انتصار عبد المنعم
(كل أنواع الحب في قلب فواغي)
الحب عند فواغي القاسمي هو إنعتاق الروح لتتحد مع الحبيب سواء كان رب العالمين الذي يمثل لها الحب اليقين وهو مهربها حين تشتد عليها الخطوب ، أو كان هذا الوطن الذي تخبئه في حنايا روحها الثائرة، أو هذا المكان الذي مرت به وتركت به جزءا من ذكرياتها ، أو ذاك الرجل الذي أودعته قلبها العاشق الأنثوي ، هو حب يلف كل الكون الفسيح ، هذا الحب يسيل طوفانا على جسد الوطن حين تسلب منه قطعة عزيزة ، تللك القطعة المسلوبة من الوطن تصبح جرحا لا يندمل أبد ا في قلب الشاعرة التي تستشرف الألم أضعافا مضاعفة فتصبح أسيرة آلام لا تنتهي وتباريح تصلب روحها قبل جسدها على صلبان الغدر والمؤامرات ، فثورة القلب حين يحب أليفه هي تماما ثورته من أجل حرية وطنه ، ويمتد الألم بالشاعرة ليوغل في مشاكل الوطن الكبير وتخاذل من بيدهم إنعقاد القمم .
قلب فواغي الشاعر يجمع كل أنواع الحب ، بدأته بهذا الحب الأبدي السرمدي الذي يربط النقطة بالمحيط ، الذي يعيد الروح لتستقر عند منبع تكوينها ، الذي يعيد شعاع النور لمركز النور فيفيض ويشرق على كل الوجود والموجود ، هذا هو الحب اليقين الذي تلوذ به في بداية ديوانها تطلب السلام ( تسابيح القرب) .
أنت سبحانك لا تحصى بأعداد هباتك
اجعل الكون سلاما لعباد هم تقاتك
وعندما يفيض عليها وعلى الكون سلاما تمسك قيثارة العشق والجوى تعزف أولى قصائد الحب الأزلي تبتغي قرب الحبيب الواحد الأوحد ليبدد الخوف والحزن واليأس ( ترنيمة عشق إلهية)
إلهي لقربك تشتاق نفسي
فقربك وصل ووصلك أنسي
ونورك وهج يضيء دروبي
يبدد خوفي وحزني ويأسي
وتعلو ترنيمتها لتلفها والكون يردد خلفها عشق القدوس الذي تذوب فيه الأرواح فتفنى طلبا للخلود
وأيقنت أنك في الكون كل
فذاب بذاتك روحي وحسي
وتتلاشى في النور فتهدأ خفقات قلبها العاشق قليلا ، ولكنه ينتفض حبا الوطن و يبدو شموخ الحب حين يصدق المحبوب والحبيب فيصبح الوطن هامة الزمن وتتلاشى دونه الأوطان ( بلادي الإمارات)
بلادي الإمارات أنت التي
تأزرت مجد العلا والعظم
وتغوص روحها في هذا الحب وتتحد معه ليلهمها حبا جديدا وكأن الحب هو وقود فواغي الأبدي !
تملكت مني جوارح نفسي ،
وروحي ، فقلبي عليك انختم
وألهمتني الحب حتى غدوت
أرنم باسمك عذب النغم
وتتفجر فيها براكين الثورة فحبها العظيم أولدها ثورة لا تكون إلا في قلب عرف الحب وغرق فيه واغترف منه ، وتظهر فيها نمرة عاشقة للوطن تفترس الأعادي
سأرخص دون ذراك الدماء
وأجتاز في الهول عب الخضم
فلا يرهبني في النائبات
احتدام الصفوف ولج الألم
وتنتهي بوعد لازم للدفاع عن هذا الحبيب الأشم/ الوطن
سأسحق فوق ثراك الأعادي
وأحمي حماك كطود أشم
ولكن قلب فواغي العاشق يئن ، هذا القلب الذي امتزجت فيه كل صنوف الحب وكل دروبه يعاني من ألم وشحها به زمن المكائد ، وتقاسي وحشة الغربة وتصطلي بنار يؤججها ظلم يأتي من قريب وتتوسد فراش الحزن وهي ترى جرح طنب النازف ( طنب الجريحة) وتشعر بقلة حيلتها فتتلظى براكين كيانها وتتفجر حمم لا تجد من يخمدها غير نبع الحب الأول الواحد الأحد
شيئان لا يقوى العزيز عليهما
ظلم القريب وغربة الأوطان
مابال هذا الدهر يثقل كاهلي
بكليهما وبقسوة البهتان
لقد احتملت من الزمان مكائدا
شتى ينوء بحملها الثقلان
رباه فارحمني بجاه محمد
فسواك لا أرجو من الأعوان
طنب هذا الجرح الذي لم يندمل في روح الشاعرة يتفتق لوعة وحسرة على ما أصاب طهر ترابها من دنس أعجمي سلب جزءا من قلاع العرب الموغلة في روح التاريخ
يا طنب أقدام الأعادي دنست
فيك الرياض ومعقل الفرسان
سلبوك فرعا أصله متجذرا
في أرض أجداد من العربان
ويبقى ألم فؤادها العاشق الثائر حبا يتشظى ينتظر يوما يلتئم فيه جسد الحبيب/ الوطن ويعود الفرع لأصله
يا طنب جرحك في فؤادي لم يزل
يدمي لقهر الظلم والعدوان
لن تنطفئ نار الجحيم بخافقي
حتى يعود ثراك للأوطان
ولكن اليوم الذي تنتظره فواغي لا يجيء لأن الفرسان إكتفوا بالضجيج ( قمم الضجيج) واستبدلوا الأفعال بالأقوال وتفرغوا للتآمر والخيانة فلم يعد الجرح جرحا واحدا بل جروح تمتد في قانا والبقاع
اليوم في لبنان
تصرخ كل أكفان الطفولة
كل أشلاء الكهولة
كل أوصال الشباب
يلتهب الجرح وهو يرى المتناقضات في قمم لا تتمخض عن شئ ، بل تزين للجاني جرمه بخطابات الشجب التي لا تأتي بثمن المداد التي خطت به
والقادة الأفذاذ
في أقطار أمتنا اكتفوا
بخطاب شجب باهت
بئس الخطاب!
