وطنٌ ذبيح يا أيها الوطنُ الذبيحُ من الوريدِ إلى الوريد، ألا يَمَلُّ الموتُ من تجواله ما بين شريانٍ وآخر؟ ماذا فعلت به ليغدو عاشقاً وكأنما يا أنت غانيةٌ جميلةْ؟ خامرتُ لذات الحياةِ جميعها وشربتُ كاساتِ المنونِ بسُمِّها ونقيعِها، ونُفيتُ من قلبي أهيمُ على الصَّقيعِ وفي الفيافي في متاهات الحقيقةْ. سافرتُ في الأزمانِ ترحالاً أحطُّ على العروبةِ في المشارقِ والمغاربِ في تعاريج العصورِ تخطُّها أمجادُ أمتنا العريقةْ. وأحاورُ التاريخَ منتصباً على كلِّ المنائرِ في المدائنِ والكنائسِ في النواقيسِ العتيقةْ. لأغيب في الذكرى وأُبعَثُ من جديد، ويعود لي ذات السؤال: أين العرب؟ أنا ها هنا في غربةٍ صمَّاءَ يخنقني هدير الأسئلةْ. هذا العماءُ يدكُّ ذاكرتي ويُحْكِمُ حولَ أسئلتي الحصارَ فلا نوافذَ للجوابِ أو الحوار، وأتيه يصلبني الضياعُ على جدار المعضلةْ. الموتُ يشربُ نخْبَهُ القاني بكأسٍ من جماجمَ أو ركام، ويحطمُ الأقداحَ يهزأ بالشواءِ وبالرمادِ وبالدخان.. يا طواحين الحقيقة يا صراع الأجوبةْ، مات السؤالُ على ضريح الاحتمال، رحل الزمانُ من المكان.. حلَّ الخواءُ ترهَّل الوطنُ الجريح، مِزقٌ هنا مِزقٌ هناك وفي الشروخِ عواءُ ريح، يا أيها الوطنُ المعبَّدُ بالجماجمِ والدماء: لا تنتظر لا لن يعود المعتصم ولن نرى أبداً عُمَر، واليوم ماتت نخوةٌ وكرامةٌ لبني العرب، وبموتها... مات العربْ مات العربْ. 16/2/2015 أيا سائلي عن شحوبِ المساءِ وصمتِ الليالي، فكيف أجيبُ وقيثارة الروح تعزف حزني، تبعثرني في أجيج الرزايا فتسكبُ سُمَّ النحول بقلبي ليغدو الفضاءُ خواءً وكلُّ المحاسنِ تغدو خطايا.. ووحدي أُرتِّب أجزاءَ كَوْني، أداري حنيني بظلِّ النوايا فأسقط في جُبِّ ذكرى تعيد إليَّ الشريطَ القديمَ، لقاء البراءةِ خلف الفناءِ الأنيقِ الفسيحِ بيوم حميمٍ همَى في الشعورِ ربيعاً خفيّاً لتنبتَ سوسنةٌ من عبيرٍ فتنمو وتكبر بين الحنايا.. ومرت سنون افترقنا كلانا ولم ندرك العمر يعدو بنا كعدْوِ الأيائلِ فوقَ السُّفوحِ، ودرات طواحينُ ذكرى لقانا ضجيجاً يهُزُّ بجذعِ الزمانِ ويرعشُ ثقلَ احتمال الصبايا.. وذات مساءٍ على غفلةٍ من عيونِ الرقيبِ التقت نظرتانا وما كان ذاك الفناءُ القديمُ، كبرنا.. وما عاد ذاك المكانُ ولكنَّ ذكراهُ ما غادرتنا، فعادت تحومُ بنا من جديدٍ تؤججُ ذاك الشعورَ الحميمَ وتفضحُ سراً نما في الخفايا.. أتعلم أني نسيتُ أنام!! جلستُ على ضفَّةِ الوقتِ أرنو انثيالَ الظلامْ، فأسمعُ بين دبيبِ الثواني أنينَ السواقي وسحرَ الحكايا، وأشعلُ حزني شموعاً تضيءُ دهاليزَ قلبي، وأصلبُ صبري بكلِّ الزوايا أعدُّ احتضاراته من جديدٍ على مذبح الشوق بين الضلوعِ، يجوسُ شريداً ربوعَ الخلايا.. أراك بدمعِ الشموعِ تذوبُ وترقبُ طيفاً يجوب المرايا فتسأل ذاتك في حيرةٍ: ترى من يكون؟ فهلاَّ تيقنت أنَّ الحنينَ سميرُ الشموعِ وأنَّ الطيوفَ انعكاسُ الشجونِ وما كان طيفُ المرايا سوايا ويسألني الماءُ عني وعنك وكيفك أنتَ؟ فماذا أجيبُ وكيف أقلِّمُ حزناً تراكم بين الشغافِ وروحي تراودُ بعضَ النثيثِ لتطفي لظاها لأخفي ملامحَ ذاك الشعورْ. ولكنَّ غابةَ صمتي الكثيف تعبئني في فراغ الظنونِ كجدولِ ماءٍ تشقَّقَ في ضفتيه اليباسُ وأمحل من شهقةٍ للزهورْ. يسافرُ شوقي إلى حيثُ أنتَ، إلى ظلِّنا المستجيرِ بأهدابِ نخلةِ أسرارنا، إلى سربِ ذاك اليمامِ الذي يردِّدُ في الفجرِ أشعارنا، إلى شرفةِ الحبقِ العاطرة، وسحر العبيرْ. أتعرف ماذا؟ رأيتك بالأمسِ تأتي إليَّ تجرُّ سحاباً من الأغنياتِ كغرناطةٍ في ليالي السحر وشدو السميرْ. وصوتُ اللُّحُونِ يسيلُ طروباً من الطرقاتِ، من الشُّرُفاتِ، وأنَّ كلينا على ذات مقهىً قديمٍ قديمٍ وأنَّ ابن زيدون كان هناكَ وولاَّدة وزرياب في حُلَّةٍ من أثيرْ. رأيتُ ملامحنا في المدينة، نقوش تزين جدرانها وأشعارنا قصائدنا الظامئة تطوف بنا على صفحة النهر في الأندلس، يعمِّدنا الماءُ في نشوةٍ بضوءِ انهمارِ النجومِ يعانقُ وهجَ انسكابِ القمر، على وقع ترنيمةٍ للخريرْ. أتعلم أن مرايا الغديرِ تراني.. ترانا فأيُّ انعكاسٍ لذاتي وأيُّ انعكاسٍ لذاتٍ تراكَ فما كنتُ إلاَّك فيها بحزني وما كنتَ إلاَّي فيها تخبئ في مقلتيك الغيابَ وتسدلُ فوق أنين النوافذِ صمتَ الحريرْ. تمهَّل.. فدونك في البعدِ موتي ودون انتهائي صهيلُ الهجيرْ ارحل، لعمريَ إني كنتُ واهمةً ما عاد شيءٌ من الأشعارِ يشجيني ولا الزمانُ الذي قد كان يؤنسنا هو الزمانُ الذي ذا اليوم يطويني فلا عهودُ الهوى والبينُ ثالثنا تشفي الجراحَ التي جزَّتْ شراييني مزَّقتُ ذكراكَ يا من كنتَ نافلتي ويا كتاباً من الآياتِ يَهْدِيني صارعتُ في لجَّة الآهاتِ بوصلتي طــوراً توافقني، طــوراً تعاديني حتى أضعتُ جهاتي.. أيُّها قدري والفقدُ ينحتُ أشلائي ويكويني كأنني في مهبِّ العمرِ شاردةٌ على حشودٍ من الأحزانِ تذروني أسمّرُ الليل في صنّاجةٍ أفـَلَتْ وأنشبُ الوهمُ في ظلِّ العراجينِ كم للفواغي التي ضاعت بمنضدتي يا قلب ذكرى، بها غُصَّت عناويني! ما بين هذي وتلك العين حائرةٌ من أيها اليوم يا ذكرى.. تواتيني! وفي الفؤادِ انتظارُ الجمعِ يعصرني أعبِّئُ الوقتَ في صبري، ويشقيني فأنتقي العذرَ تلو العذرِ آملةً أن يشخب المرُّ أعسالاً تواسيني باتت كؤوسيَ بالآلامِ طافحةً وكنتُ يوماً أساقيها فترويني قد كنتَ بين ضفاف العمرِ رابيةً سحر الخمائلِ بالأشعارِ يغريني فيا رياحين هاتيك الربى سلماً حلَّ الوداعُ.. فرفقاً لا تجافيني بيني وبينك في عُرف الرياضِ هوىً لا يصبحُ الوردُ أشواكاً فتدميني اليومَ تصفرُ ريحُ الهجرِ نائحةً والبُومُ ينعقُ في أرجاء تكويني حيرى.. أعبّـِدُ بالتسهيدِ صومعتي يمضي بيَ الوقتُ لا يفنى.. فيفنيني يلفُّ طيفك ساحاتي، يؤرِّقني كي يسفكَ الحلم في دربِ الطواحينِ ارحل، ودعني لشأني لستُ آبهةً علِّي أرتِّبُ أجزائي.. ويكفيني ما لروحي تنبري من وجدها وهي من تُنعتُ "ذات الجدنِ"؟ غابت الأفراحُ عني وغدت تنهشُ الأحزانُ ليلَ الموهنِ بتُّ أشكو من ضرامٍ بالحشا أحرمُ العينين عذبَ الوسَنِ واشتكتْ حتى وساداتي لِمَا هالها من حرِّ ما قد مسَّني قرَّحَ العينين دمعٌ ساكبٌ وأنينٌ صاخبٌ مزقني آهِ من حبٍّ نما في داخلي فإذا السَّهمُ انبرى يقتلني ناكراً ميثاقَ ودٍّ بيننا حين حِفْظُ العهدِ عندي ديدني لم أخُن يوماً عهوداً للهوى لا ولم أسلُ وداداً ضمَّني كيف جافى عهده حين نأى تاركاً قلبي بجرحٍ مثخنِ؟ كلنا صرعى صبابات الهوى ليتني ما كنت يوماً... ليتني يُسهدني عصف تباريحٍ كمُريدٍ أرَّقه الوجدُ يصرخُ في ليلِ صبابته مددٌ يا أنتَ.. أنا المددُ فتراودُ فكريَ هلوسةٌ ويكادُ يفارقني الرُّشْدُ والطَّيفُ يراودُ أخيلتي يسكبني الوجدُ ويرتدُّ لألملم ذاتاً خائرةً والكونُ فضاءاتٌ جَرَدُ وأرتِّب نظماً يثملُها وعلى قافيةٍ تستندُ "يا ليلُ الصبِّ" ألا رفقاً كم بالإصباحِ لنا بَدَدُ؟ كم مِن لحظاتٍ يائسةٍ مرت مثقلةً، يا وعدُ؟ وأراني الهائمة الحيرى يتساقط صبريَ والجَلَدُ ونديمٌ يثملني عشقاً يدنيني طوراً ويصدُّ يا قمرٌ ما بالك ساهٍ تتركنا حيناً وتـــردُّ نبقى والحلم يهدهدُنا فيتيه الشوقُ ويحتدُّ إذ أنَّ الموعدَ في فلكي مصلوبٌ يعصرهُ السُّهدُ رقَّاصُ الساعةِ أرقبهُ يدنو بالقرب ويرتدُّ يرمقني، يسخرُ من قلقي يهتزُّ.. فيطغى بي أمدُ يقتاتُ الليلُ بأنحائي ولهاً وحنيناً ويعدُّ فالليلُ بخارطتي مهدٌ للقلبِ يؤرجحه السّهدُ فإذا ما ليلُ الشوق دنا وتراقصَ في فرحٍ وجدُ أسرعتُ أرتِّبُ مائدتي يغمرها بالفَوْعِ الوردُ ونبيذٌ حارَ بكأسينا ينتظـر شفاهاً تتقـدُ لا نعرف كيف نُخبّئُنا وعيون الفجر لنا رَصَدُ فكأنَّ الصبحَ يهـدِّدنا برجيم الوقت ويحتدُّ وشفيفُ النورِ يداعبني الفجرُ رحيمٌ إذ يبدو "يا ليلُ الصبّ متى غده" هل بالإصباح لنا وعدُ؟ شاخت على كلِّ الدروبِ ربابُها واستعصرت ألماً كساهُ ضبابُها ينثالُ ملحُ الدمعِ يغرقُ سيحَها ما أورقتْ من جدوليه يبابُها ماذا ترومُ من المسيرِ وقد نأى عن وجهةٍ حيرى فَضَلَّ صوابُها؟ لو أنها حسبت سعيرَ رحيلها كم يصطليها فقدُها وعذابُــها لتناثرت ورداً على القلبِ الذي قد أُوصِدَتْ في عذرهِ أبوابُها ولآثرت وجدَ المــريدِ عبادةً يحــوي ترانيمَ الهوى محرابُها يا صبحها المكسور ينزفُ ليلها فتشـيبُ أسئلةٌ يَحــارُ جوابُـها كم تشتهي تلك الكؤوس بلهفةٍ ما لامسَ الثغرَ الشهيَّ حبابُها ألَّا يفارق لـذةً لشــرابها مُذْ خــالطَ الصهباءَ منه رضابُها شوقاً إلى تلك المساءاتِ التي حفلت بكلِّ شــرودها الـ ينتابُها ينداحُ في الخدِّ النديِّ حرارةً لـــون المغيب تظلِّه أهدابُــها سعفاتُ نخلٍ إذ يداعبها الهوى تسبي لُبَابَ العاشقين حرابُها أصغت إلى وجعِ النحيبِ بصدرها كصواعقِ المجهولِ كان مصابُها وتلمَّست بشَغَافِ قلبٍ لم يزل تشقيه من دنيا الهوى أسبابُها فرنت إلى المجهولِ تنسجُ حزنَها كعبـاءةٍ لــفَّ الأنينَ غرابـُـها كانت كنوَّارِ الربيعِ بغنجها واليوم تنزفُ بالمواجعِ غابُها ذبُلتْ بدوحِ الرَّوضِ بسمتُها التي يشجي تقاسيم الجوى إطرابُها رحلت تجرُّ الصوتَ من شفةِ المدى ما عاد يُجدي في الرجوعِ عتابُها رحلتُ إليكَ يا وجدي لأني يمزقني الحنينُ بكلِّ شِعْبِ هجرتُ لأجل حبكَ كلَّ أهلي وأوطاني، وخلاني، وصحبي وما وطأت خُطايَ نعيمَ أرضٍ ولا ضمَّ الغرامُ فسيحَ رَحْبِ وما نزفَ القريحُ لغير ودٍّ ولا خطَّ اليراعُ لغيرِ حبِّ لئن أَفَلَتْ نجوميَ مثقلاتٍ فنوركَ مشرقٌ ذاتي ودربي نظمتُ إليكَ أشعاري عقوداً وألبستُ الربيعَ ورودَ قلبي فماجَ الروضُ بالألحانِ سحراً وأطيــافاً تهــيمُ بكــلِّ دربِ فخذ ما شئتَ من روحي فداءً وكلَّ سكينتي وجميعَ لُـبِّــي فكُلِّي فيكَ مُتَّـحِــدٌ بكُـــــلٍّ وروحكَ في شراييني تُلبِّي عشقتكَ، والهوى في الوصلِ نورٌ ونهرُ من زلال السّكبِ يُسبي أرِحني من تباريحي فإني بغيركَ ما ارتضيتُ بوصلِ قُربِ وأقسمُ ما تفيأ في فـــؤادي سواكَ، وشاهدٌ في ذاكَ ربي ولولا ثلاثٌ يقتسمن صواعقي لتاهت خُطىً مـمَّا يليها وما عدا حـريقٌ ينزُّ الجـرحُ منه صبابةً وسترة أيوبٍ من الصبر ما ارتدى ولكنْ.. بروقٌ في متاهةِ غربتي تُبدِّدُ ما اعتلَّت به عتمةُ المدى ألا فاسألوا عني الدِّيارَ بربكم لَكَمْ خانت الأقدارُ دربي فما اهتدى أعبِّئُ نجوى الليلِ في طيفِ سامرٍ ينادمني من همسِهِ راجعُ الصدى وتسري بيَ الآهاتُ وهي كسيحةٌ فيعصف بي وجدٌ به الحلمُ شُيِّدا أهادنُ في صمتي حرابَ مواجعي فتفضحُ أفنان الهوى منه ما بدا أبُثُّ لها الشكوى بـــ ياليت والمنى وبالأملِ المعقودِ في شهقةِ الندى حنانيكَ يا من في الضلوعِ مقامُهُ لقد أضرَمتْ ذكرى بعادكَ موقدا فأضحت مهاميزُ الفراقِ بمهجتي تؤجِّجُ سرّاً ما استكان ليَخمُدا لنحيا بريعانِ الهوى وارتحاله يؤرجحُ فينا الشوق من حيثُ ما ابتدا فلا تجعلنَّ النأيَ يحرُثُ وصلَنا فكم ضوّعت فيه المقاديرُ موعدا لترسو على برِّ الغرامِ شراعُنا وتجرفُ بالتيارِ كيداً وحُسَّدا فإن كان في عُمري لذاكَ بقيةٌ رهنتُ لها قلبي إلى موعد الرَّدى نقشتُ على الأيامِ شِعري بعَبْرةٍ تسوقُ حشودَ العاشقينَ إلى الهدى لنا الحبُّ نيسانُ الفصولِ وزهرُه وأنغامُ عزفِ العندليبِ بما شدا وما العمــرُ إلَّا قاحـلٌ بغيابهِ يـبَابٌ به عاثَ الصقيعُ وبـدَّدا تطوفُ بنا الأيامُ وهي رتيبةٌ تراودُ عن أفراحنا أمسِ أو غدا فعِشْ حاضراً في جنةِ الحبِّ كونه لريعانِ قلبِ المرءِ في العمرِ سيِّدا فلا أورقت في غربةِ الهجرِ دوحةٌ إذا ضاعت الأحلامُ في غابـِها سُدَى |
المؤلف
|