مركز ستراتفورد للتوقعات الاستراتيجية ٢٠١٦

في العام ٢٠١٥ نشرت شركة التنبؤ الاستراتيجي ستراتفورد تقريرا حول توقعاتها التي تسلط الضوء حول ما سيشهده العالم خلال السنوات العشر القادمة من تطورات سياسية و اقتصادية . في حين انهمك المحللين الدوليين في محاولة توقع الأحداث الرئيسية ، قدمت ستراتفورد توقعاتها بما سوف يحدث في العقد قادم.
تعتقد ستراتفورد أن العالم في العشر سنوات القادمة سيكون أكثر خطورة مع انحسار قوة الولايات المتحدة وهناك دول أخرى ستشهد موجات من الفوضى و التراجع

١- انهيار روسيا

لن تكون هناك انتفاضة في موسكو لكن تهلهل قوتها في السيطرة على الاتحاد الروسي سيترك فراغا يؤدي إلى تشظي الاتحاد

ستؤدي العقوبات، انخفاض أسعار النفط، وانخفاض سعر صرف الروبل،ارتفاع النفقات العسكرية، وتفاقم الخلاف الداخلي إلى إضعاف سيطرة الحكومة المركزية على روسيا الكبرى مما يؤدي إلى تفتت الاتحاد الروسي بشكل غير رسمي إلى سلسلة من المناطق تتمتع بحكم شبه ذاتي ولن نرى الاتحاد الروسي في شكله الحالي."

٢- الولايات المتحدة تستخدم القوة العسكرية في تأمين المنشآت النووية

سيخلق تفكك الاتحاد الروسي خطرا على البنية التحتية الروسية للمنشآت النووية خاصة وأنها تنتشر على بقعة جغرافية كبيرة، وسيؤدي انكشاف مخازن الأسلحة النووية في ظل أخطر فراغ سياسي إلى التسبب في أكبر أزمة أمنية يشهدها العصر. حينها سيتعين على الولايات المتحدة إرسال قوات عسكرية برية لتأمين سلامة الأسلحة و الصواريخ و المواد النووية. واشنطن هي الوحيدة القادرة على معالجة الأمر لكن لن يكون باستطاعتها السيطرة بشكل كامل أو ضمان عدم إطلاق صاروخ بسبب الانتشار الكبير للمواقع العسكرية. وقد تقدم على حلٍّ عسكري يصعب توقعه اليوم لمنع إطلاق صاروخ من أي قوة مارقة ، أو محاولة تشكيل حكومة مستقرة قابلة للحياة اقتصاديا في تلك المناطق لتحييد عملية إطلاق الصواريخ.

٣- ألمانيا تواجه مشاكل اقتصادية

المعروف أن الاقتصاد الألماني يعتمد بشكل كبير على الصادرات واستفادت ألمانيا من عملية تحريرالتجارة ا عبر قارة أوروبا مما جعل لها الدور المؤثر الأكبر على أوربا و اليورو ، وهذا في حد ذاته يعرضها لأكبر الخسائر من تفاقم أزمة اليورو وضريبة تسيدها الوضع الأوربي. الاستهلاك المحلي لن يعوض ألمانيا خسائر التراجع في الصادرات إضافة إلى تراجع عدد السكان ، لذ فإنها ستمر بمرحلة من الركود الاقتصادي كما حدث في اليابان. وتضيف ستراتفورد : "إننا نتوقع أن تعاني ألمانيا من انتكاسات اقتصادية حادة في العقد المقبل"

٤-بولندا ستكون إحدى القيادات المؤثرة في أوروبا

بالنظر إلى الشرق من ألمانيا ، الأمور ليست بذلك السوء وسنرى بولندا في مركز النمو الاقتصادي و النفوذ السياسي. لن تواجه بولندا أزمات اقتصادية كتلك التي ستواجه دول أوروبا المحاذية للشريط الغربي من روسيا، بل على العكس تماما ستشهد موجة من الازدهار تقفز بها إلى مركز القيادة الإقليمية والاستفادة من تلك الهيمنة في رفع مستوياتها السياسية و الاقتصادية. الأمر الذي سيسعد بولندا في بناء علاقة استراتيجية مع الولايات المتحدة وثيقة طويلة الأمد.

