إشكالية القراءة الساذجة في نص ( عتاب الرجوع ) للشاعرة الأميرة فواغي القاسمي .. نموذجاً
فائز الحداد
منذ أزل الكتابة والشعر تطفو على سطح مائه العذب غثوث أشبه ماتكون بفقاعات الزبد ، وهذه تحاول أن تركب موجة النقد بأدوات رخوة وبطرق شتى ، وليس لها من مقومات المضاء ، إلا التعكز على مقتربات الشعر وما يلتحق بها ، وليس الشعر بعينه. وإن سبب عقدة أصحابها في الإساءة المجانية للقصائد الجميلة ، تعود برأيي الى خلل نفسي وتقني يتعلق بضعف تكوينهم الشعري نقديا كعقدة مركب نقص ، وقد كتب عن هذه الظاهرة الكثير من النقاد وفي مقدمتهم الناقد الكبير الدكتور حسين سرمك حسن ناهيك عن أستاذنا مطاع صفدي في كتابه ( نقد الشر المحض) والأستاذ علي حرب في كتابه (بيروقراطية المثقف) .
هذا الغث المتشرنق بالأذى يتعكز في أول ما يتعكز عليه .. محاولاته في جر النص من منطقة الشعري إلى اللاشعري ، حين يحلّق شاعر بنص يستقطب القراء بعتاد شعريته وعمق معانيه وجماليات بنائه وتشظيها إلى غير المفهوم العادي في القراءة الساذجة ، أي التناهي شعريا بدلائل الاستعمال القرائي المنتج ومفضيات نوافذ الشروع بالطالع إلى التأويل والتأويل المقارن.
فإذا كان هذا ماسيحققه الشاعر في عالم النص الشاسع والرحب بولوجه معنى النص الكوني كنص الزميلة شاعرة الإمارات فواغي القاسمي.. فماذا سيتبقى لهؤلاء المتناقدين إن جاز التعبير من حصة في بيان الشخصنة وادعاء الأنا أمام القارئ.. كحصيلة حاصلة ؟؟ وفي جل مسوح الشخصنة الاعتباطية كسلوك للعرض في التعارض.. يتبين أن جل من يحمل أسباب الفشل القرائي أو النقدي يدفع باتجاه التعرض السلبي والمناكشة لتخريب التجارب الشعرية الحية والإساءة إليها بوسائل شتى.. إما بالتعرض للغة الشاعر وأدواته البنائية أو بالتشكيك به عن طريق التساؤل غير البريء بصحة بنائه العروضي من عدمه ، وفي أهم مفصل أو مقطع في القصيدة والذي غالباً مايكون مدار تداول في الحب والإعجاب ، ومن خلاله يتم الطعن بالشاعر وبموهبته لإفساد قراءة النص التي ستصيب بضررها الشاعر والقارئ على حد سواء .
وكي نصيب الحقيقة في أم عينها ونسقط السهم على السنام.. وبدون رتوش أو مواربة أقول :
أن الشاعر شاعر مهما اختلف عن الآخر بأدوات تعبيره.. فإذا كان ما نستهدفه من الشاعر هو الشعر حقاً فما حاجتنا لأن نرسخ أشكالية ما هو غير شعري ، وفق الحجج التي يركبها أعداء الشعر من الشعراء والنقاد الفاشلين .. وأنا هنا لا أعني أحدا لا شخصا ولا ظلا لآخر ، وقد أعني أحدا إذا دعت الضرورة !؟ لأن الإشارة في ( ترفك لايت الشعر ) تعني وتشير وتستهدف المعني بها تماما .
أنا على يقين مطلق أن الشاعر فوق كل شيء ، إلا ما أتى الله به من مقدسات الكتب وما جاء به من عظيم القول على لسان الرسل والأنبياء .. فهم المنزهون وحدهم ، ولا سلطان على الشاعر في ما يكتب ، فهو فوق النظم والأدلجة والأرخنة والأقننة وفوق رياضيات اللغة حتى ، وبأدق تفاصيلها ، فالذي كان يفعله الفرزدق و أبو العتاهية وما تخارج به شعراء كثرون ، يبيح لي أنا الشاعر خلق لغة ( لغتي ) أتصرف بها ما أشاء إذا كان الشعر كتابي العتيد ، وبتقديري الجازم .. الشاعر حصرا من يجوز له كل شيء وأي شيء حتى التجاوز على قانون النظم والخروج عليها وخلق مبتكرات وسائل التعبير الإشارية والرقمية والأيحائية وهلم جراً.
إن المتقانصون في البحث عن إسار للشاعر وإحكامه في ممالك هالكة لا أعتقد بأنهم سيقتنصون إلا أنفسهم ، في تسبيب أسباب ملحقات ما يرقى الشعر عليها ، فالقصيدة قماشة بيضاء يدون عليها الشاعر معاناته المفرحة والمييتة في آن ، وبلسان الجمع ليصلب بسببها ويلاحق في كل يوم وفي كل لحظة.
لعمري لقد آن الآوان لأن يرفع الشاعر كفه احتجاجاً بوجه كل طاغية أو مشروع طاغية يستهدفه في وجوده الشعري والإنساني.. وأن يقول لكل المرتزقة كفى أيها المتنطعون بالقبح والادعاء ودعونا نزهو بالشعر خارج جداول الأستذة والدكترة ونظام الأمرة والأئتمار، لأنني على إيمان مطلق ( لولا الأنبياء لاختار الله الشعراء ).