الشاعرة فواغي القاسمي، تشيّد حياً للبنفسج في بيروت-
آداب وفنون
بدعوة من دار الفارابي ضمن فعاليات معرض الكتاب الدولي في دورته 59 في بيروت، وقعت الشاعرة فواغي القاسمي ديوانها "حي البنفسج" في جناح الدار، يوم الجمعة الموافق 27 / تشرين الثاني / 2015 بحضور عدد من الإعلاميين والأدباء والمثقفين.
وقد حصلت مجلة "تحولات" على مقابلة مع الشاعرة حول الشعر بشكل عام وإصدارها الجديد بشكل خاص، تحدثت فيها عن تعلقها بالشعر والأدب، وعن دور الثقافة في تخليص المرأة من قيودها والتمرد على واقعها المرير على حد تعبيرها، وأجابت على العديد من الأسئلة حول الأدب والشعر........
- من أين جاءت فكرة عنوان الكتاب ؟
للبنفسج في الذكرى خابية من طيب وعبير ، ولطالما رافقني في رحلتي في الزمن والجغرافيا .. في الديوان قصيدة عنوانها "فصل من رواية حي البنفسج" كتبتها في لحظة من لحظات غيبوبة الشاعر و استلهام الوحي وحين أنهيتها تساءلت بيني وبين ذاتي عن تلك المعاني المقلقة التي تضمنتها القصيدة ولماذا كتبتها و كيف وهل هي إنذار بما سوف يقع أم أنها هلوسات شاعر .. تركتُ كل حيرتي معها و آثرت الاحتفاظ بها بعيدا عن الضوء . ومرت سنوات فإذا بي أراها واقعا يتحقق كما لو أنه تفسير لما كتبت و إجابات لتلك الحيرة التي رافقتني... اعتبرتها نبوءة شاعر واشتققت من عنوانها ، برغم هواجسها وضجيجها ، عنوان الديوان "حيّ البنفسج"
- ما هو الشعر بالنسبة لكِ، وإلى أين تحاولين الوصول بتجاربك الأدبية
للشعر المقام الأسمى في ذاتي ... الشعر يأخذني على جناح الريح مرتحلا في الكون .. يرافقني كظل يراني ولا أراه .. يقاسمني أحلامي و آمالي و آلامي ..يكتبني بكلي وبتفاصيلي .. يمتص مني كل مشاعري ويقولبها على هيئة قصيدة..لا يمكني أن أتخيل نفسي يوما لا أكتب شعرا ! أو أن الشعر سيخون صحبتي ويهجرني وهو الحبيب الذي لا يعادله حب في كوني.
طموحي ليس خاصا بانتاجي الشعري أو المسرحي وحده بل هو أمل أن أرى للشعر مقاما رفيعا في مجتمعاتنا العربية و أن يصبح للشاعر مكانته التي كان عليها في عهد الأجداد .. أتمنى أن أرى سوق عكاظ حقيقية لا ذلك الإسفاف والابتذال الإعلامي الترويجي الذي يحتفي بالمتثاقفين و مدّعي الشعر فيرفع من مقامهم بتسليطه الضوء عليهم وأرى ذلك من أخطر أسلحة الدمار الشامل التي أودت بحياة الشعر الحقيقي والحياة الثقافية ككل . أتمنى أن يراجع الإعلام نفسه كي لا يكون آلة التشويه المتعمد لثقافتا العربية و أدبها الراقي.
- ما هي الرسالة الأساسية التي تودين أن توجيهها إلى العالم من خلال الكتابة ؟
رسالة الشاعر هي أن يكون نبي قومه .. أن يكون شعره يفوح بعطر المحبة و السلام .. أن يزرع حدائق الشجن النصيع في قلب المتلقي ، يحاول أن يصيغ من أقانيمه أسلوب حياة يرتقي بالقاريء ويمسح من ذاته غلالات التشويه والعنف والحقد .. أن يرسم دروبا من ورود التآلف و الأحاسيس المرهفة ..
