
الثنائية الذاتية بين الوعي و اللاوعي
في نص دعني أتشظى بك
وجدان عبدالعزيز
الرؤية في السياق البنيوي لقصيدة (دعني أتشظى بك) للشاعرة فواغي القاسمي منقسمة تلتم في مساحة اللقاء الذي لابد منه أي منقسمة الى ثنائية ذاتية ، ذات الشاعرة وذات اخرى مفترضة في السياق اللفظي ، بيد انها مندمجة سرعان ما تذوب لتكوين التوحد متخذة مطية الاشارة الشعرية طريقا لهذا ، رغم أن العنونة تستدعي التأمل في خطابها الذي يأخذ خطين متوازيين ،خط ذو أرض رخوة وخط ذو أرض قوية ..
منطلقات الشاعرة من الأرض الأولى ابتداءا من افتراضات الشعر الحديثة في التخفي داخل أقنعة النص .. وعندما نحاول الدخول إلى عوالم القصيدة نجد وعيها حاضرا لم يتشظى بينما اللاوعي لمنتج القصيدة حينما ركب النص هو المتماهي وهنا تخلقت لدينا ثنائية مضمونية تساير الثنائية النسقية في الاستبدال بين الذات الموجودة والذات المفترضة تقول القاسمي:
(هل خدعتك مرة أصوات العنادل الهائمة؟
أو بكاء الحجل البري؟
أو تنهيدة الرياحين في غابات العبير؟
إذاَ قف على حافة هاتيك الليالي الدائخة)
هذا التوغل في حدائق الجمال لطبيعة المكان البهيجة يقابلها التشظي ثم التوحد والتماهي ..
(قسم مواجعك على نوايا الغروب
وعلل الحرف برقيق الحزن المتساقط من أهداب الحنين)
هذه الثنائية خلقت حالة من حالات التصوف والذوبان رافقها تأرجح بين الأرض الصلبة والرخوة ، جعلتنا نتأكد من وجود وعي الشاعرة ولكن نشك في ذلك بدليل قولها:
(فقط اترك ليقينك إشارة الرجوع
ودع وعيك يتراقص قبل أن تشحذ سهام حيرتك
فتخطيء الهدف ..)
من هنا أقف عن التوغل في فتح مغاليق النص بكل إشاراته عزاي في ذلك ما صرحت به الشاعرة نفسها..
(واشعل لك قناديل النشوة!)
لارتشف أنا المتلقي بهدوء من رضاب الجمال في الحلل البراقة وصور القاسمي والتي تاهت أول وهلة داخل الأعماق ثم خرجت لتضع موجهات معقلنة للنص والذي قد يفقده اللذة الشعرية لولا براعة التصوير اللاواعي الذي أخفت تحته سطوتها في كتمان ما لا تود التصريح فيه ..
(قلت لك قبلا هل تذكر!)
ماذا قالت القاسمي أكثر من هذا؟ إذن هناك الكثير المخفي ..
(... إنه يمين غموس)
(فصلاتك ليست لقبلة رشيدة)
(لابأس!
أعرني بعض اشتعالاتك لأريك كيف أخمدها
في صقيع عثراتك)
وبفنية رائعة قادت الشاعرة الجمل الطويلة ضمن سياقات القصيدة على استحياء البوح مرددة ..
(والقيض يسلبني النعاس
فابلل ذاتي الصاهدة بقطر عبورك سمائي)
ثم تُغرق لوحة القصيدة بأسئلة القلق مما يوحي بحركة انفعالها اللامتناهي من التشظي ...
(من أنت؟
لماذا؟
كيف؟
حيرة تتقاذفني وتعكسها مرآة قلبك المرهف)
هذا القلق والحيرة يتناسلان داخل القصيدة مما يزيدان كما أسلفت انفعال ذات الشاعرة برغم من هدوئها الخجول لملامسة أماكن الوجع في خارطة علاقاتها به ، لذا تخاطبه ..
(... انج إن شئت ..)
لئلا أن(... تعود طاحونة الأسئلة من جديد)
لأني(... لست أنا تلك الجزيرة
ولست أنت ذاك الـ يحتلها فاطمئن!
لماذا لم تقرأ لافتة العبور)
وكل هذا التمنع يفضحه عنوان القصيدة (دعني أتشظى بك) ليعود التوتر ثانية بقولها: (وحين تعكسني مرآتك كما أردتني
ساريحك قليلا وأتعبك كثيرا
فقد اتخذت قراري)
وظلت الشاعرة طوال هذه الرحلة تعيش صراع التخفي تارة والظهور أخرى برمزية البحث عن حالاتها المتشظية لتتوحد في ذات واحدة
(نفرغ ذاتينا في بوادق النزق)
وهكذا يبدو لنا أن الشاعرة فواغي القاسمي أصابت حظا من النجاح في معالجة التشظي
/قصيدة( دعني أتشظى بك)