في ابتهاج كبير من الجمل والكلمات . فواغي القاسمي . تكتب الشعر منذ سنين طوال ، وتمارس فيه قدر من الكشف لما يمتلكها ، وهي تحاول عبر تراث ثري من هذا الحس السحري أن تصنع لوجودها عالما يميزها بالصوت وبالكلمة وبالرؤية لما يحدث ، و هي مجايلة جيدة لوقيعة عالم تنظر إليه بعين ثالثة هي ( عين الشعر ) . تلك العين التي تطل على نافذة المشهد العربي بتراث ليس كثير ولكنه كبير بقيمته ، ففيه من الشاعرية والإبداع والهم الأخلاقي والوطني والإنساني الكثير لأنه عالم يتسع لكثر من غاية ، عالم فيه فيض يتسع لأناشيد الولادة والخليج والأمومة والتعبد بصور تتعد غاياتها فتحس وأنت تقرا كامل تراث هذه الشاعرة انك أمام حماس قلب يأتي الشعر إليه ولا يذهب هو إلى الشعر . قادتني عدة محاورات سريعة مع القاسمي إلى فهم طبيعة الطقس الكتابي لهذه الشاعرة المثابرة وهي تؤكد في طرحها لمفهوميه الشعر إنها تشتغل على ذائقة الحس القادمة من بعيد ، الحس المتوارث من دهشة الإلهة واختيارها لألم تسكن فيه روح الجملة ذات البريق ، لهذا تراها تعود في أكثر من نص إلى أصول ما تعتقده انه المكان الذي أتت منه ، بابل وسومر وبقاع أشور وكل أتربة عجائب الدنيا السبع لكن دهشتها تظل في أكثر من نص معلقة بروح عشتار وكأنها تربطها بوعي الفهم لهذا التغيير الهائل الذي يلف حياتنا . ففي نصها ((عشتار في حبي و في غضبي..!)) والمنشور في ابسو / مجلة الثقافة الحرة في 21 ماي 2006 . نقرا سيلا من كشوفات هذه العولمة التي ترتدي أنوثتها بشيء من محاولة تفسير الحدث الكوني بحسية الشعر ، لتضع عشتار ، تلك الإلهة الحكيمة والمتمردة والتي تربط الجمال والخديعة بخيط واحد تجعلها نمطا لشكل معاصرة نعيشها وهي تناجي من تريد وتحب لتذكره بأن هذا الرمز رغم تداخل الرؤى فيها والقدريات والقراءات الميثولوجية المتعددة إلا انه يبقى خيط ضوء الإلهة التي يوصل القلوب إلى القلوب ليستقر هذا العالم عند لحظة الحب بعيدا عن الحروب والمجاعات والاحتلالات : ((لن ينطفئ لهبٌ تأجج من أخاديد الظنون ِ من المجونِ ِ أوَ ما فهمتَ بأن عشقيَ ليس يشبهه سكوني عشتار .. في حبي و في غضبي وفي كل جنوني )) هنا نرى الشاعرة فواغي القاسمي تبرر انفتاح القلب لديها إلى من تعتقده حبيبا ومخلصا ، والحبيب هو الرمز للوطن والزوج والمخلص الكوني لمعاناة مايحمله الضغط الخارجي على أرواح الشعراء المرهفة ، لهذا فان لجوء فواغي إلى عشتار هو لجوء مبرر مستخدمة قناع الإلهة لتكوين فكرة عليها أن تصل إلى أخر نقاط الكون هو أن الشجن الروحي للأخر لن يتم دون أن يكون هناك سلام وحب يعم العالم : ((ورياح عاصفتي التي سكنتْ سراديبَ سنيني ستمزق الآلام و الأحزان عن روض ِ الشرايين ِ ليمور زهر الياسمين على روابي بهجتي و ضفاف كوني ..!)) هذا المور الذي يلف زهر الياسمين هو في الحقيقة جزء من هم كونية الشعر لدى امرأة تريد أن تصل بطموحها إلى حقيقة أن أصابع عشتار يمكنها بلمسة السحر والشعر أن تغير العالم عبر قلب الرجل الأمل ( الرجل المخلص ) الموجود في تراث وأدبيات كل الشعوب والأمم . ((أنا لم أكن يوما بعمقِ مشاعري تلك التي أذكتْ حنيني رغم ارتحالي في الهوى أنّا يكون يكونُ كوني فلقد عزفتَ على المشاعر يا صديق الوجدِ ألحان الأنين ِ) يتكون العالم الشعري لفواغي بنت صقر القاسمي من مدركات نصوص تعدد في أشتغالاتها ولكنها تنطلق من نقطة واحدة هو الشعور المتأمل لعالم الضوء الذي تراه ( بعين القصيدة ) وهو عالم تتعد مراميه وحاجاته ولكنه ينتهي عند ضفاف واحده هو قراءة هذا الوجود بشيْ اقرب إلى التصوف ، أي إنها تحدد المرام بقيامة الكلمة الحامدة حتى في مقاربتها الآلية اتجاه طلب ما أو مغفرة أو قراءة لسحر الخلق . يقول نيكوس كزنتزاكيس في روايته ( المتصوف ) وهو مانريد أن نطبقه عمليا على عالم فواغي الشعري هذا المقطع من الرواية : (( أنا المدرار الذي يود أن يمزق النسيج ، وان يقفز خارج منسج الضرورة .أنا الذي يريد أن يتجاوز القانون وان يحطم الأجساد وان ينتصر على الموت .أنا البذرة . يرد صوت أنثوي آخر منطقي وعميق، صوت أنثوي هادئ وواثق : أجلس واضعة إحدى قدمي على الأخرى ، أنا كلي حليب وضرورة )) .. الفكرة الشعرية عند القاسمي توازي تفكير الأنثى في هاجس رواية المتصوف حيث ترى فكرة القصيدة لديها إنها كم يريد أن يثبت أزلية الشراكة بين اثنين وإنها في قدرها على ممارسة سلوك شعري ما عندما تريد منه أن يكون رسالة لثبات وجود ولكن مايميز هذه الرسالة إنها تشع بشيء من رومانس التصوف والحمد لتلك الأشياء التي تلف وجودنا خاصة عندما تجد الشاعرة إنها بين يدي الله وعليها أن تنسج نشيدا للحمد لتكون أكثر ثابتا وهي تمضي بعيدا كما نشاهدها في النص الموسوم : ألم المسيح ردائي ) : (( لمدبر الأقدار في علمه السر في موتي وفي إحيائي أبصرت من نور اليقين حقيقتي ووجدت في ربي عظيم فنائي أسلمت أمري للذي هو واحد وقد ارتضيت بقسمتي وقضائي )) هذا فعل الألتجاء إلى الذات الإلهية بهكذا نمط من موسيقى التشفع في المحصلة النفسية هو طلب لراحة العقل ومن ثم نستطيع أن نقود خطى الكلمات إلى مانريد ،إلى ذلك الهدف الذي يجعل الأنثى في النهاية هي بذرة الخصب للوجود الإنساني ،لهذا نرى إن الشاعرة تهتف بهذا تصوف ليس من أجل إسلام الأمر للواحد على شكل يأس وهزيمة وإنما هي تعود بقدريتها وإمكانية رغبتها لثبات إنها كائن قادر على التغيير ، وان القسمة والقضاء هو في الأخر حقنا الذي علينا أن نقنع به حتى لو اصحبنا بمهابة الأسكندر ذو القرنين . يشغل هاجس التصوف الكثير من مشفرات فواغي القاسمي ، هاجس يتراوح بين شكله الرباني وأخر يمتد إلى عولمة الحاضر ، في إدراك منها إن الشعر قادر على أن يصنع التحول وإنها كما أنثى التصوف ( رابعة العدوية ) تحاول أن تكشف غيب حالتها في جعل التوحد مع العلا هو جزء من مرام الذاكرة التي ملكتها الحاسة الشعرية لديها في الكثير من نتاجها الشعرية ولكنها ظلت في هذا التوحد محتفية بنوع من الموسيقى هو اقرب إلى السلوك الكهنوتي عند عذارى المعابد القديمة وهو سلوك التضرع إلى شيء ندرك فيه حاجتنا لنكون ونعيش دون الم وتعاسة وخراب . هذا الشعور الصوفي المصبوغ برداء التجربة والواقع ظل يلازم حس الشاعرة في انتقالاتها الشعرية وظل روي الجملة لديها يديم انقياد المفردة إلى غاية تريدها ، بعض من الجمال ، وشيء من هاجس التحليل ، وكثير من غنائية أنثى تتحمد فيها على ما أعطى الله لها ( الوطن ، الأبناء ، الزوج ، القبيلة ، الشعور اليومي بما يحصل في هذا العالم ) إنها أفعال الشعر في عالم فواغي تتدرج بشكل منضبط ومحسوس تبعا لوقت هبوط هاجسه من الق بعيد ظلت تتمسك بثوبه كما يتمسك الصوفي برداء النور القادم من قلق الذات والمحبة المطلقة . هذا المطلق حين نطبق فعله على نص للشهقة نشرته الشاعرة القاسمي في (أوراق الشعر ) بتاريخ 21 ماي 2006 بعنوان ( تسابيح القرب ) نجد غنائية هائلة لذات تريد روح الشعر أن تسوق فيها في مطلق التشوق والثناء والتقرب ، لهذا عندما تتكرر مفردة ذات لثلاثة مرات في نهاية كل جملة ( حمد ) نجد اختلاف في معنى أداء المفردة اتجاه المحددات الحسية التي تريد الشاعرة أن توصلها وهي تشهق بهذا الحمد الصوفي إلى العلي ، قراءة صورية بهاجس التشفع تحاول فيه أن تكتسب المزيد من رؤية الوصول إلى ما تعتقد انه من حقها لتكون قيمومة على أخر هو ( الذكر ) الذي يشاركها صناعة الحياة بقدر متساو ، لكنها هنا تريد أن تبتعد عنه في جعل شعريتها نمطا مختلفا وطريقا يعلوها سمو الفكرة والشعرية لتمسح أجفانها بالضوء البهي لعالم النور والتنور ، لهذا فنص مثل ( تسابيح القرب ) هو تسابيح للوعي والخشية من أن لاتحصى بعطف الإلهة ورحمته في ظل اختلاط الأوراق ، لكنها أي الشاعرة كتبت هذا النص لشعورها بأنها ستحصل في النهاية على شيء من الرحمة والرعاية لتستقر فيها هذه الذات وتمضي بعيدا لتكتب : (( أيها القدوس فردا واحدا عزت صفاتك ياخلودا سرمديا بحياة هي ذاتك عالما والعلم وصف ليقين هو ذاتك وحدك المطلق في الأقدار والقدرة ذاتك أنت سبحانك لاتحصى بإعداد هباتك أجعل الكون سلاما وأمانا لتقاتك )) هذا الحمد الإلهي الذي يسيل بعذوبة تهجي الرؤى في خواطر المتصوفة يعيد إلى وجد الشاعرة في لجة شكر وإصغاء إلى تلك الصنعة الأبدية التي تقودنا كما يقول النص إلى سرمدية الحياة وهي ترتقي بالذات إلى تهجي مايمكن أن يطلق عليه الحلاج ( كشف المكشوف بهمسة الكلمة ) وأعادها النفري بقوله ( إن ذاتك هبة الضوء للبدن كي بتعطر منك بحلو اللحظ والكلام ) وكلا الصفتين هما إغراق في نرجسية التفاعل مع الذات العلا لكن الشاعرة هنا تصنع إدراكا بسيطا لاتريد أن ترمى من اجله بملامة كما حدث مع مفسري الطريقة الصوفية من أصحاب الفقه والتشريع . إن جملة ( وحدك المطلق في الأقدار والقدرة ذاتك ) هي هاجس للتعبير إن رؤية ماتتخيله مثل هذه المرأة المؤمنة والتي تضيف بحسها مهابة أخرى لمن يتحكم في ذواتنا ، لهذا تجعل من الحمد صلة للولاء وتحاول أن تجسد في شاعريتها معنى التواصل ولكن ليس بطريقة الكشف المركب كما عند أصحاب التكيات . أن صوفية الشعر لدى فواغي القاسمي تعتمد على حس الأنثى بمن يهب ولهذا هي تركن كل شيء إليه وفيه . بل وتصور هذه الأحاسيس بحذر ربما يأتي هذا من وعي خاص يتلخص في إن المحاكاة للعلي ينبغي أن تخضع لطقوس ولاء القلب والكلمة لهذا تجد قصيدة ( تسابيح القرب ) كأنها كتبت في محراب . يقع تأثير التصوف على جملة الشاعر في منتصف المعنى التي تتوسط الفهم الذي تريد به صاحبة النص أن توصله إلى ذهن التلقي ، ومرات تتخيل عن هذه المرأة تكتب من اجل الاحتفاء بموهبتها ولكنها لاتنسي أن تديم نعم الخلق الوجودي على لحظة التفكير بصناعة نص شعري ، فأنت حين تقرا بتأني روح النص ظاهرا وباطنا تكتشف إن القاسمي تصدر وعيا ومشفرات لفلسفة تؤمن بها ، وهي لن تخرج عن مفاهيم العرف ولكنها مؤطرة بهاجس الجمال والعقل والرغبة أن تتميز لحظتها عن باقي أقرانها وهي لحظة تحس بها إنها في فعل التقريب للذات المشعة فوقنا إنما نعطي لتراثنا ووجودنا سموا ومعنى وإبداع لهذا فإنها في كل نص بمسحة التصوف تحاول أن تؤسس للذات المشاعر المهيبة للخالق الواحد ولكي تثبت للأخر إن الشعر كفيل بان يدرك تلك المحبة ويطورها وجعلها بعض رومانس السبحانيات في عالم بات كل شيء فيه يسير بسرعة الضوء . لهذا فان عولمة فواغي في تصوف الشعر ورؤياه هو شيء من حداثة التجربة ولمسة اضيفت إلى رصيدها لتميزها في أن نقرا لأدب إماراتي أنثوي حديث . ظل الهاجس المتصوف يقرب ذاكرة التعبد في القصائد ، بل وسعدت في تحديد فهم الموضوعة وقدرتها أن تصنع تواصلا بين الشاعرة ومحيطها ، غير أن قارئ النص في تأمله لروح القصيدة يشعر إن هذه المرأة تمسك غاية الأزل بأثير حمدٍ لاينتهي ، وكأنك تسمع نبض القصيدة وهو يتهدج مايطلق عليه ( نور السبحانيات ) ، تلك الأدعية المتجددة بقدرة الإنسان على إيجاد الملاذ الآمن لكل تساؤلاته ورغبته بان يحصل على رحمة السماء ودفئها وصيرورتها ، لهذا تجد إن القصائد تمد أخيلة الضوء بشيء من سجع موزون وموسيقى تتردد في صدى جملة الشعر كما الحان الضوء الغيبي الذي يطلق مرتدي الثياب البيض من أصحاب الطرائق ، لهذا نجد إن النشوة في إدراك مرضاة الواحد هي هاجس إيماني ينشر إبداعه بجدية في الكثير من التراث الشعري لفواغي القاسمي ، لهذا حين نقرا نص (حبي لذاتك جارف وعنيد ) تشعر بان رؤيا الشعر هي الكشف المفتوح لتخيل العالم بسحرية القدرة على ضبطه هكذا ميزان لتأتي القصيدة أشبه بتعشق لهذا العالم وخالقة ، بل أراها مواددة تشبه في سناها مواددة رابعة العدوية وهي تنادي ذات الذات قائلة : احبك حبان . حب الهوى وحب لأنك أهلٌ لذاك. عن تلك ( الذاك ) تدرك القاسمي معاناة الرغبة وحلم الوصول إلى هكذا نمط من التشفع والحب ، وهو عرف أصحاب الطرائق وكما في مدلول النص الذي يصل الوله بالنور السماوي إلى مرتبة الشهادة معزة ووصل ، يرونه ( أي نص الشاعرة فواغي القاسمي ) والذين يروا هم ( أصحاب الطرائق ) ، انه ليس فقط حب جارف وعنيد ، بل هو انقياد الذات إلى مايعلوها ، وان هذا الخضوع الشعري للسلطة الأقوى يعني في حقيقته امتلاك قوة التصدي لما نلاقيه في الأرض ومن عالمنا الذي كثرت فيه المدنسات وندر فيه الجمال والخير ، لهذا كان المتصوفة يقولون : إننا نذهب إليه ، لأنه يُقينا لمعان السيوف ولهجة القساة . انهم ينظرون إلى نص كهذا على انه شيء من لقيا من نتمناه. والحلاج يقول : وجدت في حبي نوره وسروره ، ولهذا اخضع له بكل حواسي . الشاعرة في نصها ( حبي لذاتك جارف وعنيد ) ترى ذات الهاجس ولكن بإصرار نقراه في العنوان قبل أن نشمه ونراه ونسمعه داخل القصيدة . ((حبي لذاتك جارف و عنيد وجموح نفسي صارخ و حريدُ ولقد تلاشت غربتي في صمتها شوقا يؤجج مهجتي و يزيدُ ألقيت مرساتي بيم قيامتي فالموت يعلو و الرجاء يميدُ أشلاء عمري من أوار جحيمها و نعيمها ظل الجوى وصدودُ )) هذا الحب ، هو في عولمته ، حداثة لتشوق جديد ، فيه إدراك لوعي لاتصهره الحضارة في خربشتها وكأنه ( أي النص ) يعيد مقولة عمر الخيام : مافي الجديد إلا سعادة قديمي ، فهو الأصل والفصل ، وله تضئ نجوم مدامي ، وغير ذلك سينتهي عتيقا مثل ثوبي هذا ) . لهذا نجد إن الشاعرة تصهر كل حواسها في التقرب إلى ماتعتقده انه مطلقنا الدائم ، وأبونا الذي يدرك ماندرك حتى قبل ولادة الأداراك فينا ، لهذا نرى الشاعرة نمضي إلى النهاية في تصوير تأثير هذا الحب الجارف : ((أنهار حزني لا تجف منابعاً و دموع سهدي شاهد وشهيدُ لم ينتشيك من الدنان معتق أو يعتريك من الهوى تسهيدُ ! إني اكتويت من الأسى فترفقا بذبيح حبك أيها المعبودُ ........)) ااااااااثق2قص...................... في قراءة أخرى لنص من نفس عمق هاجس الذهن في يتحول الاشتغال إلى رؤية ذات عمق فكري مركب حيث تتغير لغة التقرب لكنها تظل تحمل نفس شعاع ضوء وجدانيات الرؤى التي صنعتها النصوص الأخرى غير إن المكرر لم يجد له مكانا في تلك الهواجس فالشاعرة تبدل رؤيتها مع كل لحظة تريد بها أن تكتب نصا لثناء قدريتها مع تلك هائلة من الضوء . (( هطولك.. إشراقي.. و لأن مزقك.. عويل أبنائي فلأنك كتبت أقدارك و خططت أقداري . فلا نواح عليك. حين انزواء العمر في سديم عتمة وضيق المكان اهكذا تقسمين الأقدار ؟ )).. وهكذا هي رائية وجد المرأة ، تمثل في بهجة اللقيا ، وإدراك لحاجة أن يكون معنا ، هذا الذي يريدنا ونريده ، فتكون قراءة الشاعرة لوحدانية دهشتها وعزلة الشعر لديها هي قراءة تأتي من معرفة الدافع الروحي والأدبي وحتى الديني ليجعل هكذا نمط من التعلل تتحكم فيه رؤى التصوف وافتراض كسب مودة ما نحن ننتمي إليه جميعا . ولوج رؤى أخرى في عالم الشاعرة فواغي صقر القاسمي يتطلب منا أن نتهيئ لنمط آخر من وجدان الشعر ، تلك الرومانسية التي لاتختلف عن سابقتها سوى إنها تمتلك كما كبيرا من موسيقى الكلمات الغارقة في عذوبة جملة الشعر ، ولكنها أيضا بهذه الرومانسية البيضاء تربط أزمنة وتواريخا ، وتعيد في رغبة القصيدة صدى ما تعتقده تراثا جميلا لأزلية الحب ، والتعشق ودوره ي خلق إبداع القصيدة وجعلها صفحة مشرقة ن صفحات التاريخ . ففي نص بعنوان ( محكاة بن زيدون ) المنشور في أوراق الشعر 17 ماي 2006 . تكون المناجاة لهذه الشخصية الشعرية المذهلة التي صنعت من خيال وحسن ( ولادة بنت المستكفي ) عالما من عذوبة الرومانس الأندلسي حتى قيل إن ماكتبه ابن زيدون من لوعة التشوق وحب لولادة يساوي كل تراث اسبانيا الشعري في الحب منذ سقوط غرناطة وحتى اليوم . انه ( أي بن زيدون ) شاعر لوعة وفتنة وفقدان وتجافي . تتوجه له الشاعرة في محكاة عصرية وبذات النمط التقليدي من كلاسيكيات القصيدة لنرها وقد أخذت من هم الشعر روح الشاعر وارتنا اللوعة بطريقتها الخاصة ، فالقصيدة عبارة عن مقطوعة للمناجاة ملحنة بعود أندلسي وفيها الكثير من عولمة ما يجتاح قلوبنا الآن ، لهذا نجد أن فواغي في قراءتها لمحنة الشعر ومشاعره تحاول أن تجدد مسعى أن يكون ابن زيدون موجودا الآن ليديم عهدا أخرا من الرومانسية والتشوق والكلام اللحن المعبر عن قدرة الشعر ليكون ممثلا حقيقيا عن لوعة الروح وعاطفتها . إن النص الموسوم ( محاكاة بن زيدون ) هي رائية أخرى مكثفة لما تعرض له الشاعر من حيف وغبن وإهمال ، لهذا جاء نص فواغي مدركا لسعة الألم ولكنه مكتوب بحبر امرأة أرادت أن تلبس بن زيدون شيئا من حياتها وتجربتا الشعرية فكانت هذه الرؤيا ، مبرة بصدق عن روح الشعر لدى الشاعر الأندلسي والشاعرة الإماراتية : ((يا نازحا و ضمـير القـلب مثـــواه أنسـتـــك دنيـــاك عـبــدا أنت دنـيــــــاه " يقضي الزمان و لب القلب مســتعر و الــدمــع قـــــرح بالإدرار عــينـــــــاه فكيف تســلو محبــا أنت مهـجتــــه شـــوق الصـبــابة في الأوصال أضـنـــاه فما بــرأت و لا وجـــدي يبــارحنـي و لا نـديــــم يســـــــــلـيني فــأنـســــــــاه يا حادي العيس بلغ من نأى سقـــمي قــد هـمـت وجـدا بمن في القـلـب سكـنـاه فيا بـائعــــا حـظــــه منــي بذاهــبــــة لو ســاءني الـدهــر ما اسـتبدلــت ذكــراه " عــلّ اللــيالي تبقــينـي إلى أمـــــل الـدهـــر يعــلم و الأيـــــام مـعـنـــــــاه)) هذه القراءة بهذا الشكل من الرؤية التي تحاول من خلالها الشاعرة أن تمزج عالمين رغم البعد عنهما ، عالم الأندلس بسحره ودولته الضائعة . ووجد هذا الحاضر الذي لازال فيه الألم ماسكا رقاب خواطرنا وقصائدنا من خلال بحثنا الدائم عن الهوية ومدننا وسواحلنا وأحلامنا التي يحتلها الغرباء . تكتب فواغي القاسمي رومانسيتها بوجدانية متحررة . تعي فيه قدر الصورة والموسيقى لصنع وحدة متكاملة من الشعر . ترينا في مثل هذه اللواعج عالما من المرئيات البائسة والسعيدة ولكنها في الحالتين مليئة بالمشاعر الإنسانية ، وفكتور هيجو يقول ( الشعر من دون وجدان ،حصى مرمية في قارعة الطريق ) لهذا نرى الشاعرة تهتم بهذا الوجدان ويكون البوح لديها حتى في ذاتيته الخاصة بوحا لاستلهام ماتراه بروحها قبل رؤية عينيها ليجئ النص طافحا بالكثير من خيال الرؤية والانقياد إلى المعنى الواضح والمعبر عن شجن حقيقي لشاعرة تريد أن تقف مع القارئ عند تخوم الجملة الواضحة والمعبرة . نكتب الشعر ، لنجدد الرؤى في حكمة أقول ، نكتبه لندرك إننا وصلنا إلى الفعل والمفعول وان الآخر الذي ينتظرنا عليه في نهاية القراءة أن يشكرنا بقلبه عندها نحس به ونرد إليه الشكر بقصيدة جديدة ، لهذا خلق الشاعر ، وتاهت بين رؤاه التمايزات الطبقية حتى تحس إن الشعر مثل الاشتراكية تذوب فيه كل الفوارق . عند ضفاف هكذا رؤى نحاول أن نقرا نصا أخرا يفيض بذات الرومانس والوجدان ولذات الإشارة والموسوم (( غرام وشجون))..