مجلة سيدات الأعمال الصادرة بليبيا
حاورها الأديب عبد الدائم السلامي :
هي شاعرة عربية سليلة أسرة عريقة حملت مشعل الحضارة و التنوير في الخليج العربي منذ القرن الماضي . نشأت في كنف والدها المعفور له الشيخ صقر بن سلطان القاسمي حاكم الشارقة السابق بدولة الأمارات العربية المتحدة . درست الشيخة فواغي الأدبين الانجليزي و الفرنسي و نالت فيهما درجة الليسانس . و نظرا إلى جو الثقافة الذي كان سمة من سمات بيئتها العائلية ، أينعت فيها مواهبها الابدداعية مبكرا ، فانغمست بكليتها في عالم الشعر المزدان بلآلئ الكلام تعطيه الكثير من فيض وجدانها وصفاء ملكتها حتى اكتظت فيها اللغة بصورها الجميلة و معانيها الراقية و أصبحت هذه المبدعة في زمن قياسي واحدة من أهم شاعرات الخليج العربي .
ونظرا إلى تعدد مواهبها ورغبتها الصادقة في خدمة وطنها لم تقف بالإبداع على تخوم الشعر بل يممت وجهها شطر مجالات فكرية أخرى أدركت بحدسها الصادق أنها تكون مع الشعر منظومة متكاملة لحياة إنسانية أفضل ، فهمت للدفاع عن حقوق المرأة و الفتاة و الطفل بما أهلها أن تكون ناشطة بارعة في هذا المجال .
و ترجمة منها لهذا التوجه قامت الشاعرة رغم كل التحديات و الصعاب التي واجهتها بإنشاء أول نادٍ للفتيات بإمارتها " رأس الخيمة " ليكون بيئة خاصة لأنشطة المرأة و الطفل ، وهز نادٍ سرعان ما تحول إلى قبلة للعلوم و الفنون و الأدب و الرياضية . يساعدها في ذلك الدعم اللامحدود لزوجها سمو الشيخ خالد بن صقر القاسمي ولي العهد ونائب الحاكم خاصة في احتضان المهرجانات الوطنية و العربية و على وجه الدقة في كل ما يتعلق بالقضايا العربية و على رأسها القضية الفلسطينية و القضية العراقية .
أنشأت الشيخة فواغي بنت صقر القاسمي مجموعة من المؤسسات العلمية و الثقافية نذكر منها مدرسة " منتسوري " المتميزة عالميا بمنهجها الفريد في التعليم و التعلم و " مؤسسة الشيخ خالد للإبداع و التميز " التي ترأس مجلس أمانتها و صار من أهدافها رعاية النابهين في شتى مجالات العلوم و الثقافة و الآداب ، و " هيئة تفعيل التاريخ و التراث الوطني " التي من بين أهدافها إعادة كتابة التاريخ الصحيح بعيدا عن الأهواء و المصالح و المغالطات.
ولعلّ تميز الشيخة فواغي القاسمي تركز في مجاليّ المسرح و الشعر إذ كتبت العديد من المسرحيات الشعرية ذات المضمون الاجتماعي و السياسي و الإنساني عرضت بالمسارح و نالت استحسان الجمهور مثل " ملحمة عين اليقين" و " الأخطبوط " و " أبناء قابيل " و " ليالي " و كتبت مجموعة من الدواوين الشعرية كان أولها " ألم المسيح ردائي " ثم " موائد الحنين" المترجم إلى اللغة الانجليزية و هي بصدد التهيؤ بإصدار مجموعاتها الشعرية الأخرى التي يبلغ عديدها العشرة . و نظرا إلى تميز نتاجات هذه الشاعرة العربية ، ارتأت سيدات الأعمال محاورتها و تعريف قرائها بثراء تجربتها الإبداعية ، فكان هذا الحديث :
1- ما تزالُ القصيدةُ النسائيّةُ العربيّةُ تحملُ في موضوعاتِها همَّ الدِّفاعِ عن الأنثى من سطوةِ لُغة الرّجلِ الواصفةِ لها، إلى أيّ مدى وُفِّقْتِ في ابتداعِ لغةٍ شعريّةٍ منفلتةٍ من أشراطِ الأنوثةِ؟
من منظور الشعر و الأدب ـ لا أرى من قيود منطقية تحد من إبداع المرأة ، و ما فرضه المجتمع لا يتجاوز كونه عرف إجتماعي شرقي عاثر ، وربما عفى عليه الدهر . تحاول الأقلام النسائية تمزيق تلك الشرنقة التي حاصرها بها الرجل الشرقي كي تعبر لجج التغييب و تبرز على وجه الأدب كمبدعة شأنها شأن الرجل . و من يقرأ كتاباتي ربما يلاحظ أنني تجاوزت الخطوط الحمراء الوهمية التي يضعها الشرقي أمام حواء ، و لكن في إطار من الالتزام الخلقي التي تفرضه الطبيعية الأنثوية .
