عبد الرحمن الجميعان
أديب و ناقد كويتي
نائب رئيس إتحاد الكتاب
هذه القصيدة صرخة مفجوع يتأوه، ويبكي أمته!
تبدأ القصيدة بالبيت التالي:
جفّ اليَـراع ُ وصُمّـت الآذانُ
ما عاد يُجدي منطـقٌ وبيـانُ
روعة المطلع تنبأ عن روعة القصيدة، اليراع/ الآذان، المنطق/ البيان،فالمنطق هو الكلام في العربية، والبيان هو التوضيح في الكلام والكتابة،فالمنطق بمقابلة الآذان، والبيان بمقابلة اليراع، واليراع جمع يرعة وهي القصبة، وهيهنا كناية عن الأداة التي يكتب بها بالحبر.ففي الشطر الأول أن اليراع قد جف منالصدمة، ومن هول الأمر، أو من كثرة ما كتب في المسألة، والآذان صمت من كثرة السماع،فهنا يأس من الواقع المعيش، والدليل( ما عاد يجدي..)فلا فائدة من البيانات والكلاموالكتابة، مطلع قوي ينبأ عن أمر مر قادم، وأهوال عظام.
ثم تستطرد الشاعرة في هذاالجو الخانق، والأليم:
و تَحجّرتْ بين الضلوع ضمائرٌ
لا العهد يحييهـا و لا الأديـانُ
فالنفوس سادرة في غيها والأجسام هاربة في لذتها ولهوها،ثم
تلتفت الشاعرة منادية وصارخة ،
يا مَنْ تنادي ميّتا , كُـفَّ النِّـدا
هل تستجيبُلصرخةٍ أكفـانُ ؟
ثم تعقب هذا الصراخ بسؤال استنكاري مرير، قاس، ويعد هؤلاءملفوفين في أكفانهم، فالميت لا يسمع من يناديه، صورة رائعة قوية صورتها الشاعرة هنا، أمامنا رأيناهم كأنهم موتى، واستغنت عن أداة التشبيه لتدلك على صدق الموت، وأنهم موتى في الحقيقة من كثرة البرود وعدم الرد والاستجابة، والصورة جميلة فهم أكفان موضوعة وليست أجسادا ملفوفة.
ثم تلتفت مرة أخرى لتصرخ متسائلة، وموبخة سامعها:
أوَ تَحْسَبـنّ دمَ العروبـةِ ثائـرٌ
عهدا بأسلافٍلنا قـد كانـوا !
ثم تعرج شارحة أحوال هؤلاء الأسلاف الذين يعجب المرء أن هؤلاء من ذريتهم:
طابتْ لهم دنيا الصلاحِ مرابـعٌ
و تهلّلَتْ فـي مجدهـمأزمـانُ
/
وهؤلاء الأجداد أيضا لهم الصفات التالية:
لم يعرف التاريخُ مثلمنارِهـمْ
علماً وما نَطقَ القريضَ لسـانُ
لا و الذي ملك الخلائـقَ كلهـا
لم يُمتهنْ فـي ملكهـمْ إنسـانُ
كانوا حماةَ الدين حيـن نِزالهـمْ
أُسُدُ الوَغى, فانقادت الأَرسـانُ
خاضوا غماراً لا يُرام أُوارَهـا
متأجـج بيـن الحشـا بركـان
هَزموا بأقصى الأرض أكبر أمةٍ
لا الفرسُ ذوشأنٍ و لا الرومانُ
ثم تعرج إلى قضية مهمة جدا في هذا اليوم، وهي العزة التي ضد الذل العربي اليوم.
حفروه عزا شامخا عبر المـدى
خضعت لهم من هيبـةٍأوطـانُ
فهذا العز حفروه من أعمالهم السابقة العظيمة، (حفروه عزا..)استعارة رائعة في البيان.
من شرقِ أرضِ الله حتى مغربٍ
أمـمٌ يوحِّـدُ شأنهـا الرحمـنُ
ثم تعرج من تلك العزة والعظمة، و التقدم إلى تبيان حال الأمة اليوم.بهذا التصوير الجيد:
اليومَ يبكي خالـدٌ فـي لحْـدِه ِ
ينعي زمانـاسـادَه الطغيـانُ
والبكاء كناية عن الحسرة والتوجع، وخالد رمز للقوة والعزة ،فالطغيان قد ساد في هذا الزمان، و الطغيان مجاوزة الحد . فهذه الأمة أضاعت البنيانالذي بناه لهم الأسلاف، أضاعوه بجهالتهم، وطيشهم وطغيانهم، ثم بما يحدث بينهم من تشاحن وبغضاء ومحن، وهنا يأتي دور الشيطان ليزرع الحقد بينهم.
قوم أضاعـوا ملكهـم بجهالـةٍ
و ضغائنٍ , فأضَلّهـم شيطـانُ
وكان من جراء هذا الذل أن تواكبت الأمم عليهم ليقتسموا الإرث والميراث.
و تكالَبتْ أممُ الأعاديَ حولهـمْ
فهمو و أموات الزمـان سيـانُ
ثم تعرج على يهود المدنسين لأرض المعراج، والمسجد الأقصى:
المعتدون بأرض مسرى محمـدٍ
جاسوا فسادا , و الرموزُ تهـانُ
إن هذا البيت له احساس غريب يسري في عروق من يقرأه.
يا صرخة َ الأقصى لنجدةِ مقدسٍ
من هوُلها ارتجفتْ لها الأكـوانُ
وهذا بيت آخر جميل المبنى والمعنى، (صرخة الأقصى) شبهت الأقصى كمستنجد بأناس أمامه من فعل يهود المجرمين، ولكنلا حياة ولا حراك، وسمتها (صرخة الأقصى) كأنها لازمة له وصاحبته, و الصرخة من شدتها وحركتها لا بد أن تلاقي منيصطدم بها فتحركه وتدفعه نحو العمل، ولكن هذه الصرخة الأليمة، ماذا كان حالهاعندنا.؟
لكنهـا ارتطمـتْ بغفلـةِ أمـةٍ
قد أسكرتهـا خمـرةٌ و قيـانُ
تصوير لحال هذه الأمة المخدرة، من جراء الخمر دليل السكر و الذهول، والقياندليلالفساد واللهو.
حبٌ لزائلةٍ و زهدٌ فـي الحِمَـى
أَلأمِ دُفْـرٍ ينقضـي المَلَـوانُ
ثم تنادي رمز السيف والقوة، و يتتمنى وجود أمثاله،
قم يا صلاحالدين تغسلُ عارَنا
فلقد كسانـا ذلـةً .... خـذلانُ
(تغسل عارنا) ولم تقلاغسل عارنا، ليدل على الحاضر لا المستقبل,
لتحررَ الأقصـى بحـدِّ مهنـد ٍ
فيعودُ مجـدٌ ضائـعٌ و كيـانُ
فالأقصى لا يحرر إلا بالسيف والقوة لا بالسلا م والمعاهدات.
عبد الرحمن الجميعان
أديب و ناقد سعودي
نائب رئيس إتحاد الكتاب