وهذا النص هو مثال جميل للغة الشعر بصورتها الواضحة والتي تعبر عما تريد بمنتهى الشوق والبوح لمن تعتقده الشاعرة بأنه قريب من القلب ( الزوج ، الأبناء ، الوطن .. أي قريب آخر ) المهم إنها في هذا النص تصبغ ذاتيتها بمدى واسع من التخيل والرغبة والاقتراب من ظلال من تحس إنهم يشكلون الفتنة الحقيقية في عالمها . نص كتب بأفق مرئي ، وشفاهية الجمل فيه تعكس لذة اللحظة وقت خلق النص وصناعته لذا كانت القراءة للقصيدة قراءة واضحة وليس هناك ذات تريد أن تمسك عنق الضوء لتريه مدى تشوقه للرحمة والغفران والمواددة التعبدية ، لان النص هنا يقرا في ذاكرة أخر تعتقد القصيدة انه يستحق كل هذا الحب ، فجاءت الجمل ناعمة ، هامسة مرتدية معنى فضيلة الحب بطابعه الإنساني الهادئ والذي يشعرنا بالتواصل مع العالم بكل مذاهبه وجهاته (( : أني رأيت بك الحياة رحيبة .................. غناء تشدو بالهوى تلحينا )) هذه الرؤى هي التي أعطت للنص خصوصيته ليكون نصا للبوح الواضح والموجهة للإنسان القريب ، المتفاعل والذي يحترم قدرة الشاعر على أن يكون خيطا من ضوء فضي يربطنا على هوامش المحبة والخير والتواصل : ((تتراقص الأحلام في دنيا الرؤى فتهيم وجدا عارما وحنينا نبض الهوى بين الضلوع قصائدا نغم على الأوتار كم يشجينا)) هذا شجن العاطفة والحب والاستزادة من لوعة الفراق والتلاقي ، تخلقُ في المخيلة عالما مثير لدهشة الحلم في كل واقعه ليصبح الشجن والغرام سيرة ذات لوجع وسعادة قلب الشعر : ((إنا إذا مالحب أرق ليلنا ونأى بنا قلنا له آمينا.. فتتيه في دنيا الهيام دروبنا حتى كان الكون لايعنينا )) هذه التجاذبات في عدم عناية الكون بنا يخلقها الشعر منذ أزله كحالة تجلي وانقطاع عن الواقع وهي لحظة ولادة القصيدة حيث يتلاشى الإحساس بالمحيط وكذا لحظة اللقيا عندما تتوحد الذاكرة والروح والجسد . تكتب فواغي القاسمي وجدانياتها بلغة فيها الكثير من الحس والمحسوس ، وتحاول أن تقترب من شجن الكلمات في ترقيص هواجسها باتجاه نمط من موسيقى موزونة بعناية عدا أن تكون الجملة مليئة بدفق من إيمان وإحساس باحترام المكان وتقاليده لهذا يكون بوح فواغي حذرا ولكنه يؤدي غرضه بأكثر من مشفرة وقصد ، أي إن القصيدة في منتصفها تنفلت إلى رؤاها الحقيقة ولم يعد بالنسبة للشاعر الانتباه إلى المحيط ضروريا مادام الشعر ينتهي بالنسبة لها إلى إتمام رسالة من المودة والخلاص والدفاع عن حق مستلب يما يخص معاناة الإنسان أو الأوطان . وقصيدة ( رقاص الساعة ) توضح قصدنا تماما كما في نهايتها : (( انظر إليك وتراودني أفكاري المجنونة وهمهمت أن اقتلعك وأحطمك ألقيك بعيدا من نافذة الانتظار حتى لو اتهمت بالقسوة والإجرام والتمرد على الوقت والقانون ثم توقفت فأنت مجرد رقاص وأنا اكبر من أن يهزمني رقاص سيتوقف الرقاص حتما ولكن الطبول ستظل تقرع )) يظل هذا الوجدان مسيطرا على عالم الحس والتحسس وتغلب عليه مسحة الموسيقى وهي تؤثث لشيء من مشاعر صادقة تبث من خلالها الشاعرة إشارات إيصال الفكرة وما تريد أن تقوله وهي التي يحسب لها إنها ناشطة جيدة في مجالات كثيرة ومنها مايهم عالم المرأة والاشتغال الوطني عبر إصدارها للكثير من نصوص المعتنية بما فقدنا من ارض وبلاد . لهذا فان التنوع في عالم هذه المرأة الشاعرة يظل تنوعا مبدعا فيه الكثير من خصب الفكرة ومعاناتها ، وتظل رائية الوجدان أكثر ماتحتفي به تلك الذاكرة الأنثى وهي تخط على أديم الزمن عبارات شجن ورومانس تريد به إدراك أن القيم التي يصنعها الشعر هي أكثر القيم حقيقة في وجودنا لهذا نراها في كل نص تصنع مغالبات الفكر على ماتريد أن تنسجه أو تلونه بشغاف قلب امرأة تتموسق في عينيها رؤية الجملة التي تسفح على الورقة خاطرة قلب شاعر . لهذا فإنها كما السياب في رغبة انتظار ضوء الشعر تتطلع إلى اشراقة القمر وكأنها اشراقة حياتنا ، فعند بدر شاكر السياب ثمة كركرة لطفولة تحت جدائل ضوء القمر ، فان القمر عند فواغي هو جزء من أسطورة لاتنتهي لتلك المشاعر الضوئية التي تملئنا بحياء الرغبة لنكون ، وهي في نصها الموسوم ( أسطورة القمر ) تحاول أن ترسم بالوصف مكنون هذا الضوء وقدريته على تغيير أشياء العالم . (( هناك عند ضفة القمر ، سحابتان تغرفان من وجنة الضياء ملامح القمر وتنسجان من نجومه العذراء قلائد الدرر ليكتسي من سحرها القمر )) هذه الكسوة تخيطها أنامل الشعر وتعممها كمشروع للمصالحة والحب على كل الدنيا . إن رومانس المفردة على بساطة روحه وعذوبة موسيقاه يحاول هنا أن ينقل جزءا من مشاعر أنثى تريد أن تصل بالقصيدة إلى ابتهاج ما يمكن أن يمنحنا إياه ضوء أسطوري كضوء القمر وهي هنا تعادل منطوق النص السومري الذي كان أهل أور يدونه على ألواح التشفع لإله مدينتهم ( سين ) اله القمر . (( سيتدفق علينا ضوءك البهي ، يملئنا سعادة وقناعة إن هذا النور هو الذي يشبعنا لحظة الجوع ويمنحنا السعادة لحظة الحزن . النور المبارك البهي ، القادر على تحويل الظلمة إلى مساحة أمل نسير فيها عبر دروب الإلهة إلى المكان الذي يمنحنا السرمدية التي نريد )) وهكذا يصنع عالم الشاعرة الإماراتية فواغي بنت صقر القاسمي . تراث همه وفرحه وإنشاده وصوفيته عبر الكثير من النصوص التي تتنوع في طبيعة رائيتها ، لكن الملفت فيها هي غنائيتها وهمها المتوازن إزاء الكثير مما يحيط بنا كما نراها هنا وهي تهدي القدس نصا مركزا يمتاز بغنائية حزينة تقرب إلينا وجه المدينة المستلبة ، وغير القدس يتنوع هم الشاعر حتى إلى معاناة بلدها ، ليكون شعرها في بغض قصائدها الوطنية صوتا من حماس كبير ، وهي شانها شان كل الشعراء في وطنيتهم ترتفع عندهم مخيلة استذكار الأمة وهي في محنة الاستلاب والاحتلال والحصار والغزو العولمي ، ووسط هذه الضجة واللاجدوى الذي يغرق فيه مركب الأمة حين يعجز عن استعادة ارض احتلت ، تطلق الشاعرة حنجرتها واستغاثتها واساها بقوة وشاعرية عالية وهي تتغنى بالمجد العربي جهارا : ((جف اليراع وصمت الآذان 0000ما عاد يجدي منطق وبيان وتحجرت بين الضلوع ضمائر 00000لا العهد يحييها ولا بيان يامن تنادي ميتا ، كف النداء 00000هل تستجيب لصرخة أكفان؟ او تحسبن دم العروبة ثائرا 0000000عهد بأسلاف لنا قد كانوا! طابت لهم دنيا الصلاح مرابع 00000وتهلت في مجدهم أزمان لم يعرف التاريخ مثل منارهم 00000علما وما نطق القريض لسان لا والذي ملك الخلائق كلها 00000لم يمتهن في ملكهم إنسان كانوا حماة الدين حين نزالهم 0000أسد الوغى ، فانقادت الأرسان لهؤلاء الحماة الأباة ، ظلت هذه الشاعرة تغالب بوطنيتها وتجاهر بها ، وأحيانا تخرجها من الشعر إلى أنماط أخرى من الإبداع كما فعلتها في أعمال مسرحية واوبرالية حملت في نصوصها قراءة للوجدان العربي ، وأضافت إليها الموسيقى تعبيرا مجسدا عن الذي يجول في خاطرها وهي تقول إنها في هذا الجانب إنما تريد أن تري العالم إننا نغادر جروحنا إلى الرفض والمقاومة بواسطة الهواجس المبدعة فان لها فعل الرصاص عندما تصل إلى أهلنا الهائمين بنشوة التأريخ الطويل من المحيط إلى الخليج . ورغم هذا نجد إيمان الشاعرة ينقاد بعاطفته إلى أكثر الملاذات الآمنة ، فانك حين تقرا نصها الموسوم ( دموع السماء ) تلتقي بذات الرغبة لجعل الخلاص فلسفة تعم العالم عبر هذه الدموع التي سيغسل هطولها كل الألم الذي نتوجع منه جراء مانتعرض له ، فتعود الشاعرة إلى ذات همسها المتصوف وتجعل من دموع السماء خيطا من الضوء تسلكه عاطفتها التي تنشد الحلم والأمل دائما : (( ليس ذنبي ، أن تتساقط حقول الربيع لتتعرى أوراقها ، إلا من ورقة التوت تستر بها خبايا وجها وتختبئ ظلال الليل خلف إنسدال ظلمته لينساب الهمس دافئاً )) هذا الهمس الدافئ ، ظل يمسح برغبة الشعر كل هواجس عالم التخيل الذي ملكته الشاعرة فواغي القاسمي