تسالي المساء ـ كمن يقشّر لبا !
الجو خريفي بارد يتسلل تحت معاطف المارة
الشوارع تتثائب ناعسة وهي تودع أفول الضياء باكرا
حتى نادل المقهى الـ يفرك يديه ليقيد فيهما بعضا من الدفء
يطيل النظر إلى معصمه
لا يرى ذلك الزبون الذي يترقب التفاتة منه
فعيناه مغروستان في العقارب التي لا تتواطئ في هذه اللحظة مع رغبته ...
المساء مفتون بشجنه الأزرق المسكوب على أسقف الدور
على الشرفات ... على الأزقة المشحونة بالحنين
على الحدائق العامة .. وقد تكورت فيها السكينة
حول موقد الذكرى الذي تركته مشاهد العبور...
ينساب حفيف أوراق الشجر كهمسات عاشقيْن وشى بهما النسيم
فاسترق السمع لتنهداتهما الدفيئة
و خان سرهما إذ أفشى به
تحتفل الأوراق المتساقطة في بوتقة الجمع
و كلٍّ قد ارتدَت لونها الراقص
الأرصفة تبتهج بتلك الحلل التي خلعها الخريف عليها
و كذلك تفعل المتنزهات و الحدائق
و أفنية البيوت ..
لا شيء يربك هذا السكون المهيب
سوى ذلك السنجاب العابث الذي أرهق شتلة الزهر في الحديقة
كأنما يبحث عن قرط ليلاه المفقود
و كلما أعدت ترتيب فوضاه
باغتني بهوايته الشقية من جديد ....
ألمس بيدي زجاج النافذة
فتلسعني قرصة البرد و يتخلل خدرها إلى أصابعي
جدران الغرفة الباردة تحيلني إلى ما يشبه تلك الياسمينة
التي أهملتها لمصيرها الخاتل على الشرفة
أسرع إلى شراب الزنجبيل الغازي ،
البسكويت المملح ، جبنة كابريس دي ديو ،
العنب الأحمر ، وبعض قطع المكرون الملونة
خاصة تلك المعجونة بشراب الورد
فطيرة تفاح ساخنة بالقرفة مع أيسكريم الفانيلا
و فنجان قهوة يعيد التوازن و يطرد النعاس ......
أجلس متكورة على مقعد أثير
أتابع مسلسلا تركيا ، هوايتي الأخيرة !
و أتساءل عن شحنات الحزن
عن تراكمات الألم
عن أقراص الحب المسروقة و احتمالات الفرح الضئيلة
المشهد إياه متكررا كما دوما
غير أن الملل الذي طابت له السكنى في داخلي
لا يترك لي من الخيار ما يليق بأبهة القرار
فأتسمر أمام الشاشة لعصور من الساعات
تتوالد منها أزمنة و أزمنة .....
تيار الذكرى الـ يترنح على وقع خطاها الرطبة
يستدرجني كثيرا
و يتناساني كثيرا
لكنه في كل مرور
يقرعني بمواويله المتحجرة في حنجرة الزمن المشروخة
يعتصر حقول الزنبق
ثمار الصبار و أشواكه المرّة
بهجة طفل بحلوى العيد
و دمعة أيل تعثر أمام عربة المواعيد
و عويل على راحل لن يعود
فأتذكر ما قاله الشاعر جان دو لافونتين ذات بصيرة
" الموت لا يتربص بالإنسان الحكيم ، إنه دائما مهيأ للخروج منه "
أسحب فرامل النوستالجيا
لا أريد استغراقا أكثر في لجج الأشباح
يكفيني رنين المطر الحاضر في هذه اللحظة
يستعرض إيقاعات الدانس دو سالون
و كأنما يغريني بالرقص معه
لكن حدقات البرد تتسع كثيرا
تتربص لحظة انقضاضها المؤجلة و المشتعلة
فأسدل الستائر على المشهد
أغلق باب الذكريات
و أعانق الملل الوقور بكل شجون الخريف .