2- ما هي ملامحُ تجربتك القوليّة وأنتِ تحاولين، في جميع ما اطّلعنا عليه من أشعارِك، بناءَ مشروعٍ شعريٍّ لكِ؟
بطبيعتي ، أجدني كثيرا عند خطوط التماس و تحدي العواصف مع تنويع أساليب العطاء الفكري و الأدبي . لست متعصبة لنوع ما من نماذج الأدب و لكنني حيثما قادني وحي الكتابة لا أتردد في ترسيخه قولا و تدوينا ، و لا ألجأ أبدا إلى طقوس معينة لسرد مشاعري و رغباتي في البوح ، لكنها تأتي كومضات نورانية فارضة نفسها في التوقيت الذي تشاء لا الذي أشاء. لذا أصبح مشروعي الشعري متنوعا و متشكلا حسب لحظة التفتق بكل تفاصيلها ، و ربما رسم هذا ملامح خاصة بما يسمى سمة أدبية لنتاج شخصي متشكل من أقانيم إيحائية خارج أسوار التعمد و الاستعداد.
3- تعيشُ المرأةُ الإماراتيّةُ أفضلَ عهدٍ لها في جميع مناحي تواجُدِها الاجتماعيّ والسياسيّ والثقافيّ بفضلِ التشريعاتِ السياسيّةِ الدّاعمةِ لها، فهل يجوز القولُ إنّ السياسةَ تبقى دومًا صاحبةَ الأمر حتى في الشِّعْرِ؟
ليس صحيحا أبدا أن المرأة الإماراتية تعيش أفضل عهد لها الآن ـ المرأة الإماراتية منذ سابق عهدها أنثى فاعلة و صاحبة قرار سياسي و إجتماعي و لها باع في الشعر و الأدب و الحكمة ، إلا أن ما نجده حاليا هو بروز وجوه أنثوية على الساحة الإعلامية التي هي سمة العصر الحديث ، و للأسف حين تطرح مواضيع المرأة في الساحة يتم تجاهل تاريخها الحافل بالمنجزات و يتم التركيز فقط على أدوار المرأة الحديثة و كأنها خلقت من نواة خرافية لم يعرفها الماضي . و أقول و بكل أسف ، هناك وجوه مقنعة للمرأة في دولة الإمارات ينسب لها مآثر و ( أساطير ) إن صح التعبير بوصفها الأنموذج المشرف و المثقف و المعطاء ، بينما في الحقيقة تلك النماذج من النسوة أبعد ما تكون عن ما ينسب إليها . كما أن العولمة فرضت إبراز حواء على الصعيد السياسي و الإجتماعي و غيرها و زُج بها في مجالات بعيدة كل البعد عن شخصيتها و قدراتها في الوقت الذي يوجد في المجتمع الإماراتي الكثير من النماذج النسوية المبدعة و الكفاءات الحقيقية لكنها تبقى في الظل بسبب قرارات النظام السياسي الذي يروج لوجوه غير كفوءة لأغراض شخصية و يتعمد التعتيم حول الوجوه الحقيقية التي تستحق الإشادة و الظهور.
