قال لي صديق مازحا ذات مرة ـ " الشعر هذه الأيام لم يعد شعرا ، لقد أصبح فرعا من علوم الأحياء مختصا بنضوج الغدد و الهرمونات ..! "
أعجبني كثيرا هذا الوصف الذي يجسد الحالة الشعرية المعاصرة أو بمعنى أدق الحالة الانفلاتية التي يمر بها كل من امتلك قلما يكتب به أو أصابعا يضغط بها على لوحة مفاتيح الحاسوب .
و لكي يكون النص مستحقا الثناء و الإطناب في المدح و الوصف و الإعجاب يجب أن يكون الكاتب قد تناول في كتابته و بالكثير من الإسهاب وصف التغيرات البيولوجية التي لمسها في بطلة النص مرورا بالحالات الخاصة بتدفق الهرمونات و توثب الغدد لإفرازاتها الخاصة و ما يترتب على ذلك من استجابات فسيولوجية و بيولوجية و (مخجلوتية) ، متعمدا مع سبق الإصرار و الترصد استخدام ما يستطيع تذكره من المفردات الغرائزية و الشهوانية و الحيوانية التي تخرجه من حالة الإنسان المتعقل إلى ما يشبه الثور الهائج !
و لأن تجرأ أحد على سؤالهم عن سبب إقحام هذه الحالات الشبقية في النص الأدبي بصورة متكلفة و متعمدة بشكل يثير الاشمئزاز بعيدا عن سلاسة الأسلوب و انساقه الأدبية ، يجيبك إنها السوريالية و لحظة انفجار النص و تشكيل الصور الغرائبية و ما إلى ذلك من الجمل التي يتناقلونها و يحفظنوها عن ظهر قلب للتصدي لأي هجوم متوقع ، و الأدهى من ذلك يعمد إلى وصمك بالرجعية و الديناصورية و اتباع أثر بعير الفراهيدي و غير ذلك من أسلحتهم الهجومية التي إن دلت على شي فإنما تدل على مدى الخواء و النقص الذي يعانيه هؤلاء الذين يحاولون التسلق على أمجاد الشعر و الشعراء.
لقد كتب نزار قباني شعرا جميلا في المرأة و خرج عن المألوف الاجتماعي في حينه و استخدم من الألفاظ ما يصف به مفاتن المرأه و لكننا لم نلمس تكلفا أو إقحاما لأي من تلك الألفاظ لمجرد فقط الخروج عن المألوف بل أن ما جاء به نزار أضاف جمالية و عذوبة و رقة للقصيدة ، بعكس تلك الصور القبيحة التي تغرق نصوص المحدثين في هذا العصر الخلاسي ، فلم يعد المجتمع يميز بين المثقف و المتثاقف بعد أن حصل كل فرد فيه على صك العبور إلى جنة الأدب و الشعر و أصبحت الثقافة مزيجا بين ما وصل إلينا من الغرب و بين الإرث العربي ، بل ضاعت الهوية العربية في خضم التشوهات التي ينز قيحها من الجرح الثقافي العربي .
أزمة الشعر المعاصر أزمة حقيقية و أخلاقية بعد أن أصبح الخط الأحمر بدون لون و امتلأ الوطن بأولئك المتشاعرين الشبقين و كل يرى نفسه أن لا شبيه له سواه .سلام على الشعر حين كان ، سلام عليه وهو يحتضر ، سلام على إرثكم يا عرب .