هي أمرأة تحترق شعرا، وترنو في متاهات التشكيل المسرحي...، ومن أصوات الداخل تنأى عن الأدلجة الفجة لتعيد الدفة الى تاريخ البدء والتكوين...وهي" الزوجة الشابة الجميلة المثقفة القوية الشخصية الشيخة (فواغي) زوجة ولي عهد رأس الخيمةالشيخ خالد بن صقر القاسمي والمرأة ذات التوجه العروبي القومي وذات الطموح السياسي... والوحيدة من بين الشيخات زوجات الحكام وأولياء العهد التي استطاعت أن تسرق الكاميرات والأضواء العربية والدولية دون حرج ودون أن تختفي وراء البراقع والأبواب المقفلة"....لترسم مدارات الحلم المستوحاة من جمال الروح واللغة..
كان لنا معها هذا الحوار المستقطع من حياتها المليئة بالاهتمامات ..
1- من هي الشاعرة الشيخة فواغي بنت صقر القاسمي دون مساحيق السلطة الكاريزمية؟
سائحة في دروب المعرفة و التشبث بمفاتيح الإلهام ، قريبة من نبض الشارع ، بعيدة عن عجرفة فروق الطبقات و فراغ الحياة الساذجة ... أقطف فرحتي من أولئك المهمشين الذين أتلمس دفء أرواحهم ، و تعب حياتهم و صفاء أنفسهم ، هناك حيث تتولد أناي من جديد منصهرة بنبضهم .
تلك المنزوعة من شرنقة الشجن ، و الشاردة في فضاءات الريح .. لها بكل مرفأ حميم.. قصيدة و معبد .. تمردت على أغلال الإنغلاق و التقييد وسذاجة المظهر و المكانة ، لترحل حيث تجد ذاتها بين سراديب الألم والحزن و البساطة الماتعة ، بين أولئك الذين تجدها بينهم باختيارها وتستشعر القرب في نظراتهم الحانية ، و ثمة بوارق تلتمع في حنايا ذاتها حين يشاغلها الوجد بانهماراته العذبة ، زوجة ولي عهد إمارة رأس الخيمة الشيخ خالد بن صقر القاسمي و أم لستة من الأبناء .
2- هلا حدثتينا عن طقس الكتابة الشعرية لديك؟
حين أقترف الكتابة ، هكذا أسميها لعلتي المرتبطة بما أظلل به صفاء الصفحة البيضاء من زخات تكون قد ارتكبت فعل العصف بذاتي ، فإني بذاك أكون قد توشحت برداء غياب يأخذني في غيبوبة أستفيق بعدها على تلك الخربشات التي تركتها رحلة اللاوعي.
للقصيدة حكاية لا تماثل المسرحية و لا تشترك بها مع المقالة ، فقد اتخذ كل منها مكانا قصيا في دهاليز الذات الشائكة حيث لا تَرى و لا تُرى ،
القصيدة أمر إحضاري في حينه يأتي بي من حيث و أين و متى و كيف ، لا يعير اهتماما لظرف زمان أو مكان .. و حينها فقط تتهاوى قدرة المقاومة و لا يسعني سوى تلبية نداء يأخذني في ملكوت الشرود ليعيدني بعد فترة لملامسة واقعي الذي غادرني في استجابة لذلك الأمر .
قد أكون أهم بالخروج في ساعة معينة فيستوقفني ذلك النداء لينهمر صخبا من عاطفة لا تحتكم لتجسيد ، بل أنها صورا تلتقطها مجسات خاصة أثناء رحلة الروح في سماوات التخيل ، هكذا فقط تكون .. و حين أستعيد وعي حاول فهم ما تركته تلك اللحظة.
