0 Comments
أسئلة الشعر.. اسئلة الوجود قراءة إنطباعية في قصيدة الشاعرة فواغي القاسمي فصل من رواية حي البنفسج / سلام كاظم فرج
قراءة في نص " سائس النار " لشاعرة الإمارت فواغي القاسمي فائز الحداد النص : أتعثر في خطوتي المتسابقة مع ذاتها تسوقها الريح بين شقوق سماوات النزف و براكين التمتمات الصاخبة فانتشليني أيتها الريح النائحة من حيرة المنتظرين و لتقذفني حكاياتك في تراتيل العبر فيمتد يقيني نحو صورك المتواطئة مع ريبتي معان ٍ صامتة تجترح الكلام و أزيز يخترق المعارف القصية ، ، ارتكبي أيتها الريح لواعج الهبوب و انفذي إلى بواطن الغيب كي تجتازي أقاليم العبث ثم الق ِ لسائس النار بعضا من أقانيمك الساخرة يحرث بها جمره المتقد و اسقيه من نمير أسرارك فيقترف غوايته كثيرا ما أتهيب من الكتابة عن نص معين ، وأراجع نفسي متسائلا هل سأكتب عنه أم سيكتبني هو .. مؤرخا ذاته الشعرية في صداي الأخر كشاعر يكتب عن شاعر؟ أم ، هل نحن الآثنين سنكتب بعضنا ونكمل بعضنا في نص نريد له الشيوع والرواج ..؟ في آحايين كثيرة أزعم اعتقادا بأنني لن أكتب عن نصوص غيري ، وأبقى منظرا في تجربتي الشعرية في الرأي والرأي المقارن كما يفعل الشعراء ، ويظل الشعر حصرا هاجس وجهتي الباقية والدائمة ، غير أن هذا القرار يخذلني حين تتستفزني نصوص وتثيرني وتسرقني من ذاتي الشعرية الى ذواتها الإنسانية وتتمكن مني تواجدا وحضورا في الإعجاب والإستراق والكتابة ، وفي مقدمة هذه النصوص نصوص زميلتي الشاعرة القديرة فواغي القاسمي . في نصها " سائس النار " تنبري الريح كثيمة محاورة في شخوص ثلاثة تتحاور .. فمن يخاطب من في الحقيقة الشعرية .. الريح تخاطب فواغي أم فواغي تخاطب الريح ومن هو المخاطب الثالث ..؟ بعيدا عن حمأة الشاعر في تتويج نفسه ريحا وفق هاجس الشعر في بوحه ، فهناك تداخل بين المعلن والخفي وبين المنادى والمنادي ، حين تلخص الريح أفعال هذا التخاطب . .. أنني وبهاجس المتيقن أحس أن هناك صدى للخوف وظل ارتياب يتخفى وراء دعوة الإلتماس التي تحمل فواغي الى الريح .. هذا الإلتماس يقوم على التوجس من حيرة خانقة تدفعها الى حد التوسل والتضرع اليها للخلاص من ريبة الإننظار ..؟! . أن صيغة الفعل الذي قادت به النص يشبه الى حد كبير أداء أفعال الرجاء ، بل هو رجاء حركي فعلي للربج كي تنتشلها من حيرة الإنتظار .. أنتشليني أيتها الريح النائحة .. من حيرة المنتظرين واقذفيني بحكاياتك في تراتيل العبر ودعي يقيني يأوي لصدرك المتواطيء مع ريبتي يعصر معان صامته تجترح الكلام وأزيز يخترق المعارف القصية ، ، قبل الدخول بالموضوع .. أنني أرى كما يرى الكثيرون أن الفارزة في أول السطر ليس لها معنى دلالي في اللعة ، فهل هي كذلك في الدلالة الشعرية هذا ما لاسنجيب عليه الآن .. والمهم هو استئناف فحوى النص الذي أجد مفتاح شفرته هي .. هذه الحيرة القاتلة ( حيرة المنتظرين ) الواردة في مستهل النص ، فهي مكون أسباب الثيمة المركزية وفتيل شرارة النص القائم على الرجاء في صيغة التوسل كي تنتشلها وتقذفها الى ( حكائيات العبر ) .. وعلى افتراض بلوغها اليقين .. ترجو له أن يكون بالغا لصدر الريح في توقها ، فدعيه يبوح بما خلفته من ( معان صمت تجنرح الكلام ) .. لنلاحظ الدقة في مفردة ( تجترح ) ليأتي الإعلان دون تردد ( وأزيز يخترق المعارف القصية ) هذا التواتر لم يكتب الا بنضوج فكرة الرسم البياني الشعري المجترح للمعنى الجمالي بخطوطه المتناسقة ليظل الجمال خليجه الدائم فيما يروم ويستهدف.. ففي الجهة القصية صخور تتسابق انهمارها على السواقي وأصابع تلتف حول عقارب الثواني تخرق الوقت وتكتب مزاميرها الصاخبة على جدران أزمنة الغبار والتفاصيل الشاحبة إن الإقصاء جاء معرفا في المقطعين الآنفين ومحددا أيضا ، ففي المقطع الأول أقترن بالمعارف المخترقة وفي المقطع الثاني ، حمل الجهة عنوانا له ، وبما يؤكد بالمعنى الشعري هذا الإقصاء وفي جهة حددتها الشاعرة بإطار وصفي وبتورية تضع الصخور ملمحا تعبيريا لعدم جدوى الصبر والحيرة المقلقة التي انبجس عنها انهمار الصخور في تسابق شلالات النشيج وعدم جدوى التشبث بالوقت الذي قد يفلت وينفلت من بين أصابعها ولا يخلف وراءه غير غبار أصداء الزمن .. ومثلما وصفته الشاعرة عبر ( مزاميرها الصاخبة والتفاصيل الشاحبة ) . إذن ومن الطبيعي أن يكون رجع الصوت كفعل الفعل وانزياحه الإنعكاسي وكرجع العاقبة في الذعر والقهقرة .. فالمراهنة على الإنتظار سقطت بفعل غير فاعل ، وإن وضعت لها فواغي اختيارا حسيا ذكيا في مفردة ,( الصخور ) التي تعبر عن قوة الصلابة وشكيمة الصبر لكنها في حقيقة الأمر مثل الذي يقف فوق جلمود صخر يخفي تحته أصابع ديناميت ستنفجر فجأة ... ولنا أن نتصور ما ستخلفه من إنهيارات وإنهمارات هائلة لذاتها وللذوات الأخرى . في المقطع الذي يليه تغير فواغي صيغة المخاطب من المنادى ( أيتها الريح ) كما في المقطعين السالفين الى المعني بحقيقة الخطاب الشعري أي شخصها المستهدف ب ( أنت ) المقدرة نحويا وشعريا .. شهدت الريح وأقرانها بأن وصولك معقود بدروب مغلقة لاتكسر اقفالها بل تتفجر براكين نبضها بنحريض عميهم ، حيث تهاوت هواجسك واشتهاءاتك ترتكب لواعج الهبوب وتنفذ الى مواطن الغيب فتجتاز أقانيم العبث أولا .. لنتسآءل هنا لماذا هذا التغيير في صيغة المخاطب .. ؟ هل هناك توحد ضمني يجمع بين مخاطبين .. أي أن المخاطب واحد بظلالين أرادت لهما فواغي أن يكونا هكذا .. ( أنت _ الريح ) .. ؟ ولضرورة فنية الشعر في إبتكار الجديد تتحايل الشاعرة على معنى القصد بقصد الإخفاء لتستثمر ذهنية القاريء في اجتراح آفاق شعرية جديدة تجعله حيالها في أقصى ذروة الإستعمال القرائي ، كي يقف عند هذه الممارسة ويقر تماما.. بأن لفواغي ما ليس لغيرها في أسرار مملكتها الشعرية ..؟ أن المناخ الشعري في كل طقوس هذه الشاعرة يفصح عن صخب حراري محتبس وينبيء عن اندلاعات حرائقية لاتعرف غير البراكين لغة والحمم ضوعا ، تلقيها علينا بإستعارات تتنوع بألوانها الساخنة ك ( الريح وأقرانها .. أبواب مغلقة .. براكين نبضها .. لواعج الهبوب .. بواطن الغيب .. أقانيم العبث ) وتبقي أفعالها صوب مخاطبها ممرات لها تستأنف بها الدخول والمكوث ، وقنوات تضمن لها الخروج والتخارج : ( شهدت ، لاتكسر ، تنفجر ، ترتكب ، تنفذ فتجتاز ) .. لذلك يبقى التحايل قائما بمعنى التناص المؤول في احتمال المزاوجة لا المواءمة .. فمن هي مثلا اقران الريح .. ؟ ومن (وصوله معقود بدروب مغلقة ) في حقيقة البوح الشعري .. هو أم هي ؟ لذلك قد نبهت منذ أول دراسة لي عن فواغي القاسمي عن خطورة نصوصها من حيث الأهمية في البناء والترميز ( لاتكسر اقفالها .. بل تتفجر براكين نبضها ).. ولنلحظ استخداماتها الجديدة الباذخة الجمال ( بتحريض عميم حيث تهاوت هواجسك واشتهاءاتك ) .. ومغزى ( الإرتكاب ) حين ( ترتكب لواعج الحب ) وحين يتوحد فعل الحب مع فعل الشعر في هالة جمالية متماهية ، ومن خلال هذا الإرتكاب ينفذ الى ما ينفذ المعنى في ( بواطن الغيب ) ليعلو فعل الهبوب جامحا ب ( فتجتاز أقانيم العبث ) .. بأعتقادي هذه هي الذروة في النص وما تريد أن تبثه الشاعرة في بعض ما يخالجها لتتولى الريح شأن مستهدفها المقصود الذي آل زمانه الى التيه بدروب مغلقة ..!! وعودة على بدء .. من هي الريح في وعي فواغي الشعري المتجاوز .. ؟ هل هو ظلها الآخر البعيد أم هو ظل مخاطبها القريب.. الذي يسكن بواطن أشيائها ..؟ على أية حال .. هي ريحها التي تمسك بأطرافها وتتحكم بنواحيها المتشابكة صوب ومع ( سائس النار ) فهي المعّرفة بعتيها (النؤوج ) .. أيتها الريح النؤوج الق ِ لسائس النار بعضا من أقانيمك الساخرة يحرث بها جمره المتقد واسقيه من بحر أسرارك كي يقترف غوايته ..! لاستدراك تورية البناء وحقيقة شخوص النص المتعددة تكون معادلة التخاطب النصي في تشاكل البوح هي .. ( الريح _أنا _ الحقيقة المفترضة )... ( سائس النار _ أنت _ الإفتراض الحقيقي ) لهذا تأتي سخرية الريح ساخطة ومتندرة لتمنح ( سائس النار ) بعض مالها ليعي مداركها الخفية من خلل ( جمرة المتقد ) وليعرف ويدرك .. أنها الريح التي لا ينازعها أحد في اقتراف الغواية .. لقد قدمت لنا الشاعرة المبدعة فواغي القاسمي نموذجا نصيا جميلا من سجل أعمالها الشعرية في قصيدة النثر ، رغم أن لها أهتمامها الأول في كتابة القصيدة العمودية وما يلتحق بها من شعر حر أو تفعيلة كما شاع عليه أصطلاحا .. لكنني أجد جماليات نصوصها لها مايميزها في البناء والمعنى والجمال .. رابط القصيدة : http://www.fawaghi.com/37/post/2013/05/28.html الدراسة النقدية : لو لم أعرف صاحب النص فإنني سأقول : صاحب النص لا يعيش حدثا إخباريا ، وإنما معاناة حقيقية في المكان ، هو شامي أو حمصي ، يعرف الجغرافيا بدقة ويستحضر من ذاكرته عناصر جمالها الحسي والمعنوي قبل الموت والدمار ، والمقارنة المعقودة مابين زمنين ومكانين أعطت النص بعدا مؤثرا وواقعيا ، وصدقية عالية في التصوير والمشاعر ، كما أن استحضار النماذج الجمالية الفرات قبل وبعد والغوطة قبل وبعد ............ عمق حجم الكارثة ، وأثرها في وجدان الشاعرة مما مكنها من نقل مشاعر الخوف والحزن والأسى بشكل مكثف ومؤثر . نجحت الشاعرة في توظيف عناصر المكان بكل دلالاتها السلبية ، في رسم مشهد بصري يعايشه المتلقي وكأنه شريط سينمائي بالصوت والصورة ، يمر أمامه ليتمثل الحدث بكل أبعاده المأساوية فلم تتوقف عند الركام كمجرد حالة وإنما أسبغت عليه تفاصيل دقيقة وأنها هي التي تخرج من تحت الركام ، ومن هذه العناصر الحسية ( الدمية المقطوعة الراس ، والقطة التي حوصرت بين حديد الركام ، ومزق الأوراق الغارقة بالدماء ...... كلها تغذي الصورة البصرية وأما الصورة السمعية فقد استكملت الشاعرة بها المشهد في عدة مواقع ، مواء القطة المحاصرة وأنين النواعير ، وهي كثيرة في النص . استحضار فيروز في النص في محاولة تلقائية من الشاعرة لإحالة المتلقي إلى زمن جميل ، وهذه الإحالة ندب على مرحلة مشرقة واستحضار شوقي إحالة إلى زمن كان فيه بردى رمز من رموز المحبة والتآزر ، وهو إيحاء بنص شوقي سلام من صبا بردى .... وإحالة إلى مرحلة أكثر إشراقا . استحضرت الشاعرة الجغرافيا بمفهومها الإنساني وليس بمفهومها المجرد وأخذتنا في رحلة إلى أماكن متعددة في سوريا ، وأنطقت تلك الأماكن واستعرضت خصائصها الجميلة مآذن الجامع الأموي وتفاح بلودان والبيت الدمشقي بدفئه وجماله .........وكلها عناصر يبدو أن الشاعرة عايشتها ولم تسمع عنها فقط . توظيف التراث عنصر بارز في هذا النص، وجاء في مكانه ومنسجما مع الحدث ، وبخاصة قصة قابيل وهابيل.والصور المعبرة كثيرة أضفت على النص مصداقية عالية وعاطفة قوية ، مثل صراخ الياسمين ، والياسمين الدمشقي في الذاكرة والوجدان عنصر فرح ، وهوية المكان والإنسان ، وصراخه تعبير عن حجم الوجع الذي يعتمل في المكان وينتقل تلقائيا إلى قائل النص وسامعه ، بمعنى أن المصيبة التي حلت بالمكان أنطقت كل عناصر البهجة والفرح ، لتستنكر حالة الموت والدمار . وفي المحصلة هو صراخ الشاعرة وعويلها وبكاؤها على أطلال مكان له في ذاكرتها ووجدانها حضور مفعم بالحب والانتماء . كلمة أخيرة . الجزء الأول من النص حتى السطر الشعري الخامس ، كان خروجا من ركام معنوي ، له امتدادات في التجربة الذاتية للشاعرة ، وهو خروج للوهلة الأولى يبدو خروجا إيجابيا بممفهوم الخلاص من عبء ، ولكن هذا الخروج بدأ يتبلور ليأخذ بعدا أشمل بعد جنائز الشهداء ، حيث يعد النص من هذه النقطة نصا متحولا من الخاص إلى العام ، وفي حساباتي النقدية أن الركام المعنوي الذاتي الخاص ، انصهر مع الركام العام ليشكلا حالة من الشجن والحزن على مراحل جميلة استقرت في ذاكرة الشاعرة . مع تحياتي وتقديري : د\.أحمد عرفات الضاوي قراءة في قصيدتي أرن و رند ممدوح الحربي تعتمد هذه الدراسة على استقراء ماخلف النص ،وهي تحاول أن تسلط الضوء على ثنائية الوجود الكبرى ، تلك الثنائية المتأرجحة بين كل ماله دعوة نحو حياة أو خوفا من موت ، كما أنها حاولة لكشف ماهو مخبوء من أنساق ثقافية ، بدت وكأنها من مسلمات الفكر الجمعي في العقلية البشرية ، هذه الأنساق ، تحاول بقدر كبير أن تطبع العرف وتجعله تبيعا لها حيث يفكر في نطاقها ، وأن تستمر حياته بناء عليها ! هذا مايكشفه أحد النصوص بشكل خفي مبهم ! وهذا مايحاول أن يشرق به النص الآخر ! وقد اعتمدت في دراستي هذه على الدرس الأسلوبي ، علني أكاشف بعض مايضمره النص من تجليات لهذه الفلسفة ودعوة إليها ، ولم يكن ذلك إلا من خلال السعي وراء بعض الصيغ المستخدمة في النص ، والأفكار الموشاة به ، تلك التيأعانت على كشف الطريق إلى ذلك الإنسان ! من ناحية المطلع : في قصيدة رند الجميلة بذكر اسمها رند وكأنها تُسأل عنها ؟! لتجيب . وكأن فحوى الإجابة أعانت على معرفة السؤال ! حدثينا عن رند . والحق يقال أن الأسلوب الحكائي هذا أقدر على سلب المشاعر مكنونها ، وأصدق الطرق للوصول إلى معاني الجمال المبتغاة ، والعشق المختلف عن غيره . وكأن الحديث عنها كان جراء سؤال عنها ، والقصيدة جوابا عنه ! رند لها بين الضلوع كيانُ يختال من شجن ٍ بها وجدانُ أما بالنسبة لــ " أرن " فقد كان المطلع أكثر ذاتية ، فيه تقرب ، وتدليل فيه ود ، وكأن شاعرتنا تناجي من خلالها ؛ الذات لتقول: عيناك ماعيناك يازهر الندى إطلالة الامواج في الشطئآن وإذا ماتدخل المعنى الاسمي لــ "أرن " فهي تعني وفرة النشاط فالانسجام بين المعنى ، وقولها : " إطلالة الأمواج في الشطئآن" ملحوظ ، ولقد خصصت العينين دون سواهما للتأكيد على المعنى الذي في نفسي ؛ ألا وهو : هذه أنا ! الاسم ودلالته في النص : تعبر شاعرتنا عن نفسها ببنتيها بذكاء منقطع النظير ، وتتخذ منهما قناعاً لذاتها المتعبة ، كون القصيدة التي تخلو من هكذا توظيف عن طريق بنائها وفق فكرة تتخلل هاجس كاتبتها ، قد تمر دونما استفزاز لقرائها وقد لاتغري نهمه ، إلا أننا نجد شاعرتنا فواغي القاسمي تسلل أفكارها بناء على ثقافتها المنغمسة في ذاتها والتي تعتبر جزءا لايتجزأ من شخصيتها ، فالقصيدة عندها قوية بقوة ثقافتها ، لذلك نجد فكرة النص تبقى وفية له من أوله حتى آخره . (رند - الشجرة ) رند : في معناها اللغوي هي الشجرة ذات الرائحة الطيبة من شجر البادية ، وهي كذلك طيب العود ، لاجدال في المعنى وإنما ما يهمنا هنا فكرة توظيف الاسم داخل النص ، وكيف أنه ذكر في بداية النص وفي ثناياه بشكل متكرر ، ثلاث مرات دلالة على التأكيد ، وكيف أن معناه اللغوي وظف في النص عبر صور مستوحاة منه كشجرة ! رند لها بين الضلوع كيانُ ***** يختال من شجن ٍ بها وجدانُ تشدو غناء العندليب بصوتها***** فتميد من طرب به الأفنانُ وقولها يا وردة ملأ الوجود عبيقها ***** رند تضوع من شذاه زمانُ وقولها عبر أسلوب النداء : يا رند أنت الروح و الراح التي ***** تحيي النفوس وتنتشي الأشجانُ جاء كصرخة تأكيدية على الحب ، والتوق إلى العمر المنصرم ، والذي بدأ يتبدى في " رند - الشجرة " كآخر ثمرة ، تلقي بها الشجرة ، وتظل تراقبها في خوفوحرص شديدين ! نجد " رند " لها بين الضلوع كيان ، وليس أي كيان ، إذ هو يمارس هيمنته على الوجدان ، في شجرة ثابتة بين الضلوع ، تفرح ، تؤلم ، تطرب ، وتمرح ، فكل مايصدر عنها ويختبيء في ملامحها ، يشعر بالسعادة فـ" رند - الشجرة " تخبيء بين أغصانها صوت العندليب ، ويفضح هذا الجمال وهذه العذوبة ، أن تميد هي فتحرك القلب ، فتميل بأفيائه الخارجية والداخلية إليها " شجرة / وظلاً " ، إذا " رند - الشجرة " ليست إلا صوت الانبعاث الداخلي ، وصورة الأمس التي تتكرر أمامه ! (أرن - الأم ) : تلك هي الكبرى ، ولقد دلل على ذلك الحروف المكونة لهذا الاسم الجميل ؛ أشعر وكأن الشاعرة تعشق حرف النون، ربما لدواعيه الموسيقية ، أو كونها أنثى فهي تعزز من النون ، ظناً منها أن كل نون " نون نسوة " ، اعود إلى " أرن" ذكرت أنها الكبرى ، ولقد قادنا إلى هذا التوهم الفعل " أرنو " هذا الفعل الذي يعني الهبوط ، والنزول ، يعني الإحاطة ، والرعاية الدلال بكل معانيه ، والخوف بكل أساميه ! إضافة إلى ذلك أنها - وإن لم أدعي - الكبرى ، أي أول الفرحة ، التي تعني وجود صديقة ، ستكبر يوما ً ، وتكون مستودع الأسرار والقصائد الطوال . " أرنو إليها والرؤى تجتاحني " كأن الاقبال عليها اقبال على العمر الغائب ، ذلك العمر الذي ولَّى وعاد من جديد على صورة مثلى ولكن بشكل مختلف ، بشكل أشبه بلوحة مطر تعيد كل شيء من جديد ! " فتتيه " ليس التوهان هنا فرط الإعجاب بالآخر ، بقدر ماهو تشظ للزمن ، وفجاءة الكرة ، بنسق جديد قد كان مضمرا في علم الغيب ، يكاد يجعل العودة إلى " القصيدة / الأم " أسهل مما يكون ، ولكن بشيء من الاحتراق ! " رند - الشجرة " و " أرن - الأم " مقاربة زمنية : نجد أن " رند - الشجرة " حلت كفكرة غطت النص بأكمله ، أو أنها كانت معادلا موضوعيا للربيع ، حيث أن لوحة " رند - الشجرة " وإن تعددت أشكال الربيع فيها من " شجرة ، وردة ، وطيور ، وزهرة " كان ذلك الحشد كله من قبيل الإغداق بالعطف والحنان ، وربما كان السبب في ذلك سببا " زمانيا / ومكانيا " إلا أن الأولى تتبع هذا الخيط لابد من أن نعي جيدا أن " رند نشيد الحرية " ولم تكن ثباتا في القلب ، إلا للإيحاء بشيء من هذا ، فهي الوصول للنهايات وهي قناع تسترت به الشاعرة لكي تتحرر من أفعال التعب والخوف والانتظار لذلك وصفتها " بالملاك براءة"! ثم تعود شاعرتنا من خلال الأفعال التالية : " حاكت ، نسجت " لتؤكد على ماذهبنا إليه ، حيث أن حاكت دلالة على الزمن الماضي ، ودلالة على فعل بدأ وكاد ينتهي أو هو على وشك الانتهاء ، ثم جاء الفعل " تجانست " ليبشر ببلوغ النهاية والوصول للمراد !! حيث أن الألوان بدأت تتشكل وتتجانس ي هذه اللوحة الزمنية . " أرن - الأم " تتمثل " أرن " في صورة " الأم " من خلال ما نلحظه من تصوير لمراحل العمر داخل النص ، ونحن لانستطيع تتبع هذه الصورة العمرية إلا من خلال الأفعال الموزعة داخل النص ، ولقد جاءت متوالية بشكل مرتب مهيب في المقاطع التالية : " تتوثبين الخطو في غنج المها " ، " وتحدثين النفس عن لغة الهوى " ، " فتحاورين القلب بالأشجان" " أرن وفيك من الرعونة وصفها " ، ثم نتفاجأ بتأكيد الشاعرة على ماذهبنا إليه وذلك في ختام القصيدة ، وفي الشطر الثاني بالتحديد حينما تقول : " نغما يردد صدى الازمان " أليس هذا الشطر يوحد بين " أرن ، والأم " ليجعلهما شخصية واحدة ! بين يدي النص : على المستوى الايقاعي في النص ، نجد أن " النون " كانت قافية لكلا القصيدتين ، ففي الأولى كانت النون مضمومة مما يتناسب مع فكرة " الشجرة ، رند " والتي تعني الثبات وبلوغ الغاية والاطمئنان . أما في القصيدة الثانية فنجدها " مكسورة " وممتدة إلى حد التأوه ، وكمااسلفنا لم يكن ذلك إلا لأن الزمن يتمثل نشاطه وعنفوانه في " أرن " . وكذلك نجده في القصيدة الأولى في بعض الأفعال " جاءت - حاكت - تجانست " بشكل يوحي بالهدوء المفضي للنهاية وقد أشعرنا بذلك ترتيب الأفعال وراء بعضها البعض بشكل منسق ومنظم ، وحرف التاء المهموس الذي أدلى بهذا الشعور. وفي النص الثاني نجد الأمر مختلفاً نوعا ما فالحركة هنا أكثر نشاطاً " تتوثبين ، تتحدثين ، تتحاورين " ولكنه أشبه بالنشاط الراقي ! أما بالنسبة للمستوى التركيبي فإنا نلحظه من خلال الفعل " أرنو " والاسم الذي وظف في النص " أرن " في النص الثاني ، وكأن التطابق بينهما يدعو إلى المراجعة أو التذكير من قريب ! وكذلك نجده في الأفعال " تتوثبين – تتحدثين- تتحاورين " مما جلعنا نقترب لفكرة القرب والاحتواء المطلة من خلال هذه الأفعال ، والتي تؤكد عليها الشاعرة ، مما يدلل على الرقي والاقبال على الآخر ، مما يحيلنا إلى اقتناص ملمح حضاري في هذا الأسلوب وهو انعكاس الحياة الأرستقراطية التي تعيشها الشاعرة وعائلتها ، على شعرها ! أما في النص الأول