(1)
مُدُنُ الزَّعفرانِ موعودةٌ باللَّونِ،
والزهرةُ تختبئُ في ظِلِّ قوسِ قُزح..
يفتنها الحلمُ المحدودَبُ الـ ينسدلُ على سوسَنِ عينيها،
يحملُ حفيفَ الآهِ المتحشرجةِ بين أضلُعِ يقينها،
لا تقوى على لمسِ شغافها بأناملِ اليقظة..
تستريحُ على وسائدِ التـِّيهِ مُوهِنَة.
********************************
(2)
صلدٌ أيـُّها الموهومُ بفتنتك،
ترتكبُ خطيئةَ الحياةِ، وتعتريكَ نيرفانا الحلول..
تلبسُ المتناقضاتِ موجباتها من سالبها
وتَعجنُ الموتَ بنبيذِ الحياة،
لا لشيءٍ
إلا لتُعاجِلَه بطعنةِ العشقِ ليستبِدَّ به نشيجُه.
**************************
(3)
علاماتٌ من التـَّوَجُّسِ،
وحشودُ الـ كيفِ والـ أين و الـ متى و الـ لماذا..
إلى اللامنتهى ..
ثم ماذا ؟؟
ركامُ هباءٍ تذروه الرِّيحُ
فما الذي يصلبُكَ على تُخومِ مداراتهِ البائسة.
*********************************
(4)
تعتريها لحظةُ الذُّهولِ في خيطِ شمسٍ هاربٍ،
يُسقطها على أريكةِ دهشته،
هل كانت غوايةُ اليأسِ والتأويلِ ماتِعة ؟؟
لماذا إذاً كلُّ هذا الظلمِ لأهازيجِ القبيلة،
وما كانت هباءً أبداً !!
*************************************
(5)
هاتِ من سَكْرَتكِ أيها الكونُ الماكرُ..
تحتسيها بملءِ شهوتها،
أقداحُها الفارغةُ اندلقَ نبيذُها على مفترقاتِ الوَهْلَة..
تشابهت لديها ملامحُ الأشياءِ بالكائنات،
ولا حولَ لها على تشذيبِ الرُّؤى والأخيلة.
************************************
(6)
حتى النهرُ يُغريها بصفائه،
ليُسقِطها في شراكِ خديعته..
قال لها ذاتَ وهمٍ:
المنفيُّون من جنَّتي هم – فقط - كُهَّانُ المعبدِ، وسارقاتُ التـُّوت،
أما أنتِ أيتها الدَّالةُ على سُورةِ الغيابِ
فلا يتشابه منفاكِ إلا بي وبك..
صدَّقته،
خامَرَتْ ألَقَها حيناً من الدهرِ
وهي تحتسي نبوءَته الفارغة...
المنافي تجمرها العتمةُ
كهيئةِ فزَّاعاتِ الحقولِ
التي لم يعد يخافُ منها الليلُ - -
لتجدَ نفسَها تفرُّ منها إليها،
لقد كانت كذبة !!
************************************
(7)
هذا الهسيسُ المتواردُ على ذاكرتها ليس بغريب،
وشايةٌ حملَها النَّحلُ إليها ذاتَ فِتنةٍ
حين قرأ في هيئةِ اللَّيلِ قامةً تدلِفُ إلى تابوتِ غربتها،
صومعتها،
جُبـَّة أورادِها
وتراتيل صلواتها السبع..
***********************************
(8)
هي الموشومةُ بلعنةِ السّهد
وأكاليلِ التـَّوقِ لأزمنةٍ مُغبرَّة،
ترجَّلَ عن صهوتها الخيارُ
وما أبقى لها سوى مهاميز المواقد والنار،
وبعضٍ من ثمار الكستناء، لا تليق حتى بالشواء !
معاً تقاسما رغيف الألم
فامتزجت روحاهما بمادته..
*************************************
(9)
لكل هذا وذاك
ساورته رغائبُ الفتنة بسحرها
وأضاءت له شموعَ وفادةٍ إلى قلبها،
حين تسلَّلت دافئةً إلى عمقهِ الغامض،
فانهمر شاعرُها الممسوسُ بعذاباتها ونزقها
كمتخلِّقٍ جديدٍ لا يحفلُ بكونٍ لا ينتمي له،
فكانت له كلَّ مداراته وأفلاكِه..
بيد أن المداراتِ مرصودةٌ بالكوابيس !