٥- تقسيم أوروبا إلى ٤ مناطق أوروبية

لم يمض وقت طويل بدا فيه الاتحاد الأوروبي كقوة تاريخية يستحيل خلخلتها أو وقف نموها ، على الرغم من الحواجز السياسية و الاقتصادية بين دوله والتي تم تذويبها، واختفاء الإقليمية والقومية من الحياة السياسية في القارة الأوروبية. لكن في العشر سنوات القادمة سيبدو ذلك كأنما ذكرى من الماضي البعيد حيث ستختلف الدول الأوروبية من بعضها بشكل متزايد وتتشظى القارة إلى أربعة أجزاء : أوروبا الشرقية ، أوربا الغربية ، الدول الاسكندناڤية ، والجزر البريطانية. ستبقى جميع الدول متجاورة و بينها مشتركات عدة لكنها لن تعود كما كانت سابقا حين كان يضمها اتحاد واحد. ويضيف التقرير بأن الاتحاد الأوروبي سيبقى بشكل معين إلا أن العلاقات السياسية و الاقتصادية و العسكرية سيختلف شكلها حيث تتم وفق تحالفات ثنائية أو متعددة صغيرة محدودة وغير ملزمة.ستحاول بعض الدول المحافظة على عضويتها في اتحاد معدّل للغاية لكنه لن يمثّل أوروبا.

٦- تقارب تركي أمريكي و لكن لسبب غير متوقع – انهيار بعض الدول العربية

بعض الدول العربية تتجه نحو السقوط الحر ، و لا أمد قريب لانتهاء الفوضى ، و المستفيد الأكبر من ذلك هو تركيا كونها دولة قوية و مستقرة إلى حد ما تمتد حدودها من البحر الأسود إلى العراق و سوريا. سوف تتردد تركيا كثيرا في التدخل في صراعات المنطقة و لكن ذلك أمر لا مناص منه ، حسب التوقعات و مع ازدياد قوة و ثبات أنقرة ، سيجعل منها شريكا لا غنى عنه لأمريكا. لكن تركيا تريد شيئا في المقابل من أمريكا: خط دفاع ضد دولة قوية ذات فكر عدواني على الجانب الآخر من البحر الأسود ولها قواعد في أرمينيا ، تركيا تريد من أمريكا إبعاد موسكو عن حديقتها الخلفية. يضيف التقرير أن تركيا ستظل في حاجة إلى الولايات المتحدة لأسباب سياسية و عسكرية وستوافق الولايات المتحدة على تلبية تلك الحاجة و هذا لن يحدث دون ثمن، ألا وهو مساعدة تركيا في احتواء روسيا وهذا لا يعني أن تجبر تركيا على الدخول في حرب أو مواجهة مع روسيا و لن تقدم هي أيضا على فعل ذلك و لكن تريد من تركيا مستوى من التعاون في إدارة البحر الأسود .
٧- الصين تواجه أزمة ضخمة

ستواجه الصين عقدا من التباطؤ الاقتصادي سيؤدي إلى استياء شعبي عارم من الحزب الشيوعي الحاكم إلا أن الحزب لن يغير من سياسته ويبقى الخيار الأوحد للبقاء في السلطة للسيطرة على الفوضى هو زيادة الظلم . لكن هناك مشكلة أخرى ربما أكبر من هذه ، وهي التوزيع الجغرافي للنمو الاقتصادي ، فحين يتركز الازدهار في المدن الساحلية إضافة إلى انفتاحها على التجارة الدولية نجد أن مناطق الوسط هي الأشد فقرا و ليس لها انفتاحا على الأسواق العالمية وسوف تزداد هذه المشكلة اطراديا بتحول الصين إلى التحضر .
ويتوقع التقرير أن النمو سوف يتسارع بشكل أكبر كلما تسارع نمو المناطق المزدهرة خلف نهر يانغتسي و هذا الأمر سيحدث شرخا عميقا بين مدن الساحل و الداخل وهو مدعاة للشؤم لما قد يحدث من انقسامات عميقة. ويشير التقرير إلى أن هذه الصدوع الإقليمية كانت و لا تزال من أسباب استمرار الفوضى السياسية على امتداد التاريخ الصيني ومن غير المحتمل، و لكنه قد يكون واردا ، أن تقوم الحكومة بنقل الاستثمارات من الساحل وتحويلها إلى الداخل لاحتواء الاضطرابات السياسية.