فنجد البعد الدلالي يكمن في " تشدو - تميد " دلالة على المرحلة العمرية ، المرحلة التي تعيشها الابنة والتي تعكس مدى الفجوة الكبيرة بينها والأم ، مما كثف صورة الربيع ، سواء كان بشكل واع أو غير واع ، من خلال بث الألفاظ الموحية له كــ " العندليب - ماس البنفسج - ياوردة " وكذلك في الأفعال " جاءت - حاكت - تجانست " التي أعطتنا القدرة على رصد المراحل العمرية في النص ، فلقد " جاءت ، أرن " ثم " حاكت ، الأم " ، ثم " تجانست ، الأم / الابنة" لتتم عملية التوحد ! لاأقول أن القراءة كانت وافية لكل جوانب النصين جميعها ، بل جاءت كمحاولة لابراز الفكرة الأسمى في كلا النصين والتي كانت مصدر قلق لدى شاعرتنا ، مما جعلها تتناوب الركض من وإلى " رند - وأرن " كي لاتسجن خلف قضبان الزمن ، وهو الميكانيزم المحرك لهذه التعويذة الشعرية ، والذي يجعلها تتأرج بين مطلقي " الثبات - والحركة " ، بين ثنائيتي الوجود " رند - أرن " الأربعاء 23/ / 1433هـ 13/ / 2012م ممدوح الحربي إلى الشيخة فواغي القاسمي قراءة في نص" شوق ولهيب" -" ديوان ألم المسيح ردائي"- للشاعرةالشيخة فواغي القاسمي -بقلم ممدوح الحربي : تتأرجح الشاعرة فواغي القاسمي بين لغة الشعر الرومانسي الخلاق ، و الأساليب الفلسفية المظللة للنص ككل علاوة على ذلك قدرتها على استخدام التقنيات الحديثة في كثير من نصوصها ، كالقناع ، والاحالات الثقافية المتعددة من شخصيات ، وأقوال ، وإرث ديني ، وكذلك محاكاتها لكثير من النصوص السابقة ، الديني منها والإنساني ! على سبيل تقنية التناص ، ومحاولتها في كثير من الأحايين اشراك الحواس في نصوصها كبديل عن الكل من أجل أن تقبل كشخصية جريئة تصرح بما تريد حالها كحال أي إنسان ! هذا من جهة ، ومن جهة أخرى محاولتها خلق لمعرفتها بقدرة الأسلوب البلاغي على استكناه تأويل القاريء واستثارته حين القراءة . يعتبر نص ( شوق ولهيب ) من دويوان " ألم المسيح ردائي " من النصوص الذاتية حين قراءته والتي تجسد من خلالها الشاعرة قضية الأنثى في عدم استطاعتها بالاعتراف بمشاعرها تجاه من تشعر به ، وتختاره من بين الناس ، لانريد أن ندخل في مهاترات قانون التقاليد والعادات بقدر مانريد أن نتوحد مع النص ونستلذ بما فيه من لغة رقيقة معبرة ، لعبت فيها الحواس دور القاضي في هذه المسألة ! تقول الشاعرة في مطلع القصيدة : أي سر يعتري شوقي إليك إن شوقي حائر في مقلتيك تبدأ الشاعرة بأسلوب الاستفهام الانكاري التعجبي ، حيث أنها تتنصل من عدم معرفتها بما يحدث - كونها أنثى - لكي تبتعد عن العذل القومي في مثل هذا الاعتراف ! ولقد جاء وصف هذا الشوق بالسر ، ليتجانس مع ماذهبنا إليه من تخليها أو خجلها من كشف العلاقة ! وماقولها : " إن شوقي حائر في مقلتيك " إلا من أجل أن ترمي به بريئا - ربما - أو لتتعالى أمام كونها أنثى ، تُتَبع ، ولاتَتَبع ! رغم أن العيون أقرب الجوارح للإفصاح عما يسره الإنسان ، وتصنف بأنها أقرب الطرق للوصول للآخر ،ووصول الآخر من خلالها ! إلا أننا نجد أنفسنا بصدد حيرة متساوية عند كلا الطرفين ، المشتاق والآخر . يكاد السور يتهاوى عند المشتاق شيئا فشيئا ، أو عله يوميء بإشارة للآخر ، بأن هناك فرق ، وبون شاسع لابد من ملاحظته نفسره بقولنا : عينايا ليست كعينيك ! فهي لاتشبه حيرة عينيك ، تلك التي تزيد في الإنكسار والذبول ، لتتهاوى أمام مدمعيك كقصص الأحلام التي ضاعت هباء أمام هذا الجبروت : وتناهيد الهوى كم أذبلت نظرات ترتوي من مدمعيك تتهاوى بين آهات الجوى قصص الأحلام أتلوها عليك نلاحظ وجود المفارقة هنا ، خاصة حينما ذكرت الشاعرة الفعل " أتلو " ، فمن طبيعة التلاوة أن تجعل من الآخر ينصت ، ويتأثر ، يعجب ، يراقب الشعور ، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر ، إلا أننا لانخلع عليه صفات فعل المتلقي ونحققها له ، سوى ما كان من الاستماع فهو جائز وممكن . خاصة وأن الحيرة هي عنوان هذا النص - على حد الوصف - فهي تتلاعب بالمشتاق ، وتلزمه أن يحرك الآخر ، ويجيش بعواطفه وبغيرته بالتنازل ، أمام الكم الهائل من المشاعر المتدفقة في هذا النص . وأرى أن الاستماع الذي أشرت إليه تتجلى صورته في البيت الرابع وهو فعل طبيعي يملكه الآخر ويعمله أثناء الاستماع ! وليس للشاعرة هنا إلا أن توظفه بشكله الطبيعي والمعتاد ، إلا أنها حاولت أن تجمل عملية الاستماع من خلال : " شنف ، وشدو ، وهمس " علها تزرع الاحساس في العلاقة الصامتة هذه وتوهم القاريء بفعل المشاركة في هذه العملية العشقية ،بينها وبينه ، وذلك لغياب الأصل . والتي حقيقة غائبة في الآخر ، وكان لابد من تفعيلها مع القاريء ! شنف الآذان شدو آسر همس الحب به في مسمعيك إن التشنيف في حقيقته المقصود به كان في السابق تجميل الأذن ، وهو خرقها من الأعلى كما هو مشاهد في وقتنا الحاضر من جعل الأذن محلا لأكثر من خرق في أعلاها وأسفلها ، وتحميلها مالاتحتمل وهي بهذا المفهوم أو بمفهوم الاستماع بشيء من الاهتمام ، لاتخرج عن معنى الجمال في أعلى درجاته ، وأقوى امكاناته ، وهو عشق الأذن السابق للعين أحيانا ! ألهبت تلك الحكايات دمي أي سحر أيها الصب لديك ! ألهيب الحب أم ماذا ترى ذلك الجوري يغشى وجنتيك ألهبت تلك الحكايات دمي ، توظيف للون هنا بشكل جميل وخلاق ، وجعل الدم يأخذ وظيفة الحطب في الاستمرارية كون أن الحكايات لايناسبها إلا السمر والسهر ، ولايتم التدفق بحرارة إلا لوجود المتعة ، حتى وإن كانت في حيز الخسارة ألهبت تلك الحكايات دمي ، لذلك كان لابد أن تحكى ، ولابد للآخر أن يستمع دون شكوى ، وأن تتبرأ الشاعرة من كونها معترفة هنا بحبها لكي ترمي به بريئاً ، مع أخذ احتياطات الاعتراف ، كما في قصة يوسف عليه السلام " ماهذا بشرا" هنا نوع من التناص الغير مباشر ، جاء بالمعنى ، يخدم ماذهبت إليه الشاعرة من الجرأة في الاعتراف ولكن بتحفظ قد صرح به هذا السحر الذي لايقاوم . ياغراما طالما أطربنا يالعشق شارد في ناظريك لذلك كان الشتات والحيرة سمة بارزة في النص وفي مثل هذا الاعتراف ، فنحن بصدد سر " روحي ، معنوي ، خفي " وآخر " ظاهري ، حسي " أدلت بهما الشاعرة كي تبرء نفسها من لوثة الاتهام في عالم العادات والمرتكزات الحياتية التي تمنع الأنثى من الافصاح عن مثل هذا الاشتياق ، والذي يخالف العرف الاجتماعي والقانون القسري الذي سنه المجتمع وتشربته العائلة . تركز الشاعرة على حاستي السمع والبصر ، خاصة فيما نشاهده في البيت السابع والثامن والتاسع ، ثم تتوالى الحواس بعد ذلك تباعا في النص وتتبعثر إلا أنها لاتخرج عن مدار الحاستين الكبريان ، والمستحكمتان في النص ! واجعل النجوى رفيقا