في إشبيلية زرت قصر الملك الصالح المعتمد بن عباد ، و هو عبارة عن قمة في الذوق و الجمال يكاد كل حجر فيه أن ينطق بروح بن عباد و يحكي تاريخه و تتدفق أشعاره من خلال أروقته و حدائقه الغناء و برك المياه الرائعة ، وجدتني أنجذب عميقا في تاريخ هذا الملك الذي خلده التاريخ في الحكمة و السياسة و العدل و خلده الأدب كشاعر يطاول سماء ثامنة ، كانت روحي تنعجن في أجواء ذلك القصر مع ذكريات لطالما عشقتها و تاريخ محفور في القلب و الذاكرة
.
و المعتمد بن عباد ، (431 - 488 هـ،1040 - 1095م )، أحد ملوك الطوائف الإحدى و العشرين الذين تقاسموا حكم الدولة الأموية في الأندلس ، حكم منطقة إشبيلية حكما عادلا و سمي بالملك الصالح ، دخل في حروب مع يوسف تاشفين الذي حاول الاستيلاء طمعا على مملكة اشبيلية و يذكر له أنه نزل المعركة دون درع يحميه سوى قميص أبيض فأصابه أحد الجنود برمح تظاهر بأنه مات بتلك الضربة و حين اقترب منه الجندي انقض عليه وقتله و حين دعاه أحد المشفقين عليه للمصالحة قال قصيدته المشهورة :
قالوا الخضوع سياسة....... فليبد منك لهم خضوع
وألذ من طعم الخضوع ...... على فمي السم النقيع
قد رمت يوم قتالهم ......... ألا تحصنني الدروع
وبرزت ليس سوى القميص .....عن الحشا شيء دفوع
أجلي تأخر لم يكن ............ بهوايَ ذلي والخشوع
ما سرت قط إلى القتال ........ وكان من أملي رجوع
شيم الأولى أنا منهمو ....... والأصل تتبعه الفروع
و نظرا لكونه ملكا صالحا و عادلا ، فإن ذلك لم يرضِ البطانة الفاسدة التي كانت تحيط به ، فتعرض للخيانة من أقرب المقربين له ، حيث أسلمه ليد يوسف تاشفين الذي نفاه إلى المغرب ثم إلى أغمات وسط الصحراء المغربية وبقي سجين هناك في منزل من الطين هو وعائلته حتى وافتهم المنية .
قال قصيدة المؤلمة الخالدة في سجن أغمات يرثي الحال التى آل إليها ، أنقلها هنا دون أن أقرأها ، فأنا حين أقرأها تنتابني حالة من البكاء المر ، لذا فاعذروني إن وجدتم بها خطأ
فيما مضى كنتَ بالأعياد مسرورا
............... و كان عيدك باللذات معمورا
وكنت تحسب أن العيد مسعدةٌ..
.............. فساءك العيد في أغمات مأسورا
ترى بناتك في الأطمار جائعةً..
................ في لبسهنّ رأيت الفقر مسطورا
معاشهنّ بُعَـيد العزّ ممتهنٌ..
................يغزلن للناس لا يملكن قطميرا
برزن نحوك للتسليم خاشعةً
.. ..................عيونهنّ فعاد القلب موتورا
قد أُغمضت بعد أن كانت مفتّرةً..
................. أبصارهنّ حسيراتٍ مكاسيرا
يطأن في الطين والأقدام حافيةً..
..............تشكو فراق حذاءٍ كان موفورا
قد لوّثت بيد الأقذاء واتسخت..
...............كأنها لم تطأ مسكاً وكافورا
لا خدّ إلا ويشكو الجدب ظاهره..
...........وقبلُ كان بماء الورد مغمورا
لكنه بسيول الحزن مُخترقٌ
.. ........وليس إلا مع الأنفاس ممطورا
أفطرت في العيد لا عادت إساءتُه..
.........ولستَ يا عيدُ مني اليوم معذورا
وكنت تحسب أن الفطر مُبتَهَجٌ..
............ فعاد فطرك للأكباد تفطيرا
قد كان دهرك إن تأمره ممتثلاً..
.........بـِـمَا أمرتَ وكان الفعلُ مبرورا
وكم حكمت على الأقوامِ في صلفٍ..
..............فردّك الدهر منهياً ومأمورا
من بات بعدك في ملكٍ يَسُرّ به..
..............أو بات يهنأ باللذات مسرورا
ولم تعظه عوادي الدهر إذ وقعت
......... فإنما بات في الأحلام مغرورا
في العام 1970 بني ضريح يضم قبر الملك المعتمد بن عباد إلى جانب إبنه و حبيبته زوجته اعتماد الرميكية و زين الضريح بقصائد من قصائده الجميلة
رحم الله الملك المعتمد بن عباد أروع ملوك الأندلس و أكثرهم عدلا و صلاحا ، شهيد التآمر الآثم من قبل المقربين و ضحية أطماع الطامعين في الملك و المال .