(31)
،يوسف أيها الصديق
!وحدك و المدى سراب
...وسائس النار يسوق الكارثة إلى حتوفها
،ينشبها على تخوم سمائك الثامنة
،يغزل ظنون الظلام للعماء
...لقلوب فاقدة البصيرة
يتسلل بمكر الأفعى
...و حيل الحرباء
،يحرض الوحل على ارتكاب خطيئته
،يسقيه من سوافح الأباطيل
،و رواكد الإفك
:لينعق البوم ، حكيم الخرائب
!أيها الجمع
ستتوارى ملامحكم السعيدة
..خلف تخوم المهاترات النزقة
!ها قد حلـّت بكم اللولاء
..فإنني أشتهي الدّم حبرا أكتب به على قبوركم
،أنا ناسخ المواقيت بآبق الحديث
،المتفرد بظل شهوتي و عنفوان طيشي
،أنا ناكح الخطيئة في دهاليز الإثم
...مطرب الأرواح برنين الذهب
،أنا صائغ العجول السامرية و نافخ الريح
..هاكم ما قدرته لكم
!ألا ليَ البقاء و لكم الفناء
(32)
!وارتحلت أيها الصديق
،وحِمْلُ قومك وأرضك قد أنقض ظهرك
..لتصفر ريح السموم في شروخ الوطن
،تطفئ نداء الحق الصارخ في ملكوت الرب
لترفع أصوات المعازف
تبارك ارتعاش الغانيات
...على موائد اللذة والقمار
..و الأفيون يحفر أخاديد الضياع
فمن للجمان الطاهرة بعدك
أيها الصديق ؟
و من لهذا الوطن ؟
(33)
حمى باردة
أيتها الفوضى التي تحاول استحضاري
أنتِ أنتِ ، لا سواكِ
الضجيج الذي يسكنني
و قارعة حزن ترتب المارة
و ساقي الزرنيخ يودع كؤوسه أفواه المنتظرين
،
و أنتِ ، أيتها الحمى الباردة
الممتدة بين الأقطاب
السارية من أقصى الجنوب إلى أقصى الشمال
قارسٌ ظلك الأسود
يتراكم في حانات الثعالب
يطفئ شآبيب النور
،
سحيقة أيتها الدروب الشحيحة
ترحال الهياكل الشاحبة
القادمة من روامس الخراب
جاثمة على صدور الحلم
تلعق صديد الجرح الخاثر
(34)
الغراب ألقى شحمة مسمومة
...تهافتت عليها غربان المجرورة
لم يدرك الغراب لونه
كان الظل قاتما
و خدر المُغيّبِ بصواعق التهافت
يربك مقابض الوعي
و النار تحثو أجاجها المجنون
على أخاديد الخديعة
صولجان مكسور
من يرمم مفاصله الصدأة ؟
المسكونة بالعناكب و الخفافيش النتنة
و أبخرة الشعوذة اللزجة
ينزلق في غور سحيق
دامس كليلة غادرة
يتهيأ لتقديم قرابينه على مذابح الشفق
يحرق عرائس النسيم
لعسس الخطيئة
و حرافيش الظلام
وحارسات الكهوف
(35)
عسر مخاضك أيتها الوارفة
غامض حبلك السري
قابلتك حاوٍ خبيث
عابثة أصابعه الآثمة
في دياجير أحشائك
هذا الصخب الذي يحشو به قبعته
ينحت حيله الناتئة
يغرسها كبيادق مؤجلة
على رقعة من سديم
القلعة تتهاوى ، و الأقزام تتقافز
،
حسيل طلعك أيتها الوارفة
سلال أبنائك يملأها الحسك
ووجيب الصدور يعتصر غيوم القدر
غير أن الودق الأسود
يسمل مقلهم كقطران كثيف
فكيف يبصرون وليدك العالق في الدهاليز الوعرة
(36)
مأزومة مواقيتك أيها الجنوب
خلعتَ عليها جبتك المنسوجة من آثامك
و يخال إليك دخان سكرتها
في حين تتلاطم أمواج البحور الثائرة
تعلو قمم أوهامك