***************************************
(10)
أودعها الذهول حين اعترتها دهشةٌ مشوبةٌ بالنار
وأحكمت مغاليق مهجعها،
استفزها غموضُ متاهاته
فجفلت تتلمَّس مساربَ الخلاص
بيد أنه سائسٌ من نوعٍ مخيف..!
*********************************
(11)
قالت لها العرَّافة :
تجعلين النعناعَ الأخضرَ في دروبك،
فتصيبها الرعشة..
وتسوقين أقداركِ إلى مهاويك المهلكة
أقسمتْ أنها بريئة،
وتلمَّست إثمها المبحوحَ بصرختها الممتحنة
بـ ( أنا ياااا ... أنا)..
ليست بساقيةِ الوهمِ
لكنها أبجديةُ الغربةِ،
ونواحُ الحرفِ
يسوقها إلى جرفِ الجمع وقد أثرتهم بـ "ربما" و "قد"..
*************************************
(12)
كيف لها أن تكسرَ نبضَها،
وما عساها بدونه أن تكون..
ليست تمثالَ رخامٍ ينتصبُ على قارعة قلب،
لها مالهم من غواية الوادي وما يتبعون..
وتخشى من دروبٍ توصلهم ولا توصلهم،
فتقترفُ جريرةَ الوهم..
********************************************
(13)
قالت:
جنةُ أحلامكَ وارفةٌ خمائلُها،
فلا تجعل لخطوتكَ انزلاقاً في متاهاتي المتعبة،
كي لا أحملَ غوايةٍ لا تحتملني سفائنها،
فأغرَقُ وأُغرِق
كيف أنهم يتقاطرون ..
بأغنياتهم يتقاطرون..
بشطحاتِ غوايتهم يتقاطرون..
بأشيائهم المتعبة والغائبة يتقاطرون..
بمواسمهم الجافَّةِ والرَّطبةِ يتقاطرون..
بنواقيس مطرهم يتقاطرون..
بمرار قهوتهم ونبيذ أعسالهم يتقاطرون..
برنين حرفهم يتقاطرون..
على غربتها يتقاطرون..
يتقاطرون..
*****************************
(14)
تتجرَّعُ نافلةَ اللَّيلِ يقيناً في ذاتها
تموسقها على صدى ندائها بـ ياء المنادي لذاته
والمستمع لصداه،
تقلِّمُ عنها ذؤاباتِ الغوايةِ
وتسكرها بشغف المتأني المتلهِّفِ لميقاتِ هشيمه،
في غياهبِ المدينةِ الدفيئةِ
تديرُ قرصَها باتجاه بوصلةٍ ضالَّة
شاءت لها غير وجهةٍ أو قرارْ
************************************
(15)
يقتنصُها الإرهاقُ
وعلى غير عادته يتبلَّلُ جفنها بنعاسٍ مُبكِّر،
بسبب قشعريرةِ الطقسِ المترهِّلِ في هذه البلدةِ الضبابية
وهو يتنقَّلُ بين مطر البغتة،
وريحِ خريفٍ باردة..
وصفصافة تئن من عريها بعد أن خسرت معركتَها مع الرِّيحْ.
************************************
(16)
الأرصفةُ باردةٌ
والشوارعُ تكتظُّ بدخانِ المارَّة،
يحرقون حكاياتهم التي خَدَّرَت قلوبَهم
لتمتلئ أجواءُ المكانِ بدبيب فضولهم وذكرياتهم وإرهاصاتهم..
دخانُ تبغهم يرسمُ مكعباتٍ ومربَّعاتٍ وأشكالاً هلاميةً
تحبسُ بداخلها أسماءً ومواقفَ وأغانيَ عَبَرَتْهم
وتركت آثارَ خطوها في الهواءِ
كما يترك قوسُ قزح نثارَ اللَّونِ على دهشة المطرْ.
*************************************
(17)
تتلَّمسُ تلك المجازات الشاحبة
لتمسكَ بصورٍ متناثرةٍ تستجمِعُه فيها..
تجفل من تساقطِ الحرفِ على وجعٍ ينزُّ بصيرورتها
ونتوءاتِ الشَّفقِ المُتأزِّم في ظِلِّ المسافاتِ السحيقة..
تحاول ترويضَ الفتنةِ المحشوةِ في جوفِ أحاسيسها،
وهي تعلمُ جيداً هولَ كنايتها بالنار الصَّاهلة.
********************************************
(18)
حزنهما الشفيفُ هو خارطةُ عبورهما ونفورهما،
رنينهما وأنينهما،
صحوهما وهذيانهما..
