المقدمة
تلتف خيوط المؤامرات كالتفاف الحبل على عنق الضحية .. فتتركها في غيبوبة الرحيل عن الواقع .. وما أن تعود نبضات الحياة تتدفق في الشرايين الواهنة حتى تكتشف الحقيقة المؤلمة التي سطرتها الخديعة و الغدر.... وترتحل الآلام في متاهات الدروب الوعرة منزلقة في سراديب العذاب لتبدأ رحلة البحث عن طريق الحق .... فتصطدم بنتوءات المشاعر وتضاريس الشعور... و يعيقها الأمل المكبل بعنجهية الخصم ومصالح المتآمرين ....
في الثلاثين من نوفمبر من كل عام , تتصاعد وتيرة الألم المنغرس في صميم النبض الرافض للواقع المر ... و يتصاعد الأمل في المستقبل المنظور لالتآم الجرح النازف بالأحزان ... ويمتد البصر للغرب الدافئ لشاطئ الخليج العربي حيث تنزوي جزرنا الثلاث طنب الكبرى و الصغرى و أبو موسى خلف سياج الأسر الآثمة ... وتتحجر دموع العتاب التي حفرت أخاديد الحزن على وجناتها الصافية .... فتتجدد مشاعر متضاربة من الإصرار و الألم والأمل ... لن تنتهي إلا بانتهاء الفصل الأخير من رواية المستعمر الحاقدة ... وتلمع دموع الفرح في مقلة الأم المنتظرة لعودة الأبناء إلى حضنها الدافئ الذي سكنته رياح العذاب وصقيع الفراق .....
لظى النفس
تتساقط أوراق الخديعة كتساقط أوراق الخريف ... ليتعرى بعدها الجذع المتدثر بعبـاءة النفاق و الرياء , منسلخا من عهود الأمانة .... و تتكشف الحقيقة المختبئة تحت ستار القيم والدين فتنفضح المؤامرة .. و تفرض واقعا أليما يمتد كأخطبوط تلتف أذرعه حول الضحية .. و يرسل سمومه القاتلة ليمسخ وجه الحقيقة , و يعيد تشكيل الواقع حسب رغبات الشر المتأصلة في نفسه ..... لكن إشعاع الشمس لا تغيبه الغيوم السوداء و لا يحجب نور الله سوى الله..... ومن يؤمن بالله حقا يرى هذا النور المتدفق عبر الغيوم فيتلمس طريق الوصول إليه..... هذه الحالة الإيمانية الصادقة , تجعله متمسكا دائما بصدق الحقيقة و عين الحق ..... وتجعل الأمل منبثقا بتدفق الإيمان في شرايين اليقين الروحي .... ليدرك أن رسالة الوجود والبعث أمانة بكل معاني مفرداتها ... و أن الحفاظ عليها هو في حقيقته حفاظ على عهود الإله .... هكذا تتواصل دروب السماء بطرقات الأرض و تعاريجها الوعرة , فتشرق أنوار القدرة الإلهية في صميم النفس البشرية و تكون رادعا عن الخطيئة و ملهمة للإيمان و الفضيلة ..... ويصبح الحب معنى شاملا , تتآلف جوانبه في وحدة كلية متكاملة من المقام الأعلى إلى المقام الأسفل .... تواصلٌ متكاملٌ ينطلق من بوابة السماء مرورا بمقام الروح و القلب و النفس ليتصل بالأرض التي منها خلقنا و إليها نعود .... قدسية هذا التراب الذي كرمه الإله باختياره تكوينا جسديا لنا و نفخ فيه من روحه , يجعل تكريمنا له و ارتباطنا به , تواصل مع الاختيار الإلهي واعتزاز بالمادة الفطرية و المنحة الربانية ..... هذا الشعور المتجلي في إصرارنا على الحب الأعلى ... حب الوطن و تراب الوطن ... غيرة الوطنية ووطنية الشعور الممتزج بمرارة الفرقة و لواعج الفراق .... ذكرى حزينة تتجدد كل عام في الثلاثين من نوفمبر الحزين ... يوم أن فرد أخطبوط المؤامرة المقيتة أذرعه على جزرنا الحبيبة...طنب الصغرى و الكبرى و أبو موسى ... عندما اجتمعت محاور الشر الثلاثة حول مأدبة شيطانية لتبرم صفقة الغدر الدنيئة فانتزعت الأبناء من حضن الأم الدافئ ...
و يظل الفاعل ضميرا مستترا مرفوعا " بالضمة " الظاهر ة من نائب الفاعل ...و بعدها ينقلب السحر على الساحر ثم لا يجني الفاعل ثمار صفقته المشبوهة.... و يظل الحق مغتصبا حتى هذا اليوم فراق يمتد منذ عقود من الزمان و انتظار يكلله الأمل في عودته إلى حــجر الحقيقة و محـــجر اليقين.............
مفردات الديكور
الأخطبوط مسرحية تترجم واقعا فعليا .... وهو اغتصاب الجزر العربية الثلاث " طنب الكبرى و الصغرى و أبو موسى " و على الرغم من كون الفعل واقعا منظورا غير أن نظرة أبناء الوطن تظل ترفض هذا الواقع .... مستمدة رفضها من ثورة قاع البحر و إباء شجر الغاف وعدم استسلام تراب الأرض .... هذه المعاني المجازية كان لابد من ترجمتها إلى شكل من الديكور يتجانس مع هذا الشعور فهو تصوير للحقيقة المحسوسة و ليس فقط الملموسة ... لذا نرى استخدام مفردات البحر في تصوير هذا الواقع الأليم ... فالأخطبوط الأسود الذي يمثل قوى الشر يسيطر على خلفية الأحداث فيظهر في خلفية المسرح ثم يبسط أذرعته على المكان و الزمان ... فنراه على شباك المقهى و شباك الدار و القلعة المتصدعة التي ترمز إلى افتقاد السلطة على هذا الجزء من الوطن .... كذلك يبرز في ملابس العارضين و بعض مفردات الديكور .... و في ذلك تصوير تجريدي لهذا المعنى .... لكن من بين مفردات البحر نرى ذلك الحيوان الرافض و الذي يظهر في الطاقات الثلاث العليا التي ترمز للجزر الثلاث و كأنه كف رافض لصد المعتدي و رفض الاستسلام .... و تظهر في الأسفل النوافذ البحرية التي ترمز لدولة الإمارات العربية المتحدة و يبدو قنديل البحر واجما حزينا في اثنتين منها و ترمزان إلى إمارتي الشارقة و رأس الخيمة اللتين اقتطعتا منهما هذه الجزر .... ثم تبدو حيوانات البحر كجذوع شجر جرداء كناية عن مفارقة الحياة لها بعد ذلك الغدر و انسلاخهما عن الوطن الأم ..... و إذا نظرنا إلى الكهف الظاهر في خلفية المسرح نراه متجددا متغيرا في اللون و الإضاءة حسب الموقف...ففي مشهد المؤامرة يتغير اللون إلى الأحمر الدامي و في مشهد المقهى يتخذ شكلا رمزيا لنوع السعف الذي تبنى منه البيوت القديمة و يرمز في الوقت ذاته إلى شكل شبابيك السجن .... و يتكرر المثال بالنسبة للمنزل حيث يأخذ شكل النافذة المعروفة بأعمدتها الحديدية و التي تبرز كرمز آخر يعبر عن الأسر .... و في المواقف الوطنية يتخذ شكل القلعة المتصدعة رمزا لتصدع السلطة الحقيقية على هذه الأرض ..... و يدل اللون الأحمر الذي يظهر في بعض جوانب المسرح على دم الشهداء الذين ارتفعوا للعلا دفاعا عن الأرض و الكرامة ساعة الغزو العصيبة و هو أيضا يرمز للاستعداد للتضحية من أجل تراب الوطن .... أما اللونين الأبيض و الأسود فهما المتضادان المعبران عن الحق و الباطل .... حقيقة كون هذه الجزر أرض عربية تابعة لدولة الإمارات العربية المتحدة مرتبطة بتاريخ القواسم منذ الأزل ... وواقع أليم مظلم بسواد الفعل و المؤامرة ... هكذا تتآلف مفردات البحر و رمزية الألوان في ترجمة هذا العمل الدرامي بصورة ترتبط بالواقع بشكل تجريدي معبر .
مقدمة غنائية
يا طـنب أقــدام الأعــادي دنســــت
فيك الريـاض ومعقــل الفرســــان
سلـبـوك فرعــــا أصــله متجـــــذرا
في أرض أجـداد من العـــربـــــان
شيئـان لا يقوى العـزيز عليـهما
ظلم القريب وغربـة الأوطـان
ما بال هذا الدهـر يثقـل كاهلـي
بكليـهما و بقســوة البهتــان
إني ليشقيـني فــراق مرابــع
وظليـل أجـمل دوحة بجنـان
يا طـنب أقدام الأعـادي دنست
فيك الريـاض ومعقـل الفرسـان
سلبـوك فرعـا ً أصــله متجـذرا ً
في أرض أجـداد من العـــربـان
يا طنب جرحك في فؤادي لم يزل
يدمــي لقهر الظاـــم و العــدوان
من ذا يعيـد سـكينتي لـقرارهـا
كي يستريح الموج في شطآني
لن تنطفئ نـار الجحيـم بخافقي
حتى يعـــود ثـــراك للأوطـان
الراوي : الخليج... تتدحرج أمواجه على رمال الشاطئ الناعمة ... يتألق تحت إشعاع الصبــاح,
بريقه الفضي... تظلل الجزيرة غلالة الفجر الذهبية ... فتبدو شفافة حالمة... النسيم العليل يداعب أوراق النخيل التي تنسدل كأهداب فاتنة عربية .... تتناثر البيوت الصغيرة على امتداد الشواطئ كتناثر حبات الجمان الرائعة ...
في مقهى شعبي .... كالعادة مصنوع من جريد النخيل الذي يشكل شبكة تسمح بتجدد الهواء ... مصاطب خشبية بعضها مغطى بفرش من القطن المنجد و الآخر كما هو...
باروت صاحب المقهى يدور بكئوس الشاي على الجميع ...
أبو راشد : إيــــــــه يا طنب .... رحم الله الأيام الخواليا ...
سالــــــم : عذبة كانت تلك الليالي الساحرة ... عندما يشق ضياء البدر عتمة الليل المتكور حول مدفأة الزمان ....
أحمـــــــد : و تتهادى إلى مسامعنا نغمات الأمواج كعروس ترفل في ثوب زفافها ....
( يتهادى صوت المذياع لأحد المطربين الخليجيين في فن غناء قديم يسمى صوت )
الراوي : في هذا المقهى الشعبي يجتمع رجال الحي يوميا ... حيث هو بالنسبة لهم المجلس الذي يلتقون فيه لتبادل الأحاديث المختلفة و الآراء و الأخبار ... لا يوجد بعد جهاز تلفاز ... اعتاد الناس على سماع أخبار صوت العرب من القاهرة أو إذاعة لندن الموجهة باللغة العربية....
أبو راشد : و تتصارع الذكريات الجميلة المتمردة على الاختزان في محفظة الزمن ....
أحمـــــــد : تتشابك في تلاحم ودي ونتجادل بعفوية الأطفال هذه ذكراي و تلك ذكراك ....
أبو راشد : كيف إذا كانت الذكرى تحلق بنا جميعا في قارب واحد من نسيج السكينة النورانية تحمله ملائكة الرحمن و تطوف به في ملكوت جلاله..
ســـــــالم : ثم لا نعود نميز الحقيقة ....
أبو راشد : و تتسلق الأحلام و الرؤى فوق أسوار الواقع....
أحمـــــد : و تتشبث بالآمال المنسابة من غدير السعادة و ينابيع الحب ...
ســــــالم : رحم الله الشيخ مايد بن سلطان ... لقد كانت لهيبته ووقاره المفعول السحري الذي يشعر الجميع و هم في معيتة بأنهم في ظلال أمان الرحمن ...
أحمــــــد : تعلق بهذه الجزيرة كما لم تتعلق أم بوليدها ....
أبو راشد : عهد بحكم إمارته لابنه الشيخ حمد حيث كانت فترات بقائه هنا تطول ....
ســـــــالم : لكنه لم ينقطع قط عن التواصل الدائم به ....
أحمــــــد : عرف عنه رحمه الله الزهد و العلم ...
أبو راشد : و مما يذكر من الكرامات الإلهية التي تروى عنه تواصله الروحاني بإمارته و ابنه الشيخ حمد بن مايد...
ســـــــالم : صحيح ... كان إذا حدث أمر ما في الإمارة تتوارد إليه الخواطر في حينها فتتكشف أمام بصيرته الأمور ... فيرسل أحد الثقاة من الجزيرة ليوصل الرسالة إلى ابنه ....
أحمــــــد : كان جدي ،رحمه الله ، من المقربين الذين يثق بهم و كم حمله من رسائل للإمارة ...
أبو راشد : سمعت من والدي في إحدى المرات ... بأنه ،رحمه الله ، بينما كان يستظل بفيئ غافة معمرة ... إذ تهادى إليه صوت ابنه يستغيثه في أمر طارئ ... تيقن أنه أمر جلل لا تجدي فيه المراسيل ... خاطبه بأبيات من الشعر ينبؤه فيها بقدومه في الحال ....
ســـــالم : فعلا ... الكثير هنا يحفظها كحكمة ....
أبو راشد : و عندما وصل للإمارة رأى ابنه على الحال نفسه التي تخاطرت إليه ... ووجده في انتظاره و كأنه كان أيضا على يقين بقدومه ....
أحمــــد : رحمه الله ... كان عالما ً في الدين مما قربه من الله و كشف له ما شاء من الحجب... و حين وفاته بكته الجزيرة كما لم تبك الثكلى على وحيدها ...
ســــــالم : و يقال بأن الشمس احتجبت خلف السحب المتراكمة لأيام عدة و كأنها ترفض الإشراق بعده ... و تثنت جذوع النخل في تحية وداع حزينة و لطمت أمواج البحر وجنتيها حتى تمزقت الأعماق و تشققت الصخور....
أبو راشد : إيه ... تظل الذكرى الخالدة كقرص الشمس المتقد في كبد السماء الصافية يبدد إشراقاته اللامتناهية على امتداد القرون و الأزمان ....
الراوي : كالعادة كل صباح .... عندما تطل لحظة الفلق و تتألق أنوار الفجرالموحية في الأفق الحالم .... وينبثق شعاع الفجر كشلال من نور رباني... يستيقظ أهل الحي على صوت المؤذن مناديا للصلاة... تدب الحياة الآمنة في أوصال الجزيرة ... و ينتشر الجميع للسعي اليومي ... ممارسات يومية لحياة طبيعية .... ربات البيوت في أعمالهن المنزلية .... و الرجال في سعيهم للرزق الحلال ....
