خيانات متواصلة و خسارات مستمرة فمتى يستفيق شيعة العرب!
توترت العلاقات بين المملكة العربية السعودية و إيران إثر إعدام رجل الدين الشيعي السعودي نمر باقر النمر . وتصدرت وسائل الإعلام تصريحات خارجة عن أدب الديبلوماسية على لسان كبار المسئولين الإيرانيين بما فيهم السلطة الأعلى في إيران آية الله خامنئي . كما تردد صدي تلك التصرحات على ألسنة الموالين لإيران من شيعة العرب و صبيانها.
تصريحات غير مسئولة ساندتها اعتداءات همجية على سفارة و قنصلية المملكة العربية السعودية في طهران و مشهد . ولمن هو على دراية بالنظام الثيوقراطي الإيراني يعلم جيدا أن تلك الجموع التي قامت بمهاجمة الهيئتين الديبلوماسيتين لا تتحرك إلا بإشارة من مرشدها وتأمين من الحرس الثوري وهو ما التقطته عدسات المشاهدين على أرض الواقع.
يخطئ من يعتقد اليوم أن بإمكانه تشويه الحقيقة أو إخفائها أو وضع اللمسات التجميلية عليها في ظل سلطة خامسة فرضت وجودها في العالم الافتراضي و أحدث به تغييرات على مسرح الحياة ، إنها نعمة التواصل الإجتماعي التي تصبح لدى البعض نقمة ويعتبرها الآخر أداة هدم و تخريب
لماذا انتفضت إيران و ذيولها في المنطقة على مقتل النمر وهو مواطن سعودي إلى درجة أدت بالمملكة العربية السعودية إلى قطع علاقاتها مع جارة يفرضها الواقع الجغرافي؟ سيزول هذا التساؤل إذا ما عرفنا أن نمر النمر أمضى عشر سنوات في الحوزة العلمية بقم وتتلمذ على أيدي أعتى صفوية إيران وعاد إلى بلده كخنجر مسموم في الخاصرة الشرقية للملكة ينادي بانفصالها و اتحادها مع مملكة البحرين لتصبح ولاية تابعة تحت سلطة الولي الفقيه في إيران.
تعيدنا الذاكرة إلى تاريخ الخيانات الوطنية إلى زمن المستعصم العباسي ووزيره الشيعي أبو طالب محمد بن أحمد بن علي، مؤيَّد الدين الأسدي البغدادي (593- 656هـ/ 1197- 1258م)،والذي يعرف بإسم ابن العلقمي وتآمره مع هولاكو على غزو بغداد وكان الأكثر ثقة وقربا من الخليفة المستعصم فأولاه منصب استاذ الدار و هو المنصب الذي يخوله بإدارة الخلافة فاستغل ابن العلقمي تلك الثقة و المنصب وكاتب هولاكو يستحثه على غزو بغداد فوقعت أكبر مجزرة عرفها التاريخ في ذلك العصر حيث راح ضحيتها مليوني عراقي مسلم على يد المغول و امتلأت الأرض بجثثهم حتى لم تجد من يدفنها ففر هولاكو وجيشه خوفا من الطاعون و روائح الجثث المتعفنة .
ولم يكتف المغول بالقتل بل دمروا حضارة بغداد التي كانت منارا للشرق و الغرب وصنعوا من الكتب و المخطوطات النادرة التي كانت تضمها مكتبتها جسرا لعبور خيولهم إلى الضفة الأخرى من النهر .
مؤامرة ابن العلقمي مع هولاكو هي التي تعاد اليوم على يد أحفاده الذين يتآمرون اليوم مع إيران الفارسية لكي تحتل أوطانهم العربية لتصبح ولايات تابعة لولاية الفقيه في قم . و أوضح مثال لذلك هو ما يحدث في العراق و يحاول بعض أحفاد العلقمي تطبيقه في بلاد عربية أخرى كاليمن و لبنان والبحرين و السعودية والكويت وسوريا ومحاولات مستميتة في الشمال الأفريقي والسودان و دول أفريقية و لا يزال المسلسل مستمرا ما لم يتصدّى له المخلصون من أبناء الأمة.