٨- اليابان قوة بحرية صاعدة في آسيا

اليابان بصفتها مجموعة من الجزر فإنها تمتلك تاريخا من التراث الملاحي . تبني الصين الآن قاعدة بحرية خاصة بها و يُخشى أن تصبح بذلك أكثر عدائية حيث تقوم بالسيطرة على طرق الملاحة في شرق و جنوب الصين و المحيط الهندي التي تعتمد عليها اليابان ، و لم يعد أمام اليابان خيار سوى تطوير قوتها لحماية طرق إمدادت النفط و الطاقة خاصة بعد انحسار النفوذ الأمريكي ، لذا فإنها تجد أنه لا بد من الاعتماد على نفسها لحماية مصالحها. يقول التقرير :" الآن، تعتمد اليابان على الولايات المتحدة لضمان مصالحها ، ولكن حسب تنبؤاتنا أن الولايات المتحدة حاليا أكثر حذرا في التورط في المشاريع الخارجية و لا تعتمد على الواردات، ومسألة الاعتماد عليها غير مضمونة! لذا فإن اليابان قد قررت الاعتماد على نفسها في بناء أسطولها البحري.”

٩- جزر البحر الجنوبي للصين لن تبدأ الحرب .. ولكن هناك صيد

ستقرر الدول الإقليمية ما إذا كانت جزر البحر الجنوبي للصين تستحق التصعيد العسكري أم لا ، غير أن احتمالية اشتعال صراع عسكري كبير ستبقى حاضرة. إن صراعا على جزر صغيرة كهذه تتنج طاقة منخفضة التكاليف لن يكون قضية رئيسية في المنطقة . بدلا من ذلك ستبرز أدوار اللاعبين الثلاثة ، روسيا التي انهكت قواها ستفقد القدرة في الدفاع عن مصالحها البحرية هناك ، بينما ستحاول كل من الصين و اليابان امتلاكها ومنع الآخر منها . إن الخطط الاستراتيجية للقوة العظمى الخطيرة ستعود إلى شرق آسيا حتى و إن لم يؤدي ذلك إلى نزاع .مسلح في بحري الصين ، الجنوبي و الشرقي

١٠ – الصين تتشظى إلى ١٦ دولة

سوف يتباطأ النمو في الاقتصاد الصيني و يبلع معدل النمو درجة التوقف وسيكون هذا التراجع خبرا جيدا لبعض الدول ، فالعمالة ذت المستوى المنخفض في مجال التصنيع الذي كانت الصين تستحوذ على الحجم الأكبر منها سوف تهاجر إلى دول أخرى ناشئة اقتصاديا يبلغ تعداد سكانها أكتر من مليار نسمة.
في ظل التراجع الاقتصادي في الصين والذي سيؤدي بدوره إلى عواقب سياسية وخيمة لا يمكن التنبؤ بها ، تبرز على واجهة الازدرهار و العمل والتصنيع دول أخرى كالمكسيك ، نيكارجوا ، جمهورية الدومينكان، بيرو ، إثيوبيا ، أوغندا ، كينيا ، تنزانيا ، بنغلاديش ، ماينمار ، سيريلانكا ، لاووس ، ڤيتنام ، كمبوديا ، الفلبين ، و أندونيسيا.

١١- تراجع نفوذ الولايات المتحدة

بعد أن عمّت الفوضى العالم و أصبح من الصعب التنبؤ بمآلاتها ، الولايات المتحدة تصغي إلى صوت الحكمة و تعيد ترتيب أولوياتها في العالم .وستحاول التعامل مع التحديات لمصلحتها بدلا من اتخاذ الدور القيادي في حل مشاكل العالم.
مع النمو الاقتصادي، ارتفاع انتاج الطاقة المحلية، تراجع الصادرات، وسلامة اتخاذ الركن الأكثر أمنا واستقرارا في العالم، ستعمل الولايات المتحدة على تحصين نفسها ضد الأزمات العالمية
هذا الدور الذي ستتخذه الولايات المتحدة بجعل نفسها أكثر تحفظا سيجعل من الصعب التنبؤ بما سوف يحدث في العالم و لكن الواقع أن الدول الأخرى ستعتاد على التعامل مع الوضع الجديد
يقول التقرير : “ إن الولايات المتحدة ستبقى القوة الأكبر في العالم سياسيا و اقتصاديا و عسكريا ، لكنها ستكون أقل تدخلا مما مضى ، سيكون العالم أكثر فوضى بغياب "الحارس" عن مناطق عدة . و الثابت الوحيد الذي سيستمر هو القوة الناضجة للولايات المتحدة ، القوة الأقل ظهورا في العالم لعقود قادمة.

المصدر:

http://uk.businessinsider.com/stratfor-predictions-for-the-world-in-10-years-2015-6?r=US&IR=T

​