هذا اليوم و على غير العادة .... تحتشد الغيوم القاتمة في السماء .... و يكفهر الجو ... وتبدو الأجواء خانقة و الفضاء مشحونا بالرعود المرعبة ... نذر الشؤم تطوق المكان و تحاصره بعتمة المجهول ... براكين القهر تتربص بالشعب الآمن ... تشعل حرائقا مجنونة من غضب مقدس يكون فيه خيار الفناء من أجل الكرامة خيار الأحرار الأوحد .. تنقشع غمامة التخفي ليطل الوجه القاسي بطيشه و حقده ... و بكل عنجهيته...
منزل العروس
( مشهد من التراث الشعبي الخليجي المتمثل في طحن القمح بالطرق البدائية التي اعتادها الأهالي...مع خلفية تراثية غنائية)
حوار بين سيدتين
الأولــى: أصبحنا و أصبح الملك لله الواحد القهار
الثانيـــة: اللهم ارزقنا خير هذا اليوم وخير ما أنزل به.... و جنبنا شره و شر ما أنزل به
(موسيقى و غناء من فنون التراث الشعبي في طحن الحبوب ...)
الأولــى: أتعرفين ... منذ طفولتي لم يتغير قط هذا المشهد
الثانيـــة: ماذا تقصدين ..؟
الأولــى: كل صباح و أنا أسمع الأمواج تتكسر على شواطئ جزيرتنا هذه , بحرية تامة... وينساب إلى قلبي حفيف أوراق النخيل و كأنها أوتار يعزف عليها النسيم العليل أعذب ألحانه
الثانيـــة: أصبحنا جزءا ً من هذا المشهد و أصبح هو جزء منا
الأولــى: يخيل إلي أن جزيرتنا هذه ... فاتنة ترفل في حلة ذهبية موشاة بخيوط الحرير .... تنتثر عليها اللآلئ و الجواهر الثمينة فتزيد من روعتها و جمالها
الثانيـــة: تشرق بمحياها الوضاح ... فيفتر ثغرها الباسم عن ابتسامة رقيقة و كأنها تلقي تحية الصباح على أبنائها
الأولــى: و تحتضن الجميع بدفئها المعهود ... فلا يملك أحدنا إلا أن ينصهر في حمأة عشقها المجنون
الثانيـــة: نسماتها مفعمة بشذى المسك و عبق الرياحين
الأولــى: ويتقطر عطر الخزامى من شبابيك الدور و أنفاس البحر و تنهدات النخيل
الثانيـــة: أهلها تظلهم أجنحة الملائكة و تحفهم عناية الرحمن
الأولــى: يشربون جميعهم من غدير الحب الأوحد
الثانيـــة: و يلتحفون سماء النور و السلام
الأولــى: يفترشون أديم الأرض الآمن
الثانيـــة: ويطربون لهمسات الموج المنسابة على شواطئ الاحلام
الأولــى: تلاشت بينهم فروقات الوهم الخادع
الثانيـــة : وأظلتهم غمامات الألفة
الأولــى : اللهم أدمها نعمة و احفظها من الزوال
(تدخل الفتاة لتشارك في الحوار ....)
الثانيـــــة : بارك الله أفراح الجزيرة ياعروسة الحي الجميلة
الفتـــــــاة : صباح الخير
الأولى : صباح الخير و الأنوار
الفتـــــــاة : ألا تلاحظون ... هذا الصباح تشع أنواره على غير العادة
الثانية : فرحته بزفافك الليلة تزيد من بريقه
الفتـــــــاة : ما الذي تصنعانه اليوم ...؟
الأولى : نجهز لوليمة زفافك الليلة
الفتـــــــاة : بقدر ما يسعدني هذا الشعور إلا أن القلق يتخطفني لحظات إلى غيبوبة المجهول والخوف المتسربل بغموض الأقدار... تسللت إلى البحر ... ألقيت عليه تحية الصباح... لم يرد ... تألمت... ظننته غاضبا ً مني ... فما اعتددت منه ذلك الجفاء
الأولى : سألتيه لماذا
الفتـــــــاة : طبعا فأنا لا أقوى على وجومه
الثانية : و ماذا قال ؟
الفتـــــــاة : هو لم يقل شيئا ً.... لكن دمعات حارة تحجرت في مقلتي الأمواج ... تجمعت كغدير من بقايا قطر الغيث ... احتضنتها رمال الشاطئ الناعمة ... قـَبّلـْتـُها بحنوّ و سألتها ... ما الذي يغضب البحر مني ...؟!
الأولى : لم تجب هي الأخرى
الفتـــــــاة: جرفتها موجة بينما كانت تهم بالرد علي ... وما إن بعدت قليلا ً رمقتني بابتسامة حزينة ... و قالت : غدا يخطفك الفارس ولا نعود نراك ...
الثانية : هيه .. و بماذا أجبتها .... ؟
الفتـــــــاة : قلت لها ... كيف ..! ألست أنت من سيحملني كل يوم إلى هنا ...! ألا تعرفين بأن روحي مغروسة بين أصداف البحر و جذور النخيل و تحت كل حبة رمل سقتني رحيق الحياة وكل سحابة مرت على هذه الأرض علقت بثوبي و علقت روحي فيها ...
الأولى : ما أعذب قولك ... كم سيبهر عبدالله برجاحة عقلك
الفتـــــــاة : يا خالتي نولد على هذه الدنيا فتعانقنا الأرض وتحتضننا أحراشها و بحارها ويهدهد مهدنا نسيمها العليل ... نستظل بسحابها و نشرب الفجر في أقداح نورها و نغتسل من فيء رباها و ننمو و نكبر في رياض عزها ... فكيف نقوى على فراقها
الثانية : و الله لمفارقة الروح تهون كثيرا ً عن مفارقة الديار
الفتـــــــاة : إلى اللقاء
الراوي : تمضي اللحظات الجميلة سريعة في قطار الزمن و كأنها مشاعل تطفئها رياح الخريف الباردة.... فتتلاشى في هاوية سحيقة ... ما من أحد يعرف كيف يهرب الزمن .... وأين تختبئ الأيام ... تتراكم الأحداث الحزينة و السعيدة فتصنع أرتالا ً من الذكرى..... و غالبا ما تخلـّفُ الأحزان ضبابيتها في الذاكرة .... لتبقى مشاهد غائمة تتدثر بركام السنين و غبار القرون
الراوي : ينزلق قارب أبي راشد في مياه الخليج الزرقاء الدافئة ... فينساب على تموجات البحر الهادئ... يردد بعضا ً من مواويل البحر التي تتوارثها الأجيال .... ويرنو ببصره للأفق البعيد فيرقب الصفاء الآمن الممتد بعناية على تلك البقعة الحبيبة إلى قلبه ... لا يبتعد كثيرا ً... فالخير قريب من شاطئ الأمان ... يرمي بشباكه للماء فتظهر له عروس البحر .... لطالما ألف ظهورها في مثل هذا الوقت ... يلقي عليها تحية الصباح
إيقاعات بحرية تنم عن حياة الصيد حيث يبرز سعيد كشخصية محورية في حوار وهمي مع عروس البحر )
أبي راشد : نهارك سعيد
الحـوريـة : نهارك سعيد
أبي راشد : الجو عليل .. والموج لا يزال يهجع في سكونه
الحـوريـة: و الصيد وفير و قريب
أبي راشد : هذا يعني أنني لن أتأخر كثيرا ً اليوم
الحـوريـة : بل ستعود حالا ً بشباك مليء بالخير
أبي راشد : كم ستسعد زوجتي
الحـوريـة: سمكة الهامور الكبيرة لأختك عائشة
أبي راشد : لماذا ...؟
الحـوريـة: هي تنتظرها
أبي راشد : حسنا ... سأحملها لها حالما أعود
الحـوريـة: كيف حالها
أبي راشد : تنتظر مولودها الأول هذا اليوم
الحـوريـة: إذا صيد هذا اليوم ستقايضه بهدية له ... لقد اقترن يوم مولده بخير الصيد الوفير هذا اليوم
أبي راشد : ربما يكون قدومه فأل خير لنا جمي.
الحـوريـة: احذر يا عزيزي ..! الأطماع تحيط بكم من كل جانب
أبي راشد : لقد اعتدنا الأمن و السلام
الحـوريـة: من مأمنه يؤتى الحذر
أبي راشد : يشغلني قلقك هذا اليوم
الحـوريـة: أرى في الأفق سحب سوداء
أبي راشد : جديد هذا التشاؤم
الحـوريـة: حملت لي النسمات بعض أسرار الخفاء
أبي راشد : لا أفهم
الحـوريـة: جارك
أبي راشد : هو جاري منذ الأزل ... ما الجديد بذلك ..؟
الحـوريـة: يرمقك من بعيد
أبي راشد : ربما من حرصه علي
الحـوريـة: ليس تماما ً كما تعتقد
أبي راشد : ماذا تقصدين ..؟
الحـوريـة: الأطماع يا عزيزي
أبي راشد : كيف ...؟
الحـوريـة: مؤامرات سوداء ... تحاك في الخفاء
أبي راشد : وعلى ماذا يتآمرون ..؟
الحـوريـة: على الأرض
أبي راشد : أرض أجدادي ... هم يعلمون ذلك جيدا
الحـوريـة : و يتجاهلون ذلك جيدا ً أيضا
أبي راشد : نؤمن سويا ً بدين محمد
الحـوريـة: يتراءى لك الظاهر
أبي راشد : و الباطن ...؟
الحـوريـة: غير ذلك
أبي راشد : لا أستطيع أن أصدق
الحـوريـة: ذاك لأنك مؤمن و طاهر
أبي راشد : سأسحب الشباك و أعود
الحـوريـة: حذر قومك
ســعـيـــــد: قد يسخرون مني و يظنوني أحمق
الحـوريـة: ستفاجئهم الحقيقة
أبي راشد : لا أزال غير مقتنع ٍ ...
الحـوريـة: أتمنى أن أكون مخطئة
أبي راشد : وداعا ً الآن ... سأراك في الغد
الحـوريـة: ربما لا أدري ... وداعا
( إظلام ينتهي بعده المشهد و يغادر أبو راشد خشبة المسرح و تختفي عروس البحر.... )
الراوي : في حجرات المؤامرات المعتمة ... تفوح رائحة الغدر المبيت ... و تنسج العناكب السامة شباكا ً لاقتناص الضحية .... و تنصب أفخاخ الخديعة تترصد بالضحايا الآمنة.... و تكشر أنياب الشر عن رغباتها الجامحة في امتصاص الدماء البريئة .... تتوثب الوحوش الكاسرة للحظة الانقضاض المجنونة .... تمزق فيها أواصر الإخاء الديني و البشري ..... و تتحول إلى ذئاب شرسة ...تطارد الإنسانية .... لتتقارع حينها أقداح النشوة الساقطة بانتصار المؤامرة الدنيئة ..... .... وهكذا يتبلور التواطئ الخبيث بين المقيم السياسي البريطاني بالخليج سير وليم لوس ومساعد وزير الخارجية الأمريكي ممثلا ً عن الحكومة الأمريكية جي جي سسكو في فاجعة قومية إنسانية حيكت بخيوط الغدر و خناجر الوقيعة ....
( حوار بين المقيم السياسي البريطاني سير وليم لوس و مساعد وزير الخارجية الأمريكية جي . جي . سسكو ممثلا للحكومة الأمريكية ... )
( حوار بين المقيم السياسي البريطاني سير وليم لوس و مساعد وزير الخارجية الأمريكية جي . جي . سسكو ممثلا للحكومة الأمريكية ... )
ممثل الحكومة الأمريكي : سوف ترحل في الغــد ِ عن ديــار العـرب ِ..؟
المقيم السياسي البريطاني : انتهـى دوري هنـاك بانتهــاء المطـلب
ممثل الحكومة الأمريكي : و الجمــان المشـرقات (1)
المقيم السياسي البريطاني : في صقيع الغيهــب (2)
ممثل الحكومة الأمريكي : عـنـد مــن .....!؟
المقيم السياسي البريطاني : عـندهمُ
ممثل الحكومة الأمريكي : عـند العــرب ِ...!؟
المقيم السياسي البريطاني : بل لشـاه ٍ (3) ... خلعـة منـا لأهل الريب.
ممثل الحكومة الأمريكي : آه مــا أدهـاك من جـرو صغير , ثعـلب ِ
المقيم السياسي البريطاني : إنني رهن يديـك ... فهل من عجــب ِ
ممثل الحكومة الأمريكي : سقطـت شهب السمــاءْ
المقيم السياسي البريطاني : أشعلت نـار العــداءْ
ممثل الحكومة الأمريكي : ليـس للجيرة معنىً
المقيم السياسي البريطاني : ليس للدين إبــاءْ
ممثل الحكومة الأمريكي : قد محـونا ذاك منهــمْ
المقيم السياسي البريطاني : يا لهــم من أشـقـياءْ
ممثل الحكومة الأمريكي : بل ... يالنا من أذكيـــــــاء ْ
المقيم السياسي البريطاني : هكذا نغدو على ذات الدروب
ممثل الحكومة الأمريكي : نخلق الأزمات في شكل الكروب
المقيم السياسي البريطاني : نزرع الفرقة فيهم .... إذ نفرقهم , نسود
ممثل الحكومة الأمريكي : يتلاشى أمنهم من بعضهم في غياب لا يعود
المقيم السياسي البريطاني : هكذا نحكم قبضتنا عليهم
ممثل الحكومة الأمريكي : إذ همو في حاجة الأمن نسديها إليهم
المقيم السياسي البريطاني : و منابع نفطهم
ممثل الحكومة الأمريكي : ملكنا نحن نقدرها لديهم
المقيم السياسي البريطاني : سنقايضهم سلاحا ً..... ببراميل الذهبْ
ممثل الحكومة الأمريكي : ثم نشعلها حروبا ً... بأضاليل ٍ عجب ْ
: المقيم السياسي البريطاني ونشاغلهم بأنفسهم دهورا
ممثل الحكومة الأمريكي : ثم نرمي بعضهم في البعض .... بهتانا ً و زورا
المقيم السياسي البريطاني : فإذا ما أنهكتهم حربهم
ممثل الحكومة الأمريكي : استدار الأمر نجلي كربهم
المقيم السياسي البريطاني : إنها ساعة تنفيذ القرارْ
ممثل الحكومة الأمريكي : لم يعد بين يديهم من خيارْ
: المقيم السياسي البريطاني سوف يرجون خلاصا ً.... من خيانات شقيق ْ
ممثل الحكومة الأمريكي : و دروعا ً من دفاع .... كي تقيهم من صديقْ
المقيم السياسي البريطاني : ذاك يوم الموعد
ممثل الحكومة الأمريكي : انتظرناه طويلا
المقيم السياسي البريطاني : وقريب هو للناظر ... ميعاد الغد ِ
ممثل الحكومة الأمريكي : فهنيئا الانتصارْ
المقيم السياسي البريطاني : ولنبارك ما اتخذناه مصيرا ً... و قرارْ
-------------------------------
(1)الجمان : اللآلئ و هي هنا كناية عن الجزر العربية طنب الكبرى والصغرى و أبو موسى
(2) صقيع الغيهب : الظلمة (3)الشاه : إمبراطور إيران
عودة للمقهى الشعبي
الراوي :تتدفق لحظات الفرح كتدفق الحياة في جريان النهرالمتحدر من القمم العالية ... لا يلوي على شئ ... و تتفتق براعم الأجنة فيشرق أمل جديد ووعد جديد ..... و من بين لحظات الحياة المتهللة بنور السعادة و بهجة الفرحة ... ينتصب القدر المحتوم كسيف جلاد وحشي ... تقدح أعينه شررا ً.... يرتقب انسياب الحلم الدافئ ... ينقض عليه انقضاض الكاسر على فريسته... فيجز عنقه بعنجهية الظلم المتقد شرا ً و غدرا ً.....