وأعطى لقدرتها الشعرية ميزة أن تكون قدرة تعي محتوى القصيد وهدفه في عالم كثرت فيه المتغيرات وتبدلت أردية المذاهب لكنها رغم كل الذي حصل ويحصل تمسك شمعة الكلام وتمضي حيث قدر لها أن تكون . وحيث يجلس الشعراء قرب نقطة الدلالة المضيئة تلك التي تفسر العالم وفق مزاج الإلهة بأنه عبارة عن محيط من الحلم تغرق به مزاجات البشر من شتى الأمم والشعوب وبينهم من يتميز بحسه ومكانته وموهبته ( ذلك هو الشاعر ) ..:\ (( لملمت فيها مالقيت من الأسى وجعلت اجمع غربتي ورجائي فصنعت من جور الزمان قلائدي ونسجت من الم المسيح ردائي ) هذا الرداء ، الجميل ، والمتألم ، والورع ، والرائي ، ترتديه فواغي القاسمي وهي تكتب شجنها اليومي بعاطفة الشعر وخيالة لترينا ذائقة أخرى لأنثى عربية من إناث الشعر )) * فصل جديد من كتابنا الموسوم (شعر الجزيرة العربية. موسيقى الرمل وروح الأسطورة ولؤلوة البحر ) والذي نشرت فصوله المنجزة في موقع جهة الشعر وصحيفة الزمان الدولية وهي لعبد العزيز المقالح ، كمال سبتي ، خزعل الماجدي ، قاسم حداد ، سعاد الصباح ، سيف الرحبي ، هيلدا إسماعيل ، منى كريم .. وجدان عبد العزيز - ألم المسيح ردائي و أنساقه الثلاث بعد فترة ليست بالقصيرة حاولت أن أخطو باتجاه الدراسة الموضوعية لنصوص شعرية احتواها ديوان ( ألم المسيح ردائي ) ، هذه النصوص تحاول أن تضع لنفسها مكانا متميزا وأن تتجلى وتتضح على أنها إنتاجا يجب فحصه والنظر إليه أي بمعنى الاتصال بهذه النصوص بوصفها ثقافة ذات طبيعة اتصالية كما قال ( كلنر ) : ( الثقافة تحدث بالاتصال والاتصال يحدث بها ) . من هذا المنطلق حاولت الاتصال بقراءة ديوان الشاعرة فواغي القاسمي ، لأجد أن قصائد الديوان قد بنيت على الجملة النحوية ذات الدلالة الصريحة تقابلها الجملة الأدبية ذات القيم البلاغية والجمالية المعروفة وهناك جملة ذات بعد نقدي نسقي تهيمن على سلوك الأفكار عند الشاعرة ( فاذا كانت الدلالة الصريحة تستند إلى الجملة النحوية والدلالة الضمنية تنشأ عن الجملة الأدبية ، فلا بد لنا من تصور خاص يسمح للدلالة النسقية بأن تتولد ) ، وهي حالة تتعلق بهيمنة النسق الثقافي كوجود لابد منه ، مما جعلني أتردد طوال هذه الفترة من الدخول إلى أعماق الديوان ، لأني أجد ذلك محاولة نقدية في أن تكون أو لاتكون ، فهناك شواطئ وهناك أعماق لنهر المعاني التي تتدفق لإيجاد ذات الشاعرة المتوهجة بالبحث في مساحات الجمال والوجود ، ومن مدخل العنونة الرئيسية للديوان ( ألم المسيح ردائي ) نجد الألم دالة ، والمسيح دالة ، وهناك حكم تملكي صادر من الشاعرة بجعل هذا الألم الذي يحمل هالاته المقدسة بمروره بالسيد المسيح ، ليكون رداءا لها ، وبهذا حركت أعماق التدفق للمعنى وتركت المتلقي يتردد على شواطئ النهر لأطول فترة ممكنة ، وهو يتحسب الدخول أو العوم أم يكتفي بالمشاهدة ويبقى على الشاطئ بنمطية معروفة كأن تكون هي الخوف من الغرق ... هذه الرؤى تجلت حينما قرأت النصوص كاملة وبتمعن وحتى الفراغات والرسوم ولوحة الغلاف ولا أدعي اكتمال الرؤية لديّ لـ ( أن الأنظمة العقلية واللاعقلية غير قارة وتمر بعمليات تشكل وتحول مستمر وتظل تبدل مواقعها وحدودها ، فأننا لا نحصل منها على صورة متناغمة وموحدة كمسلة بارزة للعيان .. ) ( ومن هنا الممارسة الفعلية للتحليل ستكشف عن أنظمة عقلية ولا عقلية ذات سمات متضاربة كأن تبدو متماسكة ومفككة في الوقت ذاته ) بهذا عليك وأنت في الشاطئ أن تنظر الى الأعماق بنية خالصة وتأنٍ بأخذ لبوس المكوث وليس عابر سبيل له بنية الاجتياز فقط ، وقد نقترب مع الشاعرة بـ ( تسابيح القرب ) ابتداء من ( أيها القدوس ) إلى ( اجعل الكون سلاما لعباد هم تقاتك ) إذن هي تنشد الاطمئنان في اتصالها بالذات الإلهية ليقينها أن ذاتها قلقة تسندها بهذا الاتصال وتقف في حالة استنهاض دائم ، فهنا لوحة الغيب التي تُستدعى بجانب لوحة الحياة الدنيا المعلومة ، وهذه النقطة بالذات مفتاح الدخول لأعماق النهر بالنسبة للمتلقي لا بالنسبة للشاعرة ، فمنذ البداية تعلن قائلة : ( رأيت بقلبي أسرار ذاتي فأدركت معنى الأسى والتأسي ) خلاصة الموضوع وجدت الشاعرة ذاتها ولكن كيف ؟ وعبر أي الوسائل ! فهي أيقنت ثم ذابت بذات الإله ... ( وأيقنت أنك في الكون كل فذاب بذاتك روحي وحسي ) اذن الركيزة الأولى هي الذات الإلهية ثم الركيزة الثانية هي بلادها الأمارات فهل يوجد بلد أحلى من الأمارات تقول : ( بلادي الأمارات أنت التي تأزرت مجد العلى والعظم وسطرت ملحمة للخلود تغنت بها في الزمان الأمم تملكت مني جوارح نفسي وروحي فقلبي عليك أنختم ) وهنا تبنت قدرتها على مطاولة الزمن وهي ترتدي ألم المسيح قائلة : ( فصنعت من جور الزمان قلادتي ونسجت من ألم المسيح ردائي ) ولكي تثبت ذاتها وتمتلك قدرة البحث تقول : ( وبقيت أبحث عن سلام علّني أجد اليسير يصير بعض عزائي ) وبين كل مسافة تجتازها في الحياة ترجع إلى ركيزتها الأولى وهي التمسك بالله كونه مصدر رضاها وقناعتها ... ( أسلمت أمري للذي هو واحد وقد ارتضيت بقسمتي وقضائي ) ومن الركيزة الأولى / الله / إلى الركيزة الثانية / الإمارات / الى الركيزة الثالثة / الحبيب / هذه الأنساق تشكل بمجملها البحث الحقيقي عن الذات ، فبدون الله لا توجد ذات القاسمي المتحررة في عوالم قدسية وبدون الأمارات لا توجد ذاتها المستقلة المتحررة من قيود الاستعمار وبدون الحبيب لا توجد حالات التمسك إلى حد التضحية والفداء الذي أكدته في قصيدة ( لماذا وحين ) وعمقته في قصيدة ( يا عذابي من غرامي ) الذي أختلط فيها الألم بالحب ، فتكون القوة المتعاظمة للتعلق بالذات الألهية والتمسك بالوطن والحبيب كقولها : ( لا تسقني كأس الفراق مرارة بيباب قربك معتما أيامي بل فاسقني عذب الرضاب بقبلة كالخمر تسكر دون كأس مدام لأغيب لا صحوا ولا غيبا سوى لهب يؤجج مهجتي بضرامي يامن تفيأني عليلا بالهوى حتى غدا لي موطني ومقامي خذ خافقي مني إليك وديعة فبه عزفت قصائدي وهيامي ) فوتر العزف بالنسبة للقاسمي هي القصيدة التي تكون نسق البحث المستمر ، فبها تكون إنسانة مرهفة الحس دؤوبة باتجاه النقاء والجمال .. ومراحل الجمال عندها ولذتها هي الله ، الوطن ، الحبيب والرابط بين هذه الأنساق هو الحب بألمه ولذته ، فالحب هو البركة التي تستحم بها كلما شعرت بوجود أدران تراكمت من جور الزمان ، لتتجلى وتسمو ثم تقترب من الذات الإلهية مرتدية ألم المسيح ، الم الهالة المقدسة لتجعل من الاتصال بالله ثقافة تواصلية مع معاني الحياة ، ورغم الألم تعيش أجواء الجمال ، فتذوب بذات الله وذات الوطن وذات الحبيب ... ( ضمني روحا وقلبا هائما وجراحات هوت في راحتيك واسقني من شهد هاتيك اللمى خمرة تسكرني من شفتيك ) أي أنها تذوب روحيا ولا تنسى الذوبان حسيا بالقرين الإنساني وهو الحبيب .. ولا تكتفي بالذوبان الروحي والحسي أنما تؤكد على الوفاء والحب قائلة : ( أقسمت أني لن أكون خؤونا باق على عهد الوداد مصـونا وأظل أسقي روض حبك في الحشا أبدا حنـــانا خالصا وحنينا وأظله بالخافقين وأرتجي رب الأنام بحفظه مأمونـــا ) لتأكيد جمال الحياة التي كلما كانت مسيرتها حافلة بلذة الالتزام الأخلاقي أصبحت أكثر رحابة وأكثر جدوى ، وهو مبدأ وضعت الشاعرة عليه خطاها ولم تحيد عنه قيد أنملة ، رغم أن الشعر مرتهن بالمبالغة والخروج على أوضاع اللغة المحكية حتى قيل ( أصدق الشعر أكذبه ) وهذه ميزة قلما تحلى بها الشعراء أي الالتزام بالصدق لذاته ثم أن الشاعرة عمدت في بعض المواضع إلى انسنة الأشياء وتقّولها عن الحب الطاهر : (تروي الروابي تلك قصة حبنا مذ كان في عمر الغرام جنينا غنت له الطيار أجمل نغمة فغدا برجع غنائها مفتونا انّا اذا ما الحب ارق ليلنا ونأى بنا قلنا له آمينا) وهكذا تستمر فواغي القاسمي في مسيرة حافلة بجمال الحياة ولذة الألم ، لتعطي معنى آخر هو رؤية خاصة بها تجاه علاقتها بالسماء والوطن والحبيب ولا تبالي ان تدعو الحبيب بقولها : (أوقد الحب شموعا إذ همى بحنايا الذات وجدا وانسكب نحن من شكّل بالشوق الهوى ماعلى الدهر بهذا من عتب !) والحب الصادق النقي كانت تؤججه الآهات وألم الفراق والحرمان ، وكأن القاسمي هي المثال الإنساني لهذا الحب اذ تقول : (انا مذ عشقتك ما عرفت وسادة لم تشهد الحّرات من آهاتي) ولكي تثبت موقفها أخذت تحاكي الثقافات الأخرى بما يغني ويظهر المعنى الجمالي الذي تريده الشاعرة ، فأخذت تحاكي الشاعر ابن زيدون في قصيدتها (محاكاة) وهي حالة من حالات المثاقفة وإظهار صور التأثر والتأثير سواء كانت بالمواقف أو بالأجواء الجميلة كما في قصيدتها (لبنان) تقول فيها : (تتضوع الإزهار من أكمامها فيعبق النسمات فوح شذاكا تدنو القطوف لكي ينال قطافها والأيك عانق في السمو سماكا) بهذه الصور البلاغية الجميلة نقلت أجواء بلد الجمال لبنان