يستبدان به كلَّه ويعفَّان عمَّا سواه
حتى وإن كان بعضَ بعضِه،
ليس للورد حيلة،
وحنينهما يختلقُ النيَّةَ والتبرير،
يغرقهما وهما بكامل غيبوبتهما
ليس كما يشاء
ولكن
كما يشاءان..
*************************
(19)
دواخلنا غاباتُ سنديانٍ
وارفةٌ بمتشابهاتنا وبطهرنا وغربتنا،
نسقيها من ينبوع الحزن اللؤلؤي..
نسكرُ من نبيذِ الكلماتِ المترفةِ في جمعها المقدَّس
و سريرتها المجدولة بسغب العبور
********************************
(20)
قيظُ الحلمِ يؤرِّقُ اللَّيلَ الناسكَ
فتنطفئ نجومُه المتعبة
والشرفاتُ لمـَّا تزل ساهرةً
تداعبُ الأُصُصَ المكسورةَ
وشتلاتِ النَّزق..
*****************************
(21)
نزهةُ الموجِ تسرقُ شطآنَ سكينتها ..
تنحتُ اسمَها على قلاعِ الرَّملِ
ذاتِ النوافذِ المغلقةِ
والأبوابِ الشاحبة..
*****************************
(22)
تتدلَّى حروفُها كعناقيدِ زهرٍ أبيضَ
اغتسلت بالرَّذاذ،
تجتهدُ في إعادةِ تشكيلِ جغرافيتها المرصودة.
**************************************
(23)
يوقظها نداءٌ هادرٌ يرجُّ أركانَها الموهنَة،
ينبشُ في المستحيلاتِ
التي تتهيَّأ بكاملِ زينتها
وصولجانها
وبخورها
وبهارها..
*************************
(24)
لا تبدو الأرصفةُ مهيَّأةً
لعبور عرباتهم الممتحنة بـ لعلّ..
المدينةُ متعبةٌ بوِزرِها وخدَرِها ،
تطوي اللَّيلَ كأرجوزةٍ قُطنيةٍ
تخبِّئُها تحتَ وسادتها،
فتتسلَّلُ خيوطُها إليها
كربَّات إلهامْ.
******************************
(25)
كفَّاها يلتصقان بعينين ذابلتين،
تحجبان انزلاقَ الحلم إلى مرفأيهما،
تنفضُ النعاسَ لتتركه معلَّقاً
على مشجبِ انتظارها،
همست لِلَون النهر:
يا لفضتكَ التي ترنُّ بقلبي،
تسرقني بضوئكَ
فأغتسلُ بغنائكَ المنساب،
وعلى ضفَّتيكَ أنشرُ حلماً مبللا بالندى
فتجلَّ له بمرآتكَ
كي يرى فيها كاملَ هيئته.
*****************************
(26)
ترتشفُ قهوتها باتئادٍ شديدٍ
وتحدِّقُ في تعاريج البُنِّ
تتعملقُ كلُّ الرؤى أمامَها،
ترسمُ تضاريسَ غُربتها
التي أورثها الحرفُ إيَّاها،
فتعقدُ ذيلَ الحلمِ
على قارعةِ
شغفٍ
م
و
ج
عْ.
*****************************
(27)
كلُّ الأحلامِ قابلةٌ للتأويل،
إلاَّ ذاك الذي يراودها في أسطُرِ كتابها الرقيم
مدسوس في ضوئه سرُّ الفتنة الصفية،
هي هي .. بعجينها وصلصالها،
بضبابها وشمسها،
بقطوفها ويبابها،
ببدايتها وسهوها
وانتظارها.
*************************
(28)
هي هي..
بصخبها المتكوِّر في حَمْأةِ هيئتها،
في شرانقِ الزَّهرةِ المفتونةِ بلونها،
هي هي..
تلك الجهةُ الخامسةُ المنفلتةُ في صدر الريح،
في شرفة الليلِ حين ثلثه يستنفر الهجيع.
******************************
(29)
هي هي...
في مواعيد المطر وكؤوسه ..
وهو،
خلفَ أغنيةٍ يسدُّ بها فراغَ القمر
ويرتشفُ رحيقَ الأمنية..
والموجُ يراوغه ذاتَ اليمين وذاتَ الشمال
مستنداً على فراغٍ يفترضُه،
والليلُ لا يزال يبتسم.
*************************
(30)
يتهادى إليها صوتُ أسمهان كغوايةٍ بيضاءَ
وحزن نصيع يغسلُ غبارَ الزمنِ
توغَّلَ في أعماق روحها،
راقصاً على حوافِّ النبضِ
يدغدغه بانسياب رهافته الشفيفة..