15-10-2010
الجو خريفي بارد يتسلل تحت معاطف المارة
الشوارع تتثائب ناعسة وهي تودع أفول الضياء باكرا
حتى نادل المقهى الـ يفرك يديه ليقيد فيهما بعضا من الدفء
يطيل النظر إلى معصمه
لا يرى ذلك الزبون الذي يترقب التفاتة منه
فعيناه مغروستان في العقارب التي لا تتواطئ في هذه اللحظة مع رغبته ...
المساء مفتون بشجنه الأزرق المسكوب على أسقف الدور
على الشرفات ... على الأزقة المشحونة بالحنين
على الحدائق العامة .. وقد تكورت فيها السكينة
حول موقد الذكرى الذي تركته مشاهد العبور...
ينساب حفيف أوراق الشجر كهمسات عاشقيْن وشى بهما النسيم
فاسترق السمع لتنهداتهما الدفيئة
و خان سرهما إذ أفشى به
تحتفل الأوراق المتساقطة في بوتقة الجمع
و كلٍّ قد ارتدَت لونها الراقص
الأرصفة تبتهج بتلك الحلل التي خلعها الخريف عليها
و كذلك تفعل المتنزهات و الحدائق
و أفنية البيوت ..
لا شيء يربك هذا السكون المهيب
سوى ذلك السنجاب العابث الذي أرهق شتلة الزهر في الحديقة
كأنما يبحث عن قرط ليلاه المفقود
و كلما أعدت ترتيب فوضاه
باغتني بهوايته الشقية من جديد ....
ألمس بيدي زجاج النافذة
فتلسعني قرصة البرد و يتخلل خدرها إلى أصابعي
جدران الغرفة الباردة تحيلني إلى ما يشبه تلك الياسمينة
التي أهملتها لمصيرها الخاتل على الشرفة
أسرع إلى شراب الزنجبيل الغازي ،
البسكويت المملح ، جبنة كابريس دي ديو ،
العنب الأحمر ، وبعض قطع المكرون الملونة
خاصة تلك المعجونة بشراب الورد
فطيرة تفاح ساخنة بالقرفة مع أيسكريم الفانيلا
و فنجان قهوة يعيد التوازن و يطرد النعاس ......
أجلس متكورة على مقعد أثير
أتابع مسلسلا تركيا ، هوايتي الأخيرة !
و أتساءل عن شحنات الحزن
عن تراكمات الألم
عن أقراص الحب المسروقة و احتمالات الفرح الضئيلة
المشهد إياه متكررا كما دوما
غير أن الملل الذي طابت له السكنى في داخلي
لا يترك لي من الخيار ما يليق بأبهة القرار
فأتسمر أمام الشاشة لعصور من الساعات
تتوالد منها أزمنة و أزمنة .....
تيار الذكرى الـ يترنح على وقع خطاها الرطبة
يستدرجني كثيرا
و يتناساني كثيرا
لكنه في كل مرور
يقرعني بمواويله المتحجرة في حنجرة الزمن المشروخة
يعتصر حقول الزنبق
ثمار الصبار و أشواكه المرّة
بهجة طفل بحلوى العيد
و دمعة أيل تعثر أمام عربة المواعيد
و عويل على راحل لن يعود
فأتذكر ما قاله الشاعر جان دو لافونتين ذات بصيرة
" الموت لا يتربص بالإنسان الحكيم ، إنه دائما مهيأ للخروج منه "
أسحب فرامل النوستالجيا
لا أريد استغراقا أكثر في لجج الأشباح
يكفيني رنين المطر الحاضر في هذه اللحظة
يستعرض إيقاعات الدانس دو سالون
و كأنما يغريني بالرقص معه
لكن حدقات البرد تتسع كثيرا
تتربص لحظة انقضاضها المؤجلة و المشتعلة
فأسدل الستائر على المشهد
أغلق باب الذكريات
و أعانق الملل الوقور بكل شجون الخريف .
15-10-2010