اليوم يسدل الستار على أعياد جنيف لهذا العام ... فكّـة !
لكل بلد في العالم أعياده الوطنية و التراثية و القومية و الثقافية و غير ذلك من الأعياد الخاصة بالبلد ،و لعل أشهر الأعياد الثقافية/ الفنية هو كرنفال ريو البرازيلي ، و لكن لجنيف أيضا عيدها الخاص الجميل سابقا و الفوضوي حاليا .
قبل أكثر من عشرة سنوات كنا نحضر هذا العيد فنستمتع بمسيرات الورود الجميلة التي تأتي على شكل عربات مزينة بالورود و تمثل أشكالا معينة كالقصص الخرافية و مظاهر تراثية من جميع أنحاء الجمهورية السويسرية ، كما يتضمن المهرجان يوما للموسيقى و الرقص حيث تجوب فرق الرقص المحترفة من مختلف البلدان العالمية شوارع جنيف و يشاركها المسيرة و الرقص عدد من المحتفلين بالعيد ،
أما في الليل فتزدان بحيرة جنيف الرائعة بالألعاب الترفيهية الضخمة القادمة من جميع أنحاء أوروبا و يتم تركيبها على ضفاف البحيرة لفترة الأعياد فقط . يسهر الناس في مرح و سعادة حتى ساعات الصباح الأولى
و تنشط تجارة بيع السلع التذكارية و مواد الاحتفالات كبخاخات الرغوة و قصاصات الأوراق الملونة ( كونفيتي) و باروكات الشعر الملونة و الذهبية و الفضية ، و بعض المفرقعات البسيطة ،
فإذا ما كنت سائحا غريبا مثلا و رغبت في (التسكع ) على البحيرة مع المحتفلين فلا تندهش إذا ما وجدت أحدهم قد قام برشك بالرغوة أو قصاصات الورق الملون أو رمى تحت قدميك بعض المفرقعات التي تحدث صوتا و لا تؤذي ، فإن التفتّ إليه ستسمع عبارة ( ( C'est la fêteأي إنه العيد بمعنى لا تغضب وتقبل المشاركة في المزاح... حينها لا تملك إلا أن تبتسم له ابتسامة الرضى و تمضي .
يستمر العيد هكذا لمدة أسبوع تقريبا يكون ختامه مسابقة الألعاب النارية التي تشارك بها الدول الأوربية و بعض دول العالم يحدد فيها الأجمل عرضا ويمنح جائزة التميز في المهرجان .هذا الكلام كان سابقا ،
أما حاليا فقد تغير الأمر بعد الغزو العربي لهذه البلدة الجميلة ، فتغيرت ملامح الأعياد و لم تعد تلك التي كنا نألفها و نستمتع بجمالها ، فقد أصبحت الفوضى رمزا لهذه الأعياد و أصبحت الأسلحة النارية غير المرخصة تحسم الخلافات بين الشباب في ارتياد الألعاب
و نشطت سياحة اللصوصية من دول شمال أفريقيا خاصة الذين يأتون من جميع أنحاء فرنسا فقط لغرض سرقة أثرياء العرب ،
و أتذكر قصة تلك السيدة العربية التي سرقوا حقيبتها بما فيها من نقود و بطاقات إئتمان بنكية إضافة إلى جوازات السفر التي تخص عائلتها و المرافقين من الخدم ، فأصبحت تشكو حالتها بصورة مؤلمة وهي ترى نفسها خالية الوفاض من كل شيء في لحظة مرّت كبرق خاطف ،
إنها حادثة مأساوية تتكرر بشكل شبه يومي في جنيف هذه السنين بينما كانت جنيف سابقا من أكثر البلاد أمنا و جمالا و ارتياحا
إذا أردت أن تجد لك مكانا في مقهى على البحيرة لتناول مشروبا باردا أو بعض الأيسكريم أو القهوة ،فقد تمنيت المستحيل ، و إن أمنيتك برؤية ليلة القدر قابلة للتحقق أكثر من هذه ، لأنك لن تجد ذلك الكرسي البلاستيك برغم أن المقهى لا يجلس عليه إلا بعض المستخدمين من الهنود أو الفلبينيات ، و كل فرد من هؤلاء يحتكر طاولات بعدد من الكراسي لا يقل عن 12 كرسي و إذا استأذنته بالجلوس لمدة 5 دقائق فقط يرد عليك بالقول ( نووو ، هازا مال أرباب ـ الحين يجي يجلس ) هذا يعني أن كل عائلة خليجية أو مجموعة من الشباب يتركون المستخدم الهندي يحجز لهم الطاولات بامتداد الليل و يحرم الآخرين من الجلوس عليها لتناول مشروباتهم ولو لخمس دقائق فقط .
