عفويّة هي بمنتهى الانتباه، وتلقائيّة بمنتهى الانضباط، وما بينهما ترمح الشاعرة وهنا تُدرك أبعاداً جديدةً للروح، حين تصبح كثافة روحها تلامس روحك، واتّساع هالة الضوء لديها تصل أعماقك، وبهجة حرارة التعبير منها وإليها تلوّن أوردتك، وهنا تكبر الحيرة هل تفيها حقّها ببسط رقعة التوصيف مستحضراً كافة الدلالات اللائقة بخصوصيّتها، وتقع في مطبّ ارتيابها، وارتياب المتربصين آخر السطر، أم تغضّ الطرف وتعمد إلى خيانة شعورك، والإطاحة باللغة التي تستجيب أو لا تستجيب للكرنفال الذي يبدأ عند أعطاف المشهد الحافل بالشعر والشاعرة معاً، ربّما المقدمة هنا تعجز عن الحسم، والعزاء يكمن في حوار الذي أعقب توقيع إصدارها الجديد “حيّ البنفسج ” وقد جاء تقدمة منها لحشد كبير جداً من جمهور توّاق للقائها وإعلاميين توافدوا من كل حدبٍ وصوب، احتفاءاً بالشاعرة القاسمي في بيروت في جناح دار الفارابي – البيال، والذي كان فاتحة المناسبات المميزة لمعرض الكتاب اللبناني الدولي التاسع والخمسين، والذي أعطى دون ريب ثقلاً وزخماً وقيمةً لما سيليه من مناسبات مماثلة لمؤلفين مخضرمين ومؤلفين جدد.. بكلّ اعتزاز سرّني أن أحاورها كشاعرة تربطني بها صداقة حقيقيّة ومودة كبيرة ومناورات لا تعترف بالمهادنة إلّا فيما ندر.. وفي – إلّا – هنا…
غادا فؤاد السمّان – بيروت
- فواغي القاسمي في الوقت الذي تحذر فيه سفارات الخليج رعاياها السفر إلى لبناني.. تختارين بيروت لتوقيعك الجديد.. كيف
- تفاديت قلقكِ حيال الوضع الأمني المأزوم على الدوام؟
قلّما ساورني خوف مبنيٌّ على تحذير إعلامي أو رسمي ، حين اخترت أن أترك قلبي ساربا تحت ظلال خمائل لبنان كانت الحرب الأهلية لا تزال دائرة ، ولا أظن هذا اليوم أسوأ مما سبقه وعليه فلا يشغلني الهاجس الأمني المفتعل كثيرا.
* أن تتركي عاصمة عريقة كلندن وهي الوطن البديل عن الإمارات وتتوجهين الى بيروت لتكون حاضن مولودك الأدبي الجديد.. مالذي برأيك يميز بيروت عن لندن وعن دبي لتفوز باختيارك دونا عن غيرها؟
ربما لن أجيب هنا بما يميز بيروت عن لندن ، ذلك أنني أجد المقارنة غير عادلة ، بيروت بعراقتها وعروبة ثقافتها ليست لندن، ناهيك عن لغة الضاد الشامخة في سمائها وأنفاس أرزها و تأوّهات بحرها و عبيق جبالها .. هي الحضن الطبيعي لمولود ينطقُ بلسانها و ينبض قلبه شغفا بعشقها.