فلا نوح العصر و لا فُلكه اليوم بعاصمٍ لك
قد أتى الأمر المحال
و سيجرف الطوفان هشيم قلاعك المهترأة
،
اجمع بقايا بيادقك إن استطعت
و اغمرها بما تبقى من قطران زهوك
نقيع الحنظل الخاثر
في جراب الأفعى
الـ يخفت اليوم هسيسها
في ارتباكات أنيابها المرتعبة
و أقدارها الوعرة المنتظَرة
(37)
أنا تلك القابضة على مجامر الألق في انزلاق الزئبق
عجينة الريح الخامرة في خوابي الزمن
صهوة الحزن الفاره و قيثار الحنين الصامت
أنا صوت الغياب تاه في بريّة الحضور
غابة الألف نهر ونهر
أنا الذبيح الأول في مقام الوجد
القائم الدائم في صوامع الوصل
،
سائحة في ملكوت يعرفني ولاأعرفني إلابه ولاأعرفه إلا بي
تشابك خيوط الوعي واللاوعي
تدفقات القلب وانهمار الشعور
انصهار الروح في بوتقة الألم
لحظة انفلات القدر من قبضة اليقين
هوامش التأريخ المسكونة بوجدان العابرين
و الساكنة في منعطفات الأرواح
،
سارية الليل المنسية على كواهل الغربة
أيقونة النار الصاهدة
صهيل الذكريات المنغرسة في كثبان الوعد
ورفرفة التوق على أعمدة الانتظار
(38)
أيها الضجر المتوثب كفاجعة موقوتة
المنتصب في العراء المهيب
شق ثوبك المأزوم بثقلك
لتعبر الجهات إلى منتهى الوهم
الساكن في منازل القمر
دعني احتطب أملا تيبس على حواف الأخدود
تتصاعد زفرات الألم المخنوق
أزيز التمتمات الشرسة
صهد انصهار الأمنيات الشهيدة
على مذبح النوايا النائحة
،
ماذا تبقى من عرجون الأمل
الظل ينحاز إلى الضفة الغائرة
الضوء يذوي في سطحه المقعر
ندبات المياسم ترسم له تضاريس يومه
و خرائط غده المبهم
الذئاب تعوى خلف ستائر العتمة
تقتنص الصوت الصادح من منائر الرب
تهشم قنديل الكلمة
(39)
أنت أيها الراحل في الذكريات المعتقة
خبئني بين أشيائك الجميلة
دعني أقرأ عليها تعاويذ الفراق
ها أنا ذا أرنو من تلك الطاقة المستديرة في أعلى البرج
أبصرك تتعثر ..
تنحني لتلتقط ما تساقط من ذاكرتك
تنصت لأنين الحوانيت المقفرة
....يااااه
تقولها و أنت تجتر الصدى المرتد إلى ذاتك الناحلة
...كنت هناك و كانت هنا
وتشير إلى قلبك .. إنها أرواحهم
(40)
تتسرب من ثقب صغير في تلك الطاقة
....زفراتي الحزينة
...تهيم فوق روحك كسحابة حنين
تدثرك من صقيع الغربة
...الليل … الموج
...نسائم الخريف الباردة
...الشاطىء السمير
...وغناء عاشقيْن يمتطيان قارب الهروب
مفردات تنمو بداخلي و داخلك
،
صوتي النازف يلبس لونا كحليا
تماما كضباب عيني
يذوب قليلا قليلا
في ضوء شمعة تستقبل الاحتضار
هو كذلك يخالسها الترقب
أدير بوصلتي
تلك التي اعتادت التوقف عند كل مفترق عاطفة
تماما كما يحدث لنبضي
يبدو أن الصدأ بدأ يزحف عليها
كما يفعل بروحي
ارتق بعض ثقوب الذاكرة
أعيد صياغة جبتي المهترئة
أعاتب الزمن
ثم أعود من جديد
لأبدأ رحلة الخروج من قوقعة الذات