أما المسرحية فيبدو الأمر مختلفا شيئا ما ، أدخل في حالة من التحول الفكري و العاطفي ، و يتملكني الشعور الزمكاني الذي يسلخني من واقعي الحاضر ، فأغلق باب صومعتي لمدة قد تصل أسبوعين بعيدا عن جميع مؤثرات الواقع ، أتناول فيها ما قل من الطعام ، و تلك ميزة أحمدها عليها لأنني حينها أخسر بعضا من الوزن الزائد ،
في البيت يفتقدني الجميع خلال هذا الفترة و أكاد لا أراهم إلا مصادفة .. غير أنني أحرص أن ألتقي بمخرج المسرحية كل يوم في نهاية النهار حتى لا أشطح كثيرا في تصوراتي فأخرج عن سياق الحدث إلا أبواب تفتح فيصعب إغلاقها .. هذا الحالة من الشفافية دائما ما تكون مقترنة بفعل الشعر الذي يكتبني حينها لتخرج المسرحية الشعرية ، و قليلا ما يحيد بي الظرف بعيدا عن طريق الشعر إلى السرد.
الصمت هو الرفيق الموحش الوقور الملازم لحالة الكتابة ، حتى فيروز يكاد صوتها يختفي من الذاكرة حتى أعود لي من جديد .
اعتدت على الشاشة أبثها نجواي فتخليت عن الورقة و القلم ، و أحيانا يحدث أن أكون في حوار افتراضي على النت مع أحد الأصدقاء أو الصديقات ممن تجمعنا تلك الهواية فتكون كلمة خاطفة أو عبارة عابرة مفتاح قصيدة تولد في حينها ، و أحيانا تفعل أغنية حميمة فعل ما لا يستطيعه واقع أو خيال . وقد يكون مشهدا سينمائيا يحرث كوامن عالقة في عمق الذات لتتجلى بعدها لحظة الميلاد لقصيدة مختنقة تنتظر الخلاص و الحرية .
يقول السهروردي إن لحظات الكشف تأتي كبروق خاطفة ـ و أنا أستعير هذا التعريف لوصف مشهد ولادة القصيدة لدي .
3- أنت مبدعة متعددة(بين الشعر والمسرح والمقال)..كيف تعايش هذه الانواع داخل الأنا الشاعرة لديك؟
المسرحية هي الفضاء الأقرب و الأجمل للحلول في ذاتي فأبحث عني بين زواريبها و أبنيتها و حقولها ، فأجدني بين الهنا و الهناك مرتحلة على رؤية و شعور ، يتقمصني وطن وألم و شجن و رفض و وله و ..و.. و لكل هالته الشاعرية المقدسة لتكتبني قصيدة وحوارا و موقفا و عبرة ، فتنبثق المسرحية الحميمة الصادقة . و القصيدة إبنة المسرحية الشعرية و لكليهما مقام القرب الأجمل في نفسي بدون ( أيهما) .
4- أنت شاعرة من سلالة شعرية.. من هم الذين استرفدت تجاربهم الشعرية من غير وسطك الشعري وكان لهم أبعد الأثر في تجربتك الشعرية الحالية؟
للقدماء أولا ، الأندلس و ابن زيدون عشقي الأول و الدائم ، ثم من تلاه وصولا لوالدي و نزار قباني انتهاءا بالعديد من رياحين عصرنا .
5- مفهوم الشعر يكاد يكون زئبقيا بين الشعراء بالرغم من تنصيصهم على ما يسم جوهره...ماهو مفهوم الشعر لديك؟
الشعر هو خزين الحياة الداغل ، المتشرب في أوردة النبض و المتكور حول مدفأة الزمن و حيثياته و زمكانه ، هو انبثاقات الشعور من كوة الألم و الغربة و الحزن النصيع ، هو ذلك الكائن المتخلق من اللاإرادة و من اللاأين ... المتحرر من ضوابط الزمن و سوط المجتمع و قيود الذات وتابوهات البشر البالية .
6- هل تكتبك القصيدة أو تكتبينها ؟
الإجابة تضمنتها إجابة السؤال 2
7- من المعلوم أنك درست الادب الانجليزي..هل يمكن القول أن تأثيره في تجربتك الشعرية هو نفس تأثيره في الشعراء الرواد: بدر شاكر السياب، نازك الملائكة، بلند الحيدري....؟
من المسلم به أن الانفتاح على ثقافة الآخر يفتح مجال التجديد و التأثر بشكل أو بآخر ، و برغم دراستي للأدب الإنجليزي إلا أن فعل التأثير الذي يسلط صولجانه على ذائقتي هو ذلك العشق المتفرد في هيمنته للشعر و الأدب العربي ، الذي تبرز جماليته بمقارنته بالآخر و لكنني لا أنكر إعجابي الشديد و تأثري بتجارب جيل العمالقة كالسياب و نازك و بلند الحيدري وصولا لنزار ، ومن ثم أودنيس و أنسي الحاج و الماغوط كرواد للنثر الحديث.