ويشمل العتاب العلماء الذين جعلوا أنفسهم رقباء حتى على دعوات المحب لحبيبه اليقين في خلوته السرمدية حين لا يعي اللسان ما يلهج به من حب يصل المخلوق بخالقه ،
وحولوا صورة الحب اليقين الأوحد ليرهبوا به خلقه وتناسوا أنه هو نبع للرحمة وليس فزاعة للعذاب
علماؤنا يفتون بالتكفير
والتجريم.. والتحريم
ديدنهم ، كما دوما همو
سرد المآثم والوعيد
وكل ألوان العذاب
ويقينهم حتى الدعاء لبعضنا
بالنصر في ردع الأعادي
عن حياض ديارنا
كفر بدين محمد
يا للعجاب!!
وتثور على ضياع الهوية العربية والإنقياد وراء الغرب بمخططاته من أجل الحفاظ على كرسي الحكم ، تلوم فواغي كل الوزراء والزعماء تنكر عليهم تناسيهم دورهم الذي تخلوا عنه من أجل سراب يعدهم به ساكنوا ( البيت القبيح)
وزراؤنا
عزفوا على الوتر الكسيح
نواحهم
ومزقوا أسماعنا بقرارهم
عالي الأباب
*******
وتقول أيضا :
جاؤوا بقفة غدرهم
يتقاسمون أوامر البيت القبيح
وينصبون فخاخهم
بقرار ساداته الأفاعي
يزرعون له العوائق والصعاب
فكأنما الشرق الجديد بعرفهم
يحمي العروش لهم لتبقى
فوق أعناق الشعوب
مصانة بقوى الصحاب!
ماذاك إلا بعض أوهام السراب
وتنتهي بها أناتها حيث فناء الأمل من الجميع فتتبرأ من تلك الأمة التي تخلت عن وهج الدرر لتلتحف ذل الهوان والخنوع كفريسة للكلاب :
تبا لها من أمة
كانت بحق درة بين الأمم
فإذا بها بهوانها وخنوعها
تغدو الفريسة
بين أنياب الكلاب!
وتصرخ فواغي ( جف اليراع) فقد ملت الحديث فما عاد يجدي إذ أصبح السامعون كالأموات لا يهرعون لنجدة مستغيث ولا لنصرة أرض المسرى ، وتخاطب صلاح الدين وخالدا تستجديهما فلم يعد هناك أي أمل في الأموات وهم أحياء :
يا من تنادي ميتا ، كف الندا
هل تستجيب لصرخة أكفان؟
ويستمر طوفان الحب في قلب فواغي ويختلط فلا حواجز بين حبها اليقيين للقدوس الأحد حيث لا مكان ولا زمان يحدد عشقها الأزلي له ، وحبها لذرات وطنها وحزنها على جزء مسلوب منه ، وحبها لأمتها العربية وتحسرها على فرقتها ، ويمتد بها الحب المكاني ليشمل لبنان الذي سحرها فبقيت ذاكرتها مفعمة بطيره وشجره وحسنه الجامع الأخاذ الباذخ الجمال وتتلاشى كل البلاد الأخرى :
كل البلاد بسحرها وجمالها
لم يبق منها في الفؤاد سواكا
وتظهر فواغي المرأة العاشقة لآدم الرجل، تعشق كأنثى تهفو لصدر حبيب تأوي إليه روحها المشبعة بذرات الحب ، ولأنها تحب وجدت من يلومها ، فتحاول مراوغتهم لأنها لا تستطيع غير أن تحبه ( أعد لي قلبي يا سارقه)
يعاتبني القوم أني عشقت
وكيف لمثلك لن أعشقه؟
وأنت الربيع لدنيا الزهور
كساها بهاؤك ذا رونقه
وتفنى حتى لا تدري من هي بعد أن غرقت في الحب وتبدل حالها فلم تعد تدرك من تكون
( لا تسلني من أكون) فقد ذابت وتوحدت معه هياما فلم تعد ترى إلاهو ولا تسمع غير صوته ( خلب الغرام جنانا)
إني أحبك عاشقا هيمانا
وأحب صوتك شاديا ولهانا
وأجوب في ديجور غيب لا أرى
إلا عيونك مرفأ وأمانا
لا تريد من الحياة غير تلك اللحظة التي تقضها برفقته :
لقد ارتضيت من الحياة بلحظة
نخلو بها ونبثها نجوانا
