كان المساء بالأمس حالما شجيا
صادف ليلة الأحد ...وكان الجو يميل إلى البرودة التي تدنت إلى درجتين مئويتين فقط متشبعة بذلك الضباب اللندني البارد كمثلهم . جلست وزوجي على طاولة تحت عمود تدفأة بمقهى يشتهر بعمل (الكريب) على ناصية شارع جيمس القريب من محل سيلفريدجز الشهير بوسط لندن لتناول بعضا من الـ ( الكريب) الساخن بعد ساعة من رياضة المشي أضعناها في لحظة من ضعف مقاومة ذلك الكريب اللذيذ .
جلس إلى جانبنا عجوز ثمانيني و زوجته و لا أعلم سر هذا الجذب الغريب بيني و بين هذه الفئة العمرية التي أعشقها بكل تفاصيلها – نظر الزوج إلى طلبنا على الطاولة ثم طلب من النادل أن يأتيهم بذات النوع الذي كان عبارة عن كريب بالأناناس و الجبن و آيسكريم الفانيلا و فنجانين من قهوة الإيسبريسو الإيطالية السوداء – فأنا لا أحب أن يخالط طعم القهوة أية منكهات دخيلة و أستمتع بشربها سوداء بطعمها المر كالحياة .
التهمنا الكريب بسرعة تعادل حجم الجوع الذي أورده البرد إلى جوفنا ، بعدها أخرجت هاتفي الآيفون للتصوير كالعادة ، حيث تتملكني جدا هذه الهواية التي تتسبب لي بالكثير من المشاكل مع جهاز اللابتوب الذي يمتلئ بصور علي صيغة الإتش دي كبيرة الحجم فيعرقل كفاءته و سرعة عمله .
نظر الزوج إلينا و نحن نلتقط تلك الصور فأخرج من جيب سترته جهاز الآيفون خاصته و أخذ بالتقاط صورا لزوجته التي كانت تبدي بعض الدلال كي تبدو في أجمل حالاتها . بعدها عرض علينا خدمة تصويرنا معا فقبلنا عرضه بكل سرور فأخذ هاتفي ليلتقط لنا صورا لا تحصى مقرنا عمله بعبارة لطيفة ( يوو آر فوتوجينك) تبسمنا له وشكرناه و من باب الأدب سألته إن كان يرغب بالتقاط صورة تجمعه مع حبيبته .. رد بالقبول فورا و كأنه كان يرسم لهذه اللحظة الرومانسية حين قدم عرضه :) .
ترك مقعده ليعانق زوجته و هما يبتسمان بشكل يوحي بمدى الحميمية التي تجمعهما برغم ظهور تضاريس الزمن و تعرجاته على وجهيهما و التي تحكي عمرا من الألفة ، الحب ، التعود ، الحياة و الذكريات الجميلة . كانا فرحين كطفلين باغتهما المطر في طريق عودتهما من المدرسة ... و كنتُ أكثر سعادة منهما و أنا أرى كيف يثبّت الزمن بمروره وشائج الصلة و المحبة بين قلبين لتتعمق في شرايين الحياة و أزقة العمر وشرفاته العتيقة لتنبت زهور حب ينمو و لا يذبل .
تبادلنا معهما أطراف حديث عابر و عبرت لهما عن إعجابي بهما و بجمال تلك السيدة الأنيقة التي حرصت على ارتداء فستانا جميلا يليق بليلة الأحد و بعضا من مساحيق التجميل الناعمة التي أضفت على وجهها نعومة تذكرها بأيام الصبا و الشقاوة . ما أجملهما …! و يالهما من عاشقين رائعين …! و كم أنا ممتنة لهما إذ منحاني لحظة من البهجة أغرقت قلبي بلون وردي يحاكي زهر الكرز الذي يكسو أشجاره في هذا الموسم العذب في شهر نيسان … شهر الحب.
١٥ /٤ /٢٠١٢