(يأتي صوت المذيع من إذاعة لندن يعلن الآتي )
" قررت حكومة صاحبة الجلالة ملكة بريطانيا العظمى...انسحاب القوات البريطانية غدا ً من جميع الإمارات المتصالحة ومنحها حرية الاستقلال
انتهى الخبر
برقت عينا أبي راشد ببريق الفرحة و انفرجت أساريره عن سعادة غامرة .... صاح بعدها منتشيا
أبو راشد : الله أكبر .... هللوا أيها الأصحاب ... السماء تبتسم .... اهطلي يا ديمات الرحمة علينا واغسلي هموم الماضي طهري أبداننا من تسلخات أغلال الاستعمار المقيت
ســالم : ما الخبر يا أبا راشد ..! أراك مبتهجا ً حتى لا تكاد تتمالك نفسك
أبو راشد : ألم تسمع الخبر ..؟ غدا ً ينقشع ظلام الاستبداد .... و ستشرق شموس الحرية من جديد
ســالم : كيف
أبو راشد : سيندحر الاستعمار عن سماء كرامتنا
ســالم : الإنجليز
أبو راشد : نعم ..نعم ... غدا فقط سأصوغ عقدا من نجوم سماء بلادي أزين به جيد ابنتي التي قرب موعد زفافها
أحمــد : مبارك أبا راشد .... جعله الله زفافا مباركا
أبو راشد : بل قل مبارك لنا جميعا ً .... فالعرس الأهم هو عرس التحرير
ســالم : تراكمت سحب الظلام ... طبقات طبقات ... تعالت كأبراج قاتمة في فضاء أوطاننا
أبو راشد : اليوم تتهاوى كبقايا الهشيم المحترق
أحمــد : و تسطع أنوار الحق
ســالم : و تصدح يمامة السلام
أحمــد : و نستنشق عبير التحرير
أبو راشد : عرس ابنتي غدا ً , هو عرس لأهل الحي جميعا
ســالم : ستتعانق النخلات و أشجار الغاف في رقصة تثر الشعور
أحمــد : ويعزف البحر أنشودة اليامال
أبو راشد : دعوا أسماك البحر غدا ً... تحتفل بطريقتها ... فلا تزعجها شباك الصيادين
ســالم : لقد انـْتـَظـَرَتْ طويلا ً هذا اليوم
أحمــد : و لتسترخي أمواج الخليج العربي على ضفافه المشرقة ... فغدا تغادرها بوارج الاستعمار التي طالما أنهكتها بضوضائها و أحقادها
أبو راشد : و سترسل القيعان تنهيدة الخلاص التي تضج بها أضلعها ... و يعود للمرجان لونه الزهري الفاتن ... و تعود للقاع هيبته و سكينته
أحمــد : شكرا لك يا ربي قادر على كل قادر
ســالم : و أكبر من كل كبير
أبو راشد : تأخر عبد الله في الحضور
أحمــد : لماذا القلق ... الموج هادئ هذا اليوم .... ربما شغله شاغل ما
(ينادي أبو راشد على عامل المقهى )
أبو راشد : باروت
بــاروت : نعم عمي
أبو راشد : أدر علينا شراب اللوز و الورد ... فاليوم أجمل أعيادنا
بــاروت : أمرك ... في الحال
ســالم : اعمل حسابك يا باروت للغد .... فسقاية أهل الحي على حسابي
أحمــد : بل على حسا بي أنا
بــاروت : لا تتجادلا ... اليوم و غدا ً على حسابي أنا ..... ألست واحدا ً منكم ... لماذا تستكثرون علي مثل هذه المشاركة
أبو راشد : بل أنت الخير كله يا باروت
بــاروت : اتفقنا إذا
الجميع : لك ما أردت .... على بركة الله
( يدخل العريس عبدالله و بعض أفراد عائلته , يبدو و كأنه يرفل في حلة من ضياء الفجر ....تنم هيئته عن اختزانه لخبر مبهج ... يكاد بريق الفرحة يفضح عينيه ... حملق الجميع فيه ... متسائلين في داخلهم , ترى ماذا تحوي جعبته من أخبار...! ينهض أبو راشد مستقبلا إياه.. )
أبو راشد : حمدا ً على السلامة يا صهري العزيز ... و مرحبا ً بكم جميعا ً بيننا ... أرأيت كم هو مبارك عرسك
عبد الله : كيف ..! هل كان حصادكم اليوم وفيرا ً ..؟
أبو راشد : أكثر مما تتخيل
عبد الله : تمور و أسماك
أبو راشد : بل أبعد من ذلك بكثير
عبد الله : اصطدت دانة إذا ... فأنا أعرف كم بارع أنت في الغوص
أبو راشد : بل استرجعنا داناتنا المسلوبة منذ زمن طويل
عبد الله : أتعني التاجر الذي لم يعد ..!
أبو راشد : بل أعني الغاصب الذي سيرحل في الغد
عبد الله : أنتم تعرفون الخبر إذا
ســالم : سمعناه في المذياع
عبد الله : الناس في الإمارات يحتفلون بهذه المناسبة ... و كأنها أفضل أعياد الدنيا
أحمــد : و نحن غدا ً سنحتفل بها أيضا ً... و قد دعونا البشر و الشجر والبحر و الحجر ... و الماء و الهواء و الأسماك و كل المخلوقات ... فغدا خلاص الجميع
ســالم : سيصبح عرسك عرسان يا عبد الله
عبد الله : بل ثلاثة يا سالم
ســالم : كيف ... و هل تنوي تزويج أباك إحدى حوريات الجزيرة
عبد الله : لا بل هو عرس الدنيا
أحمــد : لقد شوقتنا للمعرفة
أبو راشد : هيا دعنا نعرف ما تعني
عبد الله : سوف تتحد الإمارات السبع في دولة واحدة
أبو راشد : ماذا قلت ...! أحقا ً ما تعنيه
عبد الله : نعم ...نعم ... و سيصبح لها كيان بين الأمم و في المحافل الدولية
أبو راشد : كم هي سعيدة أخبار هذا اليوم
ســالم : أدر المذياع يا باروت ... لنسمع ما تقوله إذاعة لندن
ينطلق صوت المذياع ... بعض الأغاني و موسيقى تنتهي بإعلان المذيع يورد التالي :
" نورد في خبر وصلنا للتو أن حكام الإمارات المتصالحة على ساحل الخليج العربي و ساحل عمان , اتفقوا جميعا على تشكيل دولة اتحادية أطلقوا عليها دولة الإمارات العربية المتحدة ... " انتهى الخبر ...
( يهلل الجميع لسماع الخبر )
أبو راشد : صحيح أن الأخبار السعيدة تأتي تباعا
أحمــد : بعد انتهاء الأفراح هنا سنذهب لنبارك لأهلنا هناك في باقي الوطن
ســالم :اسمحوا لي سأنصرف الآن فأنا لا أستطيع اختزال الفرحة طويلا ً... سأذهب لأبشر الجميع ... إلى اللقاء .
أحمــد : و أنا كذلك .... خذني معك
أبو راشد :هيا يا عبد الله أنت و أهلك ... لقد أرهقتكم الرحلة و حتما ً تريدون الإستراحة قليلا ً.... فغدا سيكون يوما ً خاصا ً
عبد الله : إن الفرحة التي تعتمرنا لا تجعلنا نشعر بأي نوع من الإرهاق ... فقد حملتنا أجنحتها على أثير الفرحة و حلق بنا بساط النشوة فوق غيمات السعادة ... واستغرقنا في أحلام الحرية و الكيان و الوحدة
أبو راشد : و نسيت أنك عريس قادم ليخطف عروسه
عبد الله : بل تداخلت الانفعالات جميعا ً... و شعرت كم أنا محظوظ ... فيوم زواجي قد اقترن بهذه الأحداث السعيدة
أبو راشد : دعنا نسرع لنبشرهم بكل هذا
(ينصرف الجميع ...
يستظل عبدالله بفئ شجرة معمرة في انتظار موعد زفافه ...)
الراوي: الوقت مساءً ... ساعات الأصيل الحالمة ... تستنهض الأحلام الآمنة في مخدع السلام...تتثنى الشمس بدلال لتغطس في أمواج الخليج الدافئة لتودع يومها ... تنتشر أشعتها الذهبية فتكسو المياه الهادئة بحلة الأبهة .... ينساب صوت الأذان إلى مسامع عبدالله كانسياب المياه على شاطئ الجزيرة .... فتغلف نفسه سكينة نادرة ... يتلاشى الأذان شيئا فشيئا حتى يختفي تماما ً... و يحمل النسيم إليه حفيف أوراق الأشجار... نغمات موسيقية ناعمة .... تتآلف في لحن سحري ... لطالما ارتبط بوجوده منذ الأزل على هذا التراب المقدس
أدى عبد الله فريضة المغرب في ظل الشجرة المعمرة... أخذ يلملمُ مشاعرالفرحة الممتزجة بالقلق ... استوقفته برهة من الصمت ... تسربت خلالها نظراته لتتوارى خلف ذرا النخيل .... رجفة امتزج فيها الإحساس بالخوف من المجهول ... امتد بصره شاخصا نحو الشواطئ الفضية الممتدة بطول الخليج و الهاجعة في سكون الأمان .... يظهر له طيف فتاته من بعيد فيخيل إليه أنها تناجيه
( حواربين عبدالله و طيف الفتاة )
الفتاة : شارد الذهن
عبدالله : شئ ما يكاد يخنقني
الفتاة : إذا تبحث عن اللا موجود
عبدالله : بل أتلمس شيئا ً يكاد يكون موجودا
الفتاة : ماذا ...؟
عبدالله: أشعر برهبة المجهول تحطم ضلوعي
الفتاة : ألفت وجهك الأسمر يطفح بالطمأنينة ... و تنعكس فوق ملامحه عوالم السلام
عبدالله : أفتقدها اليوم
الفتاة : ربما بسبب سدفة الليل
عبدالله : لا فالنجوم الليلة تشتد سطوعا ً... و كأنها ناقوس تحذير
الفتاة : لا تكن متشائما ً هكذا
عبدالله : تتصارع براكين القلق في داخلي
الفتاة : ربما قصرت في شيء من واجباتك
عبدالله : لا ليس الأمر كذلك
الفتاة : أذلك كابوس
عبدالله : إنني مستيقظ و أعي تماما ً شعوري هذا
الفتاة : الشمس تسافر في بحر السماء ... و أنت تسافر فوق أمواج القلق
عبدالله : أشعر بأن طريق الأمن مقفرٌ
الفتاة : هواجسك المخيفة ... تحطم شعور الأمان الذي اعتدت عليه
عبدالله : لا أكاد أطيق نفسي
الفتاة : لماذا ..؟
عبدالله : لا أدري ! هكذا فقط أشعر
الفتاة : اتلو شيئا من القرآن .... تسكُنْ به نفسك
عبدالله : لا أتوقف عن ذلك و هذا ما يجعلني متماسكا
الفتاة : من النور يتفجر الإصباح
عبدالله : ومن النار يتفجر البركان
الفتاة : يطفئه سلام المؤمن
عبدالله : و يشعله سلام الغافل
الفتاة : تلك وساوس الشيطان
عبدالله : وربما حدس الإيمان
الفتاة : هل عهدت هذا الإحساس من قبل ...؟
عبدالله : لم يكن أبدا ً بهذه الصورة
الفتاة : ترسم أفقا ً مظلما ً لمستقبل ٍ مجهول
عبدالله : أستنطق مستقبلا ً قادما ً من ديجور الظلم
الفتاة : أحاسيس خادعة
عبدالله : ليتها تكون كذلك
الراوي : بدأت الوساوس تعصف بنفس عبدالله كشياطين أيقظها الليل الحالك ...نسي أو تناسى وجوده ... اهتز شعوره بالأمن كشجيرة تحركها ريح باردة ... حملق طويلا ً في الأفق... لا يرمش له جفن ... تراءت له نقطة سوداء ... أخذت تكبر شيئا فشيئا... قفز قلبه من مجامعه ... ارتجت رئتاه و ارتعدت فرائصه .... إحساس لا يستطيع تجنبه .... ! أي شؤم ينتظره في الغد ...صفير الإنذار يرتفع في أذنيه ... يحاول أن يسدهما بكلتا يديه... لكن دقات قلبه تتعالى كصخب الألم المتدفق من الجرح النازف... هرول بعيدا ً إلى المجهول .... و تاه منه طريق العودة ... لم يتعرف إلى درب منزله ... و ربما حتى على نفسه ....
( بينما كان عبدالله متكأ على جذع الغافة في شرود القلق الملتحف بعباءة الخوف القادم من المجهول يمر به أبو راشد الذي كان في طريقه إلى منزله .... يلتفت إليه في دهشة المفاجأة مخاطبا ً إياه .... )
أبو راشد : عبد الله ... ما الذي يبقيك هنا يا بني
عبدالله : لا أدري يا عماه .. أحسست بثقل نفسي عن المواصلة
أبو راشد : ربما تعب الرحلة
عبدالله : لا ليس الأمر كذلك
أبو راشد : ماذا إذا ...؟
عبدالله : أشعر بالأمل يتلاشى أمامي .... ويمزقني شعور الخوف
أبو راشد : خوف ..! خوف من ماذا ...؟
عبدالله : من الغد
أبو راشد : أهكذا يكون شعور العريس في يوم زفافه
عبدالله : زفافه ...! لا أدري لماذا تتصارع الهواجس في داخلي و كأن هذا اليــوم... هذا اليوم
أبو راشد : هذا اليوم ماذا .... لا أفهم ماتعنيه
عبدالله : وأنا أيضا ً... أدرك شعوري تماما ً و لا أدرك أسبابه
أبو راشد : لم تك يوما ً متشائما ً كما أنت الآن ... فما الذي يدور بخلدك ... و أية رياح شؤم هذه التي تعصف بك ... و تستسلم لها دون مقاومة
عبدالله : اعذرني يا عماه .... فأنا لا أريد أن أشغلك بهمومي تلك
أبو راشد : كيف يا بني ... ألسنا عائلة واحدة .. دعني أشاركك فيها .. ربما حملت عنك بعضها إن لم أستطع اقتلاعها منك تماما
عبدالله : هي ليست واقعا ً حتى أحددها
أبو راشد : إذا لماذا تشغل نفسك بالأوهام و تنساق وراءها هكذا ...؟
عبدالله : هي ليست أوهاما ً أيضا
أبو راشد : ليست واقعا ً... و ليست أوهاما ً... لغز يجب علي أن أعرف جوابه
عبدالله : دعك من هذا يا عماه ... ربما شعور عابر
أبو راشد : شعور عابر .... شعور غامض .... شعور متشائم .... هو في النهاية شعور قاتم..... كيف تكون عليه الآن و يفترض أن تكون على غيره بعد قليل؟! هيا هيا يا بني... دع عنك هذه الوساوس السوداء ... واذهب لترتحْ قليلا ً... فالليلة ليلتك التي انتظرتها... و يجب أن تتهيأ لها.... أو تريد أن تطبع في أذهان الناس بأنك غير سعيد بزواجك من ابنتي ....؟!