سبقت خطوة التآمر مع المغول خطوة ذات أهمية كبرى حين عمد ابن العلقمي على إضعاف الجيش و تقليص النفقات وتسريح الجنود حتى أصبح تعداد الجيش في عصر المعتصم عشرة آلاف جندي في حين كان في عصر المستنصر الخليفة الذي سبقه أكثر من مائة ألف مقاتل. وهنا تحضر أمامنا الجريمة التي ارتكبها العدوان الأمريكي بتآمره الفاضح مع رجال الدين الشيعة في العراق بتسريح الجيش العراقي وإضعافه حتى تحول من صفة أقوى الجيوش العربية إلى أضعفها على الإطلاق !
والجريمة الثالثة التي ارتكبها ابن العلقمي في مسلسل خيانته العظمى هو استغلال ثقة الخليفة المستعصم به فأخذ بتثبيطه عن مواجهة جيش هولاكو ونهي العامة عن التصدي له وإقناعه المستعصم بالخروج إلى مصالحة هولاكو موهما إياه أنه ذلك فيه حقن لدماء المسلمين على أن يكون نصف خراج العراق للمغول، ونصفه للخليفة فصدقه الخليفة و خرج في سبعمائة من أتباعه حتى إذا ما وصل إلى هولاكو قتله شرّ قتله. هنا أيضا نتذكر موقف رجل الدين الشيعي آية الله السيستاني الذي أفتى بحرمة مواجهة المحتل الأمريكي في العراق فكان أن دُمر العراق بيد مغول العصر و سُلّم لقمة سائغة للعدو الفارسي ليكمل على ما تبقى من حياة في هذا البلد العربي العريق.
عيّن هولاكو ابن العلقمي حاكما صوريا على بغداد وتابعا لسلطته ولكنه بقي ذليلاوضيعا يتقبل الإهانات ليس فقط من هولاكو نفسه بل حتى من صغار جند المغول بعد أن كان الآمر الناهي في عهد المستعصم بالله العباسي. ويروي السبكي -رحمه الله- طرفًا من تلك الإهانات فيقول: "وأما الوزير -أي ابن العلقمي- فإنه لم يحصل على ما أمَّل وصار عندهم أخس من الذُّباب، وندم حيث لا ينفعه الندم، ويحكي أنه طُلِب منه يومًا شعير، فركب الفرس بنفسه ومضى ليُحصِّله لهم، وهذا يشتمه وهذا يأخذه بيده، وهذا يصفعه. و طرقت باب داره مرة امرأة فقالت له: (يا ابن العلقمي، هكذا كنت تركب في أيام أمير المؤمنين! فخجل وسكت، و مات غَبنًا بعد أشهر يسيرة من خيانته لوطنه وخيانة ثقة الخليفة المستعصم به. وهذا الموقف يعكسه اليوم الواقع الأليم في العراق و الذل الذي تمارسه إيران على أولئك الحكام الصوريين الذين تعينهم في بغداد العروبة.
بعد وفاة العلقمي بمائتي عام تقريبا ظهر اسماعيل الصفوي مؤسس الدولة الصفوية في إيران التي دخلها غازيا فخضعت له و كان أهلها على مذهب أهل السنة و الجماعة فأجبرهم على التشيع الصفوي و ارتكب المجازر ضد كل من لم يتحول إلى مذهبه وتسجل كتب التاريخ أنه قتل حوالي مليوناً من أهل السنة في إيران في بضع سنين. لقد جمع اسماعيل الصفوي بين الغلو في مذهبه و التكفير و الدموية فقتل علماء الدين السنة وحرق كتبهم ففرّ منهم من فرّ قابضا على دينه و هو أول من سنّ لخطباء المساجد لعن الصحابة و زوجات الرسول وكان يجبر كل من يسمعها أن يرددها و إلا قُطّع جسده بالسيوف و الرماح حتى الموت
استحدث البكائيات في ذكرى مقتل الحسين عليه السلام و ابتدع ظاهرة التطبير (شق الرؤوس بالآلات الحادة وضرب الظهور بالزناجيل ( ضرب الظهور بالسلاسل حتى إسالة الدماء) و اللطم على الوجه و الصدور ولبس الأسود منذ بداية محرم وحتى العاشر منه و تحريم الزواج في هذا الشهر وإحياء مناسبة مقتل الحسين بالأشعار البكائية والسجود على التربة الحسينية وكان اسماعيل الصفوي يهدف بها التمييز بين السني و الشيعي لكنها أصبحت في ما بعد من مسلمات التشيع كما
و قام بحرف اتجاه القبلة بحجة أن السنّة يصلون إلى قبلة خاطئة وأجاز السجود للإنسان أو القبر. وكل هذا لا يزال يمارس في إيران حتى اليوم ويمارسه كذلك غلاة الشيعة من العرب ممن يدينون بولائهم للولي الفقيه في قم.