و صاحب المقهى لا يملك الحق في طرده حسب القانون السويسري الذي يستغله ( جماعتنا) أبشع استغلال و قد تنبهت مقاهي لندن لمثل تلك التصرفات المشينة فأصبحت تفرض رسوم استخدام المكان بمعدل خمسين جنيه استرليني لكل نصف ساعة تزيد عن نصف الساعة الأولى ـ فحدّت بذلك من استغلال العرب لمعنى المقهى .
هذا ما يخص المقاهي على البحيرة ، أما الأزياء التي ترتديها الفتيات و الفتيان على حد السواء فحدث و لا حرج إنها مثال للسخرية ، حيث تجد الألوان الفاقعة و المزركشة و التي لا تمت لبعضها البعض بصلة ، إلا من رحم ربي ، أما الأحذية فهي إما رياضية أو صنادل طبية تساعد على المشي الذي سوف يستمر بامتداد الليل ، و تتباهى الفتيات باقتناء أحدث موديلات حقائب اليد و أغلاها سعرا ، فإذا صادف أن جلست بقرب طاولة إحدى العائلات الخليجية سيصل إلى سمعك ، شئت أم أبيت ، (معلقات) المباهاة و التفاخر التي تلقيها كل فتاة على الأخريات بشأن عدد حقائبها و ماركاتهن و أسعارهن الخيالية التي تصل إلى أكثر من عشرة آلاف دولار للحقيبة الواحدة أحيانا ، ثم تستمع إلى التعقيب بعد ذلك بأن العيد قد انتهى و بالتالي انتهت موضة تلك الحقائب التي ستكون من نصيب الخادمات الفليبينيات !
أما إذا أردت نوعا آخر من المتعة فما عليك سوى تشغيل ( البلوتوث) من جهاز هاتفك النقال فقد لا تتمالك نفسك من الضحك و السخرية على تلك المسميات التي يسمون بها أجهزتهم ، إضافة إلى رقم الهاتف للتواصل ، و أحيانا تجد من يكتب ألفاظ سباب أو ألفاظا قبيحة في رد أعوج على أولئك المتحرشين من الشباب .
حتما تريد أن تجرب الألعاب... وهناك تبدأ المعارك في طوابير الانتظار التي تنتهي في بعض الأحيان إلى اقتياد المتخاصمين إلى السجن أو المستشفى بسبب حدوث إصابات بلغية تعدت مرحلة المشادات الكلامية .
و كما هي العادة في الملاهي فإننا نسمع الأغاني التي ترافق تشغيل تلك الألعاب لإضفاء جو من السعادة و المتعة و هذا ما يحصل أيضا في جنيف لكن مع فارق بسيط هو أن الأغاني في معظمها عربية إلى جانب انتشار أكشاك بيع الألبومات خاصة لهيفاء وهبي و نانسي عجرم و أليسا و غيرهن من عجائب هذا الزمان!
يستمر المولد على البحيرة حتى ساعات الصباح الأولى و لن يكون مفاجأ لك إذا ما أغرقك أحدهم برغوة الصابون ليس كمثل الحالة التي ذكرتها سابقا ، بالقطع لا فالغربي يرش قليلا من الرغوة التي تتبخر سريعا عن ملابسك أما العربي فحاتمي الطبع لن يرضى إلا بإغراقك من رأسك حتى إخمص قدميك و يملأ عينيك أيضا بها لدرجة أنك تحتاج بعد ذلك إلى طبيب عيون يصف لك علاجا لفترة ليست بالقصيرة ، و هذه حالة أصابتني شخصيا حيث حرّمت بعدها النزول إلى جنيف حتى انتهاء فترة الأعياد و رحيل غزاة بني يعرب عنها .
