رابط القصيدة :
http://www.fawaghi.com/37/post/2013/05/28.html
الدراسة النقدية :
لو لم أعرف صاحب النص فإنني سأقول : صاحب النص لا يعيش حدثا إخباريا ، وإنما معاناة حقيقية في المكان ، هو شامي أو حمصي ، يعرف الجغرافيا بدقة ويستحضر من ذاكرته عناصر جمالها الحسي والمعنوي قبل الموت والدمار ، والمقارنة المعقودة مابين زمنين ومكانين أعطت النص بعدا مؤثرا وواقعيا ، وصدقية عالية في التصوير والمشاعر ، كما أن استحضار النماذج الجمالية الفرات قبل وبعد والغوطة قبل وبعد ............ عمق حجم الكارثة ، وأثرها في وجدان الشاعرة مما مكنها من نقل مشاعر الخوف والحزن والأسى بشكل مكثف ومؤثر .
نجحت الشاعرة في توظيف عناصر المكان بكل دلالاتها السلبية ، في رسم مشهد بصري يعايشه المتلقي وكأنه شريط سينمائي بالصوت والصورة ، يمر أمامه ليتمثل الحدث بكل أبعاده المأساوية فلم تتوقف عند الركام كمجرد حالة وإنما أسبغت عليه تفاصيل دقيقة وأنها هي التي تخرج من تحت الركام ، ومن هذه العناصر الحسية ( الدمية المقطوعة الراس ، والقطة التي حوصرت بين حديد الركام ، ومزق الأوراق الغارقة بالدماء ...... كلها تغذي الصورة البصرية وأما الصورة السمعية فقد استكملت الشاعرة بها المشهد في عدة مواقع ، مواء القطة المحاصرة وأنين النواعير ، وهي كثيرة في النص .
استحضار فيروز في النص في محاولة تلقائية من الشاعرة لإحالة المتلقي إلى زمن جميل ، وهذه الإحالة ندب على مرحلة مشرقة واستحضار شوقي إحالة إلى زمن كان فيه بردى رمز من رموز المحبة والتآزر ، وهو إيحاء بنص شوقي سلام من صبا بردى .... وإحالة إلى مرحلة أكثر إشراقا .
استحضرت الشاعرة الجغرافيا بمفهومها الإنساني وليس بمفهومها المجرد وأخذتنا في رحلة إلى أماكن متعددة في سوريا ، وأنطقت تلك الأماكن واستعرضت خصائصها الجميلة مآذن الجامع الأموي وتفاح بلودان والبيت الدمشقي بدفئه وجماله .........وكلها عناصر يبدو أن الشاعرة عايشتها ولم تسمع عنها فقط .
توظيف التراث عنصر بارز في هذا النص، وجاء في مكانه ومنسجما مع الحدث ، وبخاصة قصة قابيل وهابيل.والصور المعبرة كثيرة أضفت على النص مصداقية عالية وعاطفة قوية ، مثل صراخ الياسمين ، والياسمين الدمشقي في الذاكرة والوجدان عنصر فرح ، وهوية المكان والإنسان ، وصراخه تعبير عن حجم الوجع الذي يعتمل في المكان وينتقل تلقائيا إلى قائل النص وسامعه ، بمعنى أن المصيبة التي حلت بالمكان أنطقت كل عناصر البهجة والفرح ، لتستنكر حالة الموت والدمار . وفي المحصلة هو صراخ الشاعرة وعويلها وبكاؤها على أطلال مكان له في ذاكرتها ووجدانها حضور مفعم بالحب والانتماء .
كلمة أخيرة . الجزء الأول من النص حتى السطر الشعري الخامس ، كان خروجا من ركام معنوي ، له امتدادات في التجربة الذاتية للشاعرة ، وهو خروج للوهلة الأولى يبدو خروجا إيجابيا بممفهوم الخلاص من عبء ، ولكن هذا الخروج بدأ يتبلور ليأخذ بعدا أشمل بعد جنائز الشهداء ، حيث يعد النص من هذه النقطة نصا متحولا من الخاص إلى العام ، وفي حساباتي النقدية أن الركام المعنوي الذاتي الخاص ، انصهر مع الركام العام ليشكلا حالة من الشجن والحزن على مراحل جميلة استقرت في ذاكرة الشاعرة .
مع تحياتي وتقديري : د\.أحمد عرفات الضاوي