4- ثمة موجةٌ من "التحرُّرِ الإبداعيّ" النسويِّ في منطقةِ الخليجِ العربيِّ تتزعّمُها كاتباتٌ سعودياتٌ مثل رجاء عالم ورجاء الصانع وزينب حِفني وصبا الحرز. هل تعودُ أسبابُ هذا السبقِ إلى كونِ أغلبهنّ يعتَمِدنَ مفاتن الجسد وَوَتَرِ الغريزة سبيلاً إلى شدِّ المتلقّي؟
مفردة التحرر ليست بالضرورة تعني التحلل من الضوابط الأخلاقية و الطبيعة البشرية المحترمة . و بعيدا عن الأسماء و المسميات ـ فمن وجهة نظري الخاصة أجد أن المرأة عامة و العربية خاصة لها الحق في التحرر من قيود المجتمع العقيمة و لكن هذا لا يعني التحرر التام من الضوابط الفطرية ، فالطبيعة الأنثوية تحتم الاحتشام بالمعنى المطلق ، سواء كان ذلك في المظهر أو الكتابة أو الفكر و اعتناق مبدأ معين ، أما وجود أسماء معينة تعمدت الظهور متحررة من جميع تلك الضوابط الفطرية فهذا ما لا أستطيع استساغته ـ فالمبدعة تستطيع إثبات وجودها ضمن إطار معين من الالتزام الخلقي و العقائدي و الاجتماعي . و للأسف فإن هذا العصر المتحلل من جميع الضوابط الأخلاقية أصبح يروج لأقلام خارجة بسوق المبررات الساذجة و وضع تلك الأقلام على رأس قوائم الأدب ، و هذا مايحزن ! إن الاحتشام المطلوب للطبيعة الأنثوية يرفع من مقام احترامها لذاتها و يعلي من شأنها في المجتمع و ليس العكس . فقد يتهافت القراء على اقتناء مثل تلك الكتب من باب حب الاستطلاع أو أن كل ممنوع مرغوب لا أكثر ـ لكن حتما ليس من باب تشجيع الإبداع . هذه الظواهر الشائعة هي جزء من سياسة عالمية تبنتها العولمة الحديثة لإفساد الذائقة العربية و تشويه الثقافة الإسلامية و النيل منها و إحداث العفن بالمجتمعات و الأجيال العربية الحديثة .
5- المرأة بين العائلة والعبارةِ: فواغي القاسمي أُنموذَجًا؟
في الأدب و الإبداع تتضافر الأمور في جديلة واحدة لإبراز وجه معين لامع من جميع الجهات و تتآلف فيه مقومات الإنتاجية بتكامل الكل لا بتضاد الأطراف. و لا أرى عائقا للأديب يتمثل بالارتباط العائلي أو الوضع السياسي أو التركيبة الإجتماعية. و تاريخنا العربي حافل بنماذج كثيرة تثبت صحة هذا الاعتقاد. بالنسبة لي شخصيا ، فإن العائلة أكسبتني موروثا ثقافيا متحدرا من أجيال عديدة سابقة ، تسري في العروق كشريان حياة يصل الماضي بالحاضر و أراه في مستقبل أبنائي الذين خرج من بينهم من اتبع السبيل و سار على درب الأدب و الثقافة . إنها سلسلة متواصلة لا تعيقها عوائق التحديد المختلفة في الحياة بل هي روح مستقلة بذاتها تسري حيثما تهيأ لها مجراها الذي سخرته الفطرة و الموهبة و الوراثة .
6- ماذا تقولين للمرأة العربيّة؟
إنني فخورة بكوني عربية و فخورة كذلك بالمنزلة التي يضع فيها المجتمع الشرقي المرأة بعيدا عن التوتر و التشنجات الفارغة التي يمارسها البعض من باب الجاهلية الأولى . فالمرأة العربية خلقت لكي تكون ذات مكانة في مجتمعها يكللها الاحترام و التقدير و أتمنى منها أن تنظر إلى نفسها ضمن هذا الإطار الرفيع المقام و لا تندفع خلف أوهام مغرضة ترسم تصورات خبيثة من شأنها أن تقوض هذه الهالة القدسية التي منحها الله إياها و أغدقت بها عليها الطبيعة . أتمنى أن أرى المرأة العربية سيدة القمة في جميع المجالات و لكن بعيدا عن الابتذال و اللهاث خلف تصورات تنتقص من شأنها مقابل تطبيل إعلامي عالمي مدروس للنيل منها دون إدراك حقيقي لما يختبئ خلف الأكمة.