وخرجتُ من تحت الركامْ
َِو الشيب أغرقَ قلبيَ المفجوع
شكّلَ فوق رأسي
غيمة صمّاء
...تغرق في بياض غباره
آه كبرت بلحظة
وكأنما عمر من الأزمان مرّ بلحظة
..خطف الطفولة و الأمان
ومضى يعدّ جنائز الشهداء
ْيخطىء ثم يبدأ من جديد
فالموت حلّ بدارنا
...ْو اليوم طاب له المقام
وخرجتُ من تحت الركامْ
وبحثتُ عنكَ أبي
بحثت عن أمي... وعن أختي..أخي
وبحثت عن كتبي
وعن لُعَبي
فوجدت ساقَ أخي الصغير
و بعض أجزاءٍ لأمي
مِزقاً من الأوراق
تغرقها الدماء
ووجدت رأس الدمية التي
...ْاعتادت تنام إلى جواري في المساء
وخرجتُ من تحت الركام
فأبصرتْ عيناي في ألمٍ
حجارة بيتنا
...عذرا
حجارة
ما يسمى بيتنا
ْفاليوم أصبح بعض أكوامِ الركام
وترقّبتْ أذناي صوتَك يا أبي
ْيأتي كترتيل المساء
..ْنغماً يعيد إلىَ بعضا من سكون
لكن ذاك الصوت لم يأتِ
ْلم يأتِ...ولن
ٍقد غصَّ في أوتار حنجرة
...ْوغادر آهةً نحو السماء
ٌوانساب في أذني مواءٌ خافت
كان احتضارا مؤلما
لهُرَيْرةٍ
ْقد حُوصرتْ تحت الحديد
...ْياااا لإيلام المواء
ْوخرجتُ من تحت الركام
و العين يملؤها التراب
و الأذن يُصخبُها
ْصراخُ الياسمين
ٍمترددا في كل شبر
ِمن تراب الشام
ِفي درعا و في البيضاء
ِفي الرّيفِ الدمشقي الجميل
...ْوفي القُصَيْر
ْحلبٌ تئنُّ من المجازرِ والخراب
،وتئن داريّا
،وتذبح بانِياسُ وحولةٌ
ْفيردد البحر الأنين
وحَماة
تشهد هولها تلك النواعير العتيقهْ
...ْفتُسرفُ في العويل
ٍوتساقطتْ زهرات حمص
كلها كانت ورودا غضّةً
..حمراء تُغرقها الدماءْ
ْوخرجتُ من تحت الركام
فلم أجد بَرَدَى
و لم أجدِ الفراتْ
ففرات هذا اليوم
تملؤه جثامين الضحايا الأبرياءْ
و بقلبهِ القاشوش حنجرة ثمينهْ
جُزّت لتُخرس إنما
ْأبتِ السكوت
...ما عدتَ أزرقَ يا فرات
ْما عاد ذاك الأزرق الرقراق
يغري عاشقيك
ْكلا.. ولا يغريهمُ أيضا أخوك
لو عاد هذا اليوم شوقي عاشقا
ماذا عساه يقول في بَرَدَى
(وغوطةِ (دمْ - شقيق
ْيا أيها القدر المُعادُ المستدير
ٍمن يوم زفرة آدم
ودماءُ (هابيل) الضحية
نزفُها يسقي
(حجارة (قاسيون
فينبت بينها
ْقابيل يَقتُل من جديد
ماذا عسى الشعراء أن يتغزلوا
في الشام
في التفاح
في بلودان
ْفي البيت الدمشقي القديم
ومآذن الأموي يرتفع الأذان بها
ْو يرتفع النحيب
فيروز .. يا فيروز
ِيا صوتا تعتّق في ربوع الشام
في تلك الزواريب العتيقهْ
فيروز يا برَدَى
ويا نغما تراقص في الروابي .
ِعلّق الأشجانَ في النجمات
ِفي الليمونِ والدراق
ْألبسَنا الذهول
!ماذا تبقى من شآم الأمس يا فيروز يُغري
لم يبق للمصيافِ هذا اليوم
ٍحتى قيد أغنية
تُعيدينا بها
وتعيد فينا
ْشهقة الليل و نيسانَ الفصول
ْوخرجتُ من تحت الركام
ولكن يا ترى
ْهل كان بيتي وحده ذاك الركام
ْأم أنه قد صار تعريفا بديلا للوطن
ذاك الذي ما عاد يصلح أن نسميهُ
...الشآم
فواغي القاسمي ٢٨/٥/٢٠١٣