كما استحدث اسماعيل الصفوي بدعة ضرورة دفن الميت في النجف مما تسبب في التمثيل بجثث الشيعة التي تتعفن في الطريق قبل الوصول إلى النجف فنشط تجار الموت الذين عمدوا إلى تجفيف تلك الجثث قبل نقلها .
كان اسماعيل الصفوي يعتبر نفسه ظل الله في الأرض تماما كما هو اليوم بالنسبة للولي الفقيه في إيران وكان يأمر جنوده بالسجود إليه . وفي إيران اليوم يعتبرون الولي الفقيه في حالة العصيان مقدم على الله تعالى فيمكن لأتباعهم عصيان الله و لكن محرم عليهم عصيان الولي الفقيه.
كانت دول المشرق العربي تخضع للسيادة العثمانية التي كانت بمثابة الدرع الواقي و حائط الصد أمام الغزو الصليبي و أوقفت طلائع البراتغاليين من الوصول إلى القدس و احتلالها ، فما كان من اسماعيل الصفوي إلا أن بدأ حروبه مع الدولة العثمانية لشق صف الأمة فعمد إلى افتعال اضطرابات في الجهة الشرقية و باغت جيوش العثمانيين من الخلف مما دفع السلطان العثماني سليم الأول إلى ملاقاة الصفويين في حروب استمرت لسنوات عديدة أنهك فيها الجيش العثماني و أعيقت فتوحاته في أوربا لنشر الإسلام.
بعد وفاة اسماعيل الصفوي تولى إبنه "طهماس" الحكم فاستعان بحاكم بلغاريا في مواجهة الدولة العثمانية ودخل مع السلطان سليمان القانوني في حروب شرسة ساومه فيها من أجل الصلح أن تتخلى الدولة العثمانية عن بغداد لصالحه من أجل توقيع اتفاقية سلام و هذا الأمر رفض رفضا قاطعا من قبل السلطان سليمان القانوني فاستمرت الحروب بين الطرفين حتى بعد وفاة السلطان سليمان.
ودخل بغداد غازيا فقتل الصالحين من أهلها بحجة أنهم "نواصب" وهو اللفظ الذي يطلق على أهل السنة، و كان ينبش قبور علماء السنة ويخرج عظامهم ويحرقها وإذا قتل أميرا من الأمراء أباح زوجته و أبنائه و ما يملك لمن يريد ففرّ الكثير من أهل بغداد إلى الشام و مصر . وهنا نتوقف مرة أخرى عن حال أهل العراق اليوم وما تمارسه إيران الصفوية بحقهم و فرارهم من وطنهم وتشردهم في بقاع الأرض.
بعد طهماس تولى شاه عباس الحكم في إيران وكان لطيفا ليّنا مع النصارى ، فظا شرسا على أهل السنة . يقول المؤرخ الشيعي عباس إقبال : "لم يكن الشاه عباس فظا علي غير أهل السنة من دون أتباع سائر المذاهب فقد جلب أثناء غزواته الأرمينية والكرج نحو ثلاثين ألف أسرة من مسيحي هذه الولايات إلى مازندران وأسكنهم بها كما رحل إلي أصفهان خمسين ألف أسرة من أرمينيا وبني لهم مدينة جلفا علي شاطيء نهر زاينده رود وأنشأ لهم فيها الكنائس وشجعهم علي التجارة مع الهند والبلاد الخارجية بأن أعطاهم الحرية الكاملة". ويذكر شاهين مكاريوس (تاريخ إيران ص 154) أن الشاه عباس أصدر منشورا إلي رعاياه يقول فيه: "إن النصارى أصدقاؤه وحلفاء بلاده وأنه يأمر رعاياه باحترامهم وإكرامهم أينما حلوا " و فتح الشاه موانئ بلاده لهؤلاء التجار وأعفاهم من الرسوم علي بضائعهم وألا يتعرض أحد من الحكام أو الأهالي لهم بسوء
لقد اتسم العهد الصفوي بتحالفات عديدة مع القوى الإستعمارية و تمهيد الطرق لها لاحتلال الخليج العربي ويعتبر اسماعيل الصفوي أول المتآمرين على تمزيق الأمة الإسلامية فبعد هزيمته أمام السلطان سليم في موقعة جالديران وقع اتفاقية مع الحاكم البرتغالي تنص على ما يلي:
١- يقوم الصفويون بحملة على القطيف و البحرين تصاحبهم قوة برتغالية لحمايتهم
٢- تقدم الحكومة البرتغالية العون للدولة الصفوية في إخماد الحركات التحررية في بلوشستان و مكران
٣- تتحد حكومتي البرتغال وإيران الصفوية في مواجهة الدولة العثمانية.