عبدالله : لا تقل هذا يا عماه ... فوالله إنك لتثقل علي به أكثر مما أنا فيه
أبو راشد : إذا دعنا نذهب الآن واسقط عن كاهلك تلك الهواجس المريبة ... أريد أن أراك ويراك الجميع بابتسامة الفرح التي يفتر عنها ثغرك ... و ليس بنظرة القلق التي تغلف نفسك و شعورك
عبدالله : اعذرني مرة أخرى يا عماه .... فقد شغلتك دون قصد مني ... هيا بنا فقد بدأ الليل يرخي سدوله ... و سينشغل الجميع على تأخرنا
أبي راشد : هيا يا بني ... و ليجعل الله هذه الليلة من ليالي السعادة في حياتك
(ينصرف الاثنان)
الراوي : تنوء الجزيرة بالظلمات المتراكمة .... و تختبئ النجوم في أغوارها السحيقة .... بقايا من قلوب واهنة تنبض خوفا و قلقا ... و تتهاوى نسمات العليل المنعشة إلى لحود الارض المكلومة ... و يغدو الجو خانقا ... و السحب الحزينة تملأ السماء فتحجحب أنوار السلام.... تحوم أحلام أهل الحي بين بيوت الجزيرة المهجورة كبومة مجنونة تبشر بزمن الخراب ...... لقد فر السلام وحل في الأرض خوف و رعب ...!
مشهد العرس
رقصات من الفنون الشعبية الخليجية حيث يظهر عبدالله في زي العريس متشحا بعباءته السوداء... تصاحبه إيقاعات خليجية و على الجانب الآخر تظهر العروس بزي خليجي متكامل وسط أهازيج النساء و الغناء الخليجي الذي يصل إلى المشاهد بالتبادل مع الموسيقى و الغناء المرافق للعريس ....
(أغنية الفرح من اللون الشعبي الخليجي)
صوت فتاة : يا حبيبي إنْ بعَــدْتْ أشــقـَى بشـوقي
و إنْ قربْتْ ضلوعي ما تِحْمِلْ خُفوقي
صوت رجل : و اســرح ف دنيــا غـرام ٍ مسْـتهيــم ٍ
أذرف الدمـعــات في عشـق ٍ شــفوق
صوت فتاة : والضماير منْ لظـَى شـوقْ المعـنـّى
نـار تشْعـِـلْ من حُمْيـّا عـروقـــي
صوت رجل : إن نبَـا صوتــكْ يناجـيـني ضـميـركْ
و ألـقَ روحـي شدها شْرتَى الشـروق ِ
صوت فتاة : إنْ تخَيـّـلـْـتـِكْ حبــيـبي في عـيــونــي
فــــزّ قلبـي من مكـانه و ما اسْــتـِكانْ
صوت رجل : ويعـْـتريني م الهُواجـسْ يا ضـنـيـنـي
حتى ما جـني إليـــف ٍ بالمـــــــكـانْ
صوت فتاة : و انتــظر من صـوتكْ الحاني يجينـي
يـنـتـشــلنــي م الخيــال و م الزمـــانْ
صوت رجل : يا الغــلا يالــيت من بعــد الحــنيـــن
تـلتـقي روحـي و روحـك ف الأمــان
و فجأة يتبدل الموقف و تعم الفوضى... ضجيج جماعات همجية تجتاح المكان الهادئ ... تعيث فسادا في الأشياء... تكسر ... ترمي... تسكب كل ما تجده أمامها ....... وسط صدمة المحتفلين الذين تذهلهم المفاجأة....
تدخل فرقة من الفنون الشعبية الفارسية ... بملابس صفراء و حمراء للإحتفال بعيد النيروز... تلك العادة الجاهلية التي ما زالت تمارس حتى اليوم ... و تعتبر من أفضل أعيادهم.... على وقع الموسيقى الصاخبة ... يتحلق الرجال و النساء في دائرة حول النار المقدسة كما يعتبرونها يؤدون رقصة الهبان و المناديل الشهيرة .... يتبدل الجو العربي الهادئ الآمن بآخر فارسي ماجن و صاخب ...
الراوي : من يستبيح مال غيره ظلما ً... و يلغ في دماء جاره ... و يشردهم من ديارهم الآمنة ... فإنه بلا شك يتحول إلى طاغية ... و ينقلب إلى ذئب شرس .... فيتلاشى الجزء العاقل الشفاف من نفسه لينطلق الوحش الكاسر من عقاله ..... مثقلا ً بالرغبات العدوانية الجامحة ... و تتساقط أوراق العهود و الذمة و الدين .... و لا يبقى مجالٌ للتردد في ارتكاب أية جريمة ..... و إذا سقطت الأخلاق ... فما الذي يردع المرء عن ارتكاب الآثام و الموبقات...!
( حوار بين الفتاة و عبدالله )
الفتـاة : قــدر الزمــان تبـايــــن و تـدانـــي
أواه مـن محــن الزمـان الجــانـي
عبد الله : شيئـان لا يقـوى العـزيـز عليهـما
ظلـم القريـب وغربــة الأوطـان
الفتـاة : ما بال هذا الدهر يـثقـل كاهلـي
بكليـــهما و بقسـوة البـهتـان
عبد الله : لقد احتملت من الزمــان مكــائــدا ً
شــتى تنـــوء بحــمـلها الثقــــلان
الفتـاة : إنـي ليشــقيـنــي فـــراق مرابـــع
وظليــل أجـمل دوحــة بجنـــــان
عبد الله : والنار يشعل في الصميم أوارهــــا
حممـا ً تـزلـزل مهجـتي و كيانـي
( يظهر طيف الشيخ مايد بن سلطان القاسمي حيث يلتف حوله الجميع )
الفتاة : يا ويلهم إذ ســاورتــهم خدعــة
كيف استباحـــوا حرمــة الجـيران
يتظـاهــرون بديـــن رب محمــــد
وفعــالهم تأبـى علـى الأديـــــــان
عبد الله : فـيحللــون من الأمـــور عجـائــبا
مــا حــرّم القـــدوس في القــــرآن
مـتـتشـدقـيـن بقــدرة في شــأنهـــم
بئســـوا بذاك الوهــم و الطغيـــان
الشيخ مايـد : من غــرّه يـــــوم هـنـــيء آمـــن
فـليـحـذرن خديعـــة الأزمــان
يومـا تريــك من النـعـيم مباهجـا
وتريــك أهــــوالا ً بيـــوم ثـانــــي
فإذا نكـثـت عهــــود ربّ خـــــالدٍ
كيف ائـتمانـك عـهـــد دهــر فان ِ
(تلتفت الفتاة باتجاه الشيخ وكأنه قد أعاد لهن ذكرى و أمل و يدور الحوار التالي)
الفتـاة :
أيها الشيخ الوقور ...
أي أقـدار أتـتـنـا
بك في هذا المكان
الشيخ مايـد :
إنها ريح اشتياقي
و حنيني للجمـان
جئت أبحث عن قوقعـة
أودعتها سر الأمـان
حضنت مجد جـدودي
حق وجودي
فوق أرضي
من قديم الدهر في فـَـلَــكْ الزمان
الفتــاة :
آه لو تعـلم عن جور الزمـان
عندما تطعن أحشاء الحقيقة
بسهـام الغـدر في جعبـة ديـن
جـارنا يا أيها الشيخ امتطى
وحش الخيــانة
و رمانا بنبال البـغي
و الحقد الدفيــن
الشيخ مايد :
ضاقت الدنيا بمخزون الضلال
لفظت أنفاسها من حسرة
كل أنهار الـدّنا
كل الجبال
فرت البيداء من ظلم الخليقة
لجأت لليمّ تستجدي اليقين
ذهلت من ثورة القاع
على طمس الحقيقة
و جنود الكفر تحمي الغاصبين
الفـتــاة :
يا رجاءً ساطعا في فضاءات الحقيقة
يا سليل المجد محمود الخصالْ
انفجار الفجر يمحو عن مسارات الخليقة
عتمة الضيم بقول ٍ و فعالْ
يا ضياء الحق.. يا فخر القواسم
بصمة التاريخ في صنع المحالْ
خالد الذكرابن سلطان المبجل
مايد في العزم فخرٌ للرجالْ
صراع الأرض
( تجتمع شخصيات المسرحية في حوار حول الأرض حيث يتقابل الشيخ مايد بن سلطان مع المندوب البريطاني و ممثل الحكومة الأمريكية و ممثل الحكومة الإيرانية )
الإيراني :
الأرض لي وحدي أنا... وأنا الكبير
فالحق لي وحدي فقط
و الرفض لي وحدي فقط
و الأمة الكبرى تصون
لي الزعامة و المصير
الشيخ مايد :
عمري هنا .... ذاتي هنا
كينونتي غرس ترعرع و انتمى
متجذرا في عمق أعماق التراب
الأمريكي
إني المقــدر و القــدير
فأنا الذي وحدي فقط
بيدي حقوق الغير
و حق تقرير المصير
حق الفضاء ... حق الهواء
وحق أقدار البشر
حتى الدواب.... أو الحجر
الشيخ مايد :
أنا لي كيان ثابت
روح ... وعقل ... وارتباط بالبقاءْ
بشر تمخض من أعاصير الحياة
من الضياء من السناءْ
من صهوة التاريخ يشمخ
بالحقيقة في السماءْ
البريطاني :
إنـي المحذـر و النذيــْر
وأنا الذي في عهدتي .... أمر خطير
أفرضْ به كل الحقوق
حق البحار... حق البلاد ْ
و حق تفريق العبادْ
والأرض من حق القـوي
أما الضعيف ...إلى نفاد ...
الشيخ مايد :
و حقيقتي .... !؟
حقيقتي لا شئ يلغيها
و يجرؤ أن يصادر حقها
في أرضها
ليكون بخرا في سحابات آلضبابْ
و سنون عمري لن تكون بدونها
غير الســـراب
الإيراني :
اليوم يغدو الأمر نوعا ً من سرابْ
قد عادت الآمال ترقص
بعد يأس و ارتيابْ...
و القائمون على الحقوق
تعهدوا بعد الغيابْ
أن تـُحجبَ الشمسُ التي
تجلي الضبابْ
عن الحقائق و الصعابْ
الشيخ مايد :
الشمس إن يوما توارت
خلف أحجبة السحاب
فوجودها ...نور سيبقى ... ساطعا ً
من يوم مولدها ... إلى يوم الحسابْ
وأنا وجودي فوق أرضي ... مطلقا ً
فبها أكون كما أنا.
و بدونها ...!! لا لن أكون بدونها...!!!
أنا حينذاك ... أكون غيري..
ولست أدري من أنا..؟؟
الأمريكي :
لم نبق ِ في الأمر اختيارْ
اليوم أصدرنا الأوامر و القرارْ
إنّا نقدّرُ للأمور مسارها
حيث المصالح و الثمارْ
البريطاني :
و ثمار صفقتنا تعود لجاركم
هم يرتضون بها بديلا ً
عن بلاد في الجوارْ
أمنا من الغدر المبيت و الدمارْ
الشيخ مايد :
الأمر ذاك هو التسلط و الدمارْ
وبه تهيج عواصف الرفض الأبي
لخوض ساحات الغمارْ
تلك اللحود تزلزل الأكوان
رفضا ً للخديعة في الخيارْ
لن ينثني غافٌ و تخضعُ نخلة
ويميد حسن الأرض
أو قاع البحارْ ....
سيثور من بالبحر أو بالأرض
نصرا للذمارْ ...
ذاك القرارْ..!
الفتــــاة :
غضب البحــر و مــاجْ
و علا موج ٌ أجاجْ
هدرت صيحات
مرجان ٍ
و قيعان ٍ
و أسماك أبيــه
الجــميع :
لا تهـادن ... لا تهــادن
لا تهــادن أيها الحق المبـيــن
سـالم :
نحن لن نحيا
إذا دنس طـُهْــرَ الموج
طمسٌ للهويه
أبو راشد
هذه الدانات ما كانت بيوم فارسيه
عبدالله
إن خيمــات العذارى طعـنت
بسـيوف العنجهيــه
الجــميع :
لا تهـادن ... لا تهــادن
لا تهــادن أيها الحق المبـيــن
عبدالله
شـرفٌ مُــرِّغ َفي الوحــل ِ
بحقــدِ البـربـريــه
الشيخ مايد :
أي جــورٌ أو خــديعـه
عندما يُنْـتـَهَـكُ الأمـن ُ
ويغـدو الجــار ذئبــا ً
بـرداء البشــريه ...
الجــميع
لا تهـادن ... لا تهــادن
لا تهــادن أيها الحق المبـيــن
الشيخ مايد :
عنـدها تـُسـْـتـَبْـدلُ الضادُ
بـِرَطـْـن ِالأعجميــه
يُصبْـِح ُالنيروز عيــدا ً
و نزيف الصـدر عهــدا ً
لطقــوس همجـيـــه ...
الجـميع
لا تهـادن ... لا تهــادن
لا تهــادن أيها الحق المبـيــن
الفتـــاة
فجّــر البحـر براكيـن الغضبْ
هـَدَرَتْ أمواجه ُ
قيعانهُ
أسماكهُ
من مَغَبـّات ِ الكُــرَبْ
الجميع:
لا تهـادن أيها الحق المبين
ذاك حقٌ مغتصبْ
إنه مجـــدُ و تاريــخ العــربْ
استعراض غنائي :
يـا ناصـــع التبـــــر ِ
ماضـيــك يا جــزري
حيث ابتدا عمــري
في السهـــل و الأ َكـُـم (1)
بسيـــوفنـا الـحمــــر ِ
ورمــاحنا السمــــــر ِ
نحمي حمـى الجـزر ِ
بالعــزم و الهمــــــم ِ
طنب و ابوموســى
من ذا الــذي ينســـى
يا لـوعة و أســـــى
مـن بطشــة العجـــم
دهـــر ومـا أقســى
لـن أمتــلئ يـأســـــا
بـل أشـتعــل بأســـا
للثـــأر و النقـــــــــم
لا شـئ يثـنـيـنــــــا
عـن دحـر غــازينــا
جــار يعــــادينـــــا
لــم يحـفـظ الــذمــــم
الضيــم يضنـيـنــــا
عشـقــا لمــاضـينـا
ضـاقت أمــانـيـنـــا
صـبرا ٍ على الرَغـَم (2)
------------------------
(1)الأ َكـُـم : جمع ربوة
(2) الرغم : الذل و الهوان
تلتف خيوط المؤامرات كالتفاف الحبل على عنق الضحية .. فتتركها في غيبوبة الرحيل عن الواقع .. وما أن تعود نبضات الحياة تتدفق في الشرايين الواهنة حتى تكتشف الحقيقة المؤلمة التي سطرتها الخديعة و الغدر.... وترتحل الآلام في متاهات الدروب الوعرة منزلقة في سراديب العذاب لتبدأ رحلة البحث عن طريق الحق .... فتصطدم بنتوءات المشاعر وتضاريس الشعور... و يعيقها الأمل المكبل بعنجهية الخصم ومصالح المتآمرين ....
