***************
(1)
على ذات المقهى
رشفت قهوتي ببطء شديد
و بعثرني الشرود
هو
ذات المقهى
الذي أعاد لي ذكرى الرحيل
/
أسندت رأسي على الطاولة
لأستعيد شريطا من ذكرياتي الآفلة
و استغرقت كثيرا
و شردتُ كثيرا كثيرا
:
:
صدح عصفورق بجانبي
أيقظني من شرودي
سقط من يدي الفنجان
كسر على رصيف المقهى
تناثرت شظاياه
مبعثرة على أرض المقهى
و تبعثرت روحي معها
ارتجفت ..
تفتت قلبي كشظايا الفنجان
و طفقت أستجمعه
في محفظة حياتي
ليتساقط منها أيضا
فقد مزقتها شظايا الذكرى
فكرت أن أترك المقهى
و أرحل مني
كي لا أضيعني
في شظايا فنجان ذكرياتي...
/
(2)
لكن
ريحا عابرة مرت بجانبي
تحمل عطرا لا يزال يسكنني
يضمخ ذاتي و ذكرياتي
بألوان قوس قزح
أطياف تلج في دائرة فكري
ترسمني ... تبعثرني .. تلملم أشيائي ...
آه ٍ مني ..
أين أنا .. أين كنتُ .. إلى أين سوف أكون ..
ضجيج يصخبني ... يصرخ بي .. يمزقني ..
أسقطت رأسي بين كفي ..
تتشبث أناملي بخصلات شعري
تلك التي انسدلت على حقيقة وجهي ... تخبئني مني ..
إلهي ... كيف أستوقف هذا الصخب ...
سقطت نظراتي سهوا ..
تجمعت على شظايا الفنجان المبعثرة ...
على رصيف ذاك المقهى ..
تكوين .. تكوين ... تكوين ...
و تبدأ أشكالٌ في التكوين ...
أعرفها .. أستيقنها ... تلك الذكريات المنصهرة في داخلي
الممتزجة بنبضي ... المتشربة روحي ...
ينتصب هو لي من خلالها ...
أخفي وجهي ... يرتفع الضجيج بداخلي ...
أخفي رأسي ... يرتفع أكثر ...
أخفي قلبي .. يرتفع أكثر فأكثر .. كيف أهرب منه ..؟!!
أصرخ ...
من يوقف صخبي ... من يبعد عني شظاياه ...
تعبت / تعبت / تعبت ...!!
أريد أن استجمع روحي المبعثرة ....
/
(3)
اخترقتني نظرات قاسية
سقطت في قعر القلب
خفق بشدة
تفرعت
نشبت بزوايا الروح
لهيب يصهرني
يستنزفني
يعيدني إلى جحيم ذكرياتي
خيال لا يبارحني
ألصقَ وجهه بي
يداه التفتا تطبقان علي
تعتصراني
أكاد أختنق
أسمع طقطقات ضلوعي
تصخبني .. أتحطم
أستجدي الخلاص
تتدافع يداي بعيدا عني
ويبقى ملتصقا بي
عيناي تتصاعدان .. تتسلقان الأمد
لا أريد أن أراه
لقد دفنت ذكراه في مقبرة الروح
سكناه الذي كان
و لا يزال
سقطت يداي على الطاولة
ضجيج ارتجت له أنحاء المقهى
عيون بلا عدد تجمعت حولي
تحيطني من كل اتجاهاتي
تحملق في عيني الزائغيتن
مخيفة ... مرعبة
أسدلت أستار عيني كي لا أراها
عتمة أعادتني
إلى رصيف المقهى
حيث شظايا الفنجان
أرجعتني
إلى ذاتي من شرودي
لتوقف شريط الذكرى
/
/
(4)
صوت النادل بجانبي
" سيدتي "
قالها و يد ٌ تمتد نحوي
كجذور شجرة عقيمة
موغلة في أرض حدباء
تلتف عروقها
كأنها أفاع ٍ
توشك أن تلتهم أنفاسي اللاهثة
" هل أصابك ِ مكروه ؟!"