*هذا هو الإصدارالسادس لفواغي القاسمي.. برأيك هل لا زال ثمة قارىء علما أن معظم سكان العالم العربي قد تحولوا إلى كتاب وشعراء وأدباء.. كيف تغامر فواغي بطباعة إصدار جديد في عالم يفتقر الى قارىء حقيقي؟
هذا المداد المعجون بعصير القلب و نشيج الروح لا يمكن له أن يبقى مأسورا مكسور الجناح ، ذاك الضوء المنثال من مشكاة الخروج يمهد له دروب الصرخة في بريّة الوجود . لا يهم أن يعج الفضاء بأصوات النشاز، و تراكم الرديء لكن تبقى مساحة من ضوء يبرز فيها الصوت الحقيقي الصادح بالجميل.- كما هو معلوم فواغي تتقن اللغة الانكليزية وتقيم في انكلترا.. لماذا لم تفكري بتقديم عمل باللغة الإنكليزية لقارىء جديد.. في انكلترا ؟
لست من أولئك المغرمين بالغربة و التغريب ، عربية حتى إخمص الروح متعصبة لجذوري حدّ الوجع ، مغروسة في عمق التاريخ ، فخورة بانتمائي المتجذر في الوجدان العربي.. فكل ما تنطق به الروح عربي عربي عربي .. وللقاريء الغربي من يمثله في موطنه
* حي البنفسج.. اسم مجازي لمكان شاهد على لواعج الحزن في ذات فواغي المرهفة أم هو تشفير لذاكره مثقلة بالأوجاع.. أم هو عنوان لأناقة روحك تختزلين فيه أسرار وأسفار الرؤى الشعر والوجود؟
للبنفسج في الذاكرة المقام الأجمل كلون و عبق، ولا تزال ذاكرتي المثقلة بانحناءات الزمن و تعرجات المكان يرسم فيها البنفسج طاقات فرح وشآبيب نور منذ الطفولة حتى اليوم ، بيد أنني اخترت هذا العنوان عطفا على قصيدة في قلب الديوان تتجلى فيها نبوءة شاعر. أسميتها “فصل من رواية حيّ البنفسج” غادرتني لحظة شرود كنت أغرق فيها في غيبوبة الوحي وحين إفاقةٍ تأمّلتُ ما كتبته و توقفتُ كثيراً متسائلة : لماذا هذا و كيف ومتى وما هذا وما ذاك وكل أدوات الاستفهام والاستغراق في اللامنتهي من الحيرة و تركت القصيدة بعضاً من السنين و فجأة تبلورت أمام عيني تلك النبوءة بتفاصيلها و دبيبها ونشيجها لذا قرّرت أن- أحرّرها من قيود الإخفاء إلى إشراقات الظهور فكانت و كان بها ولها عنوان الديوان.
- بتقديرك هل ما زال الشعر بستحق مجازفة الشاعر في الشغف والترحال.. أم أمه مجرد حدث مفتعل لصنع ملح من ملامح البهجة وإن على مضض..؟
لماذا يظلم الشعر دائما وهو الحقيقة الوحيدة التي تنفلت من زمام قيود الروح دون افتعال أو مكياج؟ الشعر وحْيٌ لا إراديّ وانبثاقٌ جبريّ من إرهاصاتِ الروح وتحلّل من قيود الواقع، الشعر يأتي كومضاتِ البروق في ساعةٍ من الغيبوبة خارج أسوار الطين . هو شغف مهاجر يحمل حقيبة أفراحه و أتراحه، معاناة لا تقبل التقيسم على مراحل تخرج مرتسمة في الكلمات تحملها أعمدة الأبيات و قوافي الحروف و أوزان البحور الهائجة و المرتخية.
7- في غياب النقد الحقيقي وفي زحمة الأصوات المستجدة والمتطفلة والمتعدية والدخيلة على الشعر.. كيف تمتلك فواغي القاسمي توازنها الابداعي..؟
أجبت على هذا تقريبا في السؤال الثالث.
8- وسائل التواصل عبر الانترنيت وفرت منبرا لكل عابري الأثير.. برأيك هذا الكم من الكتابة هو عبء وعالة على الإبداع.. أم مدعاة لحث الخطى للتسابق المتواصل على الجهات الأربع المفتوحة على جميع التجارب-
وسائل التواصل الإجتماعي سلاح ذو حدين، لا شك أنها وفّرت مساحة خلط الحابل بالنابل و الغثّ بالسمين و أصبحت داراً مشاعا يلج بها كل من شاء دون استئذان. ولأن الإبداع هو الحالة النادرة وسط هدير موج الرديء لذا فقط ظُلم المبدع لوجوده وسط هذا الركام . إلا أننا في عصر انحطاط الآلة الإعلامية التي لم تعد جديرة بالارتقاء بالذوق العام و رعاية الإبداع لذا وجد المبدع طريقا سالكا له في وسائل التواصل الاجتماعي كتعويض عن ذلك الإجحاف و الإهمال الذي ترتكبه الآلة الإعلامية.
http://illa-lazina.com/?p=1365