كلما حار وجد هائم في مقلتيك أشعر بأن بداية البيت التاسع ، بداية تذمر ، وفرض سيطرة من خلال بكاء على استحياء من قبل الأنثى ، من خلال أفعال الأمر " اجعل ، ضمني ، اسقني ، فادن " والتي جاءت متوالية حتى نهاية النص ، والتي من شأنها تعزز موقف الحيرة المستحكم على النص ، وكذلك موقف المشتاق الضجر ! والآخر المبالغ في عدم مبالاته ، لذلك كان الرضوخ حاصلا في " النجوى رفيقا " لكي يستمر مشهد العشق المزعوم ، فهاجس الكلام أصبح كابوساً مفزعا لقصص الأحلام، والحكايا ، لحلو الغناء ، للنجوى ! ضمني روحا وقلبا هائما وجراحات هوت في راحتيك ضمني روحاً وقلبا ، تم اقصاء الجسد هنا لينسجم مع عملية النجوى ، فعل الضم ، مع الحيرة ومما يقوي مانذهب إليه الفعل " هوت " ، فبدل أن يهوي الجسد بعد عملية الضم ، هوت الجراحات ، وهو تعبير في قمة الابداع والروعة كوننا اللغة المحافظة والرصينة هنا لم تغب عن ذهن الكاتبة ، وكذلك أن الانتظار ،المتجذر منه الاشتياق ، عمل على اثخان الأشواق لتهوي حين اللقاء تبحث عن التطبيب ! وكل ذلك جاء على سبيل التشخيص ، حيث اوكلت الشاعرة صفة السقوط الخاصة بالجسد للجراحات المعنوية الغير مرئية ، لكي تلفت الانتباه إلى الروح ، التي تعد سر الثبات ، فانهاكها يعني السقوط والزوال . واسقني من شهد هاتيك اللمى خمرة تسكرني من شفتيك تأكيد على غياب الكلام ، والصوت هنا ، واستحكام الصمت الذي لايناسبه إلا الذبول ، أو علنا نصدق حينما نقول : اغراءنا للصمت قد يجدي نفعا ، فالخمرة هنا ليست صوفية ، معنوية ، بل هي حسية ، تذهب العقل لها نفس نشوة الخمرة الحقيقة ، إلا أنها هنا لا تعقر من كأس فتشرب ، بل هي من شفاه قادرة على هدم ذلك الجبروت ، لتزيل صفوف الدفاع أمام نية الاقتحام ! " فادن مني " ، أيها الخائف المرتعب ، فما بعد أسر الهوى أسر ، ولاحياة دونه منتظرة ، لذلك جاء الحكم قمعيا هنا ، كون الآخر خياليا ، لم نسمع شهادته بعد ، أو تبرأته لنفسه ، أو رغبته في المشاركة في هذا الشوق ! تغلب على هذا النص الذاتية ،ومحاولة لتجسيد العلاقة التي قد تكون بين اثنين مختلفين ، قد لاأزايد لو قلت يدخل فيها الكثير من الفروقات الفردية " اجتماعية ، واقتصادية ، وسياسية " كلا الطرفين يشعران بها ، ذا المكانة العالية ، وذا المكانة الأقل كون مانعيش به من احكام عرفية مجتمعية ، تخلق هذا الحاجز الشعوري ، الذي يؤدي فيما بعد إلى خلق تصنيفات حياتية يتعارف عليها المجتمع ويؤمن بها ، هذا على سبيل شخصيتين مغايرتين ، فكيف يكون الحال مع خلافهما ، ويتقاسمان الأعراف نفسها ، ويخشيان احداث صوت ! ممدوح الحربي ( ديوان ألم المسح ردائي – رؤية نقدية) انتصار عبد المنعم (كل أنواع الحب في قلب فواغي) الحب عند فواغي القاسمي هو إنعتاق الروح لتتحد مع الحبيب سواء كان رب العالمين الذي يمثل لها الحب اليقين وهو مهربها حين تشتد عليها الخطوب ، أو كان هذا الوطن الذي تخبئه في حنايا روحها الثائرة، أو هذا المكان الذي مرت به وتركت به جزءا من ذكرياتها ، أو ذاك الرجل الذي أودعته قلبها العاشق الأنثوي ، هو حب يلف كل الكون الفسيح ، هذا الحب يسيل طوفانا على جسد الوطن حين تسلب منه قطعة عزيزة ، تللك القطعة المسلوبة من الوطن تصبح جرحا لا يندمل أبد ا في قلب الشاعرة التي تستشرف الألم أضعافا مضاعفة فتصبح أسيرة آلام لا تنتهي وتباريح تصلب روحها قبل جسدها على صلبان الغدر والمؤامرات ، فثورة القلب حين يحب أليفه هي تماما ثورته من أجل حرية وطنه ، ويمتد الألم بالشاعرة ليوغل في مشاكل الوطن الكبير وتخاذل من بيدهم إنعقاد القمم . قلب فواغي الشاعر يجمع كل أنواع الحب ، بدأته بهذا الحب الأبدي السرمدي الذي يربط النقطة بالمحيط ، الذي يعيد الروح لتستقر عند منبع تكوينها ، الذي يعيد شعاع النور لمركز النور فيفيض ويشرق على كل الوجود والموجود ، هذا هو الحب اليقين الذي تلوذ به في بداية ديوانها تطلب السلام ( تسابيح القرب) . أنت سبحانك لا تحصى بأعداد هباتك اجعل الكون سلاما لعباد هم تقاتك وعندما يفيض عليها وعلى الكون سلاما تمسك قيثارة العشق والجوى تعزف أولى قصائد الحب الأزلي تبتغي قرب الحبيب الواحد الأوحد ليبدد الخوف والحزن واليأس ( ترنيمة عشق إلهية) إلهي لقربك تشتاق نفسي فقربك وصل ووصلك أنسي ونورك وهج يضيء دروبي يبدد خوفي وحزني ويأسي وتعلو ترنيمتها لتلفها والكون يردد خلفها عشق القدوس الذي تذوب فيه الأرواح فتفنى طلبا للخلود وأيقنت أنك في الكون كل فذاب بذاتك روحي وحسي وتتلاشى في النور فتهدأ خفقات قلبها العاشق قليلا ، ولكنه ينتفض حبا الوطن و يبدو شموخ الحب حين يصدق المحبوب والحبيب فيصبح الوطن هامة الزمن وتتلاشى دونه الأوطان ( بلادي الإمارات) بلادي الإمارات أنت التي تأزرت مجد العلا والعظم وتغوص روحها في هذا الحب وتتحد معه ليلهمها حبا جديدا وكأن الحب هو وقود فواغي الأبدي ! تملكت مني جوارح نفسي ، وروحي ، فقلبي عليك انختم وألهمتني الحب حتى غدوت أرنم باسمك عذب النغم وتتفجر فيها براكين الثورة فحبها العظيم أولدها ثورة لا تكون إلا في قلب عرف الحب وغرق فيه واغترف منه ، وتظهر فيها نمرة عاشقة للوطن تفترس الأعادي سأرخص دون ذراك الدماء وأجتاز في الهول عب الخضم فلا يرهبني في النائبات احتدام الصفوف ولج الألم وتنتهي بوعد لازم للدفاع عن هذا الحبيب الأشم/ الوطن سأسحق فوق ثراك الأعادي وأحمي حماك كطود أشم ولكن قلب فواغي العاشق يئن ، هذا القلب الذي امتزجت فيه كل صنوف الحب وكل دروبه يعاني من ألم وشحها به زمن المكائد ، وتقاسي وحشة الغربة وتصطلي بنار يؤججها ظلم يأتي من قريب وتتوسد فراش الحزن وهي ترى جرح طنب النازف ( طنب الجريحة) وتشعر بقلة حيلتها فتتلظى براكين كيانها وتتفجر حمم لا تجد من يخمدها غير نبع الحب الأول الواحد الأحد شيئان لا يقوى العزيز عليهما ظلم القريب وغربة الأوطان مابال هذا الدهر يثقل كاهلي بكليهما وبقسوة البهتان لقد احتملت من الزمان مكائدا شتى ينوء بحملها الثقلان رباه فارحمني بجاه محمد فسواك لا أرجو من الأعوان طنب هذا الجرح الذي لم يندمل في روح الشاعرة يتفتق لوعة وحسرة على ما أصاب طهر ترابها من دنس أعجمي سلب جزءا من قلاع العرب الموغلة في روح التاريخ يا طنب أقدام الأعادي دنست فيك الرياض ومعقل الفرسان سلبوك فرعا أصله متجذرا في أرض أجداد من العربان ويبقى ألم فؤادها العاشق الثائر حبا يتشظى ينتظر يوما يلتئم فيه جسد الحبيب/ الوطن ويعود الفرع لأصله يا طنب جرحك في فؤادي لم يزل يدمي لقهر الظلم والعدوان لن تنطفئ نار الجحيم بخافقي حتى يعود ثراك للأوطان ولكن اليوم الذي تنتظره فواغي لا يجيء