- ما الأثر الذي تركه في داخلك، أبيكِ الشيخ صقر بن سلطان القاسمي ، وإلى أي حد ترين أنك متأثرة فيه؟
لا شك أن الوالد رحمه الله ترك في نفسي الأثر الأكبر كشاعر و أديب و مثقف .. كان المورد الذي أستقي منه و أعيش بحرفه .. ورثت منه الإباء و السمو و التحدي .. كيف أعتز بلغتي و جذوري .. كيف أن العروبة مبدأ لا يمكن التهاون به أو التنازل عنه ..كيف يمكن أن أضحي لأجله و لا أقبل قسمة المشاعر و المباديء و القيم. تعلمت منه أن العربي لا يُخذل و لا يُكسر ولا يقبل الضيم أو التنازل عن كبريائه .. تعلمت كيف أن الوطن هو هويتنا وروحنا التي بها نعيش و هواؤنا الذي نتفس ..وحين أرى مآلات أوطاننا العربية أعود إلى أشعاره التي تشعرني بالتفاؤل بأن العروبة قد تمرض و لكن لا تموت.
- حي البنفسج هو الإصدار الأدبي السادس لكِ، ما الفرق بينه وبين الأصدار الأول بالنسبة لكِ ؟
الإصدار الأول "ألم السيح ردائي" هو مجموعة من القصائد العمودية بينما "حي البنفسج" هو بمجمله من قصائد التفعيلة .. ربما تتشابه القصائد في الإصدارين في تنوعها بين العشق و المعاناة والعتاب وحب الوطن
- ما الذي تعنيه لكي بيروت؟ وكيف كانت تجربة توقيع كتابك فيها، وتحديدا في معرض الكتاب ؟
لبيروت في قلبي محبة خاصة .. ولي فيها ذكريات طفولة .. لبنان هو البلد الأجمل الذي أجد فيه ذاتي التي تستريح تحت ظلال أيكه وتتنفس رائحة الصنوبر و الأرز هو المكان الذي يغفو على راحتيه قلبي . ولكون بيروت عاصمة الثقافة التي ينطق الجبل و السهل و الساحل و السماء بتاريخ عروبة ثقافتها ، لم أجد خيرا منها تستقبل هذا المولود الجديد .. وسبق لي إصدار ديوان آخر من بيروت أيضا بعنوان "سوناتات إنانا"
- تميل مسرحيتك "عين اليقين" إلى الصوفية : هل هو زهد يرافقك دوماً أم إنها مرحلة معينة مررت بها وغادرتها ؟ وهل يوجد في حي البنفسج أي نوع من التصوف؟
عين اليقين هي ملحمة دينية تاريخية ، ترصد رحلة البحث عن الذات الكلية منذ بدء الخليقة إلى يومنا هذا .. وكوني مغرمة بالصوفية و الإرث الصوفي تأتي كتاباتي تلقائية ترتدي جبّة الصوفية .. وكثيرا ما يلتبس الأمر على العامة بحقيقة الصوفية و نقائها بسبب ما نقله التاريخ لنا من تشوهات صاحبت حركات ادّعت التصوف و التصوف بريء منها .. الصوفية هي جملة المواجيد و غيبوبة المريد .. هي العرفان المتجسد في الوصول ..هي الروح المتحلّلة من أسوار الطين ..و غالبا ما تتضمن إصداراتي قصيدة صوفية.. والقصيدة الافتتاحية بحي البنفسج هي قصيدة صوفية :
إلهي
إليكَ أسوقُ الرجايا
و أُخفِضُ صوتي
بجُنْحِ السهادِ
أناجيكَ أنتَ
و أنتَ الأبَدْ
تَطوفُ خِلالِي
فتُشعِلُ وجدَ هَوى السّالكين ْ
إلهي
أراكَ بعينِ يَقيني
وهذي أنايَ
تُناجِيكَ عِشقا ً
إلهي مدَدْ
إلهي مدَدْ
إلهي مدَدْ
أُريدُكَ كَشْفاً
يُنيرُ طريقي كَالعَارفينْ
ليَغسلَ طِيني
و تَجْلُو صِفاتُكَ ثِقْلَ الخَطايا
سموّاً يُطهّرُني منْ صِفاتي
ونوراً يُزيلُ غُثاءَ الجَسَدْ
فكلّي اشْتياقٌ لكلِّكَ أنتَ
