يا هدأة الليل الملهمة الحميمة
ها أنت ِ ترتبين نجومه المطفأة على موائد الحنين
تمشطين شيب الأفول بأصابع الحرير
و تضفرين جدائل القصيدة
تستدرجين النعاس من عيون آلهته
لتـُسكنيها شوارد الأحلام و أثير الأمنيات العِذاب
تسرجين همهمات الشجون كأوشحة للدفء
حين الصقيع يفترس مفاصل الذكرى
توقدين أقمارك الخافتة كأحلام التغاريد
تستجمعين بها شتات الرياحين المبعثرة على سلالم الأنين
و تزرعين خرافة التأويل كأيقونة على ضفاف اليقين
،
و يا ساقي الليل الحنون
ثملة كؤوسك بحشرجات التناهيد
و نشيج الأيام المأزومة
وصانعات الأحزان ، ما تركت للمسرات ليادا ً
تعبئ قواريرك من حانات البنفسج وغدران الياسمين
تسكبها على تعاشيب المواعيد و دفاتر الذكريات
تشعل الرنود المعتقة
لتعبق بها أنفاس المساءات الحالمة
غناؤك المعجون بتمتمات الناي و سقسقات العنادل
يقاسم الأملود المئيد دلاله و النسيم رقة الهبوب
يتسلق العتمات الكئيبة
ليلبسها لذة التراتيل الطروبة
،
يا تلك الأرواح الهائمة كفراشات الروابي
يغريك لهب النار بالتحليق حول شرائك الهلاك
تتراءى لك الشرارت الحارقة
كبوارق التباشير المضيئة
و تسوقك رؤى الممكنات إلى النهايات السحيقة
أيتها الأرواح الهائمة في رحائب الملكوت
مزقي حجب العماء المتكثفة على رياض بصائرك
و اسكبي مداد دمعك على تعاريج الحقول
انظري ...
هل تبصرين؟!
,
من أوهم قلبك ببراعة الألوان
و ملاحم الضوء و صباحات الحقيقة ؟!
هاأنت ذا تلملمين بقاياك المجروحة النازفة
بانكسارات هشيم أمانيك
على حطام مرايا كسيحة شوهاء
تتناثر انعكاساتها على مفارق الشعور
فهل أدركت ِ تلك الحقيقة
،
رحماك بي أيها الليل الرفيق
كم لي بعهدك من قناديل الشجون
أوقدتها احتفاءً بي
و ثملتُ بكَ و ثملتَ بي
توسدتَ مهجتي و أنا أسامركَ و أسردُ الحكايات
فتتراقص البسمة على ثغرك تارة
وتؤنبني تارات
كنت شاهدي على فرحي و حزني
صحوتي و شجوني
انتظاراتي واحتضاراتي
فما بالك أيها الليل السمير
شاخص الأبصار بعيدا في متاهات الكآبة
تتحجر دمعات مآقيك اللاهبة
فترتج في أعماقي أعمدة السكون
ودهشة تظل عالقة في عتمات أفولك المباغت
وسراب يغرقها في لجج الشرود
تتلعثم صورك المضطربة
في البوح عن قادمات الفصول
،
يا وحدتي الموحشة الأليفة
تروضين احتمالات الفقد
و تستجمعين حشود الأزمنة المتثائبة
تكدسين غمائم الخيبات في قعور الغرابيل
و تنشرين على حبل أهدابك النواعس
خرائط القسمات و الرغائب المكبوتة
و تسكبين الضوء على مروج النبوءات
و تغرسين شعلة
في ذيول السحابات الهاربة
مسوّرة ذكرياتك
بتساؤلات النجوم الخوافت
و صدأة الأقفال في حاشية الهموم
،
أيها العدم
أتقنت عزف مواويلك على رياض شرفات الليل
تزرع الأوهام بسحر اللقاءات الحائرة بين برازخ الرنين
و افتعالات الولوج إلى نوافذ الثرثرات
يرتاب وعيك من انتحار نجومه
أو غبار يسفك الرؤية على أرصفة المواعيد
تخلع لباس النشوة عن أعراس الينابيع
و منائر تتلوالتعاويذ و تبسمل بالرؤى
أصمتها انهيار سمائك
و انطفاء صنـّاجة لياليك
فهل كنت تحيك جبة الدرويش بمخالب الخديعة
ترتقها بأسمال رقاع النهايات الكئيبة !
أيها العدم ..
هل كنت تمارس شهوة الجنائز؟!