لتوازي تمسكها بالحبيب الساكن في الإمارات .. وظلت تتغنى بالبلدان والأسماء التي لها وقع مزدان بالجمال ، كلبنان ورند الجميلة وكما في قصيدة (حبيبتي أرن) والتي تقول فيها : (أرن وفيك من العذوبة وصفها ومن النفور وجرأة الفرسان عجز القريض من امتداح شمائل حلتك بل حليتها برزان) وهذه الخطوات الشعرية الجمالية لا تخلو من النظرات الفلسفية التي تؤكد رؤية القاسمي حول أشياء الكون والعلاقات التي تكتنفها وهي تردد : (جميع ارتحالي إليك احتمال فأنت القريب وأنت المحال ويبقى لدي غريب السؤال أفي يقظة كنت أم في المنام!) ولا تبالي الشاعرة في الإعلان عن عشقها الذي تعمق بالصدق وتضمخ بالألم وهي تعلن : (يسقينا خمر صبابته يثملنا حينا .. ويصدُّ) ودائما النافذة المشرعة والتي تبثها أشجان القلب .. هي القصيدة التي بمثابة فرشاة لرسم خارطة الحياة باتجاه بوصلة الجمال في مساحاته الشعرية (أعد لي خالي الأيام أشدو ... من الآهات يرسمها القصيدُ) بعد ذلك تثير أسئلة عديدة ، رغم ان الجواب حاضرا في ذهنها، لأنه محمول بالنور ... (يعاتبني القوم إني عشقت وكيف لمثلك لن أعشقه! وأنت الربيع لدنيا الزهور كساها بهاؤك ذا رونقه توارى ضياء الوجود حياء فروحك من نورها ناطقه) فالربيع والنور والروح كانت انفعالات وجودية لإثبات ذات الشاعرة العاشقة المبرر عشقها ... (أنا مذ عشقتك والوجود صحائف ... نظم القصيد لوجدنا وشهودُ) حتى تحولت ذات الشاعرة إلى ذات الحبيب وبالعكس .. (دع انعكاسك في ذاتي يناجيني وارجع صداك لأعماقي لتحييني) وواصلت الشاعرة تعميق هذا الإحساس .. إحساس الحياة بالحب وهو يتعمق ويتجذر حتى تنشطر العلاقة الجسدية بين الحبيبين عن طفلة عفراء في اللهو كوليد شرعي لصدق هذا العشق المقدس وهي (أرون) .. (سدد الحب سهاما في الحشا فاعتراني من شفا الوجد جنون وتلاشت من ثنايا دوحتي طفلة عفراء في اللهو أرون أشرق الحب عليها أنجما صاغها لحنا سماويا حنون) ومن خلال رحلتها الشعرية حاولت في الختام أن تجذر ذاتها الإنسانية والوطنية باعتمادها على رموز الأمة هذه المرة ، لتكون مفتاح المجد والثبات على المبدأ وأيقونة معلقة بذهن الشاعرة أنها ابنة أمة عريقة بالحضارة والديانة الحقيقية تقول : (فدم الحسين يظل ينزف في الضمائر في الدفاتر في مساحات الشعور) ونحن إذ نؤكد قدرة الشاعرة القاسمي في إيصال أفكارها بلغة رائقة شفافة وبجمالية الشعر .. لا ندعي احتواء ما جاء به ديوانها الموسوم (ألم المسيح ردائي ..) ، فيظل مفتوحا للقراءات المتعددة لما يحمله من عمق وإبداع .. / كتاب (النقد الثقافي) عبدالله الغذامي ـ المركز الثقافي العربي الصفحات 26 ، 33 ، 73 هيثم الخواجة - أدب و فعل الشيخة فواغي بنت صقر بن سلطان القاسمي يعانق جَهْجَهِةِ الفجر و يتطلع إلى الصباح إنها تسامر المطرالهتون ، و ترفض الاستكانة و قبول نصل الجراح ، و عندما تفتح مغلاق حديقة إبداعها تتأكد أنها عامرة بالعطاء .. و أن جهجهة الفجر افترّ ثغرها عن ابتسامة عريضة على مرأى من الكواكب كلها ، ذلك أنها تلمست حلمها وهو يهمي في الفضاء الرحب ينسج هدية بين اليقظة والصحو ، و يقرع على باب الضوء مشرئبا ، لكي يلمع في حويجلة سِفـْرها المديد، و يتلون بتلون دماء مشاعرها النقية ... إنها الأديبة الشاعرة و المسرحية الشيخة فواغي بنت صقر بن سلطان القاسمي المبدعة المجلية التي التزمت بلهفات إبداعها لتتسنّم المكانة التي تليق بهذا الإبداع . و لم تمض فترة طويلة حتى أبصر العطاء طريقه ، فإذاهي رائدة في كتابة المسرح الطفلي إذ لم يتصدّ أحد قبلها فى دولة الإمارات لهذا الفن ، و لم تكتف ِ بالريادة بل تجاوزت ذلك لتقدم ماهو مؤهل لأن يبقى و يستمر .. و في مجال مسرح الكبار ، سلكت مسلك الفرجة المسرحية ففازت بريادتين ، الأولى أنها أول كاتبة مسرحية تكتب للكبار و الثانية أنها أول من نهج في دولة الإمارات العربية المتحدة منهج التأصيل في تقديم فرجة مسرحية متميزة تعرض في الهواء الطلق ، و خير دليل على ذلك مسرحية " عين اليقين " و الأخطبوط ، و إذا أضفنا لذلك ولوجها لبوابة المسرح الشعري ، الذي يعد فنا ً صعبا ً و نادرا ً ، أدركنا مقدرة الكاتبة على الإبداع الشمولي .(1) ويقول أوكيزي :" أن يكون حيث الوجود الحي، الفعال ، المتدفق بالحركة و الفعالية ، لا ينبغي له أن يوجد في البرج العاجي ، بل عليه أن يكون بين الناس يصغي إلى كل شيء ،و ينظر في كل شيء ، ويفكر بعد ذلك في جميع ما أصغى إليه و نظر فيه .." (2) أوردت هذا القول لأقول : إن المبدع لا يمكن أن ينفصل عن المجتمع و لا يمكن أن يغفل آلام وآمال الجماهير .. و السؤال : أين يقع مسرح فواغي القاسمي مما تقدم ؟ إن ما قدمته هذه المبدعة يعد ّ مهما لأنه لصيق بهموم المجتمع العربي و يعبر عن فكره و مواقفه ضد الظلم والطغاة و من أجل التقدم والحضارة و السلام . و إن انحياز المسرحية فواغي القاسمي لمجتمعها ينطلق من فهمها لدور الفن المسرحي خاصة ، والإبداع عامة كما ينطلق من غيرة الأمة العربية التي آن لها أن تشرع نوافذ التقدم في مجالات الحياة . (1) عرضت مسرحيتا عين اليقين و الأخطبوط برأس الخيمة في الهواء الطلق و بحضور جماهيري لافت ، و نالت إعجاب الجمهور الذي دفع بتمديد فترة عرضهما أكثر من مرة والجدير بالذكر هو أن مسرحيات عديدة عرضت في الهواء الطلق لكنها لم تعتمد مبدأ الفرجة المسرحية . (2) يوسف عبد المسيح ثروت ، معالم الدراما في العصر الحديث ،منشورات المكتبة العصرية ،بيروت ص 107 يقول بريخت : " إننا نحتاج نوعا من المسرح لا يطلق المشاعر أو ومضات الإدراك أو الدوافع الممكنة بداخل مجال الإطار التأريخي الخاص بالعلاقات البشرية فحسب ، بل مسرحا ً يستخدم ويشجع الأفكار التي تساعد على تغيير المجال نفسه " .(3) إن الكاتبة المسرحية فواغي القاسمي مبدعة متميزة ، و ليس هذا الرأي من قبل المجاملة أو المحاباة أو لإرضاء الآخر ، ذلك لأنني أستند في ذلك إلى العروض التي شاهدتها وإلى المسرحيات التي قرأتها للمؤلفة . فمسرحية عين اليقين تطرح أفكارا صوفية فلسفية و يقينية ، و يظهر فيها الهدف الأعلى الذي يتمحور حول الوطنية و القومية و قيمة الإنسان ، و تثمين الإبداع و الإيمان بالله عزّ وجل بشكل واضح ومؤثر. و لما كانت الفرجة المسرحية مشروطة بالمتعة الفكرية و البصرية معاً ، فقد اعتمدت المؤلفة نقلة نوعية في كل فصل للتخلص من الرتابة ، كما ركزت على التلوين و إثراء المشهدية ، وشد الانتباه بأساليب مختلفة و متنوعة أهمها المسرح الغنائي التعبيري . و عندما تستنطق التاريخ تركز بعينها الثاقبة على الإسقاط على الحاضر ، و بين الماضوية والحاضر و المستقبل تدور الأحداث الدرامية ، أهلها لذلك ثقافة واعية و معمارية حوار شعري لطيف جميل : فكيف يكون غرام السنين سرابا مخيفا و يصبح كل هوانا ضياع ! يراود طيفك أشلاء روحي فيسرق من مقلتي المنام و لا أغالي إذا قلت أن المؤلفة من المسرحيين الذين يؤمنون بالتجريب و التأصيل المسرحي ... ففي التجريب حاولت تطريز نظرية بيتر بروك في المسرح حيث أن بروك في كتابه (المساحة الخالية) رأى أن المسرح لا يحتاج أكثر من مساحة خالية و ممثل و مشاهد حتى تكتمل أبعاد الظاهرة المسرحية ... و المؤلفة آمنت بهذه النظرية كمستند ، ثم تجاوزت ذلك إلى ملء المساحة الخالية بنص درامي جميل يخاطب العقل و العاطفة معا ، و إلى تطريز الفضاء المسرحي بالسنوغرافيا الجميلة والموسيقى المعبرة المؤثرة . ____________________________________________________ (3)يوسف عبد المسيح ثروت ، معالم الدراما في العصر الحديث ،منشورات المكتبة العصرية ،بيروت ص 107 و ما دام ما تقدم يشكل الفرجة الموسيقية التي دعا إليها كتاب مسرحيون و نقاد عرب ، فإن المؤلفة تقصدت تدعيم الفرجة في مسرحها بغاية تأصيل مسرحي عربي له جذوره الاحتفالية في الماضي ويلبي ألقه دعوات ملحاحة في الحاضر . يقول الدكتور صبري حافظ : " لا يزدهر المسرح كأي فن من الفنون الإنسانية الأخرى بغير التجريب الدائم و المغامرة المستمرة مع الجديد . لأن المسرح يستهدف سبر أغوار التجربة الإنسانية المتحولة دوما ً .. والمتغيرة أبدا..والتي تنأى بطبيعتها الحية الفاعلة عن الثبات و الجمود و عن الانحصار في أية قوالب محددة".(4) إن الشاعرة فواغي القاسمي التي أنتجت مجموعات شعرية متعددة ، منها المطبوع و منها المخطوط ، استطاعت أن توظف الكثير من شعرها داخل النص المسرحي ، كما أصرت على التزام الأسلوب الهادف في مسرحياتها كلها ، و هذا إن دلّ على شيء فإنما يدل على وعي في الأهداف و الرؤى لإبداع النص المسرحي و الإيمان بما يريده المتلقي .(5) في مجالات دعم الطفولة ، توجهت فواغي القاسمي إلى الطفولة من منظور أهمية بناء جيل المستقبل فكريا ً و ثقافيا ً و سلوكيا ً ، و قد لا يعرف عنها الكثيرون بأنها أول من أدخل المنهج العلمي " منتوسوري " للتعليم المبكر و المميز إلى دولة الإمارات العربية المتحدة في العام 1991 ، و أنها أول من كرّسَ مهرجان مسرح الطفل في الدولة أيضا ، فقد دعمت و أشرفت ووجهت من أجل تكريس هذا الفن ، فكان لها الفضل بإقامة العديد من المهرجانات منذ العام 1995 حيث جعلت لكل مهرجان عنوانا ً له دلالته في عالم الطفولة فحين أرادت إسقاط الضوء على التقدم التكنولوجي كان المهرجان تحت مسمى " طفل الفضاء" و عندما أرادت لفت الإنتباه إلى أهمية الموسيقى في حياة الطفل جاء عنوان المهرجان " لحن البراءة " ، و لأهمية الخيال في إذكاء روح التفكير و الإبداع تبنت فكرة المسابقة القصصية و كان عنوان المهرجان حينها " أنهار الخيال " ، أما آفة الوجبات السريعة وضررها على الإنسان فقد خصصت المهرجان لتوضيح هذا الخطر الداهم و أهمية الغذاء الصحي في مهرجان " لا لحداثة الغذاء " ، و للنظافة نصيب من الأهتمام تم التوجيه لها من خلال مهرجان " طهر و نقاء" ... و هكذا لكل مهرجان إسم و مغزى و فكرة كان لا بد من توجيه الأطفال لها ، تعززه مسرحية تخاطب الطفل بأسلوب شيق و رشيق . و إذاأضفنا إلى ذلك إعلان فواغي القاسمي عن مسابقة مسرحية للأطفال و أخرى لقصة الأطفال أدركنا مدى تقدير و ضرورة التوجه للأطفال . أما عن سمات النص المسرحي الطفلي لديها فيمكن تلخيصها بما يلي : (4)د. صبري حافظ ، التجريب و المسرح ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، 1984 ص (7) (5) من ذلك مسرحية " عين اليقين "ومسرحية " الأخطبوط " فالأولى صدرت العام 2001 وطبعت حتى الآن خمس طبعات في كل عام طبعة ،و الثانية صدرت في العام 2003 وطبع منها ثلاث طبعات بكل عام طبعة . 1 – الأنسنة اعتمدت فواغي القاسمي الأنسنة أسلوبا في بعض مسرحياتها ، كما حدث في مسرحيتها " محكمة الباذنجان " المرافقة لمهرجان الطفولةالسادس " لا لحداثة الغذاء " ، و لا يخفى على أحد بأن الأنسنة أسلوب يحبه الأطفال لما يعكسه من متعة ،فالباذنجان يتكلم و كذلك الجزر و أنواع أخرى من الخضار و الفواكه التي تشتكي لقاضي المحكمة( الباذنجان) إهمال الأطفال لها في دلالة تعكس أهمية الغذاء الصحي و مضار الوجبات السريعة . 2- اللعب ومن الملاحظ بأن اللعب أساسي في حياة الطفل فكان دائم الحضور في مسرحيات المؤلفة و هو لعب موظف دراميا وقد أثبت الباحثون و النقاد بأن اللعب أساسي في مسرح الطفل و لا يمكن التخلي عنه،فهو يشكل جزءا ً من المتعة ، و يسهم في التوصيل الحي و السريع إلى المتلقي . 3- الفكرة الهادفة لا تؤمن المؤلفة بالأدب الضحل و المسرح الساذج ، و لهذا نجد في كل مسرحية من مسرحيات الأطفال هدفا أعلى تسعى إليه من خلال الأحداث ، و قيما أخلاقية و تربوية تنسرب في جسده و ثناياه. 4- المتعة و الإدهاش و من الأسباب التي جعلت مسرح المؤلفة مقبولا عند جماهير الأطفال ، الاهتمام بالمتعة البصرية والبصيرية و البحث عن وسائل تشد الطفل إلى الخشبة . 5- اللغة المسرحية تتوجه المؤلفة إلى الطفل عن طريق لغة سهلة تناسب الفئة العمرية التي تتوجه إليها، فالحوار بسيط ومركز و يخدم نمو و تطور الأحداث . و جدير بالذكر أن فواغي القاسمي وقفت إلى جانب المرأة أيضا و اهتمت بالأسرة فعقدت الندوات والمحاضرات و الدورات لها و شجعت خروجها للعمل في جميع مؤسسات الدولة حتى تلك التي كانت حصرا على الذكور فقط ، ذلك في سعي منها لدعم دور المرأة الحقيقي و اللائق في المجتمع ،كما فتحت المجال أمامها لتثبت حضورها من خلال العمل التطوعي و الأعمال الفاعلة و المؤثرة في حياة و مجتمع الإمارات . لقد دعت إلى مزيد من الوعي عندها و شجعت العلم و المعرفة ، و صرحت في مجالات مختلفة بأن للمرأة دورها و لن يتحقق هذا الدور إلا من خلال العلم و التعلم و المعرفة الثقافية و الانخراط في المجتمع كعنصر تنفيذي يعرف ما يريد ، و يسعى إلى تحقيق ما يريد . و المدهش في هذا الاتجاه أنها تحافظ و تصر على أن تكون القدوة لنساء مجتمعها بتجسيد نظريتها عملا على الأرض حيث تصر على النجاح في كل مجال لكونها تكره الفشل و اليأس و تثمن عاليا المبدعين و الناجحين المخلصين . هذا الحرص على التميز و الإبداع دفعها أن تتولى مسئولية رئاسة مجلس أمناء " مؤسسة الشيخ خالد للإبداع و التميز " و التي تهتم بتكريم المبدعين في جميع المجالات الحياتية و التي تعتبر الأولى في دولة الإمارات العربية المتحدة ، حيث تطورت من جائزة للطالب المتوفق المبدع لتشمل جميع المبدعين و المتميزين من أفراد ومؤسسات و دوائر خاصة و حكومية ، إضافة إلى رصد جائزة للأسرة المتميزة و أخرى لذوي الاحتياجات الخاصة . و في كل عام يتم تكريم جميع الفئات في مهرجان ثقافي يستمر عدة أيام تقام على هامشه الندوات و الورش العلمية و الدورات التدريبية إضافة إلى استضافة خبراء و رجالات علم يلقون المحاضرات و الدروس . كل ذلك كان يقام على أرضية "نادي الفتيات " الذي أنشأته لخدمة المرأة و الطفل و تطور مع الزمن إلى نادٍ ثقافي يحتضن المسابقات الرياضية و الثقافية و الإجتماعية التي تعدت حدود المرأة و الطفل لتشمل جميع فئات المجتمع ، و هو النادي النسائي الوحيد في الدولة المسجل في اتحاد السباحة حيث تخرجت منه براعم نالت المراكز المتقدمة في مسابقات السباحة بالدولة. و عندما نصل إلى الشعر نجد هذه المبدعة وقد أبرمت معه عقد وئام لارجعة فيه ، لأن بوصلة الرؤية انتهت عندها إلى رأي حاسم مفاده : إن الشعر حال تستغرق في براءة كل شيء ليكون تعبيرا عن الدفء و الصدق، و تجسيدا لما ينبثق تلبية لمتطلبات كثيرة داخل الكيان الإنساني ، لكي تلد القصيدة من بؤبؤ المشاعر و ترتدي ألقها من معزف الوجد الساحر . و ما يسجل لها في قصيدتها أنها لا تسقط في هاوية اللهاث ، و لا توغل في مغاور النحت و التكلف، ذلك أن كيمياء الروح أشد قوة من الزيف و المكرور المعاد , لأن ما تود أن تعبر عنه ينطلق من عشق يسيل متدفقا ً من النبض ويحط في شريان الواقع ، رافضا ً تارة و مستجيبا ً تارة أخرى ، و يستند على منطق لغوي لافت .. فيه من الاشتقاقات ما يبهر و من الصور مايسحر . في قصائد فواغي لهب الشفق المسافر عبر قطار الرغبة و الأنا و موج السواقي التي ترفض الأفول طالما يصر الشهيق على التقاط أبجدية الود و الحب و ألوان السعادة . و عندما تطل ملامح الظلم والكآبة و الغيرة و الحسد تقرع ناقوس الإبانة و التوضيح ، و هي تثق بأن المعادلة اللاهفة لانسكاب الحقيقة المقدسة ستسطع بلا تردد على عتمة زائلة، لأن رخام منطقها صلد و صلب ، و لأنها العنود التي تريد لشعرها أن يظل مساكب من ندى الفجر و لهذا تستمر تلاويح العطر مفعمة في جسد قصيدتها التي تأبى الذهول و تكره الانكفاء أو الاستسلام إلى نعاس الفتور . و لكم يتملك القاريء الإعجاب حين تفرش ورودالجنائن في رحاب محجّة السواقي المحاذية للبوح والإعجاب و الأمل و الحلم ، و حين ترفرف الأشرعة ... وهي تدرج في فضاء الشوق و الترحال على شريان الحياة الفائر : وهاج الحنين بذكرى ليال ٍ رشفنا زلال الغرام سـويا نصلي بمحراب دنيا الهيام و يطوى الزمان بلقيانا طيّا هذا و تمنح واقعها خيالا فتعكس ماضي الحياة ليصير واقعا ً و لاواقع ماضيا ً دون قصدية ، و لكن بهدف إطفاء غيوم الأسى و قدح العيون من أجل الحاضر و المستقبل . و هي إذ تسرج حصان الشعر نحو الطموح القادم فإن التيارات الموسمية لا تضعف قناعاتها وهمتها باتجاه دعم الـ (أنا) و الوقوف إلى جانب الـ (نحن ) بامتياز . لملمت فيها ما لقيت من الأذى و جعلت أجمع غربتي و رجائي فصنعت من جور الزمان قلادتي و نسـجت من ألـم المسيح ردائي و عندما تسرح في معاني شعر فواغي القاسمي ودلالاته ومرموزاته تتذكر ولادة و يحضرك ابن زيدون ، و لا يغيب عن بالك أراغون و بودلير و السياب ... إنه طير يطفو على صهد المواجع ، وصبح قادم بلا مواقيت و غاب نخيليّ مسحور ... فيه سمو و سموق ، يعانق فناء الروح و يدفعك لتظل رهن الحياة ... يلقم ذهنك دررا ً فذّة ، و يمدك بارتعاشات هوادج الذاكرة و أنامل صفحة الإشراق . مددت يديّ لأنظر ماذا فأبصرت روحك في راحتيا فذابتْ جوارحُ نفسيَ لمّـا تسللت بين الضلوع نجيا (6) وبعد ، فإن المبدعة فواغي القاسمي أديبة شمولية بكل ما تعنيه الكلمة فمن مسرح الأطفال إلى مسرح الكبار إلى فن الشعر – ديوان العرب – إلى مقالات نثرية ...