آآآآه لتلك اللحظاتِ الماتعة التي تسرقها من صداع الوقت
ترخي جوراحها لهديل الصوت
وهي تعلم أنه سيبقى العازف الوحيد في غابة الضوضاء
وفي قشعريرةِ الليلِ
حين شجن،
عَلِقَتْ عيناها بنافذةٍ تُسقط عليها بعضاً من الضوء..
تساءَلَت:
هل تستريحُ الوردةُ إلاَّ فوق أغصانها !!
لقد كان ذاك الغرسُ شهياً صفياً..
نبرةٌ من الشجن تردِّدُ همساً خفيَّاً يناجيها:
أيُّ وجْدٍ ذلك الـ يسكب أعسالاً شهيَّةً
ويناجي ربَّةَ العشق بآهاتٍ وألحانٍ شجية
يشعلُ القلبَ بأشجان الليالي السامرية
حين كانت تتجلَّى كعروسٍ مرمرية
يغزل الكون جناناً بالحروف الأبجدية..
ثَوَتْ على وسادةِ الليل شاردةً لا تلوي على شيء..
***********************************
(31)
تقرأ في عينيه نشوةَ المريد وسَكْرَةَ المواجيد
فكأنما كلاهما منصهرٌ في الجبَّة..
في عينيه صمتٌ تقرأه السنابلُ
وتتكسر به مغاليق الرموز،
رنينُ القطر أوتارُ قوسٍ مرنان
تداعبها أناملُ عازفةٌ من بلادِ عرائس القيثارات الحزينة،
تتهيأ جماهيرُ الشوق الصاهد
كأيائل السفوح الشاردة في غرابيب الانتظار
تنداح من لونه تناهيد عاشق وتمتمات مريد
. وهي تستمع إلى دبيب الروح على مرايا الوجد
************************
(32)
كأنما من وراء الغمام يخفقُ قلبه
مناجاة ضاربة في الخمرة،
لا تبقي للوعي مشكاةً ليستدلَّ بها على دروب الخلاص
ذاك الاحتدام في حجرات القلب،
تواطؤ مع الرغبة حيناً ومع الصبر أحايينَ أُخر،
الروح تتسلقُ سُلَّمَ الرغبات في نشوةٍ مُشاغبة،
الارتطام بحقيقة واقع منتصبة على قارعة وعد
رحلة الشجن والعذاب في معابد القلب
أتى يجمِّرُ الَّلطائفَ في باقاتِ الياسمين
أتى يحرقُ البخورَ بين متاهاتِ الضالين
أتى يستدرجُ نجمةً تائهةً إلى حيث يسهرُ الليلُ
ويناجي خيوطَ الانتظار المنسدل على بوابات القلوب
بينما يمزق الشوقُ أستارَ الصبر الواهية.
**********************
(33)
ثمة حلمٌ يراود السماءَ
من يسعفُ المطرَ من جنونِ الغيمِ
ويسقط عن وجه المسافة غلالةَ البين
لنستظلَّ في مواسم الرواءِ
وننتشي برقة الصَّبا
تلك التي تعانق النقاءَ
تحملُ في حفيفها الحنينَ والشجونَ
كما احتفاء عاشقٍ
بنشوة الغناء.
****************************
(34)
تتعانق نظراتهما طويلاً
يدسُّ يدَه في جيب معطفه
يستخرجُ قصاصةً التفَّت أطرافُها
وكأنها تحاول أن تحمي محتواها
يقرأها وعيناه تسقطان هديراً من الأسئلة الحائرة،
هواجسُه المتيبِّسةُ تأكلُ قلبَه
يقرأ:
نحن شغبُ البحارِ وضجيجُ المدن،
هدأةُ الَّليلِ وأحلامُ الوردة،
أجنحةُ عصافير وزوادةُ ألم ..
بهجةُ العيدِ وعويلُ الراحلين
نحن متناقضاتٌ لا تنتهي من حيث تبتدئ..
أوطانٌ تسافرُ مع الرِّيح وتحطُّ في وديان عبقر وأخواتهم
عجائنُ طازجةٌ تشكِّلُها الأقدارُ حيناً وتعبث بها الرغبات أحياناً
قد نكون بعض ما نشاء وقد لا نشاء أن نكون كما نحن..
ولكننا هكذا إلى اللامنتهى..
***********************************************
(35)
سراعاً تمرُّ الأوقاتُ والذكريات..