8- بين قصيدة النثر والقصيدة العمودية زمن من المداد والصراع والاختلاف...لمن تنتصرين منهما ؟ وما مسوغك في ذلك؟
أؤمن و أكتب النص النثري ، و إنما أخلص للآخر قلبا و قالبا ..لأنني حين أبحث عني أجدني بين تلك القوافي المتعثرة في مفترقات دروبي ، الصادحة بأنغام البحور .. الهائمة في مساحات الشعور ، النائمة في ردهات بيت ٍ قائم على أعمدة ٍ يموسقها رويٌ و قافية.. أما حين تشاغلني رغبة التحرر فإنني أهرب إلى حضن الحر و النثري فأغرق في حشود التعبير المتحرر من كل إطار.
9- في ديوانك"موائد الحنين" نزوع صوفي جلي، ما مدى فعاليته في عالم يمور بالماديات؟
هو سبيل للخلاص من ضغط المادة حين انعتاق الروح من أسوارها المتعبة ، هو سبيل التخليص من شوائب الجسد بالانصهار في أثير الروح
إلهي ،،
إليكَ أسوق الرجايا
و اخفض صوتي
بجنح السهاد
أناجيك أنت ،
و أنت الأبدْ ...
تطوف خلالي
فتطفئ فيّ لظى السالكينْ
إلهي
أراكَ بعين يقيني
وهذي أنايَ
تناجيك عشقا ً
إلهي مددْ
إلهي مددْ...
،
أريدك كشفا
ينير طريقي كما العارفين
ليغسل طيني
و تجلو صفاتك ثقل الخطايا
سموّا
يطهرني من صفاتي
ونورا
يزيل غثاء الجسد ....
فكلي
اشتياقٌ لكلك أنتَ
تبدد شكي
و تجمع لي من ملهمات الشجون
قناديل وجد ٍ
تشيح بوجه الظلام بعيدا
لأبصرني من سديم ضياعي
كما تبتغيني ،
فذاك التجلي
يمزق عني رداء الظنون....
فينزو أجاج جحيم البددْ
،
إلهي
أغيب بدغل وجودي
فناءاً
يعيد احتفاء البداية
فيوضاً
تحيط صقيع حياتي
كسيل ٍ دفيءْ
و شوقا
يذيب شظايا الهيولي
لكيما أراك بمرآة ذاتي
إلهي الأبدْ ...
تردد روحي إليك النداء
إلهي مددْ
إلهي مددْ...
10- في تجربتك الشعرية احتفاء بالاساطير، لكن ما يلفت الانتباه أن عشتار تنهض رمزا أسطوريا اشعاعيا..ألا يحق لنا أن نربط بين فواغي القاسمي وعشتار؟
عشتار ، أسطور الحب اللامنتهي وملهمة العشاق و الشعراء ، متناقضات الأنثى ، كبريائها و طموحها ، عشقها و أنوثتها ، قدسيتها و إغرائها .. عشتار الكل الأنثوي الصارخ في كل حواء و المتجلي بعنفوانه و رقته ، بتطرفه و تساهله ، بتمنعه و رغبته
لذا هي عشتار الحب ،الناطقة في النص الشعري المسفوك من نبض الشاعرة..
عشتار في حبي و في غضبي و في كل جنوني ....!
يا ويح قلبي كم تحرّقه
بأحزان ٍ ظنوني
أتوسد الآه الحزينة
في دياجير الصبابة
و الشجون ِ
أنا لم أكن يوما
بعمقِ مشاعري
تلك التي أذكتْ
حنيني
رغم ارتحالي في الهوى
أنّى يكون يقول
كوني
فلقد عزفت على المشاعر
يا صديق الوجدِ
ألحان الأنين ِ
عتبي عليك بأنني
أنثى .. ! وتعلم
جرحَها
علم اليقينِ
لن ينطفىء لهب
تأجج من
أخاديد الشكوك ِ
من الظنون ِ
أوَ ما فهمت
بأن عشقيَ
ليس يشبهه
سكوني
عشتار .. في حبي
و في غضبي
وفي أقصى
جنوني
ورياح عاصفتي
التي سكنت مجازا
في سراديب
السنين ِ
ستمزق الحزن
الذي أدمى المآقيَ
في العيون ِ
ليمور زهر الياسمين
على روابي بهجتي
و ضفاف كوني ..!