في الثلاثين من نوفمبر من كل عام , تتصاعد وتيرة الألم المنغرس في صميم النبض الرافض للواقع المر ... و يتصاعد الأمل في المستقبل المنظور لالتآم الجرح النازف بالأحزان ... ويمتد البصر للغرب الدافئ لشاطئ الخليج العربي حيث تنزوي جزرنا الثلاث طنب الكبرى و الصغرى و أبو موسى خلف سياج الأسر الآثمة ... وتتحجر دموع العتاب التي حفرت أخاديد الحزن على وجناتها الصافية .... فتتجدد مشاعر متضاربة من الإصرار و الألم والأمل ... لن تنتهي إلا بانتهاء الفصل الأخير من رواية المستعمر الحاقدة ... وتلمع دموع الفرح في مقلة الأم المنتظرة لعودة الأبناء إلى حضنها الدافئ الذي سكنته رياح العذاب وصقيع الفراق .....
لظى النفس
تتساقط أوراق الخديعة كتساقط أوراق الخريف ... ليتعرى بعدها الجذع المتدثر بعبـاءة النفاق و الرياء , منسلخا من عهود الأمانة .... و تتكشف الحقيقة المختبئة تحت ستار القيم والدين فتنفضح المؤامرة .. و تفرض واقعا أليما يمتد كأخطبوط تلتف أذرعه حول الضحية .. و يرسل سمومه القاتلة ليمسخ وجه الحقيقة , و يعيد تشكيل الواقع حسب رغبات الشر المتأصلة في نفسه ..... لكن إشعاع الشمس لا تغيبه الغيوم السوداء و لا يحجب نور الله سوى الله..... ومن يؤمن بالله حقا يرى هذا النور المتدفق عبر الغيوم فيتلمس طريق الوصول إليه..... هذه الحالة الإيمانية الصادقة , تجعله متمسكا دائما بصدق الحقيقة و عين الحق ..... وتجعل الأمل منبثقا بتدفق الإيمان في شرايين اليقين الروحي .... ليدرك أن رسالة الوجود والبعث أمانة بكل معاني مفرداتها ... و أن الحفاظ عليها هو في حقيقته حفاظ على عهود الإله .... هكذا تتواصل دروب السماء بطرقات الأرض و تعاريجها الوعرة , فتشرق أنوار القدرة الإلهية في صميم النفس البشرية و تكون رادعا عن الخطيئة و ملهمة للإيمان و الفضيلة ..... ويصبح الحب معنى شاملا , تتآلف جوانبه في وحدة كلية متكاملة من المقام الأعلى إلى المقام الأسفل .... تواصلٌ متكاملٌ ينطلق من بوابة السماء مرورا بمقام الروح و القلب و النفس ليتصل بالأرض التي منها خلقنا و إليها نعود .... قدسية هذا التراب الذي كرمه الإله باختياره تكوينا جسديا لنا و نفخ فيه من روحه , يجعل تكريمنا له و ارتباطنا به , تواصل مع الاختيار الإلهي واعتزاز بالمادة الفطرية و المنحة الربانية ..... هذا الشعور المتجلي في إصرارنا على الحب الأعلى ... حب الوطن و تراب الوطن ... غيرة الوطنية ووطنية الشعور الممتزج بمرارة الفرقة و لواعج الفراق .... ذكرى حزينة تتجدد كل عام في الثلاثين من نوفمبر الحزين ... يوم أن فرد أخطبوط المؤامرة المقيتة أذرعه على جزرنا الحبيبة...طنب الصغرى و الكبرى و أبو موسى ... عندما اجتمعت محاور الشر الثلاثة حول مأدبة شيطانية لتبرم صفقة الغدر الدنيئة فانتزعت الأبناء من حضن الأم الدافئ ...
و يظل الفاعل ضميرا مستترا مرفوعا " بالضمة " الظاهر ة من نائب الفاعل ...و بعدها ينقلب السحر على الساحر ثم لا يجني الفاعل ثمار صفقته المشبوهة.... و يظل الحق مغتصبا حتى هذا اليوم فراق يمتد منذ عقود من الزمان و انتظار يكلله الأمل في عودته إلى حــجر الحقيقة و محـــجر اليقين.............
مفردات الديكور
الأخطبوط مسرحية تترجم واقعا فعليا .... وهو اغتصاب الجزر العربية الثلاث " طنب الكبرى و الصغرى و أبو موسى " و على الرغم من كون الفعل واقعا منظورا غير أن نظرة أبناء الوطن تظل ترفض هذا الواقع .... مستمدة رفضها من ثورة قاع البحر و إباء شجر الغاف وعدم استسلام تراب الأرض .... هذه المعاني المجازية كان لابد من ترجمتها إلى شكل من الديكور يتجانس مع هذا الشعور فهو تصوير للحقيقة المحسوسة و ليس فقط الملموسة ... لذا نرى استخدام مفردات البحر في تصوير هذا الواقع الأليم ... فالأخطبوط الأسود الذي يمثل قوى الشر يسيطر على خلفية الأحداث فيظهر في خلفية المسرح ثم يبسط أذرعته على المكان و الزمان ... فنراه على شباك المقهى و شباك الدار و القلعة المتصدعة التي ترمز إلى افتقاد السلطة على هذا الجزء من الوطن .... كذلك يبرز في ملابس العارضين و بعض مفردات الديكور .... و في ذلك تصوير تجريدي لهذا المعنى .... لكن من بين مفردات البحر نرى ذلك الحيوان الرافض و الذي يظهر في الطاقات الثلاث العليا التي ترمز للجزر الثلاث و كأنه كف رافض لصد المعتدي و رفض الاستسلام .... و تظهر في الأسفل النوافذ البحرية التي ترمز لدولة الإمارات العربية المتحدة و يبدو قنديل البحر واجما حزينا في اثنتين منها و ترمزان إلى إمارتي الشارقة و رأس الخيمة اللتين اقتطعتا منهما هذه الجزر .... ثم تبدو حيوانات البحر كجذوع شجر جرداء كناية عن مفارقة الحياة لها بعد ذلك الغدر و انسلاخهما عن الوطن الأم ..... و إذا نظرنا إلى الكهف الظاهر في خلفية المسرح نراه متجددا متغيرا في اللون و الإضاءة حسب الموقف...ففي مشهد المؤامرة يتغير اللون إلى الأحمر الدامي و في مشهد المقهى يتخذ شكلا رمزيا لنوع السعف الذي تبنى منه البيوت القديمة و يرمز في الوقت ذاته إلى شكل شبابيك السجن .... و يتكرر المثال بالنسبة للمنزل حيث يأخذ شكل النافذة المعروفة بأعمدتها الحديدية و التي تبرز كرمز آخر يعبر عن الأسر .... و في المواقف الوطنية يتخذ شكل القلعة المتصدعة رمزا لتصدع السلطة الحقيقية على هذه الأرض ..... و يدل اللون الأحمر الذي يظهر في بعض جوانب المسرح على دم الشهداء الذين ارتفعوا للعلا دفاعا عن الأرض و الكرامة ساعة الغزو العصيبة و هو أيضا يرمز للاستعداد للتضحية من أجل تراب الوطن .... أما اللونين الأبيض و الأسود فهما المتضادان المعبران عن الحق و الباطل .... حقيقة كون هذه الجزر أرض عربية تابعة لدولة الإمارات العربية المتحدة مرتبطة بتاريخ القواسم منذ الأزل ... وواقع أليم مظلم بسواد الفعل و المؤامرة ... هكذا تتآلف مفردات البحر و رمزية الألوان في ترجمة هذا العمل الدرامي بصورة ترتبط بالواقع بشكل تجريدي معبر .
مقدمة غنائية
يا طـنب أقــدام الأعــادي دنســــت
فيك الريـاض ومعقــل الفرســــان
سلـبـوك فرعــــا أصــله متجـــــذرا
في أرض أجـداد من العـــربـــــان
شيئـان لا يقوى العـزيز عليـهما
ظلم القريب وغربـة الأوطـان
ما بال هذا الدهـر يثقـل كاهلـي
بكليـهما و بقســوة البهتــان
إني ليشقيـني فــراق مرابــع
وظليـل أجـمل دوحة بجنـان
يا طـنب أقدام الأعـادي دنست
فيك الريـاض ومعقـل الفرسـان
سلبـوك فرعـا ً أصــله متجـذرا ً
في أرض أجـداد من العـــربـان
يا طنب جرحك في فؤادي لم يزل
يدمــي لقهر الظاـــم و العــدوان
من ذا يعيـد سـكينتي لـقرارهـا
كي يستريح الموج في شطآني
لن تنطفئ نـار الجحيـم بخافقي
حتى يعـــود ثـــراك للأوطـان
الراوي : الخليج... تتدحرج أمواجه على رمال الشاطئ الناعمة ... يتألق تحت إشعاع الصبــاح,
بريقه الفضي... تظلل الجزيرة غلالة الفجر الذهبية ... فتبدو شفافة حالمة... النسيم العليل يداعب أوراق النخيل التي تنسدل كأهداب فاتنة عربية .... تتناثر البيوت الصغيرة على امتداد الشواطئ كتناثر حبات الجمان الرائعة ...
في مقهى شعبي .... كالعادة مصنوع من جريد النخيل الذي يشكل شبكة تسمح بتجدد الهواء ... مصاطب خشبية بعضها مغطى بفرش من القطن المنجد و الآخر كما هو...
باروت صاحب المقهى يدور بكئوس الشاي على الجميع ...
أبو راشد : إيــــــــه يا طنب .... رحم الله الأيام الخواليا ...
سالــــــم : عذبة كانت تلك الليالي الساحرة ... عندما يشق ضياء البدر عتمة الليل المتكور حول مدفأة الزمان ....
أحمـــــــد : و تتهادى إلى مسامعنا نغمات الأمواج كعروس ترفل في ثوب زفافها ....
( يتهادى صوت المذياع لأحد المطربين الخليجيين في فن غناء قديم يسمى صوت )
الراوي : في هذا المقهى الشعبي يجتمع رجال الحي يوميا ... حيث هو بالنسبة لهم المجلس الذي يلتقون فيه لتبادل الأحاديث المختلفة و الآراء و الأخبار ... لا يوجد بعد جهاز تلفاز ... اعتاد الناس على سماع أخبار صوت العرب من القاهرة أو إذاعة لندن الموجهة باللغة العربية....
أبو راشد : و تتصارع الذكريات الجميلة المتمردة على الاختزان في محفظة الزمن ....
أحمـــــــد : تتشابك في تلاحم ودي ونتجادل بعفوية الأطفال هذه ذكراي و تلك ذكراك ....
أبو راشد : كيف إذا كانت الذكرى تحلق بنا جميعا في قارب واحد من نسيج السكينة النورانية تحمله ملائكة الرحمن و تطوف به في ملكوت جلاله..
ســـــــالم : ثم لا نعود نميز الحقيقة ....
أبو راشد : و تتسلق الأحلام و الرؤى فوق أسوار الواقع....
أحمـــــد : و تتشبث بالآمال المنسابة من غدير السعادة و ينابيع الحب ...
ســــــالم : رحم الله الشيخ مايد بن سلطان ... لقد كانت لهيبته ووقاره المفعول السحري الذي يشعر الجميع و هم في معيتة بأنهم في ظلال أمان الرحمن ...
أحمــــــد : تعلق بهذه الجزيرة كما لم تتعلق أم بوليدها ....
أبو راشد : عهد بحكم إمارته لابنه الشيخ حمد حيث كانت فترات بقائه هنا تطول ....
ســـــــالم : لكنه لم ينقطع قط عن التواصل الدائم به ....
أحمــــــد : عرف عنه رحمه الله الزهد و العلم ...
أبو راشد : و مما يذكر من الكرامات الإلهية التي تروى عنه تواصله الروحاني بإمارته و ابنه الشيخ حمد بن مايد...
ســـــــالم : صحيح ... كان إذا حدث أمر ما في الإمارة تتوارد إليه الخواطر في حينها فتتكشف أمام بصيرته الأمور ... فيرسل أحد الثقاة من الجزيرة ليوصل الرسالة إلى ابنه ....
أحمــــــد : كان جدي ،رحمه الله ، من المقربين الذين يثق بهم و كم حمله من رسائل للإمارة ...
أبو راشد : سمعت من والدي في إحدى المرات ... بأنه ،رحمه الله ، بينما كان يستظل بفيئ غافة معمرة ... إذ تهادى إليه صوت ابنه يستغيثه في أمر طارئ ... تيقن أنه أمر جلل لا تجدي فيه المراسيل ... خاطبه بأبيات من الشعر ينبؤه فيها بقدومه في الحال ....
ســـــالم : فعلا ... الكثير هنا يحفظها كحكمة ....
أبو راشد : و عندما وصل للإمارة رأى ابنه على الحال نفسه التي تخاطرت إليه ... ووجده في انتظاره و كأنه كان أيضا على يقين بقدومه ....
أحمــــد : رحمه الله ... كان عالما ً في الدين مما قربه من الله و كشف له ما شاء من الحجب... و حين وفاته بكته الجزيرة كما لم تبك الثكلى على وحيدها ...
ســــــالم : و يقال بأن الشمس احتجبت خلف السحب المتراكمة لأيام عدة و كأنها ترفض الإشراق بعده ... و تثنت جذوع النخل في تحية وداع حزينة و لطمت أمواج البحر وجنتيها حتى تمزقت الأعماق و تشققت الصخور....
أبو راشد : إيه ... تظل الذكرى الخالدة كقرص الشمس المتقد في كبد السماء الصافية يبدد إشراقاته اللامتناهية على امتداد القرون و الأزمان ....
الراوي : كالعادة كل صباح .... عندما تطل لحظة الفلق و تتألق أنوار الفجرالموحية في الأفق الحالم .... وينبثق شعاع الفجر كشلال من نور رباني... يستيقظ أهل الحي على صوت المؤذن مناديا للصلاة... تدب الحياة الآمنة في أوصال الجزيرة ... و ينتشر الجميع للسعي اليومي ... ممارسات يومية لحياة طبيعية .... ربات البيوت في أعمالهن المنزلية .... و الرجال في سعيهم للرزق الحلال ....