لأن الفرسان إكتفوا بالضجيج ( قمم الضجيج) واستبدلوا الأفعال بالأقوال وتفرغوا للتآمر والخيانة فلم يعد الجرح جرحا واحدا بل جروح تمتد في قانا والبقاع اليوم في لبنان تصرخ كل أكفان الطفولة كل أشلاء الكهولة كل أوصال الشباب يلتهب الجرح وهو يرى المتناقضات في قمم لا تتمخض عن شئ ، بل تزين للجاني جرمه بخطابات الشجب التي لا تأتي بثمن المداد التي خطت به والقادة الأفذاذ في أقطار أمتنا اكتفوا بخطاب شجب باهت بئس الخطاب! ويشمل العتاب العلماء الذين جعلوا أنفسهم رقباء حتى على دعوات المحب لحبيبه اليقين في خلوته السرمدية حين لا يعي اللسان ما يلهج به من حب يصل المخلوق بخالقه ، وحولوا صورة الحب اليقين الأوحد ليرهبوا به خلقه وتناسوا أنه هو نبع للرحمة وليس فزاعة للعذاب علماؤنا يفتون بالتكفير والتجريم.. والتحريم ديدنهم ، كما دوما همو سرد المآثم والوعيد وكل ألوان العذاب ويقينهم حتى الدعاء لبعضنا بالنصر في ردع الأعادي عن حياض ديارنا كفر بدين محمد يا للعجاب!! وتثور على ضياع الهوية العربية والإنقياد وراء الغرب بمخططاته من أجل الحفاظ على كرسي الحكم ، تلوم فواغي كل الوزراء والزعماء تنكر عليهم تناسيهم دورهم الذي تخلوا عنه من أجل سراب يعدهم به ساكنوا ( البيت القبيح) وزراؤنا عزفوا على الوتر الكسيح نواحهم ومزقوا أسماعنا بقرارهم عالي الأباب ******* وتقول أيضا : جاؤوا بقفة غدرهم يتقاسمون أوامر البيت القبيح وينصبون فخاخهم بقرار ساداته الأفاعي يزرعون له العوائق والصعاب فكأنما الشرق الجديد بعرفهم يحمي العروش لهم لتبقى فوق أعناق الشعوب مصانة بقوى الصحاب! ماذاك إلا بعض أوهام السراب وتنتهي بها أناتها حيث فناء الأمل من الجميع فتتبرأ من تلك الأمة التي تخلت عن وهج الدرر لتلتحف ذل الهوان والخنوع كفريسة للكلاب : تبا لها من أمة كانت بحق درة بين الأمم فإذا بها بهوانها وخنوعها تغدو الفريسة بين أنياب الكلاب! وتصرخ فواغي ( جف اليراع) فقد ملت الحديث فما عاد يجدي إذ أصبح السامعون كالأموات لا يهرعون لنجدة مستغيث ولا لنصرة أرض المسرى ، وتخاطب صلاح الدين وخالدا تستجديهما فلم يعد هناك أي أمل في الأموات وهم أحياء : يا من تنادي ميتا ، كف الندا هل تستجيب لصرخة أكفان؟ ويستمر طوفان الحب في قلب فواغي ويختلط فلا حواجز بين حبها اليقيين للقدوس الأحد حيث لا مكان ولا زمان يحدد عشقها الأزلي له ، وحبها لذرات وطنها وحزنها على جزء مسلوب منه ، وحبها لأمتها العربية وتحسرها على فرقتها ، ويمتد بها الحب المكاني ليشمل لبنان الذي سحرها فبقيت ذاكرتها مفعمة بطيره وشجره وحسنه الجامع الأخاذ الباذخ الجمال وتتلاشى كل البلاد الأخرى : كل البلاد بسحرها وجمالها لم يبق منها في الفؤاد سواكا وتظهر فواغي المرأة العاشقة لآدم الرجل، تعشق كأنثى تهفو لصدر حبيب تأوي إليه روحها المشبعة بذرات الحب ، ولأنها تحب وجدت من يلومها ، فتحاول مراوغتهم لأنها لا تستطيع غير أن تحبه ( أعد لي قلبي يا سارقه) يعاتبني القوم أني عشقت وكيف لمثلك لن أعشقه؟ وأنت الربيع لدنيا الزهور كساها بهاؤك ذا رونقه وتفنى حتى لا تدري من هي بعد أن غرقت في الحب وتبدل حالها فلم تعد تدرك من تكون ( لا تسلني من أكون) فقد ذابت وتوحدت معه هياما فلم تعد ترى إلاهو ولا تسمع غير صوته ( خلب الغرام جنانا) إني أحبك عاشقا هيمانا وأحب صوتك شاديا ولهانا وأجوب في ديجور غيب لا أرى إلا عيونك مرفأ وأمانا لا تريد من الحياة غير تلك اللحظة التي تقضها برفقته : لقد ارتضيت من الحياة بلحظة نخلو بها ونبثها نجوانا ويصبح لها حبيب تبذل على أعتاب فؤاده عهود الغرام وتتفيأ رياض هواه( عهود الغرام ) ويصير كل الوجود لهما وعليهما شهود : أنا مذ عشقتك والوجود صحائف نظم القصيد لوجدنا شهود وتذوب معه في أبحر الحب التي تزينها نجوم ساهرات في ليل جميل تتمنى ألا يأتي بعده فجر ، ( ليل العاشق ممتد ) يسهرنا الحب ينادمنا كم ليل العاشق ممتد ويطغى الحب على فواغي ويصرعها شوقا (شهيد الحب) حبي لذاتك جارف وعنيد وجموح نفسي صارخ وحريد ويزداد شوقها كأنما سحرها واستولى على كيانها ( سحر هاروت) ألهاروت بنا سحر هيام يرهق النفس غراما من شجاها؟ ويفنيها شوقها إليه ويصبح هو نديم أعماقها ( دع انعكاسك في ذاتي) ليلها آهات وسهاد ولا شئ في الكون يحييها غيره : دع انعكاسك في ذاتي يناجيني وارجع صداك لأعماقي لتحييني ورغم ما تلاقيه تارة من لهيب شوقها له وتارة من حنينها للقياه فلا تلوم الدهر أبدا ( ما على الدهر ملام) فعذاب الشوق يتجدد دوما حتى وهي برفقته يتسامران ولا ثالث لهما غير الهوى يغترفان من بحور لذته ويشكلان منه أجمل الأحلام ، وتتوحد مع نديم روحها يغترفان أعذب الليالي ( نجم العشاق حنانيك بمهجتي) ونبقى في الهوى صرعى ولكن من الفتاك منا.. والشهيد؟ لكم كانت ليالينا عذابا يداعبنا بها لهو عنيد ولكنها تتألم حين يدنو شبح الرحيل من عالمها فيكدر صفو عيشها وتتساءل ( لماذا وحين) ويضيع منها طريق طالما عرفته ويطوى زمن عاشته ورغم ذلك تناجيه وتناديه لعل قلبه يرق لأناتها( يا عذابي من غرامي) تلوذ به كي لا يسلمها لمرارة الفراق وغربتها وهي بعيدة عنه تذكره ببعض ما كان وتهبه فؤادها يامن تفيأني عليلا بالهوى حتى غدا لي موطني ومقامي خذ خافقي مني إليك وديعة فبه عزفت قصائدي وهيامي تشكو له منه وتصف ما فعله بها شوقها إليه( شوق ولهيب) وكم تشتاق لسماع صوته الذي يسحر خيالها همسا تبثه غرامها وكيف أحال حبه كونها خمائلا مفعمة بتغريد الأطيار ومعطرة بأريج زنابق برية ( غرام وشجون) وتسلم للحب زمامها وهي بين يدي من تهوى فما يعنيها من الحياة بعد ذلك؟ إنا إذا ما الحب أرق ليلنا ونأى بنا قلنا له آمينا فتتيه في دنيا الهيام دروبنا حتى كأن الكون لا يعنينا وتمضي فواغي حبا و يقترن حبها لكل ما في الكون بألم يلفها روحا وجسدا ، هذا الألم الذي يغلفها كرداء لا تستطع الفكاك منه ( ألم المسيح ردائي) ، و تتقلب في الألم وهي ترى شماتة الفرحين بعذاباتها ، وتجور عليها نائبات الزمان فتستشعرها غصة في حلقها ، وتكثر المحن وتحيط بها ولكنها لا تستسلم بل تقاوم وإن كانت تلك المقاومة هي تلبس للعذاب : فصنعت من جور الزمان قلادتي ونسجت من ألم المسيح ردائي قلب فواغي الثائر حبا للواحد اليقين والوطن والرجل والإبن والإبنة وكل ما في الوجود لابد أن يتألم ، لأنه قلب شاعر ، وقلب الشاعر عند فواغي لا يعمل كما تعمل كل القلوب لأن بداخله طوفان حب يتدفق مع شلال الدم في العروق، هكذا هو الحب ألم وعذاب ولوعة ، الحب هو ثورة القلب.......