لا تعتذر ..
اقفلتُ دون وصولك
المحراب
يا صبّ المجون ِ ..!
11- ورد في إحدى قصائدك:" يا وحدتي الموحشة الأليفة/تروضين احتمالات الفقد/ وتستجمعين حشود الأزمنة المتثائبة/..." كيف تعانين من الوحدة وأنت الشاعرة الشيخة/ الاميرة؟ وكيف ومم تعانين – مادام الشعرمعاناة-؟
وحدة الشاعر أو غربته ، هي المحور الذي تتعملق الإجابة عليها و تتشابك فروعها في مرآة لا يدركه كنهها حتى الشاعر ذاته و ذلك التساؤل الباذخ يضع المقصلة في دروب محاولات الوصول اليائسة
و لكن،،
ليس من العصي في لغة الشعور كي نرانا كما نكون ، لا ببصرنا ، بل ببصيرتنا
بهواجس الغربة التي تحتلنا ، تنشبنا طيوفا على وميض البروق بانصهاراتنا اللامتناهية
فلا نتعمد الخوض في الإجابة ، فندعها هائمة هي الأخرى حيرى لا يستقر لها قرار
فنأتلف التيه معا ،
ربما هذا ما يجب أن يكون لكي نكون
ووجدتني
وحدي بمنفى حيرتي
و الوقت مسفوك بأفك الغادرين ،
العابرين على سنين الحزن
في الزمن الحرون
أوكلت للريح السهوج صواعقي
و استسلم القلب الذبيح
مهادنا ، متسائلا
ماذا عساي بأن أكون لكي أكون
12- المعروف عنك أنك لا تتشرنقين في أبهة السلطة الزائفة.. كيف يتفاعل لديك الشعري والسياسي؟ و كيف تمارس الشاعرة فيك تلك الجرأة التي تميز شخصك في حياتك ؟
السباحة ضد التيار في بعض الأحايين تمدنا بالقوة المفقودة ، و تخلق فينا ذلك الكائن المتمرد على حدوده و أنا شخصيا مغامرة ُتعشق التحدي وبه تستجمع قطاف حقولها وتشرع نوافذ التعبير بمداد يراه الآخرون ممنوعا حد التحريم أو التجريم .
13- مما لا شك فيه أن المبدع في العالم العربي يعاني معضلة النشر.. لِمَ لمْ تنشري سوى ديوانين ومسرحيتين وتظل مسوداتك الشعرية المخطوطة الأخرى قابعة في الرفوف الى أجل غير مسمى؟
مافيا النشر لا تزال تنشب مخالب خديعتها بأثواب الكتاب و كاتبه ، تفرش الوهم ورودا عطرة و ما أن تتمكن من فريستها حتى تنثر أشواكا لا يمكن تداركها .. تجعل من الكاتب ضحيتها المخدوعة بزيف الوعود مما يجعل الإحجام عن النشر ضرورة للخلاص من نتائجها المفجعة
14 – ما هي القيمة المضافة التي شكلتها لديك الشبكة العنكبوتية؟
ربما نوعا من الانتشار المجدي ، و أصبح الصوت الصارخ ببرية الكون هو صوت التكنولوجيا ، فاصاب الشعر شيئا من لاعطب المؤقت و نأى بنفسه ركنا قصيا كي يبقي على ذاته دون تشويه .. غير أن ذلك النأي لم يأت ثماره فغزته همجية مقيتة شوهت تلك الصورة اللذيذة أجج سعارها ذلك الانتشار من خلال الشبكة العنكبوتية ، غير أننا و بعيدا عن انحياز ظالم علينا أن ننصفها بأنها قامت بدور ليس بالقليل في إعادة نشر الوعي الشعري و منحت مساحة مضاهية للشعر الحقيقي إلى جانب الغث و القميء.