الشاعرة فواغي القاسمي.
تركي التركي من الرياض
نشأت وتربت في بيت جمع الأدب والسياسة. ثم نشطت في كثير من المجالات الأدبية والاجتماعية. بشكل فردي مستقل وداعم لكثير من قضايا الطفل والمرأة خصوصا والقضايا الإنسانية عموما. الشعر متنفسها وأداتها التي توظفها لخدمة هذه القضايا. ومع ذلك تؤكد أن الشعر كحالة مميزة في القول والتعبير ليس بابا للقوة والتباهي أو الضعف.
بل حالة انعتاق روحي تستدعيها قيود وأسوار هذا الجسد الطيني. كتابتها تفوح بالبنفسج الذي يلامس ذاتها ويوقظ فيها ذكريات الطفولة، على حد تعبيرها. لذلك وكما اختارت هذا اللون والزهر لحياتها، رفقة وذائقة. اختارته ليزين عنوان ديوانها الأخير “حي البنفسج”. ديوان لم يخل، برغم عذوبة مفرداته الصوفية وذاتيتها المتفردة، من السرد السلس ومقاربة الشأن العام، سياسيا واجتماعيا. وهو السرد الذي تجيده القاسمي في اهتماماتها الأخرى إذ عرفت إلى جانب كتابتها الشعرية بكتابات متميزة، مقالا ومسرحا.
لماذا "البنفسج"؟
عن دار الفارابي، صدر للأديبة الإماراتية فواغي بنت صقر القاسمي ديوانها الجديد "حي البنفسج"، الذي يعتبر من دواوين الشعر العربي التفعيلي الملتزم بقضايا الإنسان، الذي تحاول أن تقف فيه المرأة موقفا عادلا من الذات والآخر سواء أكان الحبيب أم الوطن.
لماذا البنفسج؟ "الاقتصادية" تسأل. لتجيب الشاعرة: "هناك انسجام عاطفي بين ذاتي والبنفسج، رائحته في الصباح توقظ في نفسي ذكريات عذابا وملامح من طفولة حالمة وما زلت حتى اليوم أحرص على زراعته في حديقة المنزل. كما أن مساحات اللون الطبيعية الشاسعة تغسل عيني بعذوبة الحنين ورقة الذكريات. وفي ديوان "حي البنفسج" هناك قصيدة بعنوان: فصل من رواية حي البنفسج، التي هي عبارة عن نبوءة شاعر كتبتها في لحظة شرود أشبه بالغيبوبة خارج الزمان والمكان وحين عادت إلي صحوتي تساءلت ما الذي كتبته ولماذا وما سر هذه المعاني، .. حقيقة … كنت خائفة أو متوجسة من ذلك المعنى المختفي بين مفاصل القصيدة، فتركتها جانبا لزمن ليس بالقصير وحين بدأت ملامحها في التحقق، أدركت سر ذلك المعنى الذي تلبس القصيدة في لحظة الشرود".
يحتوي الديوان على ثلاثين قصيدة تختلف بين الطول والقصر وبين القصائد الذاتية والغيرية. ففي إحدى قصائد الديوان، تناجي فواغي الإله بقولها: إلهي
إليك أسوق الرجايا...
تطوف خلالي
فتشعل وجد هوى السالكين...
أريدك كشفا
ينير طريقي كالعارفين...
تبدد شكي
وتجمع لي من ملهمات اليقين...
فذاك التجلي
يمزق عني رداء الظنون فينزو أجاج جحيم البدد...
إلهي أغيب بدغل وجودي فناء...
لكيما أراك بسر التجلي إلهي الأبد...
تردد روحي إليك النداء إلهي مدد إلهي مدد.
هذه المناجاة الخاصة والمفردات الذاتية التي يبدو وكأنها تفتح نوافذ الروح لتشف عن ضعف إنساني مشوب بقوة الروح. لا تراها القاسمي كذلك إذ إن "الضعف أو القوة ليست مفردات ملائمة لوصف الشعر". وتضيف موضحة: الشعر غالبا ما يكون مرتبطا بالجانب الخفي من الروح، هو يقبع في خابية ما ويثور كبركان حميم في لحظة تهبط كوحي أو يأتي كفيوض من نور أو وميض بروق. هنا لا مكان لقوة أو ضعف بل هي حالة من الانعتاق الروحي من أسوار الطين. يلتقي الشعر مع صوفية الروح التي تتجلى برنينها الصاعد إلى مقامات القرب. والصوفية بالنسبة لي صومعة الاسترخاء ومحراب الوصل وغيبوبة السكر.
من تحت الركام
من جهة أخرى، قد تبدو بعيدة فنيا، في موضوعها وصورها، لكنها قريبة ومترابطة روحيا. إذ لطالما حملت القاسمي هموم الوطن العربي. اختارت أن تختتم الديوان بقصيدة مؤثرة من واقع مؤلم تصور الوضع الإنساني للمواطن السوري الذي باتت البراميل المتفجرة تحول بيته إلى ركام بل تحول الوطن والتاريخ كذلك إلى ركام. كتبت القصيدة على لسان طفلة حقيقية كانت الناجية الوحيدة التي تم إنقاذها من تحت ركام منزلها:
وخرجت من تحت الركام
والشيب أغرق قلبي المفجوع
شكل فوق رأسي
غيمة صماء تغرق في بياض غباره...
وخرجت من تحت الركام
وبحثت عنك أبي
بحثت عن أمي ... وعن أختي .. أخي
وبحثت عن كتبي
وعن لعبي
فوجدت ساق أخي الصغير
وبعض أجزاء لأمي
مزقا من الأوراق
تغرقها الدماء...
وخرجت من تحت الركام
والعين يملؤها التراب
والأذن يصخبها
صراخ الياسمين
مترددا في كل شبر
من تراب الشام
في درعا وفي البيضاء
في الريف الدمشقي الجميل
وفي القصير.
تعتبر القاسمي نفسها من رواد المذهب الشعري الكلاسيكي، رغم تمازج الشعر والنثر في بعض دواوينها. وقد عرفت كرائدة للمشاريع الثقافية حملت على عاتقها الإسهام الفاعل في صنع مشروع ثقافي عربي. كما عرفت كناشطة إماراتية في منظمات الدفاع عن حقوق المرأة والطفل وكاتبة مسرحية.
http://www.aleqt.com/2015/11/25/article_1009299.html