ويصبح لها حبيب تبذل على أعتاب فؤاده عهود الغرام وتتفيأ رياض هواه( عهود الغرام ) ويصير كل الوجود لهما وعليهما شهود :
أنا مذ عشقتك والوجود صحائف
نظم القصيد لوجدنا شهود
وتذوب معه في أبحر الحب التي تزينها نجوم ساهرات في ليل جميل تتمنى ألا يأتي بعده فجر ، ( ليل العاشق ممتد )
يسهرنا الحب ينادمنا
كم ليل العاشق ممتد
ويطغى الحب على فواغي ويصرعها شوقا (شهيد الحب)
حبي لذاتك جارف وعنيد
وجموح نفسي صارخ وحريد
ويزداد شوقها كأنما سحرها واستولى على كيانها ( سحر هاروت)
ألهاروت بنا سحر هيام
يرهق النفس غراما من شجاها؟
ويفنيها شوقها إليه ويصبح هو نديم أعماقها ( دع انعكاسك في ذاتي) ليلها آهات وسهاد ولا شئ في الكون يحييها غيره :
دع انعكاسك في ذاتي يناجيني
وارجع صداك لأعماقي لتحييني
ورغم ما تلاقيه تارة من لهيب شوقها له وتارة من حنينها للقياه فلا تلوم الدهر أبدا ( ما على الدهر ملام) فعذاب الشوق يتجدد دوما حتى وهي برفقته يتسامران ولا ثالث لهما غير الهوى يغترفان من بحور لذته ويشكلان منه أجمل الأحلام ، وتتوحد مع نديم روحها يغترفان أعذب الليالي ( نجم العشاق حنانيك بمهجتي)
ونبقى في الهوى صرعى ولكن
من الفتاك منا.. والشهيد؟
لكم كانت ليالينا عذابا
يداعبنا بها لهو عنيد
ولكنها تتألم حين يدنو شبح الرحيل من عالمها فيكدر صفو عيشها وتتساءل ( لماذا وحين) ويضيع منها طريق طالما عرفته ويطوى زمن عاشته ورغم ذلك تناجيه وتناديه لعل قلبه يرق لأناتها( يا عذابي من غرامي) تلوذ به كي لا يسلمها لمرارة الفراق وغربتها وهي بعيدة عنه تذكره ببعض ما كان وتهبه فؤادها
يامن تفيأني عليلا بالهوى
حتى غدا لي موطني ومقامي
خذ خافقي مني إليك وديعة
فبه عزفت قصائدي وهيامي
تشكو له منه وتصف ما فعله بها شوقها إليه( شوق ولهيب) وكم تشتاق لسماع صوته الذي يسحر خيالها همسا تبثه غرامها وكيف أحال حبه كونها خمائلا مفعمة بتغريد الأطيار ومعطرة بأريج زنابق برية ( غرام وشجون) وتسلم للحب زمامها وهي بين يدي من تهوى فما يعنيها من الحياة بعد ذلك؟
إنا إذا ما الحب أرق ليلنا
ونأى بنا قلنا له آمينا
فتتيه في دنيا الهيام دروبنا
حتى كأن الكون لا يعنينا
وتمضي فواغي حبا و يقترن حبها لكل ما في الكون بألم يلفها روحا وجسدا ، هذا الألم الذي يغلفها كرداء لا تستطع الفكاك منه ( ألم المسيح ردائي) ، و تتقلب في الألم وهي ترى شماتة الفرحين بعذاباتها ، وتجور عليها نائبات الزمان فتستشعرها غصة في حلقها ، وتكثر المحن وتحيط بها ولكنها لا تستسلم بل تقاوم وإن كانت تلك المقاومة هي تلبس للعذاب :
فصنعت من جور الزمان قلادتي
ونسجت من ألم المسيح ردائي
قلب فواغي الثائر حبا للواحد اليقين والوطن والرجل والإبن والإبنة وكل ما في الوجود لابد أن يتألم ، لأنه قلب شاعر ، وقلب الشاعر عند فواغي لا يعمل كما تعمل كل القلوب لأن بداخله طوفان حب يتدفق مع شلال الدم في العروق، هكذا هو الحب ألم وعذاب ولوعة ، الحب هو ثورة القلب.......قلب فواغي القاسمي
انتصار عبد المنعم
مصر