تقترب يده
لتلمس يديّ
يزعم تهدئتي
انتزعتهما مسرعة
خبأتهما في جيوب معطفي
و ارتجاف ٌ يفضحهما
و يزلزلني
" مشروب مثلج ,
كوب آخر من القهوة الساخنة,
كأس من شاي النعناع ,
شيء من كوكتيل ... "
و طفق يعدد مكرماته
حين أنا مغلقة أذنيّ
و لا أرى غير ذاك السواد
يلف أفقي
و معه رأسي يدور
دورانا بعكس دوران الأرض
فقد كنت حينها
على مرفأ خارج
دائرة الكون
و الموج يتخبط بي
صعودا ..هبوطا
يرنحني
ذات اليمين و ذات الشمال
/
/
(5)
نظرات حدقتيه المخيفتين
تشي بأمر ما
توجست قلقا ً
من تلك الابتسامة الشاحبة
التي تكشف عن أنياب
ذئب يقتنص اللحظة
ليوقعها ضحيته
/
دس في حقيبتي المشرعة للريح
ورقة صفراء
و لم ينبس بحرف
و همّ بالانصراف
خطوتين ثم التف
و قال :
" دققي النظر و اعملي الفكر
في النقطة الأخيرة
يكمن السر "
ثم اختفى كسراب
/
لا أزال مشدوهة
برموزة
بحضوره .. باختفائه
ارتعشتْ يداي و هما تمتدان إلى الحقيبة
تلك التي لا تزال فاغرة فاها
تندلق الأشياء منها
تتبعثر على الطاولة و الرصيف
/
اجتر قلقي .. و استوقف ارتباكي
و أستل الورقة الدفينة
من بئر رعب هواجسي
لا تشبه ورقا أعرفه
و لا حروفا أألفها
و لا رموزا صادفتها عيناي
/
ارتج الكون بي للمرة المليون وواحد
و الغموض يلفني بدثار كثيف
و تنحجب أنوار الرؤية
عن شاطىء سكوني
/
/
هدأة للنفس لا بد منها
كي تستقر نفسي
على مرافىء راحتها
لأعود
(5)
تتمزق تلك الورقة المهترئة
الصفراء بين أناملي
المرتجفة
و تحاول عيناي الزائغتان
فك طلاسم ذلك المجهول
طرقات في الذهن تعيد ما قاله
" النقطة / السر "
اشتعال بداخلي يبحث عن تفسير
و صواعق الغموض تعصف بما تبقى من تماسك
أمواج عاتية و هدير صاخب
يقتلع سكينتي
تسمّر بصري على تلك النقطة المصمتة
في ركن الكتابة المهجور
بدأت تتساقط شيئا فشيئا
قطرات حمراء و سوداء و ألوان مبهمة ملتهبة
و مخالب تنشق منها تمتد نحوي لتمزقني
تتشكل يعاسيب تحوم حولي .. تجمهرَ طنينها
كزئير عاصفة غاضبة
دوامة ريح تحتفي بفريسة مذعورة عاجزة
و الغنوص يحطم أضلعي و يسد منافذ الهواء و يحجب النفَسْ
تلتف بي مشرعة أشواكها للغرس في جسدي المنهك
كرماح فرسان على صهوات العاديات الموريات شررا
يأخذني خدر الروح في غيبوبة الهروب
حيث الدروب الموحشة ... و العتمة المتوحشة
أتساقط كهشيم رماد نثرته رياح الخريف المرجفة
على رصيف متشرذم لتمتلىء شقوقه
/
طرقات كطبول الحرب المرعبة على باب غرفتي
توقظني من ذلك الكابوس
الذي أغرقني في نهر عرق و حمى ارتجاج قلب
كاد أن يفر من مكمن احتوائه
النهاية