هذا اليوم و على غير العادة .... تحتشد الغيوم القاتمة في السماء .... و يكفهر الجو ... وتبدو الأجواء خانقة و الفضاء مشحونا بالرعود المرعبة ... نذر الشؤم تطوق المكان و تحاصره بعتمة المجهول ... براكين القهر تتربص بالشعب الآمن ... تشعل حرائقا مجنونة من غضب مقدس يكون فيه خيار الفناء من أجل الكرامة خيار الأحرار الأوحد .. تنقشع غمامة التخفي ليطل الوجه القاسي بطيشه و حقده ... و بكل عنجهيته...
منزل العروس
( مشهد من التراث الشعبي الخليجي المتمثل في طحن القمح بالطرق البدائية التي اعتادها الأهالي...مع خلفية تراثية غنائية)
حوار بين سيدتين
الأولــى: أصبحنا و أصبح الملك لله الواحد القهار
الثانيـــة: اللهم ارزقنا خير هذا اليوم وخير ما أنزل به.... و جنبنا شره و شر ما أنزل به
(موسيقى و غناء من فنون التراث الشعبي في طحن الحبوب ...)
الأولــى: أتعرفين ... منذ طفولتي لم يتغير قط هذا المشهد
الثانيـــة: ماذا تقصدين ..؟
الأولــى: كل صباح و أنا أسمع الأمواج تتكسر على شواطئ جزيرتنا هذه , بحرية تامة... وينساب إلى قلبي حفيف أوراق النخيل و كأنها أوتار يعزف عليها النسيم العليل أعذب ألحانه
الثانيـــة: أصبحنا جزءا ً من هذا المشهد و أصبح هو جزء منا
الأولــى: يخيل إلي أن جزيرتنا هذه ... فاتنة ترفل في حلة ذهبية موشاة بخيوط الحرير .... تنتثر عليها اللآلئ و الجواهر الثمينة فتزيد من روعتها و جمالها
الثانيـــة: تشرق بمحياها الوضاح ... فيفتر ثغرها الباسم عن ابتسامة رقيقة و كأنها تلقي تحية الصباح على أبنائها
الأولــى: و تحتضن الجميع بدفئها المعهود ... فلا يملك أحدنا إلا أن ينصهر في حمأة عشقها المجنون
الثانيـــة: نسماتها مفعمة بشذى المسك و عبق الرياحين
الأولــى: ويتقطر عطر الخزامى من شبابيك الدور و أنفاس البحر و تنهدات النخيل
الثانيـــة: أهلها تظلهم أجنحة الملائكة و تحفهم عناية الرحمن
الأولــى: يشربون جميعهم من غدير الحب الأوحد
الثانيـــة: و يلتحفون سماء النور و السلام
الأولــى: يفترشون أديم الأرض الآمن
الثانيـــة: ويطربون لهمسات الموج المنسابة على شواطئ الاحلام
الأولــى: تلاشت بينهم فروقات الوهم الخادع
الثانيـــة : وأظلتهم غمامات الألفة
الأولــى : اللهم أدمها نعمة و احفظها من الزوال
(تدخل الفتاة لتشارك في الحوار ....)
الثانيـــــة : بارك الله أفراح الجزيرة ياعروسة الحي الجميلة
الفتـــــــاة : صباح الخير
الأولى : صباح الخير و الأنوار
الفتـــــــاة : ألا تلاحظون ... هذا الصباح تشع أنواره على غير العادة
الثانية : فرحته بزفافك الليلة تزيد من بريقه
الفتـــــــاة : ما الذي تصنعانه اليوم ...؟
الأولى : نجهز لوليمة زفافك الليلة
الفتـــــــاة : بقدر ما يسعدني هذا الشعور إلا أن القلق يتخطفني لحظات إلى غيبوبة المجهول والخوف المتسربل بغموض الأقدار... تسللت إلى البحر ... ألقيت عليه تحية الصباح... لم يرد ... تألمت... ظننته غاضبا ً مني ... فما اعتددت منه ذلك الجفاء
الأولى : سألتيه لماذا
الفتـــــــاة : طبعا فأنا لا أقوى على وجومه
الثانية : و ماذا قال ؟
الفتـــــــاة : هو لم يقل شيئا ً.... لكن دمعات حارة تحجرت في مقلتي الأمواج ... تجمعت كغدير من بقايا قطر الغيث ... احتضنتها رمال الشاطئ الناعمة ... قـَبّلـْتـُها بحنوّ و سألتها ... ما الذي يغضب البحر مني ...؟!
الأولى : لم تجب هي الأخرى
الفتـــــــاة: جرفتها موجة بينما كانت تهم بالرد علي ... وما إن بعدت قليلا ً رمقتني بابتسامة حزينة ... و قالت : غدا يخطفك الفارس ولا نعود نراك ...
الثانية : هيه .. و بماذا أجبتها .... ؟
الفتـــــــاة : قلت لها ... كيف ..! ألست أنت من سيحملني كل يوم إلى هنا ...! ألا تعرفين بأن روحي مغروسة بين أصداف البحر و جذور النخيل و تحت كل حبة رمل سقتني رحيق الحياة وكل سحابة مرت على هذه الأرض علقت بثوبي و علقت روحي فيها ...
الأولى : ما أعذب قولك ... كم سيبهر عبدالله برجاحة عقلك
الفتـــــــاة : يا خالتي نولد على هذه الدنيا فتعانقنا الأرض وتحتضننا أحراشها و بحارها ويهدهد مهدنا نسيمها العليل ... نستظل بسحابها و نشرب الفجر في أقداح نورها و نغتسل من فيء رباها و ننمو و نكبر في رياض عزها ... فكيف نقوى على فراقها
الثانية : و الله لمفارقة الروح تهون كثيرا ً عن مفارقة الديار
الفتـــــــاة : إلى اللقاء
الراوي : تمضي اللحظات الجميلة سريعة في قطار الزمن و كأنها مشاعل تطفئها رياح الخريف الباردة.... فتتلاشى في هاوية سحيقة ... ما من أحد يعرف كيف يهرب الزمن .... وأين تختبئ الأيام ... تتراكم الأحداث الحزينة و السعيدة فتصنع أرتالا ً من الذكرى..... و غالبا ما تخلـّفُ الأحزان ضبابيتها في الذاكرة .... لتبقى مشاهد غائمة تتدثر بركام السنين و غبار القرون
الراوي : ينزلق قارب أبي راشد في مياه الخليج الزرقاء الدافئة ... فينساب على تموجات البحر الهادئ... يردد بعضا ً من مواويل البحر التي تتوارثها الأجيال .... ويرنو ببصره للأفق البعيد فيرقب الصفاء الآمن الممتد بعناية على تلك البقعة الحبيبة إلى قلبه ... لا يبتعد كثيرا ً... فالخير قريب من شاطئ الأمان ... يرمي بشباكه للماء فتظهر له عروس البحر .... لطالما ألف ظهورها في مثل هذا الوقت ... يلقي عليها تحية الصباح
إيقاعات بحرية تنم عن حياة الصيد حيث يبرز سعيد كشخصية محورية في حوار وهمي مع عروس البحر )
أبي راشد : نهارك سعيد
الحـوريـة : نهارك سعيد
أبي راشد : الجو عليل .. والموج لا يزال يهجع في سكونه
الحـوريـة: و الصيد وفير و قريب
أبي راشد : هذا يعني أنني لن أتأخر كثيرا ً اليوم
الحـوريـة : بل ستعود حالا ً بشباك مليء بالخير
أبي راشد : كم ستسعد زوجتي
الحـوريـة: سمكة الهامور الكبيرة لأختك عائشة
أبي راشد : لماذا ...؟
الحـوريـة: هي تنتظرها
أبي راشد : حسنا ... سأحملها لها حالما أعود
الحـوريـة: كيف حالها
أبي راشد : تنتظر مولودها الأول هذا اليوم
الحـوريـة: إذا صيد هذا اليوم ستقايضه بهدية له ... لقد اقترن يوم مولده بخير الصيد الوفير هذا اليوم
أبي راشد : ربما يكون قدومه فأل خير لنا جمي.
الحـوريـة: احذر يا عزيزي ..! الأطماع تحيط بكم من كل جانب
أبي راشد : لقد اعتدنا الأمن و السلام
الحـوريـة: من مأمنه يؤتى الحذر
أبي راشد : يشغلني قلقك هذا اليوم
الحـوريـة: أرى في الأفق سحب سوداء
أبي راشد : جديد هذا التشاؤم
الحـوريـة: حملت لي النسمات بعض أسرار الخفاء
أبي راشد : لا أفهم
الحـوريـة: جارك
أبي راشد : هو جاري منذ الأزل ... ما الجديد بذلك ..؟
الحـوريـة: يرمقك من بعيد
أبي راشد : ربما من حرصه علي
الحـوريـة: ليس تماما ً كما تعتقد
أبي راشد : ماذا تقصدين ..؟
الحـوريـة: الأطماع يا عزيزي
أبي راشد : كيف ...؟
الحـوريـة: مؤامرات سوداء ... تحاك في الخفاء
أبي راشد : وعلى ماذا يتآمرون ..؟
الحـوريـة: على الأرض
أبي راشد : أرض أجدادي ... هم يعلمون ذلك جيدا
الحـوريـة : و يتجاهلون ذلك جيدا ً أيضا
أبي راشد : نؤمن سويا ً بدين محمد
الحـوريـة: يتراءى لك الظاهر
أبي راشد : و الباطن ...؟
الحـوريـة: غير ذلك
أبي راشد : لا أستطيع أن أصدق
الحـوريـة: ذاك لأنك مؤمن و طاهر
أبي راشد : سأسحب الشباك و أعود
الحـوريـة: حذر قومك
ســعـيـــــد: قد يسخرون مني و يظنوني أحمق
الحـوريـة: ستفاجئهم الحقيقة
أبي راشد : لا أزال غير مقتنع ٍ ...
الحـوريـة: أتمنى أن أكون مخطئة
أبي راشد : وداعا ً الآن ... سأراك في الغد
الحـوريـة: ربما لا أدري ... وداعا
( إظلام ينتهي بعده المشهد و يغادر أبو راشد خشبة المسرح و تختفي عروس البحر.... )
الراوي : في حجرات المؤامرات المعتمة ... تفوح رائحة الغدر المبيت ... و تنسج العناكب السامة شباكا ً لاقتناص الضحية .... و تنصب أفخاخ الخديعة تترصد بالضحايا الآمنة.... و تكشر أنياب الشر عن رغباتها الجامحة في امتصاص الدماء البريئة .... تتوثب الوحوش الكاسرة للحظة الانقضاض المجنونة .... تمزق فيها أواصر الإخاء الديني و البشري ..... و تتحول إلى ذئاب شرسة ...تطارد الإنسانية .... لتتقارع حينها أقداح النشوة الساقطة بانتصار المؤامرة الدنيئة ..... .... وهكذا يتبلور التواطئ الخبيث بين المقيم السياسي البريطاني بالخليج سير وليم لوس ومساعد وزير الخارجية الأمريكي ممثلا ً عن الحكومة الأمريكية جي جي سسكو في فاجعة قومية إنسانية حيكت بخيوط الغدر و خناجر الوقيعة ....
( حوار بين المقيم السياسي البريطاني سير وليم لوس و مساعد وزير الخارجية الأمريكية جي . جي . سسكو ممثلا للحكومة الأمريكية ... )
( حوار بين المقيم السياسي البريطاني سير وليم لوس و مساعد وزير الخارجية الأمريكية جي . جي . سسكو ممثلا للحكومة الأمريكية ... )
ممثل الحكومة الأمريكي : سوف ترحل في الغــد ِ عن ديــار العـرب ِ..؟
المقيم السياسي البريطاني : انتهـى دوري هنـاك بانتهــاء المطـلب
ممثل الحكومة الأمريكي : و الجمــان المشـرقات (1)
المقيم السياسي البريطاني : في صقيع الغيهــب (2)
ممثل الحكومة الأمريكي : عـنـد مــن .....!؟
المقيم السياسي البريطاني : عـندهمُ
ممثل الحكومة الأمريكي : عـند العــرب ِ...!؟
المقيم السياسي البريطاني : بل لشـاه ٍ (3) ... خلعـة منـا لأهل الريب.
ممثل الحكومة الأمريكي : آه مــا أدهـاك من جـرو صغير , ثعـلب ِ
المقيم السياسي البريطاني : إنني رهن يديـك ... فهل من عجــب ِ
ممثل الحكومة الأمريكي : سقطـت شهب السمــاءْ
المقيم السياسي البريطاني : أشعلت نـار العــداءْ
ممثل الحكومة الأمريكي : ليـس للجيرة معنىً
المقيم السياسي البريطاني : ليس للدين إبــاءْ
ممثل الحكومة الأمريكي : قد محـونا ذاك منهــمْ
المقيم السياسي البريطاني : يا لهــم من أشـقـياءْ
ممثل الحكومة الأمريكي : بل ... يالنا من أذكيـــــــاء ْ
المقيم السياسي البريطاني : هكذا نغدو على ذات الدروب
ممثل الحكومة الأمريكي : نخلق الأزمات في شكل الكروب
المقيم السياسي البريطاني : نزرع الفرقة فيهم .... إذ نفرقهم , نسود
ممثل الحكومة الأمريكي : يتلاشى أمنهم من بعضهم في غياب لا يعود
المقيم السياسي البريطاني : هكذا نحكم قبضتنا عليهم
ممثل الحكومة الأمريكي : إذ همو في حاجة الأمن نسديها إليهم
المقيم السياسي البريطاني : و منابع نفطهم
ممثل الحكومة الأمريكي : ملكنا نحن نقدرها لديهم
المقيم السياسي البريطاني : سنقايضهم سلاحا ً..... ببراميل الذهبْ
ممثل الحكومة الأمريكي : ثم نشعلها حروبا ً... بأضاليل ٍ عجب ْ
: المقيم السياسي البريطاني ونشاغلهم بأنفسهم دهورا
ممثل الحكومة الأمريكي : ثم نرمي بعضهم في البعض .... بهتانا ً و زورا
المقيم السياسي البريطاني : فإذا ما أنهكتهم حربهم
ممثل الحكومة الأمريكي : استدار الأمر نجلي كربهم
المقيم السياسي البريطاني : إنها ساعة تنفيذ القرارْ
ممثل الحكومة الأمريكي : لم يعد بين يديهم من خيارْ
: المقيم السياسي البريطاني سوف يرجون خلاصا ً.... من خيانات شقيق ْ
ممثل الحكومة الأمريكي : و دروعا ً من دفاع .... كي تقيهم من صديقْ
المقيم السياسي البريطاني : ذاك يوم الموعد
ممثل الحكومة الأمريكي : انتظرناه طويلا
المقيم السياسي البريطاني : وقريب هو للناظر ... ميعاد الغد ِ
ممثل الحكومة الأمريكي : فهنيئا الانتصارْ
المقيم السياسي البريطاني : ولنبارك ما اتخذناه مصيرا ً... و قرارْ
-------------------------------
(1)الجمان : اللآلئ و هي هنا كناية عن الجزر العربية طنب الكبرى والصغرى و أبو موسى
(2) صقيع الغيهب : الظلمة (3)الشاه : إمبراطور إيران
عودة للمقهى الشعبي
الراوي :تتدفق لحظات الفرح كتدفق الحياة في جريان النهرالمتحدر من القمم العالية ... لا يلوي على شئ ... و تتفتق براعم الأجنة فيشرق أمل جديد ووعد جديد ..... و من بين لحظات الحياة المتهللة بنور السعادة و بهجة الفرحة ... ينتصب القدر المحتوم كسيف جلاد وحشي ... تقدح أعينه شررا ً.... يرتقب انسياب الحلم الدافئ ... ينقض عليه انقضاض الكاسر على فريسته... فيجز عنقه بعنجهية الظلم المتقد شرا ً و غدرا ً.....
(يأتي صوت المذيع من إذاعة لندن يعلن الآتي )
" قررت حكومة صاحبة الجلالة ملكة بريطانيا العظمى...انسحاب القوات البريطانية غدا ً من جميع الإمارات المتصالحة ومنحها حرية الاستقلال
انتهى الخبر
برقت عينا أبي راشد ببريق الفرحة و انفرجت أساريره عن سعادة غامرة .... صاح بعدها منتشيا
أبو راشد : الله أكبر .... هللوا أيها الأصحاب ... السماء تبتسم .... اهطلي يا ديمات الرحمة علينا واغسلي هموم الماضي طهري أبداننا من تسلخات أغلال الاستعمار المقيت
ســالم : ما الخبر يا أبا راشد ..! أراك مبتهجا ً حتى لا تكاد تتمالك نفسك
أبو راشد : ألم تسمع الخبر ..؟ غدا ً ينقشع ظلام الاستبداد .... و ستشرق شموس الحرية من جديد
ســالم : كيف
أبو راشد : سيندحر الاستعمار عن سماء كرامتنا
ســالم : الإنجليز
أبو راشد : نعم ..نعم ... غدا فقط سأصوغ عقدا من نجوم سماء بلادي أزين به جيد ابنتي التي قرب موعد زفافها
أحمــد : مبارك أبا راشد .... جعله الله زفافا مباركا
أبو راشد : بل قل مبارك لنا جميعا ً .... فالعرس الأهم هو عرس التحرير
ســالم : تراكمت سحب الظلام ... طبقات طبقات ... تعالت كأبراج قاتمة في فضاء أوطاننا
أبو راشد : اليوم تتهاوى كبقايا الهشيم المحترق
أحمــد : و تسطع أنوار الحق
ســالم : و تصدح يمامة السلام
أحمــد : و نستنشق عبير التحرير
أبو راشد : عرس ابنتي غدا ً , هو عرس لأهل الحي جميعا
ســالم : ستتعانق النخلات و أشجار الغاف في رقصة تثر الشعور
أحمــد : ويعزف البحر أنشودة اليامال
أبو راشد : دعوا أسماك البحر غدا ً... تحتفل بطريقتها ... فلا تزعجها شباك الصيادين
ســالم : لقد انـْتـَظـَرَتْ طويلا ً هذا اليوم
أحمــد : و لتسترخي أمواج الخليج العربي على ضفافه المشرقة ... فغدا تغادرها بوارج الاستعمار التي طالما أنهكتها بضوضائها و أحقادها
أبو راشد : و سترسل القيعان تنهيدة الخلاص التي تضج بها أضلعها ... و يعود للمرجان لونه الزهري الفاتن ... و تعود للقاع هيبته و سكينته
أحمــد : شكرا لك يا ربي قادر على كل قادر
ســالم : و أكبر من كل كبير
أبو راشد : تأخر عبد الله في الحضور
أحمــد : لماذا القلق ... الموج هادئ هذا اليوم .... ربما شغله شاغل ما
(ينادي أبو راشد على عامل المقهى )
أبو راشد : باروت
بــاروت : نعم عمي
أبو راشد : أدر علينا شراب اللوز و الورد ... فاليوم أجمل أعيادنا
بــاروت : أمرك ... في الحال
ســالم : اعمل حسابك يا باروت للغد .... فسقاية أهل الحي على حسابي
أحمــد : بل على حسا بي أنا
بــاروت : لا تتجادلا ... اليوم و غدا ً على حسابي أنا ..... ألست واحدا ً منكم ... لماذا تستكثرون علي مثل هذه المشاركة
أبو راشد : بل أنت الخير كله يا باروت
بــاروت : اتفقنا إذا
الجميع : لك ما أردت .... على بركة الله
( يدخل العريس عبدالله و بعض أفراد عائلته , يبدو و كأنه يرفل في حلة من ضياء الفجر ....تنم هيئته عن اختزانه لخبر مبهج ... يكاد بريق الفرحة يفضح عينيه ... حملق الجميع فيه ... متسائلين في داخلهم , ترى ماذا تحوي جعبته من أخبار...! ينهض أبو راشد مستقبلا إياه.. )
أبو راشد : حمدا ً على السلامة يا صهري العزيز ... و مرحبا ً بكم جميعا ً بيننا ... أرأيت كم هو مبارك عرسك
عبد الله : كيف ..! هل كان حصادكم اليوم وفيرا ً ..؟
أبو راشد : أكثر مما تتخيل
عبد الله : تمور و أسماك
أبو راشد : بل أبعد من ذلك بكثير
عبد الله : اصطدت دانة إذا ... فأنا أعرف كم بارع أنت في الغوص
أبو راشد : بل استرجعنا داناتنا المسلوبة منذ زمن طويل
عبد الله : أتعني التاجر الذي لم يعد ..!
أبو راشد : بل أعني الغاصب الذي سيرحل في الغد
عبد الله : أنتم تعرفون الخبر إذا
ســالم : سمعناه في المذياع
عبد الله : الناس في الإمارات يحتفلون بهذه المناسبة ... و كأنها أفضل أعياد الدنيا
أحمــد : و نحن غدا ً سنحتفل بها أيضا ً... و قد دعونا البشر و الشجر والبحر و الحجر ... و الماء و الهواء و الأسماك و كل المخلوقات ... فغدا خلاص الجميع
ســالم : سيصبح عرسك عرسان يا عبد الله
عبد الله : بل ثلاثة يا سالم
ســالم : كيف ... و هل تنوي تزويج أباك إحدى حوريات الجزيرة
عبد الله : لا بل هو عرس الدنيا
أحمــد : لقد شوقتنا للمعرفة
أبو راشد : هيا دعنا نعرف ما تعني
عبد الله : سوف تتحد الإمارات السبع في دولة واحدة
أبو راشد : ماذا قلت ...! أحقا ً ما تعنيه
عبد الله : نعم ...نعم ... و سيصبح لها كيان بين الأمم و في المحافل الدولية
أبو راشد : كم هي سعيدة أخبار هذا اليوم
ســالم : أدر المذياع يا باروت ... لنسمع ما تقوله إذاعة لندن
ينطلق صوت المذياع ... بعض الأغاني و موسيقى تنتهي بإعلان المذيع يورد التالي :
" نورد في خبر وصلنا للتو أن حكام الإمارات المتصالحة على ساحل الخليج العربي و ساحل عمان , اتفقوا جميعا على تشكيل دولة اتحادية أطلقوا عليها دولة الإمارات العربية المتحدة ... " انتهى الخبر ...
( يهلل الجميع لسماع الخبر )
أبو راشد : صحيح أن الأخبار السعيدة تأتي تباعا
أحمــد : بعد انتهاء الأفراح هنا سنذهب لنبارك لأهلنا هناك في باقي الوطن
ســالم :اسمحوا لي سأنصرف الآن فأنا لا أستطيع اختزال الفرحة طويلا ً... سأذهب لأبشر الجميع ... إلى اللقاء .
أحمــد : و أنا كذلك .... خذني معك
أبو راشد :هيا يا عبد الله أنت و أهلك ... لقد أرهقتكم الرحلة و حتما ً تريدون الإستراحة قليلا ً.... فغدا سيكون يوما ً خاصا ً
عبد الله : إن الفرحة التي تعتمرنا لا تجعلنا نشعر بأي نوع من الإرهاق ... فقد حملتنا أجنحتها على أثير الفرحة و حلق بنا بساط النشوة فوق غيمات السعادة ... واستغرقنا في أحلام الحرية و الكيان و الوحدة
أبو راشد : و نسيت أنك عريس قادم ليخطف عروسه
عبد الله : بل تداخلت الانفعالات جميعا ً... و شعرت كم أنا محظوظ ... فيوم زواجي قد اقترن بهذه الأحداث السعيدة
أبو راشد : دعنا نسرع لنبشرهم بكل هذا
(ينصرف الجميع ...
يستظل عبدالله بفئ شجرة معمرة في انتظار موعد زفافه ...)
الراوي: الوقت مساءً ... ساعات الأصيل الحالمة ... تستنهض الأحلام الآمنة في مخدع السلام...تتثنى الشمس بدلال لتغطس في أمواج الخليج الدافئة لتودع يومها ... تنتشر أشعتها الذهبية فتكسو المياه الهادئة بحلة الأبهة .... ينساب صوت الأذان إلى مسامع عبدالله كانسياب المياه على شاطئ الجزيرة .... فتغلف نفسه سكينة نادرة ... يتلاشى الأذان شيئا فشيئا حتى يختفي تماما ً... و يحمل النسيم إليه حفيف أوراق الأشجار... نغمات موسيقية ناعمة .... تتآلف في لحن سحري ... لطالما ارتبط بوجوده منذ الأزل على هذا التراب المقدس
أدى عبد الله فريضة المغرب في ظل الشجرة المعمرة... أخذ يلملمُ مشاعرالفرحة الممتزجة بالقلق ... استوقفته برهة من الصمت ... تسربت خلالها نظراته لتتوارى خلف ذرا النخيل .... رجفة امتزج فيها الإحساس بالخوف من المجهول ... امتد بصره شاخصا نحو الشواطئ الفضية الممتدة بطول الخليج و الهاجعة في سكون الأمان .... يظهر له طيف فتاته من بعيد فيخيل إليه أنها تناجيه
( حواربين عبدالله و طيف الفتاة )
الفتاة : شارد الذهن
عبدالله : شئ ما يكاد يخنقني
الفتاة : إذا تبحث عن اللا موجود
عبدالله : بل أتلمس شيئا ً يكاد يكون موجودا
الفتاة : ماذا ...؟
عبدالله: أشعر برهبة المجهول تحطم ضلوعي
الفتاة : ألفت وجهك الأسمر يطفح بالطمأنينة ... و تنعكس فوق ملامحه عوالم السلام
عبدالله : أفتقدها اليوم
الفتاة : ربما بسبب سدفة الليل
عبدالله : لا فالنجوم الليلة تشتد سطوعا ً... و كأنها ناقوس تحذير
الفتاة : لا تكن متشائما ً هكذا
عبدالله : تتصارع براكين القلق في داخلي
الفتاة : ربما قصرت في شيء من واجباتك
عبدالله : لا ليس الأمر كذلك
الفتاة : أذلك كابوس
عبدالله : إنني مستيقظ و أعي تماما ً شعوري هذا
الفتاة : الشمس تسافر في بحر السماء ... و أنت تسافر فوق أمواج القلق
عبدالله : أشعر بأن طريق الأمن مقفرٌ
الفتاة : هواجسك المخيفة ... تحطم شعور الأمان الذي اعتدت عليه
عبدالله : لا أكاد أطيق نفسي
الفتاة : لماذا ..؟
عبدالله : لا أدري ! هكذا فقط أشعر
الفتاة : اتلو شيئا من القرآن .... تسكُنْ به نفسك
عبدالله : لا أتوقف عن ذلك و هذا ما يجعلني متماسكا
الفتاة : من النور يتفجر الإصباح
عبدالله : ومن النار يتفجر البركان
الفتاة : يطفئه سلام المؤمن
عبدالله : و يشعله سلام الغافل
الفتاة : تلك وساوس الشيطان
عبدالله : وربما حدس الإيمان
الفتاة : هل عهدت هذا الإحساس من قبل ...؟
عبدالله : لم يكن أبدا ً بهذه الصورة
الفتاة : ترسم أفقا ً مظلما ً لمستقبل ٍ مجهول
عبدالله : أستنطق مستقبلا ً قادما ً من ديجور الظلم
الفتاة : أحاسيس خادعة
عبدالله : ليتها تكون كذلك
الراوي : بدأت الوساوس تعصف بنفس عبدالله كشياطين أيقظها الليل الحالك ...نسي أو تناسى وجوده ... اهتز شعوره بالأمن كشجيرة تحركها ريح باردة ... حملق طويلا ً في الأفق... لا يرمش له جفن ... تراءت له نقطة سوداء ... أخذت تكبر شيئا فشيئا... قفز قلبه من مجامعه ... ارتجت رئتاه و ارتعدت فرائصه .... إحساس لا يستطيع تجنبه .... ! أي شؤم ينتظره في الغد ...صفير الإنذار يرتفع في أذنيه ... يحاول أن يسدهما بكلتا يديه... لكن دقات قلبه تتعالى كصخب الألم المتدفق من الجرح النازف... هرول بعيدا ً إلى المجهول .... و تاه منه طريق العودة ... لم يتعرف إلى درب منزله ... و ربما حتى على نفسه ....
( بينما كان عبدالله متكأ على جذع الغافة في شرود القلق الملتحف بعباءة الخوف القادم من المجهول يمر به أبو راشد الذي كان في طريقه إلى منزله .... يلتفت إليه في دهشة المفاجأة مخاطبا ً إياه .... )
أبو راشد : عبد الله ... ما الذي يبقيك هنا يا بني
عبدالله : لا أدري يا عماه .. أحسست بثقل نفسي عن المواصلة
أبو راشد : ربما تعب الرحلة
عبدالله : لا ليس الأمر كذلك
أبو راشد : ماذا إذا ...؟
عبدالله : أشعر بالأمل يتلاشى أمامي .... ويمزقني شعور الخوف
أبو راشد : خوف ..! خوف من ماذا ...؟
عبدالله : من الغد
أبو راشد : أهكذا يكون شعور العريس في يوم زفافه
عبدالله : زفافه ...! لا أدري لماذا تتصارع الهواجس في داخلي و كأن هذا اليــوم... هذا اليوم
أبو راشد : هذا اليوم ماذا .... لا أفهم ماتعنيه
عبدالله : وأنا أيضا ً... أدرك شعوري تماما ً و لا أدرك أسبابه
أبو راشد : لم تك يوما ً متشائما ً كما أنت الآن ... فما الذي يدور بخلدك ... و أية رياح شؤم هذه التي تعصف بك ... و تستسلم لها دون مقاومة
عبدالله : اعذرني يا عماه .... فأنا لا أريد أن أشغلك بهمومي تلك
أبو راشد : كيف يا بني ... ألسنا عائلة واحدة .. دعني أشاركك فيها .. ربما حملت عنك بعضها إن لم أستطع اقتلاعها منك تماما
عبدالله : هي ليست واقعا ً حتى أحددها
أبو راشد : إذا لماذا تشغل نفسك بالأوهام و تنساق وراءها هكذا ...؟
عبدالله : هي ليست أوهاما ً أيضا
أبو راشد : ليست واقعا ً... و ليست أوهاما ً... لغز يجب علي أن أعرف جوابه
عبدالله : دعك من هذا يا عماه ... ربما شعور عابر
أبو راشد : شعور عابر .... شعور غامض .... شعور متشائم .... هو في النهاية شعور قاتم..... كيف تكون عليه الآن و يفترض أن تكون على غيره بعد قليل؟! هيا هيا يا بني... دع عنك هذه الوساوس السوداء ... واذهب لترتحْ قليلا ً... فالليلة ليلتك التي انتظرتها... و يجب أن تتهيأ لها.... أو تريد أن تطبع في أذهان الناس بأنك غير سعيد بزواجك من ابنتي ....؟!