قلب فواغي القاسمي انتصار عبد المنعم مصر قراءة في قصيدة "رحلة صيد يائسة عبد الحفيظ الجلولي القصيدة ترسم للصياد(الشاعر) مجاله الدلالي المتناثر عبر الوحدة، المقهى ، القصيدة، القلب، الذاكرة لكنها تحاصره بالبؤس، فلا يبقى له من حركيته الفاعلة "سوى ذكرياته الفاشلة"، واذا كان القصد الاول للفاعل افي كل فعل يمارسه على كشف صورته الخاصة به" كما يقول دانتي، فان الفشل او البؤس ـ كما اسمته القصيدة ـ قرّبه من عالم وحدته " وحيدا / في ليل حيرته التي لا تنتهي... / يرسم حلم التفاصيل التي لا تكتمل..، والوحدة عند هايدغر غير العزلة ، فهي.." تجعل حياتنا تجاور جوهر كل الاشياء.." والحقل الدلالي للواحق الوحدة في القصيدة يغير من سلبية البؤس، فيقلبه ايجابيا كما في "الحيرة" التي هي تعبير عن قلق المبدع كما يقول سارتر، ايضا "حلم التفاصيل"، "سماوات العروج"، " يعاود رحلة صيده" الاصرار على اقتحام الخطوات دون وضع حدود النهائي، وهو ما يتناقض كلية مع قاموس البؤس.. ان هذا الشاعر البائس، يحرر موقفا وجوديا بمعنى هايدغري اصيل ، حيث الوجود عند هايدغر هو الكينونة ـ في ـ العالم، فيصبح العالم بعدا من ابعاد الانسان كما يقول ميلان كونديرا، وبالتالي يصبح الاخفاق مدعاة للانخراط في التغيير الذي يتلبس العالم فيتغير الوجود(الكينونة ـ في ـ العالم).وبالتالي ياشاعرتي الرائعة تكون " قصة صيد بائسة" تصفية حساب فاشلة، لان الشاعر هو عنوان القصيدة، التي لن تكون في الاخير سوى المرأة، ودلالات الانطلاق من السلبي لتثوير دائرة الايجابي في محاولة شعرية باهرة تتجلى في المقطع التالي: يجدهن كما هن/ لتتشابه قصائده/ فلا يميزهن منهن.. تشابه القصائد المراد منه احتمالا، ادماج صورة ايحائة قوية للحبيبة لا تتحقق الا من خلال الصورة المجازية المتمثلة في القصيدة. فالعينان اضافت لهما الشاعرة صفة القحالة، دلالة على طلبهما الارتواء، حيث يستقبل القصائد(معين الارتواء) ـ والجمع هنا تكثيف لحالة واحدة قصد التركيز عليها باعتبارها مدار الفكرة الشعرية، والتي هي ترميز للمراة، والاقبال على القصائد المتشابهة يحتمل توسيع مجال المُفكَّر فيه، وبالتالي يترتب مفهوم الاحتضان، فذكريات السقوط التي تبقى عالقة في الذاكرة هي حبال الهوى التي لا تنقطع اواصرها ، والسقوط اغراق في التلاقي على عكس ما تريد ان توهمنا به القراءة الاولى للقصيدة. بكل شغف الشعر/ عبد الحفيظ بن جلولي. نقد قصيدة جفّ اليراع عبد الرحمن الجميعان أديب و ناقد كويتي نائب رئيس إتحاد الكتاب هذه القصيدة صرخة مفجوع يتأوه، ويبكي أمته! تبدأ القصيدة بالبيت التالي: جفّ اليَـراع ُ وصُمّـت الآذانُ ما عاد يُجدي منطـقٌ وبيـانُ روعة المطلع تنبأ عن روعة القصيدة، اليراع/ الآذان، المنطق/ البيان،فالمنطق هو الكلام في العربية، والبيان هو التوضيح في الكلام والكتابة،فالمنطق بمقابلة الآذان، والبيان بمقابلة اليراع، واليراع جمع يرعة وهي القصبة، وهيهنا كناية عن الأداة التي يكتب بها بالحبر.ففي الشطر الأول أن اليراع قد جف منالصدمة، ومن هول الأمر، أو من كثرة ما كتب في المسألة، والآذان صمت من كثرة السماع،فهنا يأس من الواقع المعيش، والدليل( ما عاد يجدي..)فلا فائدة من البيانات والكلاموالكتابة، مطلع قوي ينبأ عن أمر مر قادم، وأهوال عظام. ثم تستطرد الشاعرة في هذاالجو الخانق، والأليم: و تَحجّرتْ بين الضلوع ضمائرٌ لا العهد يحييهـا و لا الأديـانُ فالنفوس سادرة في غيها والأجسام هاربة في لذتها ولهوها،ثم تلتفت الشاعرة منادية وصارخة ، يا مَنْ تنادي ميّتا , كُـفَّ النِّـدا هل تستجيبُلصرخةٍ أكفـانُ ؟ ثم تعقب هذا الصراخ بسؤال استنكاري مرير، قاس، ويعد هؤلاءملفوفين في أكفانهم، فالميت لا يسمع من يناديه، صورة رائعة قوية صورتها الشاعرة هنا، أمامنا رأيناهم كأنهم موتى، واستغنت عن أداة التشبيه لتدلك على صدق الموت، وأنهم موتى في الحقيقة من كثرة البرود وعدم الرد والاستجابة، والصورة جميلة فهم أكفان موضوعة وليست أجسادا ملفوفة. ثم تلتفت مرة أخرى لتصرخ متسائلة، وموبخة سامعها: أوَ تَحْسَبـنّ دمَ العروبـةِ ثائـرٌ عهدا بأسلافٍلنا قـد كانـوا ! ثم تعرج شارحة أحوال هؤلاء الأسلاف الذين يعجب المرء أن هؤلاء من ذريتهم: طابتْ لهم دنيا الصلاحِ مرابـعٌ و تهلّلَتْ فـي مجدهـمأزمـانُ / وهؤلاء الأجداد أيضا لهم الصفات التالية: لم يعرف التاريخُ مثلمنارِهـمْ علماً وما نَطقَ القريضَ لسـانُ لا و الذي ملك الخلائـقَ كلهـا لم يُمتهنْ فـي ملكهـمْ إنسـانُ كانوا حماةَ الدين حيـن نِزالهـمْ أُسُدُ الوَغى, فانقادت الأَرسـانُ خاضوا غماراً لا يُرام أُوارَهـا متأجـج بيـن الحشـا بركـان هَزموا بأقصى الأرض أكبر أمةٍ لا الفرسُ ذوشأنٍ و لا الرومانُ ثم تعرج إلى قضية مهمة جدا في هذا اليوم، وهي العزة التي ضد الذل العربي اليوم. حفروه عزا شامخا عبر المـدى خضعت لهم من هيبـةٍأوطـانُ فهذا العز حفروه من أعمالهم السابقة العظيمة، (حفروه عزا..)استعارة رائعة في البيان. من شرقِ أرضِ الله حتى مغربٍ أمـمٌ يوحِّـدُ شأنهـا الرحمـنُ ثم تعرج من تلك العزة والعظمة، و التقدم إلى تبيان حال الأمة اليوم.بهذا التصوير الجيد: اليومَ يبكي خالـدٌ فـي لحْـدِه ِ ينعي زمانـاسـادَه الطغيـانُ والبكاء كناية عن الحسرة والتوجع، وخالد رمز للقوة والعزة ،فالطغيان قد ساد في هذا الزمان، و الطغيان مجاوزة الحد . فهذه الأمة أضاعت البنيانالذي بناه لهم الأسلاف، أضاعوه بجهالتهم، وطيشهم وطغيانهم، ثم بما يحدث بينهم من تشاحن وبغضاء ومحن، وهنا يأتي دور الشيطان ليزرع الحقد بينهم. قوم أضاعـوا ملكهـم بجهالـةٍ و ضغائنٍ , فأضَلّهـم شيطـانُ وكان من جراء هذا الذل أن تواكبت الأمم عليهم ليقتسموا الإرث والميراث. و تكالَبتْ أممُ الأعاديَ حولهـمْ فهمو و أموات الزمـان سيـانُ ثم تعرج على يهود المدنسين لأرض المعراج، والمسجد الأقصى: المعتدون بأرض مسرى محمـدٍ جاسوا فسادا , و الرموزُ تهـانُ إن هذا البيت له احساس غريب يسري في عروق من يقرأه. يا صرخة َ الأقصى لنجدةِ مقدسٍ من هوُلها ارتجفتْ لها الأكـوانُ وهذا بيت آخر جميل المبنى والمعنى، (صرخة الأقصى) شبهت الأقصى كمستنجد بأناس أمامه من فعل يهود المجرمين، ولكنلا حياة ولا حراك، وسمتها (صرخة الأقصى) كأنها لازمة له وصاحبته, و الصرخة من شدتها وحركتها لا بد أن تلاقي منيصطدم بها فتحركه وتدفعه نحو العمل، ولكن هذه الصرخة الأليمة، ماذا كان حالهاعندنا.؟ لكنهـا ارتطمـتْ بغفلـةِ أمـةٍ قد أسكرتهـا خمـرةٌ و قيـانُ تصوير لحال هذه الأمة المخدرة، من جراء الخمر دليل السكر و الذهول، والقياندليلالفساد واللهو. حبٌ لزائلةٍ و زهدٌ فـي الحِمَـى أَلأمِ دُفْـرٍ ينقضـي المَلَـوانُ ثم تنادي رمز السيف والقوة، و يتتمنى وجود أمثاله، قم يا صلاحالدين تغسلُ عارَنا فلقد كسانـا ذلـةً .... خـذلانُ (تغسل عارنا) ولم تقلاغسل عارنا، ليدل على الحاضر لا المستقبل, لتحررَ الأقصـى بحـدِّ مهنـد ٍ فيعودُ مجـدٌ ضائـعٌ و كيـانُ فالأقصى لا يحرر إلا بالسيف والقوة لا بالسلا م والمعاهدات. عبد الرحمن الجميعان أديب و ناقد سعودي نائب رئيس إتحاد الكتاب نقد قصيدة عشتار (( فلقد عزفت على المشاعر يا صديق الوجدِ ألحان الأنين ِ)) لفتت نظري هذه العبارة الفذة في قصيدة تتكلم عن تجربة قاسية مرت بها من وصفت نفسها بعشتار .. في بداية القصيدة تأتي الكلمات هادئة صافية ؛ رغم ما تحمله من مرارة وآلام ؛ وهذا يدلنا على ثقة الشاعرة في قرارها الذي تـُهيؤنا له والذي جاء بعد طول روية ؛ بعيداً عنالانفعال .. ولا تكتفي بهذه التهيئة النفسية ؛ بل تؤكد له ولنا – وربما لنفسها أيضاً - أن القرار القادم لم يصدر إلا عن تفكير عميق وتستدل على ذلك بأن مصدره هو هو نفس المصدر الذي صدرت منه – تلك - القرارت السابقة – الحنونة - والتي ربما سيتعارض معها .. ( أنا لم أكن يوما بعمقِ مشاعري تلك التي أذكتْ حنيني) ؛؛؛ ثم انصرفت عنا فجأة إلى الحديث بضمير المخاطـَب ؛ بعد أن كانت تروي لنا حكايتها ؛؛ وهنا أريد أن أعبر عن المعاني المتنوعة التي قرأتها في هذا البيت المتفرد ! : (فلقد عزفت على المشاعر يا صديق الوجدِ ألحان الأنين ) تحول الضمير للخطاب مع البداية الشديدة : بـ ( الفاء ) و ( اللام ) و ( قد ) ؛ يجعل السامع يحبس أنفاسه لعظم ما سيأتي ؛ وجملة ( عزفت على المشاعر ) هي بداية سرد لائحة الاتهام ! أما ( يا صديق الوجد ) ففيها : أولاً : تحييدنا تماماً – نحن السامعين - عن مجرد التفكير في قبول الاتهام أو رفضه !!!؛ فخطابها لصاحب الشأن مباشرة ؛ صرف أذهاننا عن مجرد التفكير في قبول أو عدم قبول الاتهام ؛ إذ الأولى أن يرد المتهم الماثل المُـخاطب – أمامنا - والذي لم يحرك ساكناً ! ومع أن كل اتهام قابل للأخذ والرد ؛ إلا أنها وبكلمتين لا أكثر استطاعت بذكاء .. لا بل بعبقرية ؛ أن تنقلنا من هذه المرحلة بكل هدوء .. إلى مرحلة النطق بالحكم والتي يتلو فيها القاضي الاتهام كالحيثيات التي يقر بها المتهم والتي سبق تداولها ؛ ثانياً : رغم الهدوء البادي في قاعة المحكمة إلا أنه لا يفوت أحد هذا الاتهام بالتعمد ؛ فلم تكن هناك مشاعرٌ أصلاً من طرفه ؛ بل كان هناك استغلال لهذه المشاعر واسخدامها وسيلة للاستدراج .. ثالثاً : الاتهام شديد نعم ؛ ولكنه سيق بمنتهى اللطف وبكناية في منتهى العفاف ؛ فلم تتكلم الشاعرة عن الخيانة والغدر وغيرهما من صفات لا يستغني عن إيرادها من عانى معاناتها .. رابعاً : { يا صديق الوجد } تدل على منتهى الرقي والحياد ؛ فلم تغفل الألقاب الرسمية حتى عمن يتهيأ للعقاب ! وياله من لقبٍ قاسي رغم مظهره الأنيق والمجامل !!!! خامساً : بهذا اللقب يكون الستار قد أُسدل تماماً على العلاقة العاطفية التي كانت قائمة قبله !! وذلك بأنه قد تحول إلى مجرد صديق بشكل حاسم لا مجال فيه للطعن ولا الاستدراك !!! سادساً : لم تنس الشاعرة وهي في خضم قراراتها أن تستشعر الوجد الذي سيصيب المتهم بالعقوبة المقررة ؛ ولم تستطع تركه دون أن تخفف عنه بهذه اللفتة الجميلة التي تشير فيها إلى أنها ستشاركه العقوبة رغم براءتها مما اتُهم به ؛؛ إلى هنا انتهى البيت الرائع ولكن من حسن حظنا فالأبيات التي تليه لا تقل روعة ولا جمالاً .. (عتبي عليك بأنني أنثى .. ! وتعلم جرحَها عين اليقينِ ) مرة أخرى تتكلم بدون تصريح بما لا يكون التصريح به إلا جارحاً ؛ لذلك تكتفي بإقامة الدليل عليه ؛ ونراه نحن وهو يلتفت يخفي وجهه خجلاً من سوء ما صنع !!! وكلمة أنثى هنا ربما أتت لتزيد من سوء صنيعه ؛ وفيها إيماءات أخرى بارعة ؛ ( لن ينطفيء لهب تأجج من أخاديد الظنون من الجنونِ ) ربما سنختلف مع الشاعرة هنا ؛ واختلافنا معها هنا ينبع من كونها تبني كل ما سبق من اتهامات على ظنون رغم علمنا أن بعض الظن إثم .. فهل اجتنبت كثيراً من الظن ليسلم لها قرارها ؟ هذا ما سيأتي ؛ لكننا أيضاً الآن ونحن نختلف معها لا يسعنا إلا تقديرها على صدقها ودقتها فيما تخبرنا به مع أنه يقلل من قيمة الاتهام .. ( عشتار .. في حبي وفي غضبي وفي كل جنوني ) نعم يا عشتار .. أنتِ – ربما - تردين على اختلافنا السابق معك ِ ؛ فتقررين بأنه كما سمح لنفسه بأن يتمتع بحبكِ الأسطوري ؛ فلا ظلم في أن يكون الغضب والجنون عليه أسطورياً كذلك !!! هذا ما يخصه في هذا البيت ؛ أما ما يخصنا نحن فهو أننا عرفنا قبل أن يأتي هذا البيت بأننا نقف أمام أسطورة شعرية ؛ وثروة هائلة ؛ تخاطبنا بأسلوب السهل المستحيل !!! ورياح عاصفتي التي سكنت سراديب سنيني نعم .. فالاتهام رغم أنه بُني على ظنون فلم يكن وليد موقف ولا لحظة ؛ بل كان رياحاً للشك وراء رياح ؛ استحالت في نهاية المطاف إلى عاصفة مكبوتة ؛ لكن تخبرنا الشاعرة أنها وجدت لهذه العاصفة عملاً آخر نافعاً ؛ وهو : ( ستمزق الآلام و الأحزان عن روض الشرايين ِ ليمور زهر الياسمين على روابي بهجتي و ضفاف كوني …!) يا الله !!! ما أروعك يا عشتار لكن هل حقاً ما تقولين ؟! هل تستطيعين حقاً توظيف النار في إطفاء الحرائق !!! والعواصف التي تمور في قلبك ستسلطينها على الآلام والأشجان التي تحاصرك فتتخلصي منهما جميعاً ما أجمل هذا التفكير !! وما أبدعه !! وما أعظمه !! هل لاحظ أحدٌ أن عشتار عندما استعملت كلمة { يمور } لم تسقطها على ما في قلبها ؛ بل أطلقتها على مرحلة بناء الآمال ؟! ربما يا عشتار لأنه لم يعد لديكِ وقت للحديث عما مضي ؛ وربما لأنكِ تستجمعين كل ما في جعبتك من شجاعة وكبرياء للنطق بالقرار الأخير .. القرار الغير قابل للاستئناف ولا للنقض : ( لا تعتذر .. أقفلتُ دون وصولك المحراب يا صب المجون ِ …) هنا يا عشتار .. وهنا فقط ؛ نجدك قد تخليت عن تحفظكِ الذي لازمك طوال القصيدة ؛ وذلك بلمز صديق الوجد بهذه الكلمة الشنيعة ؛ الحقيقة أننا لا نستطيع إلا أن نعذركِ في استعمالها ؛ فنحن على يقين بأنكِ اضطررتِ إليها اضطراراً ؛ لأننا جميعاً كنا نتهيأ لاستعطاف قلبك الرحيم ؛ وقبول اعتذاره ؛ لكن هذه الكلمة جعلتني أتردد .. حتى في مجرد الدفاع عنه .. لقد خذَلنا هذا الرجل قبل أن يخذل نفسه .. وأخيراً .. لم يعدْ لديّ ما أستطيع قوله إلا أنني أدعو الجميع إلى قراءة القصيدة وتذوقها بدون تعليقات ؛ فكل ما قلت لا يعبر عن جماليات القصيدة كما تعبر هي عن جمالياتها ؛ ولعله لم يفسدها !!! محمود سليمان أديب / شاعر و ناقد |
المؤلفنقاد أدب عربي الأرشيف
August 2020
العنوان
All
|