٤- تتخلى الدولة الصفوية عن جزيرة هرمز لصالح البرتغال وتكتفي بوجود حاكم صوري فقط ويخضع للسلطة البرتغالية
كما وقع اتفاقية أخرى مع حكومة البندقية التي كانت محاصرة من قبل الدولة العثمانية تمهيدا لفتحها ، بأن تقوم حكومة البندقية بالهجوم على الدولة العثمانية بحرا و تقوم الدولة الصفوية بالهجوم البري بحيث تستعيد البندقية (فينيسيا) قواعدها على البحر الأبيض المتوسط . كذلك بعث برسائل إلى حكومتي أسبانيا و المجر لطلب توقيع معاهدة صداقة وتعاون للاتفاق على مهاجمة الدولة العثمانية وقدم لحكومة أسبانيا عرضا بتقاسم أراضي الامبراطورية العثمانية بحيث تحصل أسبانيا على الجزء الأوروبي منها و تستولي الدولة الصفوية على الجزء الآسيوي.
كما تحالف اسماعيل الصفوي مع الانجليز في سيطرتهم على الخليج العربي و شجع البرتغاليين و الهولنديين على التجارة في بندر عباس القريب من مضيق هرمز وأرسل الكثير من سفرائه إلى الدول الأوربية لتوقيع اتفاقيات ثنائية أدت جميعها إلى تمزيف جسد الأمة الإسلامية و انحسار المد الإسلامي في أوروبا و توقف الفتوحات.
وتتواصل الأحقاد الصفوية ضد الأمة الإسلامية و المنطقة العربية بشكل خاص وتجهد إيران في تجنيد حلفائها من الخونة أحفاد ابن العلقمي ليكونوا خناجر مسمومة في جسد الوطن حيثما كانوا في سعي حثيث خبيث لفرض هيمنتها على المنطقة العربية مستغلة "مظلومية الشيعة" لدغدعة مشاعر المغيبين من شيعة العرب لخدمة قضيتها القومية ولا يزال هناك من العرب من يؤمن بها و بولاية الفقيه برغم عروبة دمائهم وأعراقهم وكأنما لم يقرأوا تاريخ ابن العلقمي و نهايته المزرية و لم يعلموا شيئا قط عن النوايا الصفوية ولم يروا المآسي التي أحدثتها الهيمنة الفارسية على العراق وعلى شعبه ولم تستثن منهم سنيا أو شيعيا ، فالتهمة واحدة وهي أن دمائهم عربية!
وفي النهاية عودا على بدء … خطاب إلى شيعة العرب ، إيران لا تبكي نمر النمر لأنه كما تصفه طالب حق و أن إعدامه جاء من باب إخماد حرية الرأي فإيران آخر من يتحدث عن هذه الحرية و هي التي تعلق المشانق في الشوارع و الميادين العامة لكل من يحاول التعبير عن رأيه فكرا أو قولا أو فعلا ، شيعة كانوا أم سنة والدليل ما يحدث في الأحواز العربية التي ترزح تحت نير الإحتلال الفارسي و يعتنق شعبها العربي المذهب الشيعي .
تنام هذه الإمارة على بحر من النفط بينما يعيش أهلها تحت مستوى الفقر و تمارس فيها إيران جريمة الإعدام ضد كل صوت يخرج يطالب ببعض الإصلاحات الاجتماعية أو السياسية أو يعبر عن رأيه بما لا يتوافق و أسطورة الولي الفقيه . فكيف لمن يمارس هذا التعسف والقمع بأشد أشكاله وحشية أن ينتقده على غيره ؟ إيران تصعّد من قضية نمر النمر لاستثارة شيعة العرب و تحريضهم لإثارة الشغب و زعزعة الأمن في بلادهم وممارسة الإرهاب الذي تعتبره حربا مقدّسة ضد "النواصب" كما تسميهم لتهيئة الوضع كي تنفذ مخططها الشيطاني في الاستيلاء على أوطاننا العربية. ومن كان يظن أن إيران سوف تكافئه على خيانته وولائه، فليتذكر ما حدث للخائن ابن العلقمي وليتذكر ما فعله اسماعيل الصفوي بالعرب .