الخ كل ذلك يؤهلها لأن تأخذ هذا اللقب خاصة و أن ما تكتبه لا يمكن أن ينضم إلى الركام من النتاجات التي نشعر بأنها لا تضيف شيئا و لا تترك أي أثر ... إن أسلوب التحكيك و التنقيح الذي تعتمده و عدم الاستعجال في النشر، و الإصرار على تقديم اللافت و المبهر للقاريء ... كل ذلك ساهم في نوعية إبداعها الذي ينبئ عن موهبة حقيقية و متفردة . هيثم الخواجة كاتب و ناقد مسرحي _____________________________________________________ (6) المقاطع الشعرية من الديوان الشعري " ألم المسيح ردائي " فواغي القاسمي ،البيان للصحافة والطباعة و النشر ، الطبعة الثانية 2007 فواغي بنت صقر القاسمي وتكوين الفلسفة الشعرية الخاصة كتابات - وجدان عبدالعزيز الشعر مساحة واسعة تجتذب الانسان الشاعر ، ليتخفى بين رموزها طارحا افكاره في الحياة كتساؤلات كونية ، واشكالية الطرح مرهونة باشكالية قاموس الشاعر من المرموزات ، فمنهم من يكون قريبا من البوح العلني هذا نخرجه من دائرة بحثنا الان ومنهم من يكون بوحه سلسلة متواصلة متداخلة لها علاقات سرية لا يُعثر عليها بسهولة ويسر ولم نستطعْ الوصول اليها الا بعد كد الذهن ومواصلة القراءات المتعددة وفي كل قراءة نكتشف علاقات اخرى يحق لنا تسميتها كاسرين بذلك توقعات الشاعر نفسه .. وهنا نثبت بان الشعر هو مجموعة من افكار ومباديء وصيغ يحاول الانسان الشاعر بودقتها ضمن قاموسه الرمزي ... والحقيقة ان صدق الشعر ما اخذ طريقه في مناطق الضعف وحتى لانقع في اضطراب الوصول نقول ان في الشعر مناطق مطاوعة ممكن ليها لايجاد دالة المعنى مثل المناطق التي اتخذتها الشاعرة فواغي صقر القاسمي ، فهي تبدأ بتساؤل في مناطق الشعر الرخوة (الحب )مثلا .. (لماذا قسوتَ حبيبي علي ؟) قد تبوح هنا ثم تبرر فكل اختفائي هو تأنق الانثى الجميلة بمشاعر الحب وصقلها بتوهج هذه المشاعر ثم تختفي تحت يافطة الامتلاك .. (لقد كنت تدري بان اختفائي بين السطور وخلف قصيدة شعرٍ وهمسة سحرٍ جسور عبورك انت لي !) بعدها تختفي فواغي مرة اخرى كما هو الغواص ، لتبحث عن تجليات اكثر اشراقا واكثر اضاءة ، تتعكز على ذكرياتها ، لتطرز وجه الذات التي تبحث عنها الشاعرة ، وقد لاتصل الى اللآليء مرة واحدة انما على شكل مراحل من الغوص المتكرر .. (كم للفواغي التي ضاعت بمنضدتي ياقلب ذكرى بها غصت عناويني مابين هذي وتلك العين حائرة من ايها اليوم اغريها فساتيني) ترى شفافية الاشياء واناقتها يتماهى بين جوانحها شيء من البوح السري ، بوح طي الكتمان لاخوفا ولا رهبة انما خلق مناطق اجتذاب المتلقي ووضعه قريبا من اطار الصورة ثم سرعان ما تتماهى الشاعرة في عوالم جديدة من رحلة الاستكشاف .. (ساطفيء شمعي واحزم امري وارحل حتى يكون ابتعاثي على عزف ليلي ارتحال رياح القضا والقدر) وهذا الرحيل المقرون بالتأمل والمراجعة ولد فلسفة خاصة امتازت بها الذات الشاعرة في تعاملها مع الاهتمامات القدرية وتساؤلات كونية درجت على التعامل معها فلسفة العظماء في التاريخ ، والدليل هذا الصراع الذي تعانيه الشاعرة بقولها : (صارعت في لجة الاهات بوصلتي طورا توافقني ، طورا تعاديني) وكأن البحث من خلال كؤوس الالام بين ضفاف العمر ، كناقوس خطر ينبه الشاعرة ، لانها ذات متوقدة فطنة في مساحة البحث كما هي في (اليوم تصفر ريح الهجر نائحة والبوم ينعق في ارجاء تكويني) ثم تستدرك قائلة : (ارحل ودعني لشأني لست آبهة علي ارتب اجزائي ويكفيني) وكأنما تقول المسؤولية هي مسؤوليتي انا (فلا عهود الهوى والبين ثالثنا تشفي الجراح التي جزت شراييني) لان مساحة استنهاض الذات من مسؤولية الذات نفسها كما جاءت بها تقولات الشعر .. هكذا تبقى الشاعرة المبدعة القاسمي في مناطق الشعر الرخوة تغري القاريء اللبيب الباحث في مظان الكلمات وايضا القاريء العادي الذي يريد ارضاء ذائقته في كلمات العاطفة والحب .. وقلت مبدعة لانها استثمرت هذه المناطق لايصال فلسفتها الخاصة الى المتلقي الغير عادي واصيحت كيان فكري وليس شعري فقط .. مقاربة نقدية في " موائد الحنين للشاعرة فواغي القاسمي عمران عز الدين رغم أنني لا أحبذ قضية تقسيم وتنسيب الأجناس الأدبية إلى أدب ذكوري وآخر أنوثي لما في هذه القضية من تعقيد ممل وتسطيح مقيت لا يصب في مصلحة الأدب بشكل عام كحامل وجامع لذات الرسالة التي ينشدها الطرفان, إذ كم من الأديبات كتبن عن عالم الرجال ببلاغة وحكمة فاقتْ الرجل نفسه والعكس صحيح. أجدني مرغماً على القول: أفرز الأدب النسائي الحديث أسماء شاعرات كانت لهن بصمة مهمة وواضحة في المشهد الشعري الراهن من خلال إجادتهن مختلف الفنون الشعرية كالقصيدة العمودية وقصيدة التفعيلة والشعر الحر.. وقد تجلتْ تلك البصمة في إغناء وإثراء الساحة الأدبية بنتاجاتهن الناضجة والتي كان لها دور فاعل وأساس في معرفة القارئ التائه والباحث عن المعرفة والجمال دوماً بأدوات الكتابة الشعرية المعاصرة من خلال عقد ضمني واع ومبرم بين الشاعرات والنص المكتوب وذلك بطرح أفكار جادة ومعالجتها وبتكثيف الصورة الشعرية وضغط المفردة إلى حدودها القصوى والاهتمام بموسيقى الشعر.. ومن الشاعرات اللواتي كانت لهن مثل هذه الإسهامات الجادة والمسؤولة في المشهد الشعري الحديث على سبيل المثال وليس الحصر: نازك الملائكة وسعاد الصباح وعنايت جابر ومرام المصري وظبية خميس وفوزية سندي وجويس منصور ولينا الطليبي. ضمن هذا الإطار والنسق الحداثوي الهام صدر للشاعرة " فواغي القاسمي " وهي شاعرة تنتمي إلى الجيل الشعري الجديد وتكتب القصيدة العمودية والتفعيلة والشعر الحر ولها مجموعات مطبوعة في كل ذلك، مولود شعري جديد تحت عنوان " موائد الحنين" وهي المجموعة الخامسة للشاعرة بعد: ألم المسيح ردائي وهو ديوان شعري / ملحمة عين اليقين مسرحية شعرية/ الأخطبوط مسرحية شعرية ً/ أي ظل يتبعني مختارات شعرية. تقع مجموعتها " موائد الحنين " في " 216" صفحة وهي من إصدارات مؤسسة شمس للنشر والإعلام في القاهرة. تتضمن ثلاثين قصيدة هي على التوالي: رحلة صيد ٍ بائسة / املأني دفئا في صقيع عدمك / رقاص الساعة / حدثني وجع النهر / متى يتوقف ناعور الضياع ؟!/ ساحرة / قال : استأنّي / ليلها الموبوء بالحيرة / ذات الوشاح الليلي / كيف لي أن أجفف الزوابع ..؟! / ماذا لو..؟ / حزنك ذكرايَ و ذاكرتي / ربي ... مزقني إن شئت على بابك / إنانا / وهم الموت الجميل / دموع السماء / توأمان أنا و الألم / ضفائر الوقت الحزون / غيبوبة الكشف / موائد النار الحرون / و أسكرتهما نشوة الغواية / شوق الفصول / جلجامش / شهوة الجنائز / سعيد مجيد عامكم الجديد/ يانع زهر العشق / زمردة / فوضى أقانيم الرياح / ضجيج قيامة و حساب / على قارعة الذكرى. بداية سننطلق من شرح مبسط للعنوان كعتبة أولى للدخول إلى المجموعة التي أرى أنها تمثل نموذج هام للكتابة النسوية بشكل عام وقصيدة النثر بشكل خاص، ومن ثم سنتناول المجموعة تحليلاً وتأويلاً ومراماً. ـ العنوان "موائد الحنين" فالعنوان يتألف من كلمتين فقط وهما: موائد: جمع للمائدة ويعلم الجميع أن المائدة تحفل بالكثير من أنواع الأطعمة والفواكه والحلويات مصفوفة في أكواب وصحون عادية وملونة ربما عند البعض.. البعض مائدته عامرة تحفل بكل ما ذكر أعلاه .. وفقيرة عند البعض الآخر.! كما أن هناك سورة المائدة في القرآن الكريم. الحنين: كلمة واحدة ومصطلح جامع لعواطف ومشاعر وأحاسيس لا تعد ولا تحصى، فالشوق والتوق واللهفة والرغبة والهيام وغيرها من المفردات الكثيرة جداً تندرج تحت مسمى واحد أو كلمة واحدة هي الحنين المشتقة من الحنان. الشاعرة هنا تضع الحنين بكل مراميه وأبعاده ودلالاته في أكواب وصحون ستقدم بعد أن تنتهي من سكبها / كتابتها على مائدة هي مائدة القراء. سيقرأ قارئ عن حنين إلى الديار وسيرتشف آخر حنيناً يسكره ويطربه بعد أن نأى عنه زمناً، وسيكوى آخر بحنين من نوع آخر وهو حنينه إلى حبيبته التي هجرته إلى آخر.. ثمة حنين للطبيعة المسافرة في رحلة اغتصاب وحنين مؤجل وحنين مقسط وحنين من دافع عن الأرض واستشهد في سبيلها ليدفن في بقعة أخرى من وطن أنصرف القائمون عليه وأولي الأمر إلى كل شيء يخدم أناهم المتورمة ومصلحتهم الذاتية على حساب مصلحة الآخرين. إذن للحنين أنواع، هذا ما تقوله الشاعرة أو ما يستشف من العنوان وهذه الأنواع تتبع لأمزجة وحالات ومشاعر كل من سيمر ههنا.. هذه التوليفة الشعرية بتأطير وتكريس أنواع / جدلية الحنين تبعاً لحنين ينتاب كل واحد منا هي مهمة صعبة وملغومة.. صعبة الإلمام بها وخطرة، ومكمن الخطورة هنا، هل سيتوفق من يتطرق إلى معالجة كل حالة من هذه الحالات..؟ هل من نصب نفسه محللاً لما ينتاب الآخرين من هموم وتداعيات وعواطف ومشاعر وأحاسيس قد مرّ بكل ذلك كي يكتب عنه شعراً..؟ هل اكتوى بتلك الحالات وعاشها أم قرأ وسمع عنها كي يقدم لنا في وصفة جاهزة علاجاً لأنواع الحنين..؟ هل هذا هو ما قصدته الشاعرة أم ماذا..؟ هل تسخر من واقع مزيف فارغ معلب ومدجن يبس في فؤاده كل معاني الحب والخير والحنين أم تحرض قارئها على الثورة في وجه من اغتصب كل مشاعر الدفء والحنين بحيث أصبحنا كالدمى نجر أذيال الخيبة دون أن يعني ذلك شيئاً لنا .. ودون أن نتوقف للحظة نتأمل فيها شاخصين لا منذهلين برودة وصقيع العواطف وتخشبها وتحجرها. " في غربة الارتحال / بين مفترقات الوهم / يشدنا الحنين / إلى حارات الطهارة و الصدق/ إلى منبع الفرح / واحتواء الألم." حفلتْ المجموعة بقصائد نثرية مموسقة من حيث متانة اللغة وجمال التصوير والدلالات الجديدة البديعة والخيال الخصب وتحمل رؤىً وصوراً ومعانيَ مؤثرة وقوية وتلامس أعماق القارئ المتعطش للجمال وهذه لعيني علاقة طردية مع قدرة الكاتب إذ كلما كان الكاتب مبدعاً كانت صوره رائعة وجميلة والعكس صحيح.. تتطرق إلى الأشياء المهملة والذابلة في حياتنا وتبحث عن الشعر داخل التجربة الداخلية الذاتية في فضاء الذات الأنثوية بأنامل احترافية مجدولة ومغموسة بماء الشعر.. تتصدى للوجع الإنساني وتصرف عليه جل اهتمامها وفكرها.. وتتطرق لموضوعات سامية نبيلة وهموم العصر برؤية شعرية شفيقة دون أن تتزحزح عن الفكرة التي هي بصدد الكتابة عنها.. متسلحة بأدوات الشعر وملمة بالقضايا والنظريات والمدارس الشعرية القديمة والحديثة وذلك بلغة بكر عذراء واقتصاد وتقتير لغوي، فما يهمها هو أن تنمو القصيدة تصاعدياً حتى تصل إلى الذروة وغالباً ما تكون الخاتمة كارثية في وقوعها على الذات الأنثوية. " حدثني وجع النهر / عن انثيال وجده / على وجنة الانعتاق / و عذرية اللغة." البساطة والحيوية في كتابة الشعر وفي كتابة الكلمة الدالة والمعبرة عن لواعج الذات الإنسانية هي سمة تميزت بها الشاعرة في مجموعتها التي دعمتها بمجموعة من الترددات الصوتية متمثلة بالتكرار بغية تعميق الدلالة التجسيدية للألم والفرح والنجوى والسلوى, حيث يتحول من مدرك معنوي باطني إلى مدرك حسي ظاهري، وهي كما أعتقد نقطة قوة تفردت بها مبتعدة عن الزخرفة العقيمة التي تجعل من الشعر ورود اصطناعية في بيوت بلاستيكية سرعان ما تذبل. فالوحدة " وحيدا في ليل حيرته الذي لا ينتهي / حين العين يسهدها الانتظار / و القلب المتوثب للقاء ٍ /لا يجيء" والماء والمطر والأرض والروح " رعشة السماء / و احتضان الأرض / عمر اخضرار ٍ مجبول بكليهما / و المطر المرسوم بدقة / على صحراء القلب / يتدفق ألوانا / يتشكل / سريان الروح / لهجير العطش." والدفء " إملئني أملا في قلبك / دفئا في صقيع عدمك." والمنفى والحنين والطبيعة والسخط والتذمر والتمرد والكرم والأمل والشجاعة والخنوع والذل والنصر والهزيمة والطيور واللؤم واليأس هي باختصار مفردات موضوعات تؤرقها وتؤرشفها وتسعى للكتابة عنها وتعريتها وفضحها سواء من تجربتها الذاتية أو من الظلم والواقع المتردي الذي عاصرته. وذلك بلغة مشذبة وقفلات فنية عاقلة وصور تكثيفية ترميزية مدهشة، إذ غالباً ما تنهي قصيدتها بعبرة أو عظة تستوقف القارئ الذي لا يملك إلا أن يعيد من جديد قراءة تلك القصيدة . ولأن أكثر الفنون صارتْ تميل إلى الإيجاز في لغاتها التعبيرية استجابة لروح العصر القائم على السرعة والاقتصاد والتكثيف، فأن للقصيدة القصيرة جداً أو القصيدة الومضة حضور جميل وموظف في هذه المجموعة، إذ نرى الشاعرة لاهثة في صياغة مقاطع نثرية تتوافر على صور مكثفة كأننا أمام لوحة رسام يتقن عمله، ففي قصيدة "ذات الوشاح الليلي" تقول: صورة هلامية /على ذات الوشاح الليلي / يتمدد اللون على نوافذ عينيها / ليتلون قلبها / و شيء ما خارجه يشي بها / وحدهما في تلك الغرفة / صورتان و نبض / كيف لتلك الأبواب أن تتكسر / يمتزج اللون دون صوت / يرسمها في اللوحة / خارج الغرفة. ـ السمات العامة في شعر كاتبة " موائد الحنين" : ـ تكثيف وضغط المفردة: تحرص الشاعرة في شعرها على ضغط وتكثيف مفردتها إلى حدودها القصوى لخدمة المنحى أو السياق العام الذي تعمل عليه.. وهي بذلك تتخلص من الشوائب والترهلات غير اللازمة التي تعيق المفردة عن النطق الشعري السليم والتوظيف المتقن.. فهي تحلق بمفرداتها المشذبة في سماء الشعر بلغة واضحة بعيدة عن الإبهام إذ نراها غير متكلفة ومبتعدة تماماً عن الزركشة اللفظية والزخرفة الفاقعة. ففي قصيدتها( زمردة ) تكتب: حزم حياته في حقيبة سفره / استقل أول غيمة عابرة / مشدود بأحزمة الألم / إلى أرض لم تشرق شمسها / مذ غادرتها النجوم / والتحف القمر دثار الغياب. ـ الاهتمام بالصورة الشعرية: يقف قارئ موائد الحنين أمام كم كبير من صور مبتكرة وخام ولم تتبادر إلى ذهنه إلا ما ندر، فالومضة حاضرة بين مقطع شعري وآخر والحكاية المؤنسنة أو أنسنة الحكاية حاضرة.. صور غرائبية تهتم الشاعرة فيها بدفقة الشعر والشعور مكرسة لها ألوان شجرة الشعر اليانعة دوماً.. ولا تتأتى كتابة هذه الصور المتفاوتة أحياناً بين الجدة والجمال والعادي المألوف بهذا الشكل غير المألوف لأي كان.. لأنها تستلزم أولاً: ـ معرفة مسبقة بضوابط كتابة الشعر وإلماماً واضحاً بالنظريات والمدارس الشعرية. وثانياً: ـ تشرب الشعر وكتابته من منطلق الشعور والإحساس بجدوى كتابته النابعة من هم يسكن ذاتها الشعرية القلقة والمسكونة بفك شيفرات الجمال وتعرية الواقع والمسكوت عنه بلغة مسبوكة ومصبوبة في قالب لغوي شعري أخاذ. / تعبئ قواريرك من حانات البنفسج وغدران الياسمين / تسكبها على تعاشيب المواعيد و دفاتر الذكريات / غناؤك المعجون بتمتمات الناي و سقسقات العنادل / يقاسم الأملود المئيد دلاله و النسيم رقة الهبوب / و تغرسين شعلة في ذيول السحابات الهاربة../ وأكتب بلادة التقويم الشاحب على سبائك المـدر./ ـ عمق المعاني، وسهولة الألفاظ: فالمعاني ترتبط بالإنسان وبالحياة وبالشعور والألفاظ سهلة لينة فيها قدرة فائقة على حمل المعاني المختلفة بحيث تأتي مشعة من النوع السهل الممتنع. أرحلُ و شواطئي مثقوبة ٌ بالذكرى../ لجندول حياتي المتأرجح على أمواج الغربة / أنفاسي تحرق كل حقول القمح / بنزيف غرسِها في تجاعيد الروح المنهكة / ارتطام جليد بصخرة الحقيقة / سغبُ الروح للحظة اللقاء / تسبر غوائل الليل الكليل / في حلكة الغيب تتماوج تقاطعات الشعور على أفاريز التيه / أظلته برمشيها المنسدلين كأهداب نخيل / تمشطين شيب الأفول بأصابع الحرير. ـ استحضار عوالم فلسفية : تعكف الشاعرة على دراسة قضايا فلسفية وأسطورية من خلال استحضار أرواح وقصص أسطورية في أغلب الأحيان كما في " إنانا " و " جلجامش" إذ أنها تكرس اللغة أداة طيعة وموفقة لتمرير وتسخير فكرتها وتفردها. أنظر مثلاً إلى ما تقوله عن الآخر " الرجل" شريك الأنثى في الهم والوجع الإنساني : لحظة تشبهني / حين بعضك كلي / و كلك بعضي لأراك / أراني / و يبقى الشوق محتدما بكياني / هذا و أنت مني / فكيف حين بعادك عني. !! ـ السخرية والتناص والنجوى والتحدي: وقد تبدتْ السخرية بمرارتها غير المستساغة واضحة في قصيدتها " سعيد مجيد عامكم الجديد " إذ أنها تسرد بضمير المتكلم وبحنكة متمرسة حكاية أرض سليبة أنصرف قسراً أهلوها عنها أو هكذا قُدِرَ لهم، في إدانة هامة وصارخة لواقع مشرد وأعوج حتى العظم ولا يحرك ساكناً. إذ أنها سئمتْ كما تقول من هذه الرتابة والمشاهد اليومية المرعبة وتحن لدفتر الذكريات في إشارة إلى الماضي الزاخر بالأمجاد والبطولات وتتمنى أن تفقد الذاكرة كي ترتاح ولو قليلاً من عبء مشاهد وصور اليومي الجبان بعيداً عن العدو / الجارة المتربصة ذات العينين المريبتين. ولتختم قصيدتها بالعنوان نفسه في إشارة سافرة إلى الخنوع والضعف وقحط وجدب الفحولة والرجولة. وتتناص بعض قصائد المجموعة مع التاريخي واليومي والاجتماعي والسياسي. وكذلك الأسطوري ببعديه الجمالي والخرافي كما في قصائد " ساحرة.. جلجامش.. إنانا." وفي قصيدة " ربي مزقني إن شئت على بابك." مناجاة حارة وصادقة: يا رب الكون و ربي. / مزقني إن شئت على بابك../ قدرني قربانا./ و أشعلني نيرانا / في محراب رجائك / لكن رحمتك إلهي ...! ولا تتوقف الشاعرة في " متى يتوقف ناعور الضياع..؟ " الضياع الذي يطحن الفرح عند شرح مواويل الفراق ونهر العبث الراكد والأشباح التي تعفر القلوب بغبار الزمن وصقيع الذكريات المؤلمة والرؤوس المثقلة بنعاس التيه ويُتم الأطفال على قارعة الشفقة والقمر الذي غادره ضياؤه بل تقفز الشاعرة لتفاجئنا بدعوة ثورية تتجلى فيها قمة مراحل التحدي لنصر زائف حققه عدو مخاتل مغرور في قصيدة " رقاص الساعة" ـ وكم تمنيتُ لو أن الشاعرة وضعَتْ هذه القصيدة بعد قصيدة " متى يتوقف ناعور الضياع..؟" لا قبلها ـ ثم تراجعت ../ فأنت لست سوى رقاص / وأنا أكبر من أن يهزمني رقاص ! / سيتوقف الرقاص ..حتما. / ولكن الطبول ستظل تقرع. ختاماً: قراءة سريعة كهذه لن تغني بالتأكيد عن قراءة مجموعة مكثفة وخالية من الزوائد والحشو الوصفي والاستطرادات بلغة زاخرة بعوالم من الصور واللامتناهيات والرموز والإشارات وذلك من خلال تقنيات مشغولة وعناصر منتقاة وكثير من المحفزات المتواشجة لتقديم شعر مراوغ عبر إيقاع شفيف. ................................................ عمران عزالدين أحمد سوريا / الحسكة |
المؤلفنقاد أدب عربي الأرشيف
August 2020
العنوان
All
|