تىستمر الليالي الفوضوية تلك لمدة أسبوعين كاملين يحدث ما يحدث فيها حتى و إن حاولت المشي على ضفة البحيرة الخاصة بالعرب فقط من باب الفرجة لا أكثر، فأنك سوف تحتاج لآليات شق الطرق ليتسنى لك المرور ،فالمسيرات الهزلية التي تحدث هناك توحي بصفة الحجيج و لكن لجهة غير الكعبة ، إنه الحج إلى جنيف في أعيادها السنوية لا لشيء سوى للمظاهر الفارغة و المقيتة و المخجلة .
و إمعانا في سخرية الغرب من العرب و استغلال سذاجتهم تجد واجهات محلات المجوهرات و قد امتلأت بعروض الساعات و القلائد النسائية النفيسة التي تحمل صور أمراء الخليج كنوع من استدراج السائح الخليجي لاقتنائها كهدايا يعود محملا بها في عودته لبلده ( اللــــــــه ! هذي صورة شيخي فديته !) ، تبا لتلك السذاجة .
كما و تنشط مهرجانات الغناء لمطربي العرب .. بعض الناجحين و أغلب الفاشلين ، فتنشغل صالات الفنادق بتلك السهرات لمطربين أقلهم معروفين و أغلبهم مغمورين و لا أعلم كيف يستطيع أولئك الحجيج عمل توازن بين تسكعهم في مولد البحيرة و بين سهرات المطربين يوميا ! إنهم لا يشعرون بالإرهاق أبدا ، يبددون نهارهم في النوم تماما كالخفافيش فلا يستفيقون قبل العاشرة ليلا ، و بالكاد تجد وجها عربيا علي بحيرة جنيف قبل هذا الوقت أما بعد العاشرة ليلا فبالكاد تجد وجها غربيا بين جيوش بني قحطان الغازية!
لقد انقسمت البحيرة تلقائيا إلى ضفتين ، ضفة شرقية لبني يعرب و ضقة غربية للأوروبيين مخالفة بذلك مبدأ القومية العربية القائل ( لا شرقية و لا غربية) ! و نادرا ما تجد أوروبيا في الضفة الشرقية أو عربيا في الضفة الغربية ( الاختلاط بهؤلاء محرم حسب فتوى شيوخنا الأفاضل) فأصبح لكل مكانه الذي يشعر بالارتياح فيه فلا ضرر و لا ضرار ، و ابعد عن الشر و غني له ، و هذا مبدأ الغربيين و ليس بني يعرب الذين يؤمنون بعكسه .
و إذا ما نظرت إلى أرصفة الشارع المقابل للبحيرة ستجد (معارض ) السيارات الرياضية الفاخرة التي تبلغ قيمتها ملايين الدولارات و تحمل أرقاما مميزة ، و بالطبع جميعها أرقام خليجية و يصبح التنافس على أشده بين أولئك الشباب ، أيهم تستقطب سيارته الأنظار أكثر من الآخر ، و للأسف أغلبهم من أبناء عائلات معروفة ينقلون صورة مبتذلة عن بلدانهم لا تنم سوى عن مركبات نقص و تطبيق لصورة محدثي النعمة ! أما السواح الأجانب فيكتفون بالتقاط الصور التذكارية إلى جانب تلك المركبات الفخمة و حينها تنتفخ أوداج صاحبها بابتسامة عريضة تنم عن رضى نفسه بما حققه من لفت للأنظار ! و يظهر إلى جانب سيارته و هو يرتدي ملابس أقرب ما تكون إلى ملابس مغني الجاز أو المهرج و يزين معصمه بساعة لا تقل ثمنا عن ثمن مركبته بينما نجد السائح الغربي يستمتع بالعيد و هو يرتدي ملابسه الرياضية البسيطة التي تناسب حالة المشي على بحيرة جنيف الساحرة ...
لماذا يا ترى يحدث هذا من أبناء العرب ؟ إنهم ما دخلوا دولة إلا أفسدوها و جعلوا من أنفسهم و كل من يمت لهم بصفة الانتماء العرقي مسخرة للآخر ! لماذا لا يحاول هؤلاء نقل صورة جميلة و مشرقة عن بلدانهم كما فعل أجدادهم حين نقلوا الحضارة العربية الإسلامية إلى ربوع أوروبا فبددت ظلام الجهل و التخلف .
إننا حقا أمة سادت ثم بادت .. و بليز يا جماعة جنيف ، إلغوا هالأعياد اللي خربوها ربعنا و فكونا عاد ...!
الأحد 9 أغسطس 2009