تُبدّدُ شكّي
و تَجمعُ لي من مُلهِماتِ اليقينِ
قناديلَ وجدٍ ٍ
تُشيحُ بوجهِ الظلامِ بعيداً
لأبُصِرَني من سَديمِ ضَياعي
كما تبَتغِيني
فذاكَ التَّجَلِّي
يمزّقُ عنّي رداءَ الظنونِ
فيَنْزو أُجاجُ جَحيمِ البَدَدْ
إلهي
أغِيبُ بدَغْلِ وُجودي
فناءً
يُعيدُ احْتِفاءَ البِدايهْ
فُيُوضاً
تُحيطُ صَقِيعَ حياتي
كَسيْلٍ دَفِيءْ
و شوقاً
يُذيبُ شَظايَا الهَيولى
لكَيما أراكَ بِسرّ التَجَلّي
إلهي الأبَدْ
أُناجيكَ وَجْداً
وابصرُ ذاكَ الحُضُورَ المهيبَ
بمرآةِ ذاتِي
إلهي أحَدْ
تردّدُ روحِي إليكَ النداءَ
إلهي مدَدْ
إلهي مدَدْ
إلهي مدَدْ
- بما أنك إلى جانب الكتابة، تعملين ناشطة في الدفاع عن حقوق المرأة، كيف هو تقييمك لوضع المرأة في العالم العربي، وهل ترين أن الكتابة يمكنها أن تكون طريقاً إلى حرية المرأة وتخليصها من قيودها؟
لا يمكن حصر وضع المرأة في الوطن العربي في سلّة واحدة .. فوضعها من حيث الاهتمام و الحقوق يتفاوت بين بلد و آخر .. هو ليس بالسيء جدا و لا بالجيد جدا .. تقف المرأة في أوطاننا العربية بين بين .. ولكن هذا لا يمنع أن هناك رقعا جغرافية على خريطتنا العربية لا تزال المرأة فيها تئن تحت وطأة سيادة الرجل و فيها انتقاص كبير لحقوقها الإنسانية قبل الثقافية و الاجتماعية .. لدي أمل كبير أن تستطيع هذه المرأة التمرد على تلك القيود البالية بفكرها و ثقافتها و أن تفرض على الرجل هناك واقعا عليه القبول به .. فلم يعد من المقبول أو المحتمل أن تظل المرأة في القرن الواحد و العشرين حبيسة أسوار المنزل منتقصة الحقوق و الكرامة.
- هل ترين أن الشعر هو خلاص للذات وأدات للتفريغ عن النفس؟ أم إنه معاناة يدخلها الشاعر عن طريق الصدفة ولا يستطيع الخروج منها؟
بدون شك .. الشعر مرآة الذات و انعكاسات و ارتداد الصدى الذي يوقظها ليسقط عن كاهلها ارهاصات الزمن و تغولات الواقع و انكسارات الروح .. الشعر إناء نسكب فيه كل ذلك لكي نتحرر من حريق المعاناة وجراح الألم و نشيج القلب.
المعاناة و الغربة الروحية تشكلان الأعمدة الرئيسية التي يرتكز عليها الشعر .. وبدونهما تصبح القصيدة باهتة فارغة خالية من العواطف .. فبهما تصبح القصيدة شعرا و بدونهما لا تتعدى كونها نظما لا يليق بشاعر.
- كيف تعرفين بإيجاز عن كتابك "حي البنفسج" ؟
"
حي البنفسج" هو شتلات من العواطف والأحاسيس غُرست في حديقة من نشيج القلب و سُقيت بنثيث الحب .. هو تأودات الروح واحتراقها ..المعاناة الذيذة في احتمالات الرحيل وغربة السؤال .. هو الريح الحنون وتمتمات السهول وأغنيات الرعيان... هو الأنا الحالمة في أراجيح الغرام المتوسدة قصص العشاق .. سكرة الغيبوبة بخمر البنفسج العاطر.
والجدير ذكره... أن ديوان "حي البنفسج" هو الإصدار السادس في المسيرة الأدبية للشاعرة بعد، ألم المسيح ردائي، موائد الحنين، سوناتا أنانا، بالإضافة إلى مسرحيتين شعريتين : ملحمة عين اليقين، والأخطبوط.
http://www.tahawolat.net/ArticleDetails.aspx?Id=8275&ArticleCategory=0