يعاوده الحنينُ كلَّ لحظة وحين
وعلى ذات المقعد في المقهى القديم
تتذكَّره الزوايا النائية
أسند وجهَه على كفٍّ مرتعشةٍ
يرتشفُ الولَهَ
قطرةً
قطرةً
من دخانِ الذكرياتِ المتكثِّفِ في صورتها
وغماماتِ الشَّجنِ التائهةِ بين المقاعدِ الخاليةِ
تحدثُ حين ارتطامها غناءً يشبه صوتَها المحفورَ بداخله.
***********************
(36)
نصعد إلى مهاوي الفقد
نتشبث ببوارق الانتصار ..
وتنشبنا أظافر الاحتضار على أرصفة الانكسار...
فتضيق بنا مرافيء السكينة
ونرتد كارتجاع صدىً تبعثر في الطرقات المهجورة
وصفير ريح هرمة أرهقها اللهاث خلف طيوف شاحبة
امتصت رحيقها غربة الأقدار .. و حطام الأماني .. و احتراق الرغائب ...
،
*************************
(37)
أتعثر في خطوتي المتسابقة مع ذاتها
تسوقها الريح بين شقوق سماوات النزف
و براكين التمتمات الصاخبة
فانتشليني أيتها الريح النائحة من حيرة المنتظرين
و لتقذفني حكاياتك في تراتيل العبر
فيمتد يقيني نحو صورك المتواطئة مع ريبتي
معان ٍ صامتة تجترح الكلام
و أزيز يخترق المعارف القصية
،
،
ارتكبي أيتها الريح لواعج الهبوب
و انفذي إلى بواطن الغيب
كي تجتازي أقاليم العبث
ثم الق ِ لسائس النار بعضا من أقانيمك الساخرة
يحرث بها جمره المتقد
و اسقيه من نمير أسرارك
فيقترف غوايته
*********************************************
(38)
https://www.youtube.com/watch?v=r1zamKoUREI
في ليالي الصقيع الشتوية ، أستمع إلى أغنية
Once Upon A December
هذه الأغنية التي يعيدها إليّ ديسمبر من كل عام
تغرقني ، تؤلمني ، تستلّني من عمق النسيان إلى مدارات الذكريات
تعتصر بداخلي شيئا أريد أن أتذكره وأرغب أن أنساه
يفيض قلبي حين سماعها دمعا ساخنا ربما حزينا
وعذوبة عسلية كـ كستناء الشتاء
..خليط الترانيم المؤلمة و المواسية
بئر التناهيد الحارقة و الابتسامات الشفيفة
،
..تدفق الأوزان في شواطيء الحنين
صدى المعاتبات الراجفة في أكوان الأنا
همهمات الأيائل الزاحفة على جليد الزمن
...رنين خلاخيل الشتاء المنسكب على قامة الليل
..أي شعور ذلك المبهم المتمرد على التعريف
!أي صولجان ينتصب صامتا حتى من رفة زهرة حائرة
،
أيهذا الدوار السحري الملتبس على أقانيم الكينونة
كيف للروح هروب من تلك الدوامة الزرقاء الحالكة
!من الأحجيات الراعفة والحكايات المحمومة
ينتزعني الحنين من فراغات التيه
..يقذفني على ضفاف قمرٍ محنيّ القامة
!أثقلها القدر بمفاجآته الوعرة
،
أنا ... يااا أنا
من أقاصي الحيرة أتلمّس نافذة تلفني ستائرها الدمشقية
تنتشلني من ذاك البرد القارس الساكن في دهاليز العمر
المتصلب في تعاريج الذاكرة
...تعيدني إلى حيث كنت أنا
(39)
ضجيج القرب الفارغة يتشاجر مع ظلها المتآكل
تبحث في القنن عن مخلب تشهره في وجه الريح العاتية
يتراءى لها البحر مستنقع أعتادت العبور فيه
لزوجة الطين تغرقها في وحل التخيّل
تلتهمها التماسيح النهمة ، تلك التي زرعت العفن الأسود في داخلها
تنامى كفطر سام في بيئة ضحلة
يتيمة إلا من أشواك الخيبة وطحالب الجوع المر
لا يملأ تلك القرب سوى رماد الموتى
وعويل الأماكن المهجورة
وانكسارات قوس الفرح المصلوب على خشبة الجشع
************************
(40)
تستلّني لحظات الوهم
كسهم يخترق المسافة
ويبعثر الزمن
ولأن المواقيت مرهونة بتمتمات الغيب
تغزل العجائز تمائم الأمل
تعلقها على صدر الريح
وتزرعها كموجة حالمة في قاع الخيال