عبدالله : لا تقل هذا يا عماه ... فوالله إنك لتثقل علي به أكثر مما أنا فيه
أبو راشد : إذا دعنا نذهب الآن واسقط عن كاهلك تلك الهواجس المريبة ... أريد أن أراك ويراك الجميع بابتسامة الفرح التي يفتر عنها ثغرك ... و ليس بنظرة القلق التي تغلف نفسك و شعورك
عبدالله : اعذرني مرة أخرى يا عماه .... فقد شغلتك دون قصد مني ... هيا بنا فقد بدأ الليل يرخي سدوله ... و سينشغل الجميع على تأخرنا
أبي راشد : هيا يا بني ... و ليجعل الله هذه الليلة من ليالي السعادة في حياتك
(ينصرف الاثنان)
الراوي : تنوء الجزيرة بالظلمات المتراكمة .... و تختبئ النجوم في أغوارها السحيقة .... بقايا من قلوب واهنة تنبض خوفا و قلقا ... و تتهاوى نسمات العليل المنعشة إلى لحود الارض المكلومة ... و يغدو الجو خانقا ... و السحب الحزينة تملأ السماء فتحجحب أنوار السلام.... تحوم أحلام أهل الحي بين بيوت الجزيرة المهجورة كبومة مجنونة تبشر بزمن الخراب ...... لقد فر السلام وحل في الأرض خوف و رعب ...!
مشهد العرس
رقصات من الفنون الشعبية الخليجية حيث يظهر عبدالله في زي العريس متشحا بعباءته السوداء... تصاحبه إيقاعات خليجية و على الجانب الآخر تظهر العروس بزي خليجي متكامل وسط أهازيج النساء و الغناء الخليجي الذي يصل إلى المشاهد بالتبادل مع الموسيقى و الغناء المرافق للعريس ....
(أغنية الفرح من اللون الشعبي الخليجي)
صوت فتاة : يا حبيبي إنْ بعَــدْتْ أشــقـَى بشـوقي
و إنْ قربْتْ ضلوعي ما تِحْمِلْ خُفوقي
صوت رجل : و اســرح ف دنيــا غـرام ٍ مسْـتهيــم ٍ
أذرف الدمـعــات في عشـق ٍ شــفوق
صوت فتاة : والضماير منْ لظـَى شـوقْ المعـنـّى
نـار تشْعـِـلْ من حُمْيـّا عـروقـــي
صوت رجل : إن نبَـا صوتــكْ يناجـيـني ضـميـركْ
و ألـقَ روحـي شدها شْرتَى الشـروق ِ
صوت فتاة : إنْ تخَيـّـلـْـتـِكْ حبــيـبي في عـيــونــي
فــــزّ قلبـي من مكـانه و ما اسْــتـِكانْ
صوت رجل : ويعـْـتريني م الهُواجـسْ يا ضـنـيـنـي
حتى ما جـني إليـــف ٍ بالمـــــــكـانْ
صوت فتاة : و انتــظر من صـوتكْ الحاني يجينـي
يـنـتـشــلنــي م الخيــال و م الزمـــانْ
صوت رجل : يا الغــلا يالــيت من بعــد الحــنيـــن
تـلتـقي روحـي و روحـك ف الأمــان
و فجأة يتبدل الموقف و تعم الفوضى... ضجيج جماعات همجية تجتاح المكان الهادئ ... تعيث فسادا في الأشياء... تكسر ... ترمي... تسكب كل ما تجده أمامها ....... وسط صدمة المحتفلين الذين تذهلهم المفاجأة....
تدخل فرقة من الفنون الشعبية الفارسية ... بملابس صفراء و حمراء للإحتفال بعيد النيروز... تلك العادة الجاهلية التي ما زالت تمارس حتى اليوم ... و تعتبر من أفضل أعيادهم.... على وقع الموسيقى الصاخبة ... يتحلق الرجال و النساء في دائرة حول النار المقدسة كما يعتبرونها يؤدون رقصة الهبان و المناديل الشهيرة .... يتبدل الجو العربي الهادئ الآمن بآخر فارسي ماجن و صاخب ...
الراوي : من يستبيح مال غيره ظلما ً... و يلغ في دماء جاره ... و يشردهم من ديارهم الآمنة ... فإنه بلا شك يتحول إلى طاغية ... و ينقلب إلى ذئب شرس .... فيتلاشى الجزء العاقل الشفاف من نفسه لينطلق الوحش الكاسر من عقاله ..... مثقلا ً بالرغبات العدوانية الجامحة ... و تتساقط أوراق العهود و الذمة و الدين .... و لا يبقى مجالٌ للتردد في ارتكاب أية جريمة ..... و إذا سقطت الأخلاق ... فما الذي يردع المرء عن ارتكاب الآثام و الموبقات...!
( حوار بين الفتاة و عبدالله )
الفتـاة : قــدر الزمــان تبـايــــن و تـدانـــي
أواه مـن محــن الزمـان الجــانـي
عبد الله : شيئـان لا يقـوى العـزيـز عليهـما
ظلـم القريـب وغربــة الأوطـان
الفتـاة : ما بال هذا الدهر يـثقـل كاهلـي
بكليـــهما و بقسـوة البـهتـان
عبد الله : لقد احتملت من الزمــان مكــائــدا ً
شــتى تنـــوء بحــمـلها الثقــــلان
الفتـاة : إنـي ليشــقيـنــي فـــراق مرابـــع
وظليــل أجـمل دوحــة بجنـــــان
عبد الله : والنار يشعل في الصميم أوارهــــا
حممـا ً تـزلـزل مهجـتي و كيانـي
( يظهر طيف الشيخ مايد بن سلطان القاسمي حيث يلتف حوله الجميع )
الفتاة : يا ويلهم إذ ســاورتــهم خدعــة
كيف استباحـــوا حرمــة الجـيران
يتظـاهــرون بديـــن رب محمــــد
وفعــالهم تأبـى علـى الأديـــــــان
عبد الله : فـيحللــون من الأمـــور عجـائــبا
مــا حــرّم القـــدوس في القــــرآن
مـتـتشـدقـيـن بقــدرة في شــأنهـــم
بئســـوا بذاك الوهــم و الطغيـــان
الشيخ مايـد : من غــرّه يـــــوم هـنـــيء آمـــن
فـليـحـذرن خديعـــة الأزمــان
يومـا تريــك من النـعـيم مباهجـا
وتريــك أهــــوالا ً بيـــوم ثـانــــي
فإذا نكـثـت عهــــود ربّ خـــــالدٍ
كيف ائـتمانـك عـهـــد دهــر فان ِ
(تلتفت الفتاة باتجاه الشيخ وكأنه قد أعاد لهن ذكرى و أمل و يدور الحوار التالي)
الفتـاة :
أيها الشيخ الوقور ...
أي أقـدار أتـتـنـا
بك في هذا المكان
الشيخ مايـد :
إنها ريح اشتياقي
و حنيني للجمـان
جئت أبحث عن قوقعـة
أودعتها سر الأمـان
حضنت مجد جـدودي
حق وجودي
فوق أرضي
من قديم الدهر في فـَـلَــكْ الزمان
الفتــاة :
آه لو تعـلم عن جور الزمـان
عندما تطعن أحشاء الحقيقة
بسهـام الغـدر في جعبـة ديـن
جـارنا يا أيها الشيخ امتطى
وحش الخيــانة
و رمانا بنبال البـغي
و الحقد الدفيــن
الشيخ مايد :
ضاقت الدنيا بمخزون الضلال
لفظت أنفاسها من حسرة
كل أنهار الـدّنا
كل الجبال
فرت البيداء من ظلم الخليقة
لجأت لليمّ تستجدي اليقين
ذهلت من ثورة القاع
على طمس الحقيقة
و جنود الكفر تحمي الغاصبين
الفـتــاة :
يا رجاءً ساطعا في فضاءات الحقيقة
يا سليل المجد محمود الخصالْ
انفجار الفجر يمحو عن مسارات الخليقة
عتمة الضيم بقول ٍ و فعالْ
يا ضياء الحق.. يا فخر القواسم
بصمة التاريخ في صنع المحالْ
خالد الذكرابن سلطان المبجل
مايد في العزم فخرٌ للرجالْ
صراع الأرض
( تجتمع شخصيات المسرحية في حوار حول الأرض حيث يتقابل الشيخ مايد بن سلطان مع المندوب البريطاني و ممثل الحكومة الأمريكية و ممثل الحكومة الإيرانية )
الإيراني :
الأرض لي وحدي أنا... وأنا الكبير
فالحق لي وحدي فقط
و الرفض لي وحدي فقط
و الأمة الكبرى تصون
لي الزعامة و المصير
الشيخ مايد :
عمري هنا .... ذاتي هنا
كينونتي غرس ترعرع و انتمى
متجذرا في عمق أعماق التراب
الأمريكي
إني المقــدر و القــدير
فأنا الذي وحدي فقط
بيدي حقوق الغير
و حق تقرير المصير
حق الفضاء ... حق الهواء
وحق أقدار البشر
حتى الدواب.... أو الحجر
الشيخ مايد :
أنا لي كيان ثابت
روح ... وعقل ... وارتباط بالبقاءْ
بشر تمخض من أعاصير الحياة
من الضياء من السناءْ
من صهوة التاريخ يشمخ
بالحقيقة في السماءْ
البريطاني :
إنـي المحذـر و النذيــْر
وأنا الذي في عهدتي .... أمر خطير
أفرضْ به كل الحقوق
حق البحار... حق البلاد ْ
و حق تفريق العبادْ
والأرض من حق القـوي
أما الضعيف ...إلى نفاد ...
الشيخ مايد :
و حقيقتي .... !؟
حقيقتي لا شئ يلغيها
و يجرؤ أن يصادر حقها
في أرضها
ليكون بخرا في سحابات آلضبابْ
و سنون عمري لن تكون بدونها
غير الســـراب
الإيراني :
اليوم يغدو الأمر نوعا ً من سرابْ
قد عادت الآمال ترقص
بعد يأس و ارتيابْ...
و القائمون على الحقوق
تعهدوا بعد الغيابْ
أن تـُحجبَ الشمسُ التي
تجلي الضبابْ
عن الحقائق و الصعابْ
الشيخ مايد :
الشمس إن يوما توارت
خلف أحجبة السحاب
فوجودها ...نور سيبقى ... ساطعا ً
من يوم مولدها ... إلى يوم الحسابْ
وأنا وجودي فوق أرضي ... مطلقا ً
فبها أكون كما أنا.
و بدونها ...!! لا لن أكون بدونها...!!!
أنا حينذاك ... أكون غيري..
ولست أدري من أنا..؟؟
الأمريكي :
لم نبق ِ في الأمر اختيارْ
اليوم أصدرنا الأوامر و القرارْ
إنّا نقدّرُ للأمور مسارها
حيث المصالح و الثمارْ
البريطاني :
و ثمار صفقتنا تعود لجاركم
هم يرتضون بها بديلا ً
عن بلاد في الجوارْ
أمنا من الغدر المبيت و الدمارْ
الشيخ مايد :
الأمر ذاك هو التسلط و الدمارْ
وبه تهيج عواصف الرفض الأبي
لخوض ساحات الغمارْ
تلك اللحود تزلزل الأكوان
رفضا ً للخديعة في الخيارْ
لن ينثني غافٌ و تخضعُ نخلة
ويميد حسن الأرض
أو قاع البحارْ ....
سيثور من بالبحر أو بالأرض
نصرا للذمارْ ...
ذاك القرارْ..!
الفتــــاة :
غضب البحــر و مــاجْ
و علا موج ٌ أجاجْ
هدرت صيحات
مرجان ٍ
و قيعان ٍ
و أسماك أبيــه
الجــميع :
لا تهـادن ... لا تهــادن
لا تهــادن أيها الحق المبـيــن
سـالم :
نحن لن نحيا
إذا دنس طـُهْــرَ الموج
طمسٌ للهويه
أبو راشد
هذه الدانات ما كانت بيوم فارسيه
عبدالله
إن خيمــات العذارى طعـنت
بسـيوف العنجهيــه
الجــميع :
لا تهـادن ... لا تهــادن
لا تهــادن أيها الحق المبـيــن
عبدالله
شـرفٌ مُــرِّغ َفي الوحــل ِ
بحقــدِ البـربـريــه
الشيخ مايد :
أي جــورٌ أو خــديعـه
عندما يُنْـتـَهَـكُ الأمـن ُ
ويغـدو الجــار ذئبــا ً
بـرداء البشــريه ...
الجــميع
لا تهـادن ... لا تهــادن
لا تهــادن أيها الحق المبـيــن
الشيخ مايد :
عنـدها تـُسـْـتـَبْـدلُ الضادُ
بـِرَطـْـن ِالأعجميــه
يُصبْـِح ُالنيروز عيــدا ً
و نزيف الصـدر عهــدا ً
لطقــوس همجـيـــه ...
الجـميع
لا تهـادن ... لا تهــادن
لا تهــادن أيها الحق المبـيــن
الفتـــاة
فجّــر البحـر براكيـن الغضبْ
هـَدَرَتْ أمواجه ُ
قيعانهُ
أسماكهُ
من مَغَبـّات ِ الكُــرَبْ
الجميع:
لا تهـادن أيها الحق المبين
ذاك حقٌ مغتصبْ
إنه مجـــدُ و تاريــخ العــربْ
استعراض غنائي :
يـا ناصـــع التبـــــر ِ
ماضـيــك يا جــزري
حيث ابتدا عمــري
في السهـــل و الأ َكـُـم (1)
بسيـــوفنـا الـحمــــر ِ
ورمــاحنا السمــــــر ِ
نحمي حمـى الجـزر ِ
بالعــزم و الهمــــــم ِ
طنب و ابوموســى
من ذا الــذي ينســـى
يا لـوعة و أســـــى
مـن بطشــة العجـــم
دهـــر ومـا أقســى
لـن أمتــلئ يـأســـــا
بـل أشـتعــل بأســـا
للثـــأر و النقـــــــــم
لا شـئ يثـنـيـنــــــا
عـن دحـر غــازينــا
جــار يعــــادينـــــا
لــم يحـفـظ الــذمــــم
الضيــم يضنـيـنــــا
عشـقــا لمــاضـينـا
ضـاقت أمــانـيـنـــا
صـبرا ٍ على الرَغـَم (2)
------------------------
(1)الأ َكـُـم : جمع